سورة التوبة / الآية رقم 128 / تفسير في ظلال القرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ

التوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةيونس




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


هذا المقطع الأخير من السورة- أو الدرس الأخير فيها- بقية في الأحكام النهائية في طبيعة العلاقات بين المجتمع المسلم وغيره؛ تبدأ من تحديد العلاقة بين المسلم وربه، وتحديد طبيعة الإسلام الذي أعلنه؛ ومن بيان تكاليف هذا الدين، ومنهج الحركة به في مجالاته الكثيرة.
* إن الدخول في الإسلام صفقة بين متبايعين.. الله- سبحانه- فيها هو المشتري والمؤمن فيها هو البائع. فهي بيعة مع الله لا يبقى بعدها للمؤمن شيء في نفسه ولا في ماله يحتجزه دون الله- سبحانه- ودون الجهاد في سبيله لتكون كلمة الله العليا، وليكون الدين كله لله. فقد باع المؤمن لله في تلك الصفقة نفسه وماله مقابل ثمن محدد معلوم، هو الجنة: وهو ثمن لا تعدله السلعة، ولكنه فضل الله ومَنَّه:
{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون، وعدا عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن. ومن أوفى بعهده من الله؟ فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم}.
* والذين باعوا هذه البيعة، وعقدوا هذه الصفقة هم صفوة مختارة، ذات صفات مميزة.. منها ما يختص بذوات أنفسهم في تعاملها المباشر مع الله في الشعور والشعائر؛ ومنها ما يختص بتكاليف هذه البيعة في أعناقهم من العمل خارج ذواتهم لتحقيق دين الله في الأرض من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام على حدود الله في أنفسهم وفي سواهم:
{التائبون، العابدون، الحامدون، السائحون، الراكعون الساجدون، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، والحافظون لحدود الله. وبشر المؤمنين}.
* والآيات التالية في السياق تقطع ما بين المؤمنين الذين باعوا هذه البيعة وعقدوا هذه الصفقة، وبين كل من لم يدخلوا معهم فيها- ولو كانوا أولى قربى- فقد اختلفت الوجهتان، واختلف المصيران، فالذين عقدوا هذه الصفقة هم أصحاب الجنة، والذين لم يعقدوها هم أصحاب الجحيم. ولا لقاء في دنيا ولا في آخرة بين أصحاب الجنة وأصحاب الجحيم. وقربى الدم والنسب إذن لا تنشئ رابطة، ولا تصلح وشيجة بين أصحاب الجنة وأصحاب الجحيم:
{ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين- ولو كانوا أولي قربى- من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم. وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه. إن إبراهيم لأواه حليم}..
* وولاء المؤمن يجب أن يتمحض لله الذي عقد معه تلك الصفقة؛ وعلى أساس هذا الولاء الموحد تقوم كل رابطة وكل وشيجة- وهذا بيان من الله للمؤمنين يحسم كل شبهة ويعصم من كل ضلالة- وحسب المؤمنين ولاية الله لهم ونصرته؛ فهم بها في غنى عن كل ما عداه، وهو مالك الملك ولا قدرة لأحد سواه:
{وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون، إن الله بكل شيء عليم، إن الله له ملك السماوات والأرض، يحيي ويميت، وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير}.
* ولما كانت هذه طبيعة تلك البيعة؛ فقد كان التردد والتخلف عن الغزوة في سبيل الله أمراً عظيماً، تجاوز الله عنه لمن علم من نواياهم الصدق والعزم بعد التردد والتخلف؛ فتاب عليهم رحمة منه وفضلاً:
{لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة، من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم؛ ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم. وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه؛ ثم تاب عليهم ليتوبوا، إن الله هو التواب الرحيم}..
* ومن ثم بيان محدد لتكاليف البيعة في أعناق أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب؛ أولئك القريبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يؤلفون القاعدة الإسلامية، ومركز الانطلاق الإسلامي؛ واستنكار لما وقع منهم من تخلف؛ مع بيان ثمن الصفقة في كل خطوة وكل حركة في تكاليف البيعة:
{ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه. ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله، ولا يطأون موطئاً يغيظ الكفار، ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح، إن الله لا يضيع أجر المحسنين، ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة، ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم، ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون}..
* ومع هذا التحضيض العميق على النفرة للجهاد بيان لحدود التكليف بالنفير العام. وقد اتسعت الرقعة وكثر العدد، وأصبح في الإمكان أن ينفر البعض ليقاتل ويتفقه في الدين؛ ويبقى البعض للقيام بحاجيات المجتمع كله من توفير للأزواد ومن عمارة للأرض، ثم تتلاقى الجهود في نهاية المطاف:
{وما كان المؤمنون لينفروا كافة. فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة، ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، لعلهم يحذرون!}.
* وفي الآية التالية تحديد لطريق الحركة الجهادية- بعدما أصبحت الجزيرة العربية بجملتها قاعدة للإسلام ونقطة لانطلاقه- وأصبح الخط يتجه إلى قتال المشركين كافة حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.. وقتال أهل الكتاب كافة كذلك حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون:
{يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار، وليجدوا فيكم غلظة، واعلموا أن الله مع المتقين}.
* وعقب هذا البيان المفصل لبيان طبيعة البيعة ومقتضياتها وتكاليفها وخطها الحركي.. يعرض السياق مشهداً من صفحتين تصوران موقف المنافقين وموقف المؤمنين من هذا القرآن وهو يتنزل بموحيات الإيمان القلبية، وبالتكاليف والواجبات العملية. ويندد بالمنافقين الذين لا تهديهم التوجيهات والآيات، ولا تعظهم النذر والابتلاءات:
{وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول: أيكم زادته هذه إيماناً؛ فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون. وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون. أو لا يرون أنهم يُفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون؟ وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض: هل يراكم من أحد؟ ثم انصرفوا. صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون}..
*ويختم الدرس وتختم معه السورة بآيتين تصوران طبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرصه على المؤمنين ورأفته بهم ورحمته. مع توجيهه صلى الله عليه وسلم إلى الاعتماد على الله وحده، والاستغناء عن المعرضين الذين لا يهتدون:
{لقد جاءكم رسول من أنفسكم، عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم. فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم}..
ولعله من خلال هذا العرض الإجمالي لمحتويات هذا المقطع الأخير في السورة يتجلى مدى التركيز على الجهاد؛ وعلى المفاصلة الكاملة على أساس العقيدة، وعلى الانطلاق بهذا الدين في الأرض- وفقاً للبيعة على النفس والمال بالجنة للقتل والقتال- لتقرير حدود الله والمحافظة عليها؛ أي لتقرير حاكمية الله للعباد، ومطاردة كل حاكمية مغتصبة معتدية!
ولعله من خلال هذا العرض الإجمالي لهذه الحقيقة كذلك يتجلى مدى التهافت والهزيمة التي تسيطر على شراح آيات الله وشريعة الله في هذا الزمان؛ وهم يحاولون جاهدين أن يحصروا الجهاد الإسلامي في حدود الدفاع الإقليمي عن أرض الإسلام! بينما كلمات الله- سبحانه- تعلن في غير مواربة عن الزحف المستمر على من يلون أرض الإسلام هذه من الكفار؛ دون ذكر لأنهم معتدون! فالاعتداء الأساسي متمثل في اعتدائهم على ألوهية الله- سبحانه- بتعبيد أنفسهم وتعبيد العباد لغير الله. وهذا الاعتداء هو الذي يقتضي جهادهم ما استطاع المسلمون الجهاد!
وحسبنا هذه الإشارة في هذا التقديم المجمل للدرس الأخير، لنواجه نصوصه بالتفصيل.
{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون، وعدا عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن أوفى بعهده من الله؟ فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم، التائبون العابدون الحامدون السائحون، الراكعون الساجدون، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، والحافظون لحدود الله، وبشر المؤمنين}.
هذا النص الذي تلوته من قبل وسمعته ما لا أستطيع عده من المرات، في أثناء حفظي للقرآن، وفي أثناء تلاوته، وفي أثناء دراسته بعد ذلك في أكثر من ربع قرن من الزمان.. هذا النص- حين واجهته في الظلال أحسست أنني أدرك منه ما لم أدركه من قبل في المرات التي لا أملك عدها على مدى ذلك الزمان!
إنه نص رهيب! إنه يكشف عن حقيقة العلاقة التي تربط المؤمنين بالله؛ وعن حقيقة البيعة التي أعطوها- بإسلامهم- طوال الحياة. فمن بايع هذه البيعة ووفى بها فهو المؤمن الحق الذي ينطبق عليه وصف (المؤمن) وتتمثل فيه حقيقة الإيمان.. وإلا فهي دعوى تحتاج إلى التصديق والتحقيق!
حقيقة هذه البيعة- أو هذه المبايعة كما سماها الله كرماً منه وفضلاً وسماحة- أن الله- سبحانه- قد استخلص لنفسه أنفس المؤمنين وأموالهم؛ فلم يعد لهم منها شيء.. لم يعد لهم أن يستبقوا منها بقية لا ينفقونها في سبيله. لم يعد لهم خيار في أن يبذلوا أو يمسكوا.. كلا.. إنها صفقة مشتراة، لشاريها أن يتصرف بها كما يشاء، وفق ما يفرض ووفق ما يحدد، وليس للبائع فيها من شيء سوى أن يمضي في الطريق المرسوم، لا يتلفت ولا يتخير، ولا يناقش ولا يجادل، ولا يقول إلا الطاعة والعمل والاستسلام.. والثمن: هو الجنة.. والطريق: هو الجهاد والقتل والقتال.. والنهاية: هي النصر أو الاستشهاد:
{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون}..
من بايع على هذا. من أمضى عقد الصفقة. من ارتضى الثمن ووفى. فهو المؤمن.. فالمؤمنون هم الذين اشترى الله منهم فباعوا.. ومن رحمة الله أن جعل للصفقة ثمناً، وإلا فهو واهب الأنفس والأموال، وهو مالك الأنفس والأموال. ولكنه كرم هذا لإنسان فجعله مريداً؛ وكرمه فجعل له أن يعقد العقود ويمضيها- حتى مع الله- وكرمه فقيده بعقوده وعهوده؛ وجعل وفاءه بها مقياس إنسانيته الكريمة؛ ونقضه لها هو مقياس ارت




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال