سورة الإسراء / الآية رقم 3 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ وَآتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلاً ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُواًّ كَبِيراً فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً

الإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراء




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (3)}.
التفسير:
مناسبة هاتين الآيتين لما قبلهما، هى أنه لما كانت الآية السابقة التي افتتحت بها السورة، قد ذكرت تلك النعمة العظمى التي أنعم اللّه سبحانه وتعالى بها على النبىّ، إذ أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، في تلك الرحلة العجيبة، التي رأى فيها ما رأى من آيات ربّه- فناسب ذلك أن يجىء ذكر النعم التي أنعم اللّه بها على عباده.. ولما كان أجلّ تلك النعم وأعظمها إرسال الرسل إلى الناس، يحملون إليهم هدى اللّه، ويدعونهم إلى الخروج من الظلمات إلى النور، ولما كانت التوراة التي نزلت على موسى، هى الشريعة القائمة عند أهل الكتاب المعاصرين للنبوّة- من يهود ونصارى-
فقد كان ذكر موسى.. والكتاب الذي أنزل عليه، أقرب وأولى ما يذكر في هذا المقام.. ولهذا جاء قوله تعالى: {وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا}.
فهذه الآية معطوفة على ما قبلها. والتقدير: سبّحوا- أيها الناس- ربّكم الذي أسرى بعبده محمد ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والذي آبى موسى الكتاب وجعله هدى لبنى إسرائيل، فوجب عليهم أن يشكروا اللّه، وأن يأخذوا حظهم من هذا الهدى الذي جاءهم به رسول اللّه، وألا يتخذوا من دون اللّه وكيلا يتعاملون معه، ويسندون إليه أمورهم، ويجعلون عليه معتمدهم!.
الحقيقة المحمّدية.. وما يقال فيها:
ونلمح في هذا العطف سرّا لطيفا، تشّع منه دلالات تشير إلى مقام النبي الكريم، ومنزلته عند ربّه، وأنه صلّى اللّه عليه وسلّم، هو هدى في ذاته وشخصه، يقابل الهدى الذي حملته التوراة إلى بنى إسرائيل! فالرسول- صلوات اللّه وسلامه عليه- بما رأى من آيات ربّه الكبرى في إسرائه ومعراجه، وما حمل في كيانه من معالم الحق في هذه الليلة المباركة- قد أصبح هو في ذاته كتابا من كتب اللّه، ورسالة من رسالاته، يجد فيها أولوا البصائر للشرقة، وأصحاب القلوب السليمة، ما يجد المؤمنون باللّه، في آياته وكلماته من هدى ونور.. وهذا ما يحدّث به الحديث الشريف: «أنا رحمة مهداة».
فالنبىّ الكريم في ذاته، هو رحمة، بما نطق به من كلماته، وبما استملى الناس من سيرته، وبما اقتبسوا من أدبه وعلمه وحكمته.
وإنّا لنجد مصداق هذا، في هذا المجتمع الإسلامى الأول الذي أقامه الرسول الكريم، واستنبته من جدب الصحراء وقفرها، وأطلعه من غياهب ظلامها، وضلالها.. وذلك بما حمل إلى الناس من كلمات اللّه، وبما أراهم من آثار كلمات اللّه فيه، وتربيته له سبحانه وتعالى على منهجها، فكان إنسانا يقرأ الناس في سيرته- قولا وعملا- منطوق كلمات اللّه ومفهومها، كما تحدّث السيدة عائشة رضى اللّه عنها، فتصف خلقه عليه الصلاة والسلام بقولها: «كان خلقه القرآن».
فما أعظمه من إنسان! وما أكرمه من رسول! وما أعلى مقامه في العالمين! وأحبّ هنا أن أقف وقفة قصيرة مع تلك المقولة التي تقال وتذاع بين المسلمين، فيما يعرف عند أصحابها بالحقيقة المحمدية.
فالذين يستمعون من المسلمين إلى هذا العنوان: الحقيقة المحمدية وما يجىء وراء هذا العنوان من حديث عن هذه الحقيقة، قد يجدون في صدورهم حرجا من أن يدفعوا عن هذه الحقيقة تلك الدعاوى التي يدّعيها عليها القائلون بها، والتي يصوّرون فيها النبىّ الكريم هذا التصوير العجيب، الذي يقطعه عن العالم البشرى، بما يضيفون إليه من صفات وأعمال، لا تقتضيها طبيعة البشر، ولا تثقل بها موازينه في المصطفين من عباد اللّه.!
إنها مقولات كثيرة مغرقة في الخيال، تضفى على ذات النبىّ أثوابا فضفاضة- بل مهلهلة- من نسيج الوهم، ومن واردات الخرافة، يحسب بها أصحابها- عن إيمان، أو عن كيد- أنّهم إنما يمجّدون النبىّ، ويفردونه وحده بتلك المنزلة التي تتقطع دونها الأوهام والظنون! ومن هنا، كان خطر هذه المقولات وأثرها داهما مزلزلا، في المجتمع الإسلامى، إذ هى مقولات- كما قلنا- يجد كثير من المسلمين حرجا في دفعها، والوقوف لها.. لأنها كلّها- كما تبدو في ظاهرها- تمجيد في مقام النبىّ، وإعلاء لقدره، وإنه لأحبّ شيء عند المؤمن أن يمجّد مقام النبىّ، وأن يعلى قدره! وإنه لا حرج في هذا المقام من المبالغة والغلوّ.. فذلك خير، والمبالغة في الخير خير!! هكذا يلقى كثير من المسلمين تلك المقولات التي تقال في الحقيقة المحمدية.
حيث يستقبلها المسلم بمشاعره، فيجد فيها ريحا طيبة، تحدّث عن مقام النبوة، وكمالها، فتتخدّر لذلك مشاعره، وتغيب مدركاته، وإذا هو مهيأ لقبول كل ما يقال في هذا المقام.. فإذا صحا بعد هذا، وجد كلمات كثيرة قد علقت بصدره، ودارت في كيانه، تحدّث عن النبىّ بأنه النّور الذي خلق منه هذا الوجود، وأنه الرّوح العظمى التي سرت في هذه الكائنات.. وأنه لولاه- صلّى اللّه عليه وسلّم- ما خلق اللّه هذا الوجود، ولما كانت أرض ولا سماء، ولا شمس ولا قمر، ولا كواكب ولا نجوم، ولا ملائكة ولا لوح ولا قلم! إلى غير ذلك من المقولات التي تقال في الحقيقة المحمدية! مما لا مستند له من كتاب، أو سنّة، أو عقل.
فالقرآن الكريم، يقرر في مواضع كثيرة منه أن محمدا بشر من رأسه إلى أخمص قدمه.
فيقول سبحانه وتعالى، آمرا نبيّه الكريم أن يعلن الناس به: {قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ} [110: الكهف] ويقول سبحانه: {قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} [9: الأحقاف].
فهو- صلوات اللّه وسلامه عليه- في الناس، واحد من النّاس.. وهو-
صلوات اللّه وسلامه عليه- في الرسل، واحد من الرسل، ليس بدعا من بينهم! فماذا يقول القرآن أصرح من هذا القول، في تحديد صفة النبىّ، وأنه بشر لم تتخلّ عنه بشريته، ولم يخرج هو عن بشريته بحال أبدا؟
ثم ماذا يقول النبىّ عن نفسه أكثر وأوضح من هذا القول الذي أمره به ربّه أن يقوله، حتى يدفع عن نفسه ما ليس له، مما يقوله عليه من يقولون من المغالين فيه، هذا الغلوّ، الذي هو وقول المتطاولين على مقامه- سفاهة وجهلا- والمتنقّصين لقدره- افتراء وكذبا على سواء؟
بل وما ذا يقول النبىّ أكثر وأصرح من قوله: «أنا عبد آكل كما يأكل العبد»- حتى يمسك هؤلاء المغالون فيه على طريق قاصد مستقيم في شأنه؟
يتكىء القائلون بالحقيقة المحمدية، وبالصفات التي يوردونها عليها- يتكئون على حديث يروى عن النبىّ صلّى اللّه عليه وسلّم، هو قوله: «كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين، وكنت نبيّا ولا آدم ولا الطين».
ويتخذون من هذا منطلقا ينطلقون به إلى اصطياد كل واردة وشاردة.. فلقد فتح عليهم هذا القول الذي يفهم منه أن النبىّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان نبيّا قبل أن يخلق آدم- نقول فتح عليهم هذا القول بابا بل أبوابا يلجون منها إلى اصطياد المقولات التي تتخذ من هذا المفهوم منطلقا إلى كل قريب وبعيد، وإلى كل معقول وغير معقول، حتى لقد اجتمع للقوم من هذا، ما تسمع من تلك المقولات التي لا تنتهى، ولا ينتهى حديث أصحابها عنها! ولا نعرض لصحة هذا الحديث، ولا لمكانه من القوة أو الضعف.
بل نأخذه مسلّمين به، قائلين بصحته.. سندا، ومتنا!
فماذا في هذا الحديث؟ بل ماذا وراءه مما يسر أو يعلن من الحقيقة المحمدية؟
ولكن قبل أن نجيب على هذا، نسأل القائلين بالحقيقة المحمدية عن معنى منطوق الحديث: «كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين.. وكنت نبيا ولا آدم ولا الطين!..».
أين كان محمد صلوات اللّه وسلامه عليه قبل آدم؟
يقولون فيما يقولون: إنه كان درة أو ياقوتة في العرش! ونقول لهم بما يقوله اللّه سبحانه وتعالى في المشركين الذين جعلوا الملائكة إناثا: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ} [19: الزخرف] أفشهد هؤلاء القائلون بتلك المقولة- أشهدوا خلق محمد؟
ثم نسأل، هؤلاء القائلين بالحقيقة المحمدية: أين كان محمد قبل أن يولد لأبويه: عبد اللّه بن عبد المطلب، وآمنة بنت وهب؟ يقولون إنه ما زال منذ آدم يتنقل من الأصلاب الزاكية إلى الأرحام الطاهرة إلى أن ولد! ونقول: إنّ كل إنسان تنقّل منذ آدم من الأصلاب، إلى الأرحام، حتى انتقل من صلب أبيه إلى رحم أمّه.. فماذا في هذا؟
والحديث الذي يقول: «كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين...» إن صحّ- فإنه لا يخرج عن هذا المعنى، الذي فهمناه عليه. إذ تنقّل ويتنقل الناس جميعا في أصلاب الآباء، وأرحام الأمهات! فالحديث- إن صحّ- يشير بهذا إلى تلك الحقيقة التي يؤمن بها المؤمنون باللّه، وهى أن علم اللّه سبحانه وتعالى، قد وسع كل شىء، وأن هذه الموجودات كلها، في ملكوت السموات والأرض، هى في علم اللّه سبحانه وتعالى، وأنها في كتاب مكنون، كما يقول سبحانه جلّ شأنه: {وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ} [75: النمل] وكما يقول تبارك وتعالى: {ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها.. إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [22: الحديد].
فالذى يفهم من هذا الحديث- إن صحّ- أنه يحدّث عن علم اللّه سبحانه وتعالى، وأن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان في علم اللّه نبيا قبل أن يخلق آدم، ويتحقق له وجود على هذه الأرض.. وليس هذا شأن النبي وحده، بل هو شأن كل مخلوق، إذ كان في علم اللّه على تلك الصفة التي جاء، أو يجىء عليها، قبل أن يخلق آدم، بل وقبل أن يخلق أي مخلوق في السموات والأرض.. إذ قبل الخلق، كان العلم، وفى مستودعات هذا العلم كانت المخلوقات جميعها، قبل أن تخلق وتبرز من عالم الغيب إلى عالم الشهادة.
وعلى هذا، فلك أن تقول كنت جالسا على هذا الكرسي الذي أجلس عليه، أو نائما في هذا المكان الذي أنام فيه، أو آكلا من هذا الطعام الذي آكل منه. إلى غير ذلك مما أنت فيه من شئونك وأحوالك- لك أن تقول: كنت على هذه الحال، أو على هذا الشأن، وآدم بين الماء والطين، وكنت على تلك الحال وهذه الشأن ولا آدم ولا الطين..!!
وبعد، فإن الحقيقة المحمدية ليست هى تلك الصورة المشوهة المضطربة التي تتراقص في عالم الخيالات والأوهام، والتي تسبح في سموات من الدخان والضباب.. وإنما هى تلك الحقيقة التي عاشت في هذه الدنيا، فكانت نورا هاديا، وسراجا منيرا، يجلّى غياهب الظلمات، ويكشف للناس الطريق إلى اللّه، وإلى الحق، والخير.. ذلك هو محمد رسول اللّه، كما ينبغى أن يراه المسلم، وذلك هو محمد رسول اللّه، كما وصفه ربه جلّ وعلا: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً} [45- 46: الأحزاب].
ثم لينظر أولئك الذين يتحدثون عن الحقيقة المحمدية هذا الحديث الأسطورىّ.. فهل يجدون للنبىّ في دخان هذا الحديث، وجودا؟ وهل يحققون له ذاتا؟
إنهم قد يقولون: إنا نراه بعيون غير عيونكم، وبقلوب غير قلوبكم، وبمشاعر وأحاسيس غير مشاعركم وأحاسيسكم!! ونقول لهم: إننا لسنا من عالم الملائكة، ولا من عالم الشياطين.. إننا بشر مثلكم نعيش على هذه الأرض.. ننظر بعيون بشرية، ونتعامل بقلوب إنسانية، ونعيش بمشاعر وأحاسيس آدمية! وبهذا الكيان البشرى نرى محمدا، ونتعامل معه، ونوليه قدره من الحب والاحترام والإجلال، ونتخذه إمامنا وقدوتنا، ونصلّى عليه، ونطلب له المزيد من الدرجات العلا عند ربه..!
{قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [110: الكهف] إننا لم نلتق بمحمد إلا على أنه إنسان، نعرفه، ونعرف أصوله وفروعه، وقد عاش بيننا أربعين سنة من عمره لم يكن فيه ولا له إلّا ما في الناس، وإلا لما للناس، حتى إذا شرّفه اللّه سبحانه وتعالى بالرسالة، أصبح بهذا التشريف رسولا من رب العالمين، شأن رسل اللّه جميعا.. وهذه الرسالة لم تغير من بشريته شيئا، ولو كان شيء من ذلك لما أنكرت عليه قريش أن يكون بشرا ثم يكون رسولا.. وفى هذا يقول اللّه على لسانهم، هذا القول الذي ينكرون فيه على الرسول رسالته: {أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا؟} [94: الإسراء] فصلوات اللّه وسلامه عليك يا رسول اللّه، رسولا من أنفسنا، ورحمة وهدى للعالمين.
قوله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً}.
الذرية: أي النسل، الذي تناسل من نوح وأبنائه، وهى فعلية، من الذّرء، وهو الخلق.. وأصلها: ذرئية.
أي أن بنى إسرائيل هؤلاء، هم من أبناء وذرارى البقية الباقية من قوم نوح، الذين آمنوا معه، وحملوا في السفينة، ونجوا من الغرق.
وفى وصف بنى إسرائيل بهذه الصفة إلفات لهم إلى أنهم من ذرية قوم مؤمنين، نجّاهم اللّه بإيمانهم من الغرق الذي حلّ بإخوانهم الكافرين.
وإذن، فخروج بنى إسرائيل من الإيمان الذي كان عليه آباؤهم الأولون، وعودتهم إلى الكفر الذي كان عليه إخوان آبائهم هؤلاء- هو تضييع لهذا الميراث الكريم الذي تركه لهم آباؤهم، ثم هو عدوان على اللّه، وتعرّض لنقمته، كما انتقم من عمومتهم، فأغرقهم واجتثّ أصولهم.
وقد نصب {ذرية} على الاختصاص، وقيل نصب بالنداء، أي يا ذرية من حمل اللّه سبحانه، مع نوح.
وفى قوله تعالى: {إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً} تحريض لبنى إسرائيل على أن يلحقوا بنوح، ويتأسّوا به، ويشكروا اللّه أن بعث فيهم رسولا، وأنزل معه كتابا يهديهم ويبين لهم طريق الحق!




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال