سورة البقرة / الآية رقم 110 / تفسير تفسير القرطبي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ألَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداًّ مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ

البقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)}
قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}. فيه مسألتان:
الأولى: {وَدَّ} تمنى، وقد تقدم. {كُفَّاراً} مفعول ثان ب {يَرُدُّونَكُمْ}. {مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} قيل: هو متعلق ب {وَدَّ}.
وقيل: ب {حَسَداً}، فالوقف على قوله: {كُفَّاراً}. و{حَسَداً} مفعول له، أي ود. ذلك للحسد، أو مصدر دل على ما قبله على الفعل. ومعنى: {مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} أي من تلقائهم من غير أن يجدوه في كتاب ولا أمروا به، ولفظة الحسد تعطي هذا. فجاء {مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} تأكيدا وإلزاما، كما قال تعالى: {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ}، {يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ}، {وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ}. والآية في اليهود.
الثانية: الحسد نوعان: مذموم ومحمود، فالمذموم أن تتمنى زوال نعمة الله عن أخيك المسلم، وسواء تمنيت مع ذلك أن تعود إليك أو لا، وهذا النوع الذي ذمه الله تعالى في كتابه بقوله: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} وإنما كان مذموما لان فيه تسفيه الحق سبحانه، وأنه أنعم على من لا يستحق. وأما المحمود فهو ما جاء في صحيح الحديث من قوله عليه السلام: «لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار». وهذا الحسد معناه الغبطة. وكذلك ترجم عليه البخاري {باب الاغتباط في العلم والحكمة}. وحقيقتها: أن تتمنى أن يكون لك ما لأخيك المسلم من الخير والنعمة ولا يزول عنه خيره، وقد يجوز أن يسمى هذا منافسة، ومنه قوله تعالى: {وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ}. {مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} أي من بعد ما تبين لهم الحق لهم وهو محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والقرآن الذي جاء به. قوله تعالى- {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {فَاعْفُوا} والأصل اعفووا حذفت الضمة لثقلها، ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين. والعفو: ترك المؤاخذة بالذنب. والصفح: إزالة أثره من النفس. صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه. وقد ضربت عنه صفحا إذا أعرضت عنه وتركته، ومنه قوله تعالى: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً}.
الثانية: هذه الآية منسوخة بقوله: {قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} إلى قوله: {صاغِرُونَ} عن ابن عباس.
وقيل: الناسخ لها {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}. قال أبو عبيدة: كل آية فيها ترك للقتال فهي مكية منسوخة بالقتال. قال ابن عطية: وحكمه بأن هذه الآية مكية ضعيف، لأن معاندات اليهود إنما كانت بالمدينة.
قلت: وهو الصحيح، روى البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركب على حمار عليه قطيفة فدكية وأسامة وراءه، يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، فسارا حتى مرا بمجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول- وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي- فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفي المسلمين عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر ابن أبي أنفه بردائه وقال: لا تغيروا علينا! فسلم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم وقف فنزل، فدعاهم إلى الله تعالى وقرأ عليهم القرآن، فقال له عبد الله بن أبي ابن سلول: أيها المرء، لا أحسن مما تقول إن كان حقا! فلا تؤذنا به في مجالسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه. قال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله، فاغشنا في مجالسنا، فإنا نحب ذلك. فاستتب المشركون والمسلمون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخفضهم حتى سكنوا، ثم ركب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يا سعد ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب- يريد عبد الله بن أبي- قال كذا وكذا» فقال: أي رسول الله، بأبي أنت وأمي! اعف عنه واصفح، فو الذي أنزل عليك الكتاب بالحق لقد جاءك الله بالحق الذي أنزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك، فذلك فعل ما رأيت، فعفا عنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله تعالى، ويصبرون على الأذى، قال الله عز وجل: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيرا}، وقال: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ}. فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتأول في العفو عنهم ما أمره الله به حتى أذن له فيهم، فلما غزا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدرا فقتل الله به من قتل من صناديد الكفار وسادات قريش، فقفل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه غانمين منصورين، معهم أسارى من صناديد الكفار وسادات قريش، قال عبد الله بن أبي بن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان: هذا أمر قد توجه، فبايعوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الإسلام، فأسلموا.
قوله تعالى: {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} يعني قتل قريظة وجلاء بني النضير. {إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ} تقدم. والحمد لله تعالى.
قوله تعالى: {وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} جاء في الحديث: «أن العبد إذا مات قال الناس ما خلف وقالت الملائكة ما قدم». وخرج البخاري والنسائي عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله». قالوا: يا رسول الله، ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليس منكم من أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله. مالك ما قدمت ومال وارثك ما أخرت»، لفظ النسائي. ولفظ البخاري: قال عبد الله قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الله عليه وسلم: «يكم مال وارثه أحب إليه من ماله» قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال: «فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر». وجاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه مر ببقيع الغرقد فقال: السلام عليكم أهل القبور، أخبار ما عندنا أن نساءكم قد تزوجن، ودوركم قد سكنت، وأموالكم قد قسمت. فأجابه هاتف: يا ابن الخطاب أخبار ما عندنا أن ما قدمناه وجدناه، وما أنفقناه فقد ربحناه، وما خلفناه فقد خسرناه. ولقد أحسن القائل:
قدم لنفسك قبل موتك صالحا *** واعمل فليس إلى الخلو سبيل
وقال آخر:
قدم لنفسك توبة مرجوة *** قبل الممات وقبل حبس الألسن
وقال آخر:
ولدتك إذ ولدتك أمك باكيا *** والقوم حولك يضحكون سرورا
فاعمل ليوم تكون فيه إذا بكوا *** في يوم موتك ضاحكا مسرورا
وقال آخر:
سابق إلى الخير وبادر به *** فإنما خلفك ما تعلم
وقدم الخير فكل امرئ *** على الذي قدمه يقدم
وأحسن من هذا كله قول أبي العتاهية:
استعد بمالك في حياتك إنما *** يبقى وراءك مصلح أو مفسد
وإذا تركت لمفسد لم يبقه *** وأخو الصلاح قليله يتزيد
وإن استطعت فكن لنفسك وارثا *** إن المورث نفسه لمسدد
{إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} تقدم.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال