سورة يونس / الآية رقم 39 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَناًّ إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ وَمَا كَانَ هَذَا القُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ العَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ وَمِنْهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لاَ يَعْقِلُونَ

يونسيونسيونسيونسيونسيونسيونسيونسيونسيونسيونسيونسيونسيونسيونس




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41)}.
التفسير:
قوله تعالى: {وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ}.
مناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أن الأحاديث السابقة كانت عرضا لبعض مظاهر قدرة اللّه.. وآثار رحمته، وذلك لتفتح العقول والقلوب إلى اللّه سبحانه وتعالى، وإلى الإيمان به، والانخلاع عن عبادة الأوثان والأشخاص، واتخاذهم آلهة من دون اللّه.. وإنه لكيلا يضلّ الناس الطريق إلى اللّه، بعث فيهم رسله، وأنزل معهم كتبه بالهدى والنور.
ومحمد صلى اللّه عليه وسلم هو الرحمة المهداة إلى عباد اللّه، والقرآن الكريم هو الينبوع الذي تفيض منه الرحمة، وتنبعث من آياته وكلماته الأضواء والأنوار.. ومع هذا، فقد وقف المشركون من هذا النبي الكريم، ومن الكتاب الذي أوحى إليه من ربه- وقفوا موقف العناد، والعداء له، والتكذيب به، والافتنان في سوق الضرّ والمساءة إليه.
وهذه الآية، تدفع عن القرآن الكريم، تلك الرّميات الطئشة، التي يرمى بها المشركون بين يديه، ويقولون عنه إنّه من مفتريات محمد ومن منقولاته عن الأحبار والكهّان، كما ذكر ذلك عنهم في كثير من الآيات، كقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [103: النحل] وقوله سبحانه: {وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [5: الفرقان]- وفى قوله تعالى: {وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ} إنكار واستبعاد أن يكون هذا القرآن من مفتريات مفتر، واختلاق مختلق.. إذ أن الافتراء والاختلاق هو تزييف للحقيقة، وتمويه للحق.
والشيء المفترى المختلق- أيّا كانت براعة المفترى، وذكاء المختلق- هو ضعيف هزيل، لا يثبت للنظر، ولا يصمد للزمن، بل سرعان ما يتعرّى ويفتضح.
وفى الإشارة إلى القرآن بقوله تعالى: {هذَا الْقُرْآنُ} تنويه به، وتمجيد له، وإلفات إلى علوّ منزلته، وتفرّده بهذه المنزلة التي لا يشاركه فيها مشارك.
وفى قوله سبحانه: {مِنْ دُونِ اللَّهِ} إشارة إلى استبعاد أن يكون هذا القرآن من صنعة إنسان، ومن وحي خاطره، وتلقّيات مدركاته أو أوهامه.. وأنه حتّى لو كان مفترّى- كما يتخرّص المبطلون- فإنه مع هذا- فوق مستوى البشر، وأنه ليس في مستطاع القوى البشرية كلها- متفرقة أو مجتمعة- أن تفترى مثله.. وأن من قدر أن يفترى مثله فلا بد أن يكون على صلة بقوة إلهية، تمدّه، وتعينه، على ما يفتريه، حتى يكون افتراؤه على هذا المستوي الذي يتخاضع بين يديه صدق الصادقين، وتصغر في حضرته حقائق المحقّين! فكيف وهو الحقّ من ربّ العالمين.. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. تنزيل من حكيم حميد؟
وقوله تعالى: {وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} هو معطوف على المصدر الواقع خبرا لكان فى- قوله تعالى: {وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي وما كان هذا القرآن مفترى من دون اللّه ولكن تصديق الذي بين يديه.
والعطف بالحرف {لكن} يجعل حكم ما بعدها مغايرا ومضادّا لما قبلها.
والذي بين يدى القرآن الكريم، هى الكتب السّماوية التي تقدمته في الزمن، وهى التوراة والإنجيل.
وتصديق القرآن الكريم للكتب السماوية السابقة، هو أنه يشهد لها بأنها من عند اللّه، ويؤيد الحق الذي جاءت به، من الدعوة إلى اللّه، والإيمان به، وبما تدعو إليه من فضائل.. فهى جميعها من مصدر واحد.. قد جمع القرآن الكريم ما تفرّق منها.. كما يقول اللّه سبحانه: {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} [48: المائدة] والكتاب الذي جاء القرآن الكريم مفصّلا له، هو الكتاب {الأمّ} في اللوح المحفوظ.. الذي صدرت عنه الكتب السّماوية جميعها، فهو من تفصيل هذا الكتاب، ومن محكمه.. كما يقول سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [52: الأعراف] وكما يقول سبحانه: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [4: الزخرف] فالقرآن الكريم موصوف هنا بخمس صفات:- أنه غير مفترى.. ولو كان مفترى- كما يقولون- فإنه مع هذا، فوق مستوى البشر! وأنه مصدّق للكتب السابقة، وشاهد بصدقها.
وأنه من تفصيل الكتاب {الأمّ} ومن ينابيعه الوضيئة الصافية.
وأنه لا ريب فيه، فلا يجد الناظر فيه، والمعايش له، ما يربيه منه، أو يقع موقع الشك واللبس عنده.
وأنه- قبل هذا كله- تنزيل من ربّ العالمين.. وكفاه بهذا كمالا وعلوّا، وإحكاما.
قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}.
هو تحدّ للمعاندين، المكابرين من المشركين، الذين يقولون في القرآن الكريم: إنّه من مفتريات محمد.
صلوات اللّه وسلامه عليه.
وقد تحدّاهم القرآن هنا أن يأتوا بسورة من واردات الافتراء التي جاء محمد بهذا القرآن منها.. فميدان الافتراء والاختلاق فسيح لا حدود له، ولا حجاز دونه.
فليجهدوا جهدهم، وليستعينوا بمن يستطيعون الاستعانة به، من أحبار ورهبان وكهّان، ومن سحرة وشعراء وخطباء، ومن إنس وجنّ.. ثم ليأتوا- بعد هذا- لا بمثل هذا القرآن كله، ولكن بمثل سورة منه.. ولينظروا في وجه هذا الذي جاءوا به، وليضعوه، في مواجهة آيات القرآن الكريم، ثم ليحكموا هم على ما جاءوا به، وهم أهل لهذه الحكومة، وصيارفة معادن الكلام.
فماذا يكون الذي يحكمون به؟ إنه لا شك إدانة لهذا المولود اللقيط الذي جاءوا به، واتّهام له أنه جاء من غير رشدة.. وأنه لن يجرؤ أحد منهم أن ينسبه إليه أو يحمله بين يديه، لو صدق نفسه، واحترم عقله، واحتفظ بماء الحياء في وجهه! قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}.
تفضح هذه الآية الكريمة طيش هؤلاء المشركين، وما استولى عليهم من حماقة وجهل.. ذلك أنّهم على غير ما عليه العقلاء، من تثبتهم في الأمور، وتعقلهم لها، وتفرسهم في وجوهها قبل أن يحكموا عليها، وقبل أن يأخذوا بها أو يدعوها.
فهؤلاء المشركون، قد استقبلوا القرآن الكريم بالبهت والتكذيب، قبل أن يروه رؤية كاشفة، وقبل أن يستمعوا إليه استماعا واعيا.. {بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ}.
وهذا ضلال مبين، وخسران عظيم، واعتداء على حق العقل في النظر والتثبت، قبل الرأى والحكم.
وليس المراد بالعلم هنا، هو العلم بالقرآن، والإحاطة بهذا العلم الذي ضمّ عليه، بل هو العلم مطلقا، بأى شىء، ولأى شىء.
وفى هذا مبالغة في تسفيه القوم، واستسخاف عقولهم.. حيث تغلب عليهم أهواؤهم ونزعاتهم، فلا يلقون الأمور بعقولهم، ولا يزنونها بأحلامهم، وإنما يلقونها بأهوائهم المسلطة عليهم، ويزنونها بما يقع لأيديهم منها، من نفع ذاتى عاجل.. فإذا لم يستقم الأمر على ميزانهم هذا، تنكروا له، وأنكروه، من قبل أن يعلموا ما هو؟ وما الصفة التي يقوم عليها؟
وفى قوله تعالى: {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} إشارة خاصة إلى القرآن الكريم، وأنه ليس من عوارض الأمور، التي يفرغ المرء من حسابه معها في نظرة عابرة، أو لمسة طائرة.. وإنما هو آيات اللّه، قد أودعت في حروفه وكلماته وآياته، أسرار هذا الوجود، ونظام هذا العالم، وملاك أمر هذا المجتمع الإنسانى، ومناهج سعيه المستقيمة.
وإذا كان هذا هو شأن القرآن الكريم، فإنه- لكى يتعرف الإنسان عليه، ويقع على بعض ما فيه من أسرار- يجب أن يقف المرء طويلا معه، وأن يعطيه ملكاته كلها، وبهذا يعرف ما هو هذا القرآن الذي يسمعه، ويدرك طعم هذا الثمر الذي يتدلّى عليه من أغصانه وأشجاره.
أما النظرة الحمقاء الشاردة العجول، أو النظرة الجامدة الباردة العمياء.
فلن تنال شيئا، ولن تبلغ غاية، تحصّل بها شيئا من هذا الخير الكثير.
وهذا هو السر أو بعض البسر- في {لمّا} التي تفيد امتداد الزمن وتراخيه حتى يقع الحديث الذي يجىء من الفعل الوارد عليه هذه الأداة {لمّا} التي تفيد التراخي والامتداد في الزمن المستقبل.
والصورة هنا هكذا:
إن هؤلاء المشركين من شأنهم أن يواجهوا الأمور بعواطفهم ونوازع أهوائهم، فيدفعوا كل أمر لا يلتقى مع أهوائهم، ولا يستجيب لمنازعهم.
هكذا شأنهم مع صغير الأمور وكبيرها، ومع قريبها وبعيدها.. فإذا جاءهم أمر تلقّوه سلفا بما تموج به صدورهم من نزعات وأهواء، فإذا جاء الأمر على وفق أهوائهم، وجرى على طريق نزعاتهم، قبلوه، واطمأنوا إليه، وإلا أنكروه، وتنكروا له! وهم مع القرآن، بادءوه بالإعراض والتكذيب قبل أن ينظروا فيه.. ومن نظر منهم إليه، نظر نظرا منحرفا، باردا.. فكذبوا بالبدهيات، كما كذبوا بما يحتاج إلى بحث ونظر، وإمعان.. {بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} أي كذبوا بما لم يقع لهم منه علم أصلا، لأنهم لم ينظروا فيه، ولو نظروا لعلموا، ثم كذبوا بما لم يأتهم تأويله ولم يدركوا أسراره، لأنهم لم يطيلوا البحث ويمعنوا النظر، ولو فعلوا، لجاءهم تأويله، وانكشفت لهم بعض أسراره.
فهم على تكذيب بالقرآن أبدا.. يكذبون به قبل أن ينظروا فيه، ويكذبون به بعد أن ينظروا فيه، لأنهم يسبقون هذا النظر بمشاعر الاتهام، فإذا نظروا لم ينفعهم النظر، لأنه- كما قلنا- نظر شارد، مستخفّ بما ينظر إليه.
وقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ} هو بيان لموقف المشركين من القرآن الكريم، وتعاملهم معه.
فهم فريقان.. فريق نظر في القرآن، وعرف وجه الحق فيه، ولكن يأبى عليه كبره وعناده أن يخرج عن مألوف عادته، وأن يتقبل الدّين الجديد ويترك مخلفات الآباء والأجداد.. وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم فيما حكاه عن هؤلاء المشركين في قوله سبحانه: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [33: الأنعام].
وفريق يبادىء القرآن بالتكذيب من قبل أن يسمع أو ينظر.. {وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ.. فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ} [5: فصلت].
هكذا أهل الزيغ والضلال.. يعمون عن الحق، ويزيغون عن الهدى، سواء منهم من عرف الحق ومن لم يعرفه.. فليس كل الذي يعرف وجه الحق يقبله أو يقبل عليه.. فما أكثر الذين يعرفون الباطل ويتعاملون معه!، وما أكثر الذين يعلمون الشر ويلقون بأنفسهم فيه!. وما أكثر الذين يرون الهوى ويتعامون عنه!، وما أكثر الذين يبصرون وجه الحق ويتنكرون له!.
واللّه سبحانه وتعالى يقول: {وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ.. ظُلْماً وَعُلُوًّا} [14: النمل] قوله تعالى: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}.
هذا هو الموقف الذي كان على النبي أن يأخذه إزاء المشركين المعاندين المكذبين.. إنه ليس له سلطان عليهم يأخذهم به قهرا وقسرا، إلى ما يدعوهم إليه من الهدى والحق والخير الذي ساقه اللّه سبحانه وتعالى على يديه إليهم.
إنه ما عليه إلا أن يبلغ رسالة ربه.. وقد بلّغها.. {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها} [104: الأنعام].. {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [44: الروم].. فلكل إنسان عمله، الذي سيجزى به يوم القيامة.. من خير أو شر.. {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} [164: الأنعام].




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال