سورة التوبة / الآية رقم 103 / تفسير تفسير القرطبي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأَخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

التوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)}
فيه ثمان مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً} أختلف في هذه الصدقة المأمور بها، فقيل: هي صدقة الفرض، قاله جويبر عن ابن عباس، وهو قول عكرمة فيما ذكر القشيري.
وقيل: هو مخصوص بمن نزلت فيه، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ منهم ثلث أموالهم، وليس هذا من الزكاة المفروضة في شي، ولهذا قال مالك: إذا تصدق الرجل بجميع ماله أجزأه إخراج الثلث، متمسكا بحديث أبي لبابة. وعلى القول الأول فهو خطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقتضي بظاهره اقتصاره عليه فلا يأخذ الصدقة سواه، ويلزم على هذا سقوطها بسقوطه وزوالها بموته. وبهذا تعلق مانعو الزكاة على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقالوا: إنه كان يعطينا عوضا منها التطهير والتزكية والصلاة علينا وقد عدمناها من غيره. ونظم في ذلك شاعرهم فقال:
أطعنا رسول الله ما كان بيننا *** فيا عجبا ما بال ملك أبي بكر
وإن الذي سألوكم فمنعتم *** لكالتمر أو أحلى لديهم من التمر
سنمنعهم ما دام فينا بقية *** كرام على الضراء في العسر واليسر
وهذا صنف من القائمين على أبي بكر أمثلهم طريقة، وفي حقهم قال أبو بكر: «والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة». ابن العربي: أما قولهم إن هذا خطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يلتحق به غيره فهو كلام جاهل بالقرآن غافل عن مأخذ الشريعة متلاعب بالدين، فإن الخطاب في القرآن لم يرد بابا واحدا ولكن اختلفت موارده على وجوه، فمنها خطاب توجه إلى جميع الامة كقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] وقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ} [البقرة: 183] ونحوه. ومنها خطاب خص به ولم يشركه فيه غيره لفظا ولا معنى كقوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ} [الاسراء: 79] وقوله: {خالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50]. ومنها خطاب خص به لفظا وشركه جميع الامة معنى وفعلا، كقوله: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الاسراء: 78] الآية. وقوله: {فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] وقوله: {وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] فكل من دلكت عليه الشمس مخاطب بالصلاة. وكذلك كل من قرأ القرآن مخاطب بالاستعاذة. وكذلك كل من خاف يقيم الصلاة بتلك الصفة. ومن هذا القبيل قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها}. وعلى هذا المعنى جاء قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 1] و{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ} [الطلاق: 1].
الثانية: قوله تعالى: {مِنْ أَمْوالِهِمْ} ذهب بعض العرب وهم دوس: إلى أن المال الثياب والمتاع والعروض. ولا تسمي العين مالا. وقد جاء هذا المعنى في السنة الثابتة من رواية مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع عن أبي هريرة قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام خيبر فلم نغنم ذهبا ولا ورقا إلا الأموال الثياب والمتاع. الحديث. وذهب غيرهم إلى أن المال الصامت من الذهب والورق.
وقيل: الإبل خاصة، ومنه قولهم: المال الإبل.
وقيل: جميع الماشية.
وذكر ابن الأنباري عن أحمد بن يحيى ثعلب النحوي قال: ما قصر عن بلوغ ما تجب فيه الزكاة من الذهب والورق فليس بمال، وأنشد:
والله ما بلغت لي قط ماشية *** حد الزكاة ولا إبل ولا مال
قال أبو عمر: والمعروف من كلام العرب أن كل ما تمول وتملك هو مال، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يقول ابن آدم مالي مالي وإنما له من ماله ما أكل فأفنى أو لبس فأبلي أو تصدق فأمضي».
وقال أبو قتادة: فأعطاني الدرع فابتعث به مخرفا في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام. فمن حلف بصدقة ماله كله فذلك على كل نوع من ماله، سواء كان مما تجب فيه الزكاة أو لم يكن، إلا أن ينوي شيئا بعينه فيكون على ما نواه. وقد قيل: إن ذلك على أموال الزكاة. والعلم محيط واللسان شاهد بأن ما تملك يسمى مالا. والله أعلم.
الثالثة: قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً} مطلق غير مقيد بشرط في المأخوذ والمأخوذ منه، ولا تبيين مقدار المأخوذ ولا المأخوذ منه. وإنما بيان ذلك في السنة والإجماع. حسب ما نذكره فتؤخذ الزكاة من جميع الأموال. وقد أوجب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزكاة في المواشي والحبوب والعين، وهذا ما لا خلاف فيه. واختلفوا فيما سوى ذلك كالخيل وسائر العروض. وسيأتي ذكر الخيل والعسل في النحل إن شاء الله. روى الأئمة عن أبي سعيد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة». وقد مضى الكلام في الأنعام في زكاة الحبوب وما تنبته الأرض مستوفي.
وفي المعادن في البقرة وفي الحلي في هذه السورة. وأجمع العلماء على أن الأوقية أربعون درهما، فإذا ملك الحر المسلم مائتي درهم من فضة مضروبة- وهي الخمس أواق المنصوصة في الحديث- حولا كاملا فقد وجبت عليه صدقتها، وذلك ربع عشرها خمسة دراهم. وإنما اشترط الحول لقوله عليه السلام: «ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول». أخرجه الترمذي. وما زاد على المائتي درهم من الورق فبحساب ذلك من كل شيء منه ربع عشره قل أو كثر، هذا قول مالك والليث والشافعي وأكثر أصحاب أبي حنيفة وابن أبي ليلى والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وأبي ثور وإسحاق وأبي عبيد. وروي ذلك عن علي وابن عمر. وقالت طائفة: لا شيء فيما زاد على مائتي درهم حتى تبلغ الزيادة أربعين درهما، فإذا بلغتها كان فيها درهم وذلك ربع عشرها. هذا قول سعيد بن المسيب والحسن وعطاء وطاوس والشعبي والزهري ومكحول وعمرو بن دينار وأبي حنيفة.
الرابعة: وأما زكاة الذهب فالجمهور من العلماء على أن الذهب إذا كان عشرين دينارا قيمتها مائتا درهم فما زاد أن الزكاة فيها واجبة، على حديث علي، أخرجه الترمذي عن ضمرة والحارث عن علي. قال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال كلاهما عندي صحيح عن أبي إسحاق، يحتمل أن يكون عنهما جميعا.
وقال الباجي في المنتقى: وهذا الحديث ليس إسناده هناك، غير أن اتفاق العلماء على الأخذ به دليل على صحة حكمه، والله أعلم. وروي عن الحسن والثوري، وإليه مال بعض أصحاب داود بن علي على أن الذهب لا زكاة فيه حتى يبلغ أربعين دينارا. وهذا يرده حديث علي وحديث ابن عمر وعائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأخذ من كل عشرين دينارا نصف دينار، ومن الأربعين دينارا دينارا، على هذا جماعة أهل العلم إلا من ذكر.
الخامسة: اتفقت الامة على أن ما كان دون خمس ذود من الإبل فلا زكاة فيه. فإذا بلغت خمسا ففيها شاة. والشاة تقع على واحدة من الغنم، والغنم الضأن والمعز جميعا. وهذا أيضا اتفاق من العلماء أنه ليس في خمس إلا شاة واحدة، وهي فريضتها. وصدقة المواشي مبينة في الكتاب الذي كتبه الصديق لأنس لما وجهه إلى البحرين، أخرجه البخاري وأبو داود والدارقطني والنسائي وابن ماجه وغيرهم، وكله متفق عليه. والخلاف فيه في موضعين أحدهما في زكاة الإبل، وهي إذا بلغت إحدى وعشرين ومائة فقال مالك: المصدق بالخيار إن شاء أخذ ثلاث بنات لبون، وإن شاء أخذ حقتين.
وقال ابن القاسم: وقال ابن شهاب: فيها ثلاث بنات لبون إلى أن تبلغ ثلاثين ومائة فتكون فيها حقة وابنتا لبون. قال ابن القاسم: ورائي على قول ابن شهاب.
وذكر ابن حبيب أن عبد العزيز بن أبي سلمة وعبد العزيز ابن أبي حازم وابن دينار يقولون بقول مالك. وأما الموضع الثاني فهو في صدقة الغنم، وهي إذا زادت على ثلاثمائة شاة وشاه، فإن الحسن بن صالح بن حي قال: فيها أربع شياه. وإذا كانت أربعمائة شاة وشاه ففيها خمس شياه، وهكذا كلما زادت، في كل مائة شاة. وروي عن إبراهيم النخعي مثله.
وقال الجمهور: في مائتي شاة وشاه ثلاث شياه، ثم لا شيء فيها إلى أربعمائة فيكون فيها أربع شياه، ثم كلما زادت مائة ففيها شاة، إجماعا واتفاقا. قال ابن عبد البر: وهذه مسألة وهم فيها ابن المنذر، وحكى فيها عن العلماء الخطأ، وخلط وأكثر الغلط.
السادسة: لم يذكر البخاري ولا مسلم في صحيحهما تفصيل زكاة البقر. وخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والدارقطني ومالك في موطئة وهي مرسلة ومقطوعة وموقوفة. قال أبو عمر: وقد رواه قوم عن طاوس عن معاذ، إلا أن الذين أرسلوه أثبت من الذين أسندوه. وممن أسنده بقية عن المسعودي عن الحكم عن طاوس. وقد اختلفوا فيما ينفرد به بقية عن الثقات. ورواه الحسن بن عمارة عن الحكم كما رواه بقية عن المسعودي عن الحكم، والحسن مجتمع على ضعفه. وقد روي هذا الخبر بإسناد متصل صحيح ثابت من غير رواية طاوس، ذكره عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر والثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل قال: بعثني رسول الله عليه وسلم إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة، ومن أربعين مسنة، ومن كل حالم دينار أو عدله معافر، ذكره الدارقطني وأبو عيسى الترمذي وصححه. قال أبو عمر. ولا خلاف بين العلماء أن الزكاة في زكاة البقر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه ما قال معاذ بن جبل: في ثلاثين بقرة تبيع، وفي أربعين مسنة إلا شيء روي عن سعيد بن المسيب وأبي قلابة والزهري وقتادة، فإنهم يوجبون في كل خمس من البقر شاة إلى ثلاثين. فهذه جملة من تفصيل الزكاة بأصولها وفروعها في كتب الفقه. ويأتي ذكر الخلطة في سورة ص إن شاء الله تعالى.
السابعة: قوله تعالى: {صَدَقَةً} مأخوذ من الصدق، إذ هي دليل على صحة إيمانه، وصدق باطنه مع ظاهره، وأنه ليس من المنافقين الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات. {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها} حالين للمخاطب، التقدير: خذها مطهرا لهم ومزكيا لهم بها. ويجوز أن يجعلهما صفتين للصدقة، أي صدقة مطهرة لهم مزكية، ويكون فاعل تزكيهم المخاطب، ويعود الضمير الذي في {بِها} على الموصوف المنكر. وحكى النحاس ومكي أن {تُطَهِّرُهُمْ} من صفة الصدقة {وَتُزَكِّيهِمْ بِها} حال من الضمير في {خُذْ} وهو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويحتمل أن تكون حالا من الصدقة، وذلك ضعيف لأنها حال من نكرة.
وقال الزجاج: والأجود أن تكون المخاطبة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي فإنك تطهرهم وتزكيهم بها، على القطع والاستئناف. ويجوز الجزم على جواب الامر، والمعنى: إن تأخذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم، ومنه قول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل وقرأ الحسن تطهرهم {بسكون الطاء} وهو منقول بالهمزة من طهر وأطهرته، مثل ظهر وأظهرته.
الثامنة: قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أصل في فعل كل إمام يأخذ الصدقة أن يدعو للمتصدق بالبركة. روى مسلم عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللهم صل عليهم» فأتاه ابن أبي أوفى بصدقته فقال: «اللهم صل على آل أبي أوفى». ذهب قوم إلى هذا، وذهب آخرون إلى أن هذا منسوخ بقوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً} [التوبة: 84]. قالوا: فلا يجوز أن يصلى على أحد إلا على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده خاصة، لأنه خص بذلك. واستدلوا بقوله تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور: 63] الآية. وبأن عبد الله بن عباس كان يقول: لا يصلى على أحد إلا على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والأول أصح، فإن الخطاب ليس مقصورا عليه كما تقدم، ويأتي في الآية بعد هذا. فيجب الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، والتأسي به، لأنه كان يمتثل قوله: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} أي إذا دعوت لهم حين يأتون بصدقاتهم سكن ذلك قلوبهم وفرحوا به. وقد روى جابر ابن عبد الله قال: أتاني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت لامرأتي: لا تسألي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا، فقالت: يخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عندنا ولا نسأله شيئا! فقالت: يا رسول الله، صل على زوجي. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صلى الله عليك وعلى زوجك». والصلاة هنا الرحمة والترحم. قال النحاس: وحكى أهل اللغة جميعا فيما علمناه أن الصلاة في كلام العرب الدعاء، ومنه الصلاة على الجنائز. وقرأ حفص وحمزة والكسائي: {إن صلاتك} بالتوحيد. وجمع الباقون. وكذلك الاختلاف في {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ} [هود: 87] وقرى {سكن} بسكون الكاف. قال قتادة: معناه وقار لهم. والسكن: ما تسكن به النفوس وتطمئن به القلوب.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال