سورة الرعد / الآية رقم 1 / تفسير تفسير أبي السعود / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الـمر تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ وَالَّذِي أُنـزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

الرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعد




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{المر} اسمٌ للسورة ومحلُّه إما الرفعُ على أنه خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ أي هذه السورةُ بهذا الاسمِ وهو أظهرُ من الرفع على الابتداء إذ لم يسبِق العلَم بالتسمية كما مر مراراً وقوله تعالى: {تِلْكَ} على الوجه الأول مبتدأ مستقلٌ وعلى الوجه الثاني مبتدأ ثانٍ أو بدل من الأول أشير به إليه إيذاناً بفخامته. وإما النصبُ بتقدير فعلٍ يناسب المقامَ نحوُ اقرأ أو اذكر، فتلك مبتدأٌ كما إذا جعل آلمر مسروداً على نمط التعديدِ أو بمعنى أنا الله أعلمُ وأرى على ما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما، والخبر على التقادير قوله تعالى: {آياتِ الكتاب} أي الكتابِ العجيب الكامل الغنيِّ عن الوصف به المعروفِ بذلك من بين الكتب الحقيقِ باختصاص اسم الكتابِ فهو عبارةٌ عن جميع القرآن أو عن الجميع المنزّل حينئذ حسبما مر في مطلع سورةِ يونُسَ إذ هو المتبادرُ من مطلق الكتابِ المستغني عن النعت، وبه يظهر ما أريد من وصف الآياتِ بوصف ما أضيفت إليه من نعوت الكمالِ بخلاف ما إذا جُعل عبارةً عن السورة فإنها ليست بتلك المثابة من الشهرة في الاتصاف بذلك، المغنية عن التصريح بالوصف على أنها عبارةٌ عن جميع آياتِها فلا بد من جعل {تلك} إشارةً إلى كل واحدةٍ منها، وفيه ما لا يخفى من التعسف الذي مر تفصيلُه في سورة يونس.
{والذى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ} أي الكتابَ المذكور بكماله لا هذه السورةُ وحدها {الحق} الثابتُ المطابق للواقع في كل ما نطق به، الحقيقُ بأن يُخَصّ به الحقّيةُ لعراقته فيها، وليس فيه ما يدل على أن ما عداه ليس بحق أصلاً على أن حقّيتَه مستتبِعةٌ لحقية سائرِ الكتبِ السماوية لكونه مصدّقاً لما بين يديه ومهيمِناً عليه، وفي التعبير عنه بالموصول وإسنادِ الإنزال إليه بصيغة المبنيِّ للمفعول والتعرّضِ لوصف الربوبية مضافاً إلى ضميره عليه السلام من الدلالة على فخامة المنزَّل التابعةِ لجلالة شأنِ المنزَّل وتشريفِ المنزَّل إليه والإيماءِ إلى وجه بناءِ الخبر ما لا يخفى {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ} بذلك الحقِّ المبين، لإخلالهم بالنظر والتأملِ فيه، فعدمُ إيمانهم متعلقٌ بعنوان حقّيتِه لأنه المرجِعُ للتصديق والتكذيب لا بعنوان كونِه منزلاً كما قيل ولأنه واردٌ على طريقة الوصفِ دون الإخبار.
{الله الذى رَفَعَ السموات} أي خلقهن مرتفعاتٍ على طريقة قولِهم: سبحان من كبّر الفيل وصغّر البعوض، لا أنه رفعها بعد أن لم تكن كذلك، والجملةُ مبتدأ وخبرٌ كقوله: {وَهُوَ الذى مَدَّ الأرض} {بِغَيْرِ عَمَدٍ} أي بغير دعائمَ جمع عِماد كإهاب وأَهَب وهو ما يُعمَد به أي يُسند، يقال: عمَدتُ الحائطَ أي أدعمته، وقرئ {عُمُد} على جمع عَمود بمعنى عماد كرُسُل ورسول، وإيرادُ صيغةِ الجمع لجمع السموات، لا لأن المنفيَّ عن كل واحدة منها عَمدٌ لا عماد {تَرَوْنَهَا} استئنافٌ استُشهد به على ما ذكر من رفع السموات بغير عمد، وقيل: صفة لعَمَدٍ جيء بها إيهاماً لأن لها عمداً غيرَ مرئيةٍ هي قدرة الله تعالى.
{ثُمَّ استوى} أي استولى {عَلَى العرش} بالحفظ والتدبير أو استوى أمرُه وعن أصحابنا أن الاستواءَ على العرش صفةٌ لله عز وجل بلا كيف، وأياً ما كان فليس المرادُ به القصدَ إلى إيجاد العرش وخلقِه فلا حاجة إلى جعل كلمة ثم للتراخي في الرتبة {وَسَخَّرَ الشمس والقمر} ذللهما وجعلهما طائعَين لما أريد منهما من الحركات وغيرها {كُلٌّ} من الشمس والقمر {يَجْرِى} حسبما أريد منها {لاِجَلٍ مُّسَمًّى} لمدة معينةٍ فيها تتم دورتُه كالسنة للشمس والشهر للقمر، فإن كلاًّ منهما يجري كلَّ يوم على مدار معينٍ من المدارات اليوميةِ أو لمدة ينتهي فيها حركاتُهما ويخرج جميعُ ما أريد منهما من القوة إلى الفعل، أو لغاية يتم عندها ذلك والجملةُ بيانٌ لحكم تسخيرهما.
{يُدَبّرُ} بما صنع من الرَّفْع والاستواء والتسخير أي يقضي ويقدّر حسبما تقتضيه الحكمةُ والمصلحة {الأمر} أمرَ الخلق كلَّه وأمرَ ملكوتِه وربوبيتِه {يُفَصّلُ الآيات} الدالةَ على كمال قدرتِه وبالغِ حكمتِه أي يأتي بها مفصلةً وهي ما ذكر من الأفعال العجيبةِ وما يتلوها من الأوضاع الفلكيةِ الحادثةِ شيئاً فشيئاً المستتبعةِ للآثار الغريبة في السُّفليات على موجب التدبيرِ والتقديرِ، فالجملتان إما حالان من ضمير استوى وقوله: {وَسَخَّرَ الشمس والقمر} من تتمة الاستواءِ وإما مفسّرتان له أو الأولى حالٌ منه والثانية من الضمير فيه أو كلاهما من ضمائر الأفعالِ المذكورة وقوله: {كُلٌّ يَجْرِى لاِجَلٍ مُّسَمًّى} من تتمة التسخيرِ أو خبران عن قوله: الله خبراً بعد خبر، والموصولُ صفةٌ للمبتدأ جيء به للدلالة على تحقيق الخبرِ وتعظيمِ شأنِه كما في قول الفرزدق:
إن الذي سمك السماءَ بنى لنا *** بيتاً دعائمُه أعزُّ وأطول
{لَعَلَّكُمْ} عند معاينتِكم لها وعثورِكم على تفاصيلها {بِلِقَاء رَبّكُمْ} بملاقاته للجزاء {تُوقِنُونَ} فإن من تدبّرها حقَّ التدبر أيقن أن من قدَر على إبداع هذه الصنائعِ البديعةِ على كل شيء قديرٌ وأن لهذه التدبيراتِ المتينة عواقبَ وغاياتٍ لا بد من وصولها وقد بُيّنتْ على ألسنة الأنبياءِ عليهم السلام أن ذلك ابتلاءٌ للمكلفين ثم جزاؤهم حسب أعمالِهم فإذن لا بد من الإيقان بالجزاء، ولمّا قرر الشواهدَ العلوية أردفها بذكر الدلائلِ السفلية فقال: {وَهُوَ الذى مَدَّ الأرض} أي بسطها طولاً وعَرضاً، قال الأصم: المد هو البسطُ إلى ما لا يدرك منتهاه فيه دَلالةٌ على بعد مداها وسَعةِ أقطارها {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ} أي جبالاً ثوابتَ في أحيازها من الرُّسوّ وهو ثباتُ الأجسام الثقيلة، ولم يُذكر الموصوفُ لإغناء غلبة الوصفِ بها عن ذلك، وانحصارُ مجيءِ فواعل جمعاً لفاعل في فوارسَ وهوالكَ ونواكسَ إنما هو في صفات العقلاءِ وأما في غيرهم فلا يراعى ذلك أصلاً كما في قوله تعالى: {أَيَّامًا معدودات} وقوله: {الحج أَشْهُرٌ معلومات} إلى غير ذلك، فلا حاجة إلى أن يُجعل مفردُها صفةً لجمع القلة أعني أجبُلاً ويعتبر في جمع الكثرة أعني جبالاً انتظامُها لطائفة من جموع القلة وتنزيلُ كلَ منها منزلة مفردِها كما قيل على أنه لا مجال لذلك فإن جمعيةَ كلَ من صيغتي الجمعَين إنما هي باعتبار الأفرادِ التي تحتها لا باعتبار انتظام جمعِ القلةِ للأفراد وجمعِ الكثرة لجموع القِلة فكلٌّ منهما جمعُ جبلٍ لا أن جبالاً جمعُ أجبل، كما أن طوائفَ جمعُ طائفة ولا إلى أن يُلتجأَ إلى جعل الوصفِ المذكور بالغلبة في عداد الأسماءِ التي تُجمع على فواعل كما ظن، على أنه لا وجه له لما أن الغلبةَ إنما هي في الجمع دون المفردِ، والتعبيرُ عن الجبال بهذا العنوانِ لبيان تفرّعِ قرارِ الأرض على ثباتها {وأنهارا} مجاريَ واسعةً، والمرادُ ما يجري فيها من المياه، وفي نظمها مع الجبال في مفعولية فعلٍ واحد إشارةٌ إلى أن الجبالَ منشأٌ للأنهار وبيانٌ لفائدة أخرى للجبال غيرِ كونها حافظةً للأرض عن الاضطراب المُخِلّ بثبات الأقدام وتقلّب الحيوان متفرّعةً على تمكنه وتقلّبه وهي تعيُّشُه بالماء والكلأ.
{وَمِن كُلّ الثمرات} متعلقٌ بجعل في قوله تعالى: {جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثنين} أي اثنيْنيّةً حقيقيةً وهما الفرادنِ اللذان كلٌّ منهما زوجُ الآخر وأكّد به الزوجين لئلا يُفهم أن المرادَ بذلك الشفْعان إذ يطلق الزوجُ على المجموع ولكنْ اثنينيةً اعتبارية، أي جعل من كل نوع من أنواع الثمرات الموجودة في الدنيا ضربين وصِنفين إما في اللون كالأبيض والأسود أو في الطعم كالحُلو والحامض. أو في القدر كالصغير والكبير، أو في الكيفية كالحار والبارد وما أشبه ذلك، ويجوز أن يتعلق بجعَلَ الأولِ، ويكونَ الثاني استئنافاً لبيان كيفيةِ ذلك الجعْل {يُغْشِى اليل النهار} استعارةٌ تبعيةٌ تمثيليةٌ مبنيَّةٌ على تشبيه إزالةِ نورِ الجو بالظلمة بتغطية الأشياءِ الظاهرةِ بالأغطية، أي يستر النهارَ بالليل. والتركيب وإن احتمل العكسَ أيضاً بالحمل على تقديم المفعولِ الثاني على الأول فإن ضوء النهار أيضاً ساترٌ لظلمة الليلِ إلا أن الأنسبَ بالليل أن يكون هو الغاشي، وعدُّ هذا في تضاعيف الآيات السفلية وإن كان تعلقُه بالآيات العلوية ظاهراً باعتبار أن ظهورَه في الأرض فإن الليل إنما هو ظلُّها وفيما فوق موقعِ ظلها لا ليلَ أصلاً ولأن الليل والنهار لهما تعلقٌ بالثمرات من حيث العقدُ والإنضاج على أنهما أيضاً زوجان متقابلان مثلُها وقرئ {يُغشّي} من التغشية {إِنَّ فِى ذَلِكَ} أي فيما ذكر من مد الأرضِ وإيتادِها بالرواسي وإجراءِ الأنهار وخلق الثمرات وإغشاءِ الليل النهارَ، وفي الإشارة بذلك تنبيهٌ على عظم شأنِ المشار إليه في بابه {لآَيَاتٍ} باهرةً وهي آثارُ تلك الأفاعيل البديعةِ جلت حكمةُ صانعِها، {ففي} على معناها فإن تلك الآثارَ مستقرةٌ في تلك الأفاعيل منوطةٌ بها، ويجوز أن يُشار بذلك إلى تلك الآثار المدلولِ عليها بتلك الأفاعيل {ففي} تجريدية {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فإن التفكر فيها يؤدّي إلى الحكم بأن تكوين كلَ من ذلك على هذا النمط الرائِق والأسلوب اللائق لا بد له من مكوّن قادرٍ حكيم يفعل ما يشاء ويختار ما يريد لا معقِّبَ لحكمه وهو الحميد المجيد.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال