سورة هود / الآية رقم 77 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ البُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ

هودهودهودهودهودهودهودهودهودهودهودهودهودهودهود




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِي ءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (79) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)}.
التفسير:
وتتصل أحداث قصة إبراهيم، بأحداث قصة لوط.. وينتقل المشهد من بين يدى إبراهيم إلى يدى لوط، وإذا هو وجها لوجه مع هؤلاء الرسل الذين يحملون الهلاك إلى قومه.
وكما كان لقاء الملائكة لإبراهيم لقاء مفاجئا، أثار في نفسه ريبة، وأوقع في قلبه خوفا، كذلك كان لقاؤهم للوط.. لقاء مباغتا له، ولكنه لم يلتفت إلى هؤلاء الوافدين عليه إلا من جهة واحدة، كانت هى همّه، ومبعث خوفه وقلقه، وهى أن يحمى هؤلاء الضيوف من عدوان قومه عليهم، وفضحه فيهم.
فقد طلع عليه الملائكة في صورة سويّة من صور البشر.. فيهم الشباب، والنضارة، والجمال، وتلك هى مغريات قومه بهم.. وإنه ليرى عن غيب ما سيكون من قومه، إذا هم رأوا هؤلاء الضيوف الذين نزلوا بساحته.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِي ءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ}.
سىء بهم: أي ساءه وآلمه نزولهم عنده، واحتماؤهم به.
وضاق بهم ذرعا: أي أحسّ العجز عن حمايتهم، لأنه يتصدّى وحده لقومه جميعا.. وأصل الذرع من الذراع التي يعملها الإنسان في تناول الأشياء.
ثم استعملت استعمالا مجازيا في الدلالة على قدرة الإنسان أو عجزه، حسب طول ذراعه أو قصرها.
والإحساس بالمسئولية الملقاة على لوط لحماية ضيوفه، هو الذي آلمه وأوجعه، وضيّق مسالك النجاة بهم في وجهه، فقال: {هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ} أي يوم قاس، شديد الوقع على النفس، لما سيطلع عليه فيه من أحداث مزلزلة، توقعه في هذا المأزق، وتفتح بينه وبين قومه مجالا فسيحا للصراع بين جبهتين غير متكافئتين! {وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي.. أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ}.
ولقد وقع ما توقعه لوط.. وها هى ذى العاصفة تدور حول بيته، وتحطّم الأبواب.. فيقتحم القوم عليه الدار، وقد جاءوا سراعا من كل جهة، يتسابقون لإدراك هذا الصيد، قبل أن يفلت من أيديهم! {وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} أي يسرعون إليه في خفّة وطيش.
وانظر كيف تبلغ السفاهة بالقوم.. إنهم ليأتون الفاحشة في غير مبالاة، ولا ستر من حياء! يأتونها جهرة وفى صورة جماعية، دون أن يجد أحدهم حرجا أو استحياء! وهذا غاية التدلّى والإسفاف في عالم الإنسان، إلى درجة لا ينزل إليها كثير من عالم الحيوان.. حيث تأبى على بعض الحيوان طبيعته أن يتصل بأنثاه على مرأى من بنى جنسه! بله اتصاله بذكر! الأمر الذي لم تعرفه الكائنات الحيّة، إلا في هذا الصنف الرّذل الخسيس من الناس!- وفى قوله تعالى: {وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ} عرض لسيرة هؤلاء القوم، وفضح لمخازيهم، وأن هذا الذي جاءوا إليه ليس ابن يومه، وإنما هو داء تعاطاه القوم من قبل، فكان طبيعة غلبت عليهم، حتى لقد صار عادة مألوفة عندهم، وأمرا مستقرا فيهم، ليس فيه ما يثير أي إحساس عندهم بالخزي أو الاستحياء.
وقد عبّر القرآن عن هذا المنكر الذي يتعاطونه بالوصف المناسب له، دون أن يذكر اسمه، تقزّزا له، وصيانة للأفواه أن تتلفظ به، وللأسماع أن يقع عليها.
ومن جهة أخرى، فقد جاء القرآن بوصفه جمعا.. هكذا: {السيئات} للدلالة على أنه منكر غليظ مركّب، وأنه ليس سيئة، بل هو سيئات، وليس منكرا، بل هو منكرات!- وفى قوله تعالى: {يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} دعوة لهم إلى أن يكون أربهم وشهوتهم للنساء.. لا للرجال، فذلك هو الوضع الطبيعىّ للحياة الإنسانية.. فهو- عليه السلام- يدعوهم إلى التزوج ببناته، وإلى التعفف بالزواج بالمرأة والاتصال بها، حتى يعفّوا عن ارتكاب هذا المنكر، والاتصال بالرجال.
وفى هذا يقول اللّه تعالى على لسان لوط لهم: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [28- 29 العنكبوت].
ويقول سبحانه في موضع آخر على لسان لوط أيضا: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ} [165- 166: الشعراء].
قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ}.
والسؤال هنا: هل كان القوم مؤمنين باللّه حتى يذكّرهم لوط باسمه تعالى، ويدعوهم إلى تقواه؟
والجواب: أنهم لو كانوا مؤمنين باللّه، لما استعلن فيهم هذا المنكر على تلك الصورة التي سجّلها القرآن عليهم.. فإن الإيمان باللّه يردّ الإنسان عن كثير من المنكر، ويقيم بين النّاس وازعا يزعهم من أن يخرجوا هذا الخروج السافر عن إنسانيتهم، وأن يتدلّوا هذا التدلّى المسفّ إلى ما دون الحيوان.
فذكر اللّه هنا، إنما هو تخويف لهم، وتهديد بقوة اللّه، إن لم يتقوه، ويستقيموا على طريق المؤمنين.. وفى هذا تجاهل لإنكارهم اللّه والإيمان به، إذ لا معتبر لهذا الإنكار في وجه الدلائل القائمة بين أيديهم على وجود اللّه، وكمال قدرته.
{قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ}.
لقد أنكر القوم على لوط ما دعاهم إليه من التزوج بالنساء، ومنهن بناته اللائي عرضهنّ عليهم، وذلك ليكون اتصالهم بالنساء صارفا لهم عن إتيانهم هذا المنكر مع الرجال! وقد جاء إنكارهم هذا في صورة فريدة من الدناءة والخسّة والتجرّد من الحياء.
{لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ} أي إنك لم تعرض علينا أمرا جديدا لتصرفنا عما نطلب.. فأنت تعلم مالنا في بناتك من حق، وأننا نملك التزوج بهنّ من غير اعتراض.. فالتزوج بالنساء أمر متفق عليه بيننا وبينك، كما هو متفق عليه بين الناس جميعا.. ولكن ماذا عندك لنا في هذا الذي نطلبه من الضيوف؟ {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ}! فهل في بناتك أو بنات غيرك ما يحقق لنا هذا الذي نريده؟
ولا يجد لوط لهذه السفاهة جوابا، ولا يرى لهذا السوء الذي يراد بضيوفه مردّا.
{قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ}!! وماذا يفعل لوط أمام هؤلاء القوم، الذين ركبوا رءوسهم، فانقلبت في أعينهم أوضاع الأشياء، وتغيرت معالمها؟ إنه لو كانت بين يديه قوة لأخذ على أيديهم بها، ولعاملهم معاملة الكلاب المسعورة.. ولكن أنّى له القوة، وهو وحده، والقوم جميعا حرب عليه.. حتى امرأته!! كما أنه ليس هناك من يستعين به على هؤلاء القوم، ويطلب غياثه واللّياذ به، حتى يضمن الحماية لضيفه النازلين في حماه؟
وهنا تجىء نجدة السماء، وتفتح للوط أبواب حصن حصين يأوى إليه، على حين تنزل على القوم صواعق الهلاك، فتأنى عليهم في لحظة خاطفة! ومن عجب أن تطلع على لوط هذه القوى الرهيبة من موطن الضعف الذي كان يريد الدفاع عنه، والحماية له.. الضّيف الذين ظن أنهم وقعوا لقمة سائغة لأيدى هؤلاء القوم الآثمين، هم مطلع هذه النجدة! {قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}.
لقد كشف الرسل عن أنفسهم للوط، فعرف، من هم؟ وما الأمر الذي جاءوا له؟ إنهم رسل اللّه، وقد جاءوا إليه بالمهلكات لقومه، وليخرجوه من بين هؤلاء القوم، حتى لا يقع عليه مكروه من البلاء الذي سيحلّ بهم.
{إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ} وإذ كنّا كذلك، فإنهم {لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} ولن يستطيعوا أن يخلصوا إلينا، وينتزعونا من يدك.
{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ}.
سرى، وأسرى، أي سار ليلا.. والقطع من الليل، هى البقية منه، قبيل دخول النهار.
والأمر الذي توجه به الملائكة إلى لوط، هو أن يخرج بأهله في بقية من الليل، أي قبل أن يطلع الصباح، وألا يلتفت هو ومن معه إلى الوراء، حيث القرية التي خلفوها وراء ظهورهم.
وفى النهى عن الالتفات إلى تلك القرية ومن فيها، إشارة إلى أنها دار إثم، ومباءة فسق، ينبغى أن يقطع المؤمن كل مشاعره نحوها، فلا يتبعها بصره، ولا يلقى عليها نظرة وداع.. وهكذا ينبغى أن يكون شأن المؤمن مع كل منكر.
أن يعتزله، ويعتزل مواطنه، والمتعاملين به.. فلا يحوم حوله، ولا يمرّ بداره، ولا يتصل بأهله.. فإن المنكر مرض خبيث، يعلق داؤه بكل من يدنو منه.
أو يتنفس في الجو الذي تفوح عفونته فيه!.. ولهذا فقد أمر النبىّ صلى اللّه عليه وسلم المسلمين حين مرّوا بديار ثمود، وهم في طريقهم إلى تبوك- أمرهم أن يجدّوا في السير، وألا يلتفتوا إلى هذه المواطن، وأن يغلقوا حواسهم عنها، حتى لا يدخل عليهم شيء منها.. شأنهم في هذا شأن من يمرّ بجثث متعفنة، تهب منها ريح خبيثة، فيسدّ أنفه، وينطلق مسرعا حتى يبرحها.. وفى هذا درس عملىّ للتشنيع على المنكر وأهله.
وفى قوله تعالى: {إِلَّا امْرَأَتَكَ} إشارة إنى أن امرأة لوط لا تملك من أمرها ألّا تلتفت، بل هى مقهورة على الالتفات، والخروج عن هذا النهى، وذلك لما أراد اللّه لها من هلاك.. {إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ}.
لأنها كانت مع القوم بمشاعرها وعواطفها، ولهذا التفتت إليهم، وخالفت أمر اللّه. بألا يلتفت أحد ممن خرج مع لوط من أهله.. ولم تفرّ منهم كما يفرّ المرء من بلاء طلع عليه، أو مكروه أحاط به، فكان أن أخذها اللّه بما أخذ به هؤلاء القوم الآثمين.. إنها منهم، وحقّ عليها ما حق عليهم: {إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ}.
{إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}.
وفى هذا تطمين للوط، وأن ما بينه وبين القوم سينتهى مع مطلع هذا الصبح من ليلته تلك.. ثم هو من جهة أخرى حثّ للوط على أن يبادر الصبح قبل أن يطلع عليه، وأن يخرج من القرية ومعه بقية من الليل، حتى يبتعد عن القرية قبل أن يقع هذا الانفجار المهول، مع أول خيوط من ضوء الصبح.. {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ؟} فهذا استفهام تقريرى، بمعنى ألا ترى أن الصبح قريب.. فهيّا أسرع، وخذ أهبتك للخروج من هذه القرية، قبل أن يدركك الصبح، وتقع الواقعة! {فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ.. وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}.
أي ولما جاء الصبح الموعود، وقع أمرنا الذي قضينا فيه بهلاك هذه القرية، فجعلنا عاليها سافلها، أي قلبناها رأسا على عقب، فذهبت كلّ معالمها، وأمطرنا على أهلها حجارة من سجيل، أي من صوّان أملس.. {مَنْضُودٍ} أي منتظم، كما تنتظم الحبات في العقد.!
وهى حجارة.. {مُسَوَّمَةً} أي معلمة، وموسومة بسمات خاصة، {عِنْدَ رَبِّكَ} أي قد أعدّها اللّه سبحانه وتعالى، لهلاك الظالمين، أينما كانوا، وحيثما وجدوا.
وفى قوله تعالى: {وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}.
تهديد لمشركى قريش، وتلويح بهذه الحجارة المرصودة لهلاك الكافرين والمحادّين للّه- تلويح بها في وجوه هؤلاء المشركين من أهل مكة وأنها قريبة منهم، وأنّهم على وشك أن يمطروا بها، وأن يصيروا هم وقريتهم إلى هذا المصير الذي انتهى إليه قوم لوط وقريتهم.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال