سورة البقرة / الآية رقم 175 / تفسير تفسير أبي السعود / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناًّ قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ

البقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{أولئك} إشارة إلى ما أشير إليه بنظيره بالاعتبار المذكور خاصة لا مع ما يتلوه من أحوالهم الفظيعةِ إذ لا دخل لها في الحكم الذي يراد إثباتُه ههنا فإن المقصود تصويرُ ما باشروه من المعاملة بصورة قبيحة تنفِر منها الطباعُ ولا يتعاطاها عاقلٌ أصلاً ببيان حقيقةِ ما نبذوه وإظهار كُنهِ ما أخذوهُ وإبداءِ فظاعة تِبعاتِه، وهو مبتدأ خبرُه الموصولُ أي أولئك المشترون بكتاب الله عز وجل ثمناً قليلاً ليسوا بمشترين للثمن وإن قل، بل هم {الذين اشتروا} بالنسبة إلى الدنيا {الضلالة} التي ليست مما يمكن أن يشترى قطعاً {بالهدى} الذي ليس من قبيل ما يُبذل بمقابلة شيء وإن جل {والعذاب} أي اشتروا بالنظر إلى الآخرة العذاب الذي لا يُتوَهَّم كونُه مما يشترى {بالمغفرة} التي يتنافس فيها المتنافسون {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النار} تعجيبٌ من حالهم الهائلة التي هي ملابستُهم بما يوجب النارَ إيجاباً قطعياً كأنه عينها و{ما} عند سيبويهِ نكرةٌ تامة مفيدة لمعنى التعجيب مرفوعةٌ بالابتداء وتخصيصُها كتخصُّص شرَ في *شرٌّ أَهَرَّ ذَا نَابٍ* خبرُها ما بعدها أي شيءٌ ما عظيم جعلهم صابرين على النار، وعند الفراء استفهامية وما بعدها خبرها أي أيُّ شيءٍ أصبرَهم على النار وقيل: هي موصولة وقيل: موصوفة بما بعدها والخبر محذوف أي الذي أصبرهم على النار أو شيءٌ أصبرهم على النار أمرٌ فظيع {ذلك} العذاب {بِأَنَّ الله نَزَّلَ الكتاب} أي جنس الكتاب {بالحق} أي ملتبساً به فلا جرم أن يكون من يرفضه بالتكذيب والكتمان ويركب متنَ الجهل والغَواية مُبتلىً بمثل هذا من أفانينِ العذاب {وَإِنَّ الذين اختلفوا فِى الكتاب} أي في جنس الكتابِ الإلهي بأن آمنوا ببعض كتبِ الله تعالى وكفروا ببعضها أو اختلفوا في التوراة بأن آمنوا ببعض آياتِها وكفروا ببعضٍ كالآيات المُغيَّرة المشتملةِ على أمر بِعثةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ونعوته الكريمة فمعنى الاختلافِ التخلفُ عن الطريق الحق أو الاختلافُ في تأويلها أو في القرآن بأن قال بعضهم أنه سحرٌ وبعضُهم أنه شعرٌ وبعضهم أساطيرُ الأولين كما حكى عن المفسرين {لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ} عن الحق والصواب مستوجب لأشد العذاب {لَّيْسَ البر أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المشرق والمغرب} البِرُّ اسمٌ جامع لمراضِي الخصالِ، والخطابُ لأهل الكتابين فإنهم كانوا أكثروا الخوضَ في أمر القِبلة حين حُوِّلت إلى الكعبة وكان كلُّ فريقٍ يدّعي خيريةَ التوجُّه إلى قبلته من القُطرين المذكورين، وتقديمُ المشرق على المغرب مع تأخر زمانِ الملّةِ النصرانية إما لرعاية ما بينهما من الترتيب المتفرِّع على ترتيب الشروق والغروب وإما لأن توجّه اليهودِ إلى المغرب ليس لكونه مَغرِباً بل لكون بيتِ المقدس من المدينة المنورة واقعاً في جانب فقيل لهم: ليس البر ما ذكرتم من التوجه إلى تينك الجهتين، على أن البر خبرُ ليس مقدم على اسمها كما في قوله:
سلي إن جهِلتِ عني وعنهم *** فليس سواءً عالمٌ وجَهولُ
وقوله:
أليس عظيماً أن تُلمَّ مُلِمَّة *** وليس علينا في الخطوب مقولُ
وإنما أخر ذلك لما أن المصدرَ المؤولَ أعرفُ من المحلَّى باللام لأنه يُشبهُ الضمير من حيث أنه لا يوصف ولا يوصف به والأعرفُ أحق بالاسمية ولأن في الاسم طولاً فلو روعيَ الترتيبُ المعهود لفات تجاوبُ أطرافِ النظم الكريم وقرئ برفع البرُّ على أنه اسمها وهو أقوى بحسب المعنى لأن كل فريق يدعي أن البرَّ هذا فيجب أن يكون الردُّ موافقاً لدعواهم وما ذلك إلا بكَوْن البِرِّ اسماً كما يُفصح عنه جعلُه مُخْبَراً عنه في الاستدراك بقوله عز وجل: {ولكن البر مَنْ ءامَنَ بالله} وهو تحقيقٌ للحق بعد بيانِ الباطلِ وتفصيلٌ لخِصال البِر مما لا يختلف باختلاف الشرائعِ وما يختلف باختلافها، أي ولكن البِرَّ المعهود الذي يحِقّ أن يُهتَمَّ بشأنه ويُجَدَّ في تحصيله بِرُّ مَنْ آمن بالله وحده إيماناً بريئاً من شائبة الإشراكِ لا كإيمان اليهودِ والنصارى المشركين بقولهم عزيرٌ ابنُ الله وقولِهم المسيحُ ابن الله {واليوم الاخر} أي على ما هو عليه لا كما يزعُمون من أن النارَ لن تمسَّهم إلا أياماً معدوداتٍ وأن آباءَهم الأنبياءَ يشفعون لهم، ففيه تعريضٌ بأن إيمانَ أهلِ الكتابين حيث لم يكن كما ذكر من الوجه الصحيحِ لم يكن إيماناً، وفي تعليق البِرِّ بهما من أول الأمر عَقيبَ نفيه عن التوجُّه إلى المشرق والمغرب من الجزالة ما لا يخفى، كأنه قيل: ولكن البِر هو التوجُّه إلى المبدأ والمَعاد اللذيْن هما المشرِقُ والمغرِب في الحقيقة {والملئكة} أي وآمن بهم وبأنهم عبادٌ مُكْرَمون متوسِّطون بينه تعالى وبين أنبيائِه بإلقاء الوحي وإنزالِ الكتب {والكتاب} أي بجنس الكتابِ الذي من أفراده الفرقانُ الذي نبذوه وراءَ ظهورِهم، وفيه تعريضٌ بكِتمانهم نعوتَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم واشترائِهم بما أنزل الله تعالى ثمناً قليلاً {والنبيين} جميعاً من غير تفرقةٍ بين أحدٍ منهم كما فعل أهلُ الكتابَيْن، ووجهُ توسيط الكتابِ بين حَمَلةِ الوحي وبين النبيين واضحٌ وسيأتي في قوله تعالى: {كُلٌّ ءامَنَ بالله وَمَلَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} {وآتى المالَ عَلَى حُبِّه} حالٌ من الضمير في آتى، والضميرُ المجرورُ راجعٌ للمال أي آتاه كائناً على حب المالِ كما في قوله صلى الله عليه وسلم حين سُئِل: أيُّ الصدقةِ أفضلُ؟: «أن تُؤتِيَه وأنت صحيحٌ شحيحٌ» وقولِ ابن مسعود رضي الله عنه: أن تؤتيَه وأنت صحيحٌ شحيحٌ تأمُلُ العيشَ وتخشى الفقرَ ولا تُمهِلَ حتى إذا بلغت الحُلقومَ قلت لفلانٍ كذا ولفلانٍ كذا، وقيل: الضمير لله تعالى أي آتاه كائناً على محبته تعالى لا على قصد الشرِّ والفساد، ففيه نوعُ تعريضٍ لباذلي الرِّشا وآخذيها لتغيير التوراة، وقيل: للمصدر أي كائناً على حب الإيتاء {ذَوِى القربى} مفعولٌ أولٌ لآتى قُدِّم عليه مفعولُه الثاني أعني المالَ للاهتمام به أو لأن في الثاني مع ما عُطف عليه طُولاً لو رُوعي الترتيبُ لفات تجاوبُ الأطرافِ في الكلام وهو الذي اقتضى تقديمَ الحال أيضاً وقيل: هو المفعولُ الثاني {واليتامى} أي المحاويجَ منهم على ما يدل عليه الحال وتقديمُ ذوي القربى عليهم لما أن إيتاءَهم صدقةٌ وصِلَة {والمساكين} جمعُ مِسكينٍ وهو الدائمُ السُكون لما أن الخَلّة أسكنَتْهُ بحيث لا حَراكَ به أو دائمُ السكون إلى الناس {وابن السبيل} أي المسافرَ سُمي به لملازمته إياه كما سمِّي القاطِعُ ابنَ الطريق وقيل: الضيف {والسائلين} الذين أَلْجأتهم الحاجةُ والضرورةُ إلى السؤال قال عليه الصلاة والسلام:
«أعطُوا السائلَ ولو جاء على فرَسٍ» {وَفِي الرقاب} أي وضَعَه في فكّ الرقابِ بمعاونة المكاتَبين حتى يفُكّوا رِقابَهم وقيل: في فك الأُسارى وقيل: في ابتياع الرقابِ وإعتاقِها وأياً ما كان فالعدولُ عن ذكرهم بعنوان مُصححٍ للمالكية كالذين من قبلهم إما للإيذان بعدم قرارِ مِلكِهم فيما أوتوا كما في الوجهين الأولين أو بعدم ثبوتِه رأساً كما في الوجه الأخير وإما للإشعار برسوخهم في الاستحقاق والحاجةِ لما أن {في} للظرفية المُنْبئة عن محلِّيتهم لما يؤتى {وأقامَ الصَّلاَةَ} أي المفروضةَ منها {وآتَى الزَّكَاةَ} أي المفروضة على أن المرادَ بما مرَّ من إيتاءِ المالِ التنفّلُ بالصدقات قُدِّم على الفريضة مبالغةً في الحثِّ عليه أو المرادُ بهما المفروضةُ، والأول لبيان المصارفِ والثاني لبيان وجوب الأداءِ {والموفون بِعَهْدِهِمْ} عطفٌ على مَنْ آمن فإنه في قوة أن يقال ومَنْ أوفَوْا بعهدهم، وإيثارُ صيغة الفاعل للدلالة على وجوب استمرار الوفاءِ والمرادُ بالعهد ما لا يحرِّم حلالاً ولا يُحلِّل حَراماً من العهود الجارية فيما بين الناس، وقولُه تعالى: {إِذَا عاهدوا} للإيذان بعدمِ كونِه من ضروريات الدين {والصابرين} نُصب على الاختصاص، غُيِّر سبكُه عما قبله تنبيهاً على فضيلة الصبر ومزِيَّتِه وهو في الحقيقة معطوفٌ على ما قبله. قال أبو علي: إذا ذُكرتْ صفاتٌ للمدح أو الذمِّ فخولفَ في بعضها الإعرابُ فقد خولف للافتنان ويسمَّى ذلك قطعاً، لأن تغييرَ المألوفِ يدل على زيادة ترغيبٍ في استماع المذكورِ ومزيدِ اهتمامٍ بشأنه كما مر في صدر السورة، وقد قرئ الصابرون كما قرئ والموفين {فِى البأساء} أي في الفقر والشدة {والضراء} أي المرض والزَّمانة {وَحِينَ البأس} أي وقتَ مجاهدةِ العدوِّ في مواطن الحرب، وزيادةُ الحينِ للإشعار بوقوعه أحياناً وسرعةِ انقضائِه {أولئك} إشارةٌ إلى المذكورين باعتبار اتّصافِهم بالنعوت الجميلةِ المعدودة، وما فيه من معنى البُعد لما مر مراراً من التنبيه عن علوِّ طبقتِهم وسُموِّ رُتبتِهم {الذين صَدَقُوا} أي في الدين واتباعِ الحقِّ وتحرَّى البِرِّ حيث لم تغيِّرْهم الأحوالُ ولم تُزلزلهم الأهوال {وَأُولَئِكَ هُمُ المتقون} عن الكفر وسائرِ الرذائلِ وتكريرُ الإشارة لزيادة تنويهِ شأنِهم، وتوسيطُ الضمير للإشارة إلى انحصار التقوى فيهم والآيةُ الكريمة كما ترى حاويةٌ لجميع الكمالات البشرية برُمَّتها تصريحاً أو تلويحاً لما أنها مع تكثُّر فنونها وتشعُّب شجونِها منحصرةٌ في خِلالِ ثلاث: صحةِ الاعتقاد وحسنِ المعاشرة مع العباد وتهذيبِ النفس، وقد أشير إلى الأولى بالإيمان بما فُصِّل وإلى الثانية بإيتاء المالِ وإلى الثالثة بإقامة الصلاة إلخ ولذلك وُصف الحائزون لها بالصدق نظراً إلى إيمانهم واعتقادِهم وبالتقوى اعتباراً بمعاشرتهم مع الخلق ومعاملتهم مع الحق وإليه يشير قولُه صلى الله عليه وسلم:




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال