سورة الحجر / الآية رقم 26 / تفسير تفسير ابن عطية / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الوَارِثُونَ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ

الحجرالحجرالحجرالحجرالحجرالحجرالحجرالحجرالحجرالحجرالحجرالحجرالحجرالحجرالحجر




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


يقال: لقحت الناقة والشجرة فهي لاقحة: إذا حملت، والرياح تلقح الشجر والسحاب، فالوجه في الريح أنها ملقحة لا لاقحة، وتتجه صفة {الرياح} ب {لواقح} على أربعة أوجه:
أولها وأولاها: أن نجعلها لاقحة حقيقية، وذلك أن الرياح منها ما فيها عذاب أو حر ونار، ومنها ما فيه رحمة ومطر أو نصر أو غير ذلك، فإذا بها تحمل ما حملتها القدرة، أو ما علقته من الهواء أو التراب أو الماء الذي مرت عليه، فهي لاقحة بهذا الوجه، وإن كانت أيضاً تلقح غيرها وتصير إليه نفعها. والعرب تسمي الجنوب الحامل واللاقحة، وتسمي الشمال الحايل والعقيم ومحوة، لأنها تمحو السحاب. وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الريح الجنوب من الجنة، وهي اللواقح التي ذكر الله، وفيها منافع للناس»؛ ومن هذا قول الطرماح:
قلق لا فبان الريا *** ح للاقح منها وحائل
ومن قول أبي وجزة:
من نسل جوابة الآفاق *** فجعلها حاملاً تنسل.
قال القاضي أبو محمد: ويخرج هذا على أنها ملقحة فلا حجة فيه.
والثاني: أن يكون وصفها ب {لواقح} من باب قولهم: ليل نائم، أي فيه نوم ومعه، ويوم عاصف ونحوه: فهذا على طريق المجاز.
والثالث: أن توصف الرياح ب {لواقح} على جهة النسب، أي ذات لقح، كقول النابغة:
كليني لهم يا أميمة ناصب *** أي ذي نصب.
والرابع: أن تكون {لواقح} جمع ملقحة على حذف زوائدة، فكأنه لقحة، فجمعها كما تجمع لاقحة، ومثله قول الشاعر [سيبويه]: [الطويل]
ليبك يزيد ضارع لخصومة *** وأشعث ممن طوحته الطوائح
وإنما طوحته المطاوح، وعلى هذا النحو فسرها أبو عبيدة في قوله: {لواقح} ملاقح، وكذلك العبارة عنها في كتاب البخاري: لواقح ملاقح ملقحة.
وقرأ الجمهور {الرياح} بالجمع، وقرأ الكوفيون- حمزة وطلحة بن مصرف والأعمش ويحيى بن وثاب- {الريح} بالإفراد، وهي للجنس، فهي في معنى الجمع، ومثلها الطبري بقولهم: قميص أخلاق وأرض أغفال.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله من حيث هو أجزاء كثيرة تجمع صفته، فكذلك ريح لواقع لأنها متفرقة الهبوب، وكذلك: دار بلاقع، أي كل موضع منها بلقع.
وقال الأعمش: إن في قراءة عبد الله {وأرسلنا الرياح يلقحن}، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الريح من نفس الرحمن»، ومعنى الإضافة هنا هي من إضافة خلق إلى خالق، كما قال: {من روحي} [الحجر: 29] ومعنى نفس الرحمن: أي من تنفيسه وإزالته الكرائب والشدائد. فمن التنفس بالريح النصر بالصبا وذرو الأرزاق بها، وما لها من الخدمة في الأرزاق وجلب الأمطار وغير ذلك مما يكثر عده.
ولقد حدثت أن ابن أبي قحافة رحمه الله فسر هذا الحديث بنحو هذا وأنشد في تفسيره: [الطويل]
فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت *** على نفس محزون تجلت همومها
وهذا من جملة التنفيس والعرب تقول: أسقى وسقى بمعنى واحد، وقال لبيد: [الوافر]
سقى قومي بني مجد واسقى *** نميراً، والقبائل من هلال
فجاء باللغتين، وقال أبو عبيدة: أما إذا كان من سقي الشفة خاصة فلا يقال إلا سقى، وأما إذا كان لسقي الأرض والثمار وجملة الأشياء فيقال: أسقى، وأما الداعي لأرض أو غيرها بالسقي، فإنما يقال فيه: أسقى، ومنه قول ذي الرمة: [الطويل]
وقفت على رسم لمية ناقتي *** فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثه *** تكلمني أحجاره وملاعبه
قال القاضي أبو محمد: على أن بيت لبيد دعاء، وفيه اللغتان.
وقوله تعالى: {وإنا لنحن نحيي ونميت} الآيات، هذه الآيات مع الآيات التي قبلها تضمنت العبرة والدلالة على قدرة الله تعالى وما يوجب توحيده وعبادته، فمعنى هذه: وإنا لنحن نحيي من نشاء بإخراجه من العدم إلى وجود الحياة، وبرده عند البعث من مرقده ميتاً، ونميت بإزالة الحياة عمن كان حياً، {ونحن الوارثون}، أي لا يبقى شيء سوانا، وكل شيء هالك إلا وجهه لا رب غيره.
ثم أخبر تعالى بإحاطة علمه بمن تقدم من الأمم، بمن تأخر في الزمن من لدن أهبط آدم إلى الأرض إلى يوم القيامة، وأعلم أنه هو الحاشر لهم الجامع لعرض القيامة على تباعدهم في الأزمان والأقطار، وأن حكمته وعلمه يأتيان بهذا كله على أتم غاياته التي قدرها وأرادها.
وقرأ الأعرج {يحشِرهم} بكسر الشين.
قال القاضي أبو محمد: بهذا سياق معنى الآية، وهو قول جمهور المفسرين: وقال الحسن: معنى قوله: {ولقد علمنا المستقدمين} أي في الطاعة، والبدار إلى الإيمان والخيرات، و{المستأخرين} بالمعاصي.
قال القاضي أبو محمد: وإن كان اللفظ يتناول كل تقدم وتأخر على جميع وجوهه فليس يطرد سياق معنى الآية إلا كما قدمنا، وقال ابن عباس ومروان بن الحكم وأبو الجوزاء: نزل قوله: {ولقد علمنا} الآية، في قوم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تصلي وراءه امرأة جميلة، فكان بعض القوم يتقدم في الصفوف لئلا تفتنه، وكان بعضهم يتأخر ليسرق النظر إليها في الصلاة، فنزلت الآية فيهم.
قال القاضي أبو محمد: وما تقدم الآية من قوله: {ونحن الوارثون} وما تأخر من قوله: {وإن ربك يحشرهم}، يضعف هذه التأويلات، لأنها تذهب اتصال المعنى، وقد ذكر ذلك محمد بن كعب القرظي لعون بن عبد الله.
وقوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان} الآية، {الإنسان} هنا للجنس، والمراد آدم، قال ابن عباس سمي بذلك لأنه عهد إليه فنسي، ودخل من بعده في ذلك إذ هو من نسله، والصلصال: الطين الذي إذا جف صلصل، هذا قول فرقة، منها من قال: هو طين الخزف، ومنها قول الفراء: هو الطين الحر يخالطه رمل دقيق.
وقال ابن عباس: خلق من ثلاثة: من طين لازب وهو اللازق والجيد، ومن {صلصال} وهو الأرض الطيبة يقع عليها الماء ثم ينحسر فتشقق وتصير مثل الخزف، ومن {حمإ مسنون} وهو الطين في الحمأة.
قال القاضي أبو محمد: وكان الوجه أن يقال- على هذا المعنى- صلال، ولكن ضوعف الفعل من فائه وأبدلت إحدى اللامين من صلاص صاداً. وهذا مذهب الكوفيين، وقاله ابن جني والزبيدي ونحوهما على البصرة، ومذهب جمهور البصريين: إنهما فعلان متباينان، وكذلك قالوا في ثرة وثرثارة. قال بعضهم تقول: صل الخزف ونحوه: إذا صوت بتمديد: فإذا كان في صوته ترجيع كالجرس ونحوه قلت: صلصل، ومنه قول الكميت: [البسيط]
فينا العناجيج تردي في أعنتها *** شعثاً تصلصل في أشداقها اللجم
وقال مجاهد وغيره: {صلصال} هنا إنما هو مأخوذ من صل اللحم وغيره: إذا انتن.
قال القاضي أبو محمد: فجعلوا معنى {صلصال} ومعنى {حمإ} في لزوم أنتن شيئاً واحداً.
قال القاضي أبو محمد: والحمأ جمع حمأة وهو الطين الأسود المنتن يخالطه ماء. والمسنون قال معمر: هو المنتن، وهو من أسن الماء إذا تغير.
قال القاضي أبو محمد: والتصريف يرد هذا القول. وقال ابن عباس: المسنون: الرطب.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تفسير لا يخص اللفظة. وقال الحسن، المعنى: سن ذريته على خلقه. والذي يترتب في {مسنون} إما أن يكون بمعنى محكوك محكم العمل أملس السطح، فيكون من معنى المسن والسنان، وقولهم: سننت السكين وسننت الحجر: إذا أحكمت تمليسه، ومن ذلك قول الشاعر: [الخفيف]
ثم دافعتها إلى القبة الخضرا *** ء وتمشي في مرمر مسنون
أي محكم الإملاس بالسن، وإما أن يكون بمعنى المصبوب، تقول: سننت التراب والماء إذا صببته شيئاً بعد شيء، ومنه قول عمرو بن العاص لمن حضر دفنه: إذا أدخلتموني في قبري فسنوا علي التراب سناً، ومن هذا: هو سن الغارة. وقال الزجاج: هو مأخوذ من كونه على سنة الطريق، لأنه إنما يتغير إذا فارق الماء، فمعنى الآية- على هذا- من حمأ مصبوب موضوع بعضه فوق بعض على مثال وصورة.
{الجان} يراد به جنس الشياطين، ويسمون: جنة وجاناً لاستتارهم عن العين. وسئل وهب بن منبه عنهم فقال: هم أجناب، فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون ولا يتوالدون، ومنهم أجناس تفعل هذا كله، منها السعالي والغول وأشباه ذلك.
وقرأ الحسن بن أبي الحسن: {والجأن} بالهمز.
قال القاضي أبو محمد: والمراد بهذه الحلقة إبليس أبو الجن، وفي الحديث: «أن الله تعالى خلق آدم من جميع أنواع التراب الطيب والخبيث والأسود والأحمر» وفي سورة البقرة إيعاب هذا وقوله {من قبل} لأن إبليس خلق قبل آدم بمدة، وخلق آدم آخر الخلق. و{السموم}- في كلام العرب- إفراط الحر حتى يقتل من نار أو شمس أو ريح. وقالت فرقة: السموم بالليل، والحرور بالنهار.
قال القاضي أبو محمد: وأما إضافة {نار} إلى {السموم} في هذه الآية فيحتمل أن تكون النار أنواعاً، ويكون {السموم} أمراً يختص بنوع منها فتصح الإضافة حينئذ؛ وإن لم يكن هذا فيخرج هذا على قولهم: مسجد الجامع، ودار الآخرة، على حذف مضاف.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال