سورة هود / الآية رقم 40 / تفسير تفسير القرطبي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَيَصْنَعُ الفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِن تـَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ المَاءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ اليَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا المَوْجُ فَكَانَ مِنَ المُغْرَقِينَ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ

هودهودهودهودهودهودهودهودهودهودهودهودهودهودهود




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (39) حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40)}
قوله تعالى: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ} أي وطفق يصنع. قال زيد بن أسلم: مكث نوح صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائة سنة يغرس الشجر ويقطعها وييبسها، ومائة سنة يعملها.
وروى ابن القاسم عن ابن أشرس عن مالك قال: بلغني أن قوم نوح ملوا الأرض، حتى ملوا السهل والجبل، فما يستطيع هؤلاء أن ينزلوا إلى هؤلاء، ولا هؤلاء أن يصعدوا إلى هؤلاء فمكث نوح يغرس الشجر مائة عام لعمل السفينة، ثم جمعها ييبسها مائة عام، وقومه يسخرون، وذلك لما رأوه يصنع من ذلك، حتى كان من قضاء الله فيهم ما كان. وروي عن عمرو بن الحارث قال: عمل نوح سفينته ببقاع دمشق، وقطع خشبها من جبل لبنان. وقال، القاضي أبو بكر بن العرابي: لما استنقذ الله سبحانه وتعالى من في الأصلاب والأرحام من المؤمنين أوحى الله إليه. {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ} قال: يا رب ما أنا بنجار، قال: {بلى فإن ذلك بعيني} فأخذ القدوم فجعله بيده، وجعلت يده لا تخطئ، فجعلوا يمرون به ويقولون: هذا الذي يزعم أنه نبي صار نجارا، فعملها في أربعين سنة. وحكى الثعلبي وأبو نصر القشيري عن ابن عباس قال: اتخذ نوح السفينة في سنتين. زاد الثعلبي: وذلك لأنه لم يعلم كيف صنعة الفلك، فأوحى الله إليه أن اصنعها كجؤجؤ الطائر.
وقال كعب: بناها في ثلاثين سنة، والله أعلم. المهدوي: وجاء في الخبر أن الملائكة كانت تعلمه كيف يصنعها. واختلفوا في طولها وعرضها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما كان طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسون، وسمكها ثلاثون ذراعا، وكانت من خشب الساج. وكذا قال الكلبي وقتادة وعكرمة كان طولها ثلاثمائة ذراع، والذراع إلى المنكب. قال سلمان الفارسي.
وقال الحسن البصري: إن طول السفينة ألف ذراع ومائتا ذراع، وعرضها ستمائة ذراع. وحكاه الثعلبي في كتاب العرائس.
وروى علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: قال الحواريون لعيسى عليه السلام: لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة يحدثنا عنها، فانطلق بهم حتى انتهى إلى كثيب من تراب فأخذ كفا من ذلك التراب، قال أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا كعب حام بن نوح قال فضرب الكثيب بعصاه وقال: قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض التراب من رأسه، وقد شاب، فقال له عيسى: أهكذا هلكت؟ قال: لا بل مت وأنا شاب، ولكنني ظننت أنها السا فمن ثم شبت. قال: أخبرنا عن سفينة نوح؟ قال: كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع، وكانت ثلاث طبقات، طبقة فيها الدواب والوحش، وطبقة فيها الإنس، وطبقة فيها الطير. وذكر باقي الخبر على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
وقال الكلبي فيما حكاه النقاش: ودخل الماء فيها أربعة أذرع، وكان لها ثلاثة أبواب، باب فيه السباع والطير، وباب فيه الوحش، وباب فيه الرجال والنساء. ابن عباس جعلها ثلاث بطون، البطن الأسفل للوحوش والسباع والدواب، والأوسط للطعام والشراب وركب هو في البطن الأعلى، وحمل معه جسد أدم عليه السلام معترضا بين الرجال والنساء، ثم دفنه بعد ببيت المقدس، وكان إبليس معهم في الكوثل.
وقيل: جاءت الحية والعقرب لدخول السفينة فقال نوح: لا أحملكما، لأنكما سبب الضرر والبلاء، فقالتا: احملنا فنحن نضمن لك ألا نضر أحدا ذكرك، فمن قرأ حين يخاف مضرتهما {سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ} [الصافات: 79] لم تضراه، ذكره القشيري وغيره. وذكر الحافظ ابن عساكر في التاريخ له مرفوعا من حديث أبي أمامة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «من قال حين يمسي صلى الله على نوح وعلى نوح السلام لم تلدغه عقرب تلك الليلة». قوله تعالى: {وَكُلَّما} ظرف. {مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ}. قال الأخفش والكسائي يقال: سخرت به ومنه.
وفي سخريتهم منه قولان: أحدهما- أنهم كانوا يرونه يبني سفينته في البر، فيسخرون به ويستهزئون ويقولون: يا نوح صرت بعد النبوة نجارا.
الثاني- لما رأوه يبني السفينة ولم يشاهدوا قبلها سفينة بنيت قالوا: يا نوح ما تصنع؟ قال: أبني بيتا يمشي على الماء، فعجبوا من قوله وسخروا منه. قال ابن عباس: ولم يكن في الأرض قبل الطوفان نهر ولا بحر، فلذلك سخروا منه، ومياه البحار هي بقية الطوفان. {قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا} أي من فعلنا اليوم عند بناء السفينة. {فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ} غدا عند الغرق. والمراد بالسخرية هنا الاستجهال، ومعناه إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم كما تستجهلونا. قوله تعالى: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ} تهديد، و{مَنْ} متصلة ب {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} و{تَعْلَمُونَ} هنا من باب التعدية إلى مفعول، أي فسوف تعلمون الذي يأتيه العذاب. ويجوز أن تكون {مَنْ} استفهامية، أي أينا يأتيه العذاب؟.
وقيل: {مَنْ} في موضع رفع بالابتداء و{يَأْتِيهِ} الخبر، و{يُخْزِيهِ} صفة ل {عَذابٌ}. وحكى الكسائي: أن أناسا من أهل الحجاز يقولون: سو تعلمون، وقال من قال: {ستعلمون} أسقط الواو والفاء جميعا. وحكى الكوفيون: سف تعلمون، ولا يعرف البصريون إلا سوف تفعل، وستفعل لغتان ليست إحداهما من الأخرى {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ} أي يجب عليه وينزل به. {عَذابٌ مُقِيمٌ} أي دائم، يريد عذاب الآخرة. قوله تعالى: {حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ} اختلف في التنور على أقوال سبعة: الأول- أنه وجه الأرض، والعرب تسمي وجه الأرض تنورا، قاله ابن عباس وعكرمة والزهري وابن عيينة، وذلك أنه قيل له: إذا رأيت الماء على وجه الأرض فاركب أنت ومن معك.
الثاني- أنه تنور الخبز الذي يخبز فيه، وكان تنورا من حجارة، وكان لحواء حتى صار لنوح، فقيل له: إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك. وأنبع الله الماء من التنور، فعلمت به امرأته فقالت: يا نوح فار الماء من التنور، فقال: جاء وعد ربي حقا. وهذا قول الحسن، وقال مجاهد وعطية عن ابن عباس.
الثالث- أنه موضع اجتماع الماء في السفينة، عن الحسن أيضا.
الرابع- أنه طلوع الفجر، ونور الصبح، من قولهم: نور الفجر تنويرا، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
الخامس- أنه مسجد الكوفة، قاله علي بن أبي طالب أيضا، وقال مجاهد. قال مجاهد: كان ناحية التنور بالكوفة. وقال: اتخذ نوح السفينة في جوف مسجد الكوفة، وكان التنور على يمين الداخل مما يلي كندة. وكان فوران الماء منه علما لنوح، ودليلا على هلاك قومه. قال الشاعر وهو أمية:
فار تنورهم وجاش بماء *** صار فوق الجبال حتى علاها
السادس أنه أعالي الأرض، والمواضع المرتفعة منها، قاله قتادة.
السابع- أنه العين التي بالجزيرة {عين الوردة} رواه عكرمة.
وقال مقاتل: كان ذلك تنور آدم، وإنما كان بالشام بموضع يقال له: عين وردة وقال ابن عباس أيضا: فار تنور آدم بالهند. قال النحاس: وهذه الأقوال ليست بمتناقضة، لأن الله عز وجل أخبرنا أن الماء جاء من السماء والأرض، قال: {فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ. وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً} [القمر: 12- 11]. فهذه الأقوال تجتمع في أن ذلك كان علامة. والفوران الغليان. والتنور أسم أعجمي عربته العرب، وهو على بناء فعل، لأن أصل بنائه تنر، وليس في كلام العرب نون قبل راء.
وقيل: معنى {فارَ التَّنُّورُ} التمثيل لحضور العذاب، كقولهم: حمي الوطيس إذا اشتدت الحرب. والوطيس التنور. ويقال: فارت قدر القوم إذا اشتد حربهم، قال شاعرهم:
تركتم قدركم لا شيء فيها *** وقدر القوم حامية تفور
قوله تعالى: {قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} يعني ذكرا وأنثى، لبقاء أصل النسل بعد الطوفان. وقرأ حفص {من كل زوجين اثنين} بتنوين {كل} أي من كل شيء زوجين. والقراءتان ترجعان إلى معنى واحد: شيء معه آخر لا يستغني عنه. ويقال للاثنين: هما زوجان، في كل اثنين لا يستغني أحدهما عن صاحبه، فإن العرب تسمي كل واحد منهما زوجا يقال: له زوجا نعل إذا كان له نعلان. وكذلك عنده زوجا حمام، وعليه زوجا قيود، قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى} [النجم: 45]. ويقال للمرأة هي زوج الرجل، وللرجل هو زوجها. وقد يقال للاثنين هما زوج، وقد يكون الزوجان بمعنى الضربين، والصنفين، وكل ضرب يدعى زوجا، قال الله تعالى: {وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج: 5] أي من كل لون وصنف.
وقال الأعشى:
وكل زوج من الديباج يلبسه *** أبو قدامة محبوّ بذاك معا
أراد كل ضرب ولون. و{مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ} في موضع نصب ب {احْمِلْ}. {اثْنَيْنِ} تأكيد. {وَأَهْلَكَ} أي وأحمل أهلك. {إِلَّا مَنْ سَبَقَ} {مِنْ} في موضع نصب بالاستثناء. {عَلَيْهِ الْقَوْلُ منهم} أي بالهلاك، وهو ابنه كنعان وامرأته واعلة كانا كافرين. {وَمَنْ آمَنَ} قال الضحاك وابن جريج: أي احمل من آمن بي، أي من صدقك، ف {مِنْ} في موضع نصب ب {احْمِلْ}. {وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: آمن من قومه ثمانون إنسانا، منهم ثلاثة من بنيه، سام وحام ويافث، وثلاث كنائن له. ولما خرجوا من السفينة بنوا قرية وهي اليوم تدعى قرية الثمانين بناحية الموصل. وورد في الخبر أنه كان في السفينة ثمانية أنفس، نوح وزوجته غير التي عوقبت، وبنوه الثلاثة وزوجاتهم، وهو قول قتادة والحكم بن عتيبة وابن جريج ومحمد بن كعب، فأصاب حام امرأته في السفينة، فدعا نوح الله أن يغير نطفته فجاء بالسودان. قال عطاء: ودعا نوح على حام ألا يعدو شعر أولاده آذانهم، وأنهم حيثما كان ولده يكونون عبيدا لولد سام ويافث.
وقال الأعمش: كانوا سبعة، نوح وثلاث كنائن وثلاثة بنين، وأسقط امرأة نوح.
وقال ابن إسحاق: كانوا عشرة سوى نسائهم، نوح وبنوه سام وحام ويافث، وستة أناس ممن كان آمن به، وأزواجهم جميعا. و{قَلِيلٌ} رفع بآمن، ولا يجوز نصبه على الاستثناء، لأن الكلام قبله لم يتم، إلا أن الفائدة في دخول {إِلَّا} و{ما} لأنك لو قلت: آمن معه فلان وفلان جاز أن يكون غيرهم قد أمن، فإذا جئت بما وإلا، أوجبت لما بعد إلا ونفيت عن غيرهم.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال