سورة يونس / الآية رقم 62 / تفسير تفسير الرازي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ أَلاَ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ العَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ

يونسيونسيونسيونسيونسيونسيونسيونسيونسيونسيونسيونسيونسيونسيونس




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)}
اعلم أنا بينا أن قوله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْءانٍ} [يونس: 61] مما يقوي قلوب المطيعين، ومما يكسر قلوب الفاسقين فأتبعه الله تعالى بشرح أحوال المخلصين الصادقين الصديقين وهو المذكور في هذه الآية. وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنا نحتاج في تفسير هذه الآية إلى أن نبين أن الولي من هو؟ ثم نبين تفسير نفي الخوف والحزن عنه. فنقول: أما إن الوحي من هو؟ فيدل عليه القرآن والخبر والأثر والمعقول.
أما القرآن، فهو قوله في هذه الآية: {الذين ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} فقوله: {ءامَنُواْ} إشارة إلى كمال حال القوة النظرية وقوله: {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} إشارة إلى كمال حال القوة العملية. وفيه قيام آخر، وهو أن يحمل الإيمان على مجموع الاعتقاد والعمل، ثم نصف الولي بأنه كان متقياً في الكل.
أما التقوى في موقف العلم فلأن جلال الله أعلى من أن يحيط به عقل البشر، فالصديق إذا وصف الله سبحانه بصفة من صفات الجلال، فهو يقدس الله عن أن يكون كماله وجلاله مقتصراً على ذلك المقدار الذي عرفه ووصفه به، وإذا عبد الله تعالى فهو يقدس الله تعالى عن أن تكون الخدمة اللائقة بكبريائه متقدرة بذلك المقدار فثبت أنه أبداً يكون في مقام الخوف والتقوى.
وأما الأخبار فكثيرة روى عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس» ثم قرأ هذه الآية، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هم الذين يذكر الله تعالى برؤيتهم» قال أهل التحقيق: السبب فيه أن مشاهدتهم تذكر أمر الآخرة لما يشاهد فيهم من آيات الخشوع والخضوع، ولما ذكر الله تعالى سبحانه في قوله: {سيماهم فِي وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السجود} [الفتح: 29] وأما الأثر، فقال أبو بكر الأصم: أولياء الله هم الذين تولى الله تعالى هدايتهم بالبرهان وتولوا القيام بحق عبودية الله تعالى والدعوة إليه، وأما المعقول فنقول: ظهر في علم الاشتقاق أن تركيب الواو واللام والياء يدل على معنى القرب، فولى كل شيء هو الذي يكون قريباً منه، والقرب من الله تعالى بالمكان والجهة محال، فالقرب منه إنما يكون إذا كان القلب مستغرقاً في نور معرفة الله تعالى سبحانه، فإن رأى دلائل قدرة الله، وإن سمع سمع آيات الله وإن نطق نطق بالثناء على الله، وإن تحرك تحرك في خدمة الله، وإن اجتهد اجتهد في طاعة الله، فهنالك يكون في غاية القرب من الله، فهذا الشخص يكون ولياً لله تعالى، وإذا كان كذلك كان الله تعالى ولياً له أيضاً كما قال الله تعالى: {الله وَلِيُّ الذين ءامَنُواْ يُخْرِجُهُم مّنَ الظلمات إِلَى النور} [البقرة: 257] ويجب أن يكون الأمر كذلك، لأن القرب لا يحصل إلا من الجانبين.
وقال المتكلمون: ولي الله من يكون آتياً بالاعتقاد الصحيح المبني على الدليل ويكون آتياً بالأعمال الصالحة على وفق ما وردت به الشريعة، فهذا كلام مختصر في تفسير الولي.
وأما قوله تعالى في صفتهم: {لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} ففيه بحثان:
البحث الأول: أن الخوف إنما يكون في المستقبل بمعنى أنه يخاف حدوث شيء في المستقبل من المخوف، والحزن إنما يكون على الماضي إما لأجل أنه كان قد حصل في الماضي ما كرهه أو لأنه فات شيء أحبه.
البحث الثاني: قال بعض المحققين: إن نفي الحزن والخوف إما أن يحصل للأولياء حال كونهم في الدنيا أو حال انتقالهم إلى الآخرة والأول باطل لوجوه:
أحدها: أن هذا لا يحصل في دار الدنيا لأنها دار خوف وحزن والمؤمن خصوصاً لا يخلو من ذلك على ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر».
وعلى ما قال: «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات».
وثانيها: أن المؤمن، وإن صفا عيشه في الدنيا، فإنه لا يخلو من هم بأمر الآخرة شديد، وحزن على ما يفوته من القيام بطاعة الله تعالى، وإذا بطل هذا القسم وجب حمل قوله تعالى: {لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} على أمر الآخرة، فهذا كلام محقق، وقال بعض العارفين: إن الولاية عبارة عن القرب، فوليُّ الله تعالى هو الذي يكون في غاية القرب من الله تعالى، وهذا التقرير قد فسرناه باستغراقه في معرفة الله تعالى بحيث لا يخطر بباله في تلك اللحظة شيء مما سوى الله، ففي هذه الساعة تحصل الولاية التامة، ومتى كانت هذه الحالة حاصلة فإن صاحبها لا يخاف شيئاً، ولا يحزن بسبب شيء، وكيف يعقل ذلك والخوف من الشيء والحزن على الشيء لا يحصل إلا بعد الشعور به، والمستغرق في نور جلال الله غافل عن كل ما سوى الله تعالى، فيمتنع أن يكون له خوف أو حزن؟ وهذه درجة عالية، ومن لم يذقها لم يعرفها، ثم إن صاحب هذه الحالة قد تزول عنه الحالة، وحينئذ يحصل له الخوف والحزن والرجاء والرغبة والرهبة بسبب الأحوال الجسمانية، كما يحصل لغيره، وسمعت أن إبراهيم الخواص كان بالبادية ومعه واحد يصحبه، فاتفق في بعض الليالي ظهور حالة قوية وكشف تام له، فجلس في موضعه وجاءت السباع ووقفوا بالقرب منه، والمريد تسلق على رأس شجرة خوفاً منها والشيخ ما كان فازعاً من تلك السباع، فلما أصبح وزالت تلك الحالة ففي الليلة الثانية وقعت بعوضة على يده فأظهر الجزع من تلك البعوضة، فقال المريد: كيف تليق هذه الحالة بما قبلها؟ فقال الشيخ: إنا إنما تحملنا البارحة ما تحملناه بسبب قوة الوارد الغيبي، فلما غاب ذلك الوارد فأنا أضعف خلق الله تعالى.
المسألة الثانية: قال أكثر المحققين: إن أهل الثواب لا يحصل لهم خوف في محفل القيامة واحتجوا على صحة قولهم بقوله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} وبقوله تعالى: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر وتتلقاهم الملئكة} [الأنبياء: 103] وأيضاً فالقيامة دار الجزاء فلا يليق به إيصال الخوف ومنهم من قال: بل يحصل فيه أنواع من الخوف، وذكروا فيه أخباراً تدل عليه إلا أن ظاهر القرآن أولى من خبر الواحد.
وأما قوله: {الذين ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} ففيه ثلاثة أوجه: الأول: النصب بكونه صفة للأولياء.
والثاني: النصب على المدح.
والثالث: الرفع على الابتداء وخبره لهم البشرى.
وأما قوله تعالى: {لَهُمُ البشرى فِي الحياة الدنيا وَفِى الأخرة} ففيه أقوال: الأول: المراد منه الرؤيا الصالحة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «البشرى هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له».
وعنه عليه الصلاة والسلام: «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات».
وعنه عليه الصلاة والسلام: «الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم حلماً يخافه فليتعوذ منه وليبصق عن شماله ثلاث مرات فإنه لا يضره».
وعنه صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة».
وعن ابن مسعود، الرؤيا ثلاثة: الهم يهم به الرجل من النهار فيراه في الليل، وحضور الشيطان، والرؤيا التي هي الرؤيا الصادقة.
وعن إبراهيم الرؤيا ثلاثة، فالمبشرة من الله جزء من سبعين جزءاً من النبوة والشيء يهم به أحدكم بالنهار فلعله يراه بالليل والتخويف من الشيطان، فإذا رأى أحدكم ما يحزنه فليقل أعوذ بما عاذت به ملائكة الله من شر رؤياي التي رأيتها أن تضرني في دنياي أو في آخرتي.
واعلم أنا إذا حملنا قوله: {لَهُمُ البشرى} على الرؤيا الصادقة فظاهر هذا النص يقتضي أن لا تحصل هذه الحالة إلا لهم والعقل أيضاً يدل عليه، وذلك لأن ولي الله هو الذي يكون مستغرق القلب والروح بذكر الله، ومن كان كذلك فهو عند النوم لا يبقى في روحه إلا معرفة الله، ومن المعلوم أن معرفة الله ونور جلال الله لا يفيده إلا الحق والصدق، وأما من يكون متوزع الفكر على أحوال هذا العالم الكدر المظلم، فإنه إذا نام يبقى كذلك، فلا جرم لا اعتماد على رؤياه، فلهذا السبب قال: {لَهُمُ البشرى فِي الحياة الدنيا} على سبيل الحصر والتخصيص.


القول الثاني: في تفسير البشرى، أنها عبارة عن محبة الناس له وعن ذكرهم إياه بالثناء الحسن عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله إن الرجل يعمل العمل لله ويحبه الناس. فقال: «تلك عاجل بشرى المؤمن».
واعلم أن المباحث العقلية تقوي هذا المعنى، وذلك أن الكمال محبوب لذاته لا لغيره، وكل من اتصف بصفة من صفات الكمال، صار محبوباً لكل أحد، ولا كمال للعبد أعلى وأشرف من كونه مستغرق القلب بمعرفة الله، مستغرق اللسان بذكر الله، مستغرق الجوارح والأعضاء بعبودية الله، فإذا ظهر عليه أمر من هذا الباب، صارت الألسنة جارية بمدحه، والقلوب مجبولة على حبه، وكلما كانت هذه الصفات الشريفة أكثر، كانت هذه المحبة أقوى، وأيضاً فنور معرفة الله مخدوم بالذات، ففي أي قلب حضر صار ذلك الإنسان مخدوماً بالطبع ألا ترى أن البهائم والسباع قد تكون أقوى من الإنسان، ثم إنها إذا شاهدت الإنسان هابته وفرت منه وما ذاك إلا لمهابة النفس الناطقة.
والقول الثالث: في تفسير البشرى أنها عبارة عن حصول البشرى لهم عند الموت قال تعالى: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملئكة ألاتَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بالجنة} [فصلت: 30] وأما البشرى في الآخرة فسلام الملائكة عليهم كما قال تعالى: {والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سلام عَلَيْكُمُ} [الرعد: 23-24] وسلام الله عليهم كما قال: {سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ} [يس: 58] ويندرج في هذا الباب ما ذكره الله في هذا الكتاب الكريم من بياض وجوههم وإعطاء الصحائف بأيمانهم وما يلقون فيها من الأحوال السارة فكل ذلك من المبشرات.
والقول الرابع: إن ذلك عبارة عما بشر الله عباده المتقين في كتابه وعلى ألسنة أنبيائه من جنته وكريم ثوابه. ودليله قوله: {يُبَشّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مّنْهُ ورضوان} [التوبة: 21].
واعلم أن لفظ البشارة مشتق من خبر سار يظهر أثره في بشرة الوجه، فكل ما كان كذلك دخل في هذه الآية، ومجموع الأمور المذكورة مشتركة في هذه الصفة، فيكون الكل داخلاً فيه فكل ما يتعلق من هذه الوجوه بالدنيا فهو داخل تحت قوله: {لَهُمُ البشرى فِي الحياة الدنيا} وكل ما يتعلق بالآخرة فهو داخل تحت قوله: {وَفِي الأخرة} ثم إنه تعالى لما ذكر صفة أولياء الله وشرح أحوالهم قال تعالى: {لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله} والمراد أنه لا خلف فيها، والكلمة والقول سواء. ونظيره قوله: {مَا يُبَدَّلُ القول لَدَىَّ} [ق: 29] وهذا أحد ما يقوي أن المراد بالبشرى وعد الله بالثواب والكرامة لمن أطاعه بقوله: {يُبَشّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مّنْهُ ورضوان} ثم بين تعالى أن: {ذلك هُوَ الفوز العظيم} وهو كقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} [الإنسان: 20] ثم قال القاضي: قوله: {لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله} يدل على أنها قابلة للتبديل، وكل ما قبل العدم امتنع أن يكون قديماً. ونظير هذا الاستدلال بحصول النسخ على أن حكم الله تعالى لا يكون قديماً وقد سبق الكلام على أمثال هذه الوجوه.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال