سورة الإسراء / الآية رقم 79 / تفسير تفسير القرطبي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مُّحْمُوداً وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً

الإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراء




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (79)}
فيه ست مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {مِنَ اللَّيْلِ} {مِنَ} للتبعيض. والفاء في قوله: {فَتَهَجَّدْ} ناسقة على مضمر، أي قم فتهجد. {بِهِ} أي بالقرآن. والتهجد من الهجود وهو من الأضداد. يقال: هجد نام، وهجد سهر، على الضد. قال الشاعر:
ألا زارت أهل منى هجود *** وليت خيالها بمنى يعود
آخر:
ألا طرقتنا والرفاق هجود *** فباتت بعلات النوال تجود
يعنى نياما. وهجد وتهجد بمعنى. وهجدته أي أنمته، وهجدته أي أيقظته. والتهجد التيقظ بعد رقدة، فصار اسما للصلاة، لأنه ينتبه لها. فالتهجد القيام إلى الصلاة من النوم. قال معناه الأسود وعلقمة وعبد الرحمن بن الأسود وغيرهم.
وروى إسماعيل بن إسحاق القاضي من حديث الحجاج بن عمر صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: أيحسب أحدكم إذا قام من الليل كله أنه قد تهجد! إنما التهجد الصلاة بعد رقدة ثم الصلاة بعد رقدة ثم الصلاة بعد رقدة. كذلك كانت صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقيل: الهجود النوم. يقال: تهجد الرجل إذا سهر، وألقى الهجود وهو النوم. ويسمى من قام إلى الصلاة متهجدا، لان المتهجد هو الذي يلقى الهجود الذي هو النوم عن نفسه. وهذا الفعل جار مجرى تحوب وتحرج وتأثم وتحنث وتقذر وتنجس، إذا ألقى ذلك عن نفسه. ومثله قوله تعالى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} معناه تندمون، أي تطرحون الفكاهة عن أنفسكم، وهى انبساط النفوس وسرورها. يقال: رجل فكه إذا كان كثير السرور والضحك. والمعنى في الآية: ووقتا من الليل اسهر به في صلاة وقراءة.
الثانية: قوله تعالى: {نافِلَةً لَكَ} أي كرامة لك، قاله مقاتل. واختلف العلماء في تخصيص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالذكر دون أمته، فقيل: كانت صلاة الليل فريضة عليه لقوله: {نافِلَةً لَكَ} أي فريضة زائدة على الفريضة الموظفة على الامة. قلت: وفى هذا التأويل بعد لوجهين: أحدهما- تسمية الفرض بالنفل، وذلك مجاز لا حقيقة.
الثاني- قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «خمس صلوات فرضهن الله على العباد»، وقوله تعالى: «هن خمس وهن خمسون» {ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} وهذا نص، فكيف يقال: افترض عليه صلاة زائدة على خمس، هذا ما لا يصح، وإن كان قد روى عنه عليه السلام: «ثلاث علي فريضة ولامتي تطوع قيام الليل والوتر والسواك».
وقيل: كانت صلاة الليل تطوعا منه وكانت في الابتداء واجبة على الكل، ثم نسخ الوجوب فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة، كما قالت عائشة، على ما يأتي مبينا في سورة المزمل إن شاء الله تعالى. وعلى هذا يكون الامر بالتنفل على جهة الندب ويكون الخطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه مغفور له. فهو إذا تطوع بما ليس بواجب عليه كان ذلك زيادة في الدرجات. وغيره من الامة تطوعهم كفارات وتدارك لخلل يقع في الفرض، قال معناه مجاهد وغيره.
وقيل: عطية، لان العبد لا ينال من السعادة عطاء أفضل من التوفيق في العبادة.
الثالثة: قوله تعالى: {عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً} اختلف في المقام المحمود على أربعة أقوال: الأول- وهو أصحها- الشفاعة للناس يوم القيامة، قاله حذيفة بن اليمان. وفى صحيح البخاري عن ابن عمر قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها تقول: يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود. وفى صحيح مسلم عن أنس قال حدثنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض فيأتون آدم فيقولون له اشفع لذريتك فيقول لست لها ولكن عليكم بإبراهيم عليه السلام فإنه خليل الله فيأتون إبراهيم فيقول لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله فيؤتى موسى فيقول لست لها ولكن عليكم بعيسى عليه السلام فإنه روح الله وكلمته فيؤتى عيسى فيقول لست لها ولكن عليكم بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأوتى فأقول أنا لها»وذكر الحديث.
وروى الترمذي عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه في قوله: {عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً} سئل عنها قال: «هي الشفاعة» قال: هذا حديث حسن صحيح.
إذا ثبت أن المقام المحمود هو أمر الشفاعة الذي يتدافعه الأنبياء عليهم السلام، حتى ينتهى الامر إلى نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيشفع هذه الشفاعة لأهل الموقف ليعجل حسابهم ويراحوا من هول موقفهم، وهو الخاصة به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولأجل ذلك قال: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر». قال النقاش: لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث شفاعات: العامة، وشفاعة في السب إلى الجنة، وشفاعة في أهل الكبائر. ابن عطية: والمشهور أنهما شفاعتان فقط: العامة، وشفاعة في إخراج المذنبين من النار. وهذه الشفاعة الثانية لا يتدافعها الأنبياء بل يشفعون ويشفع العلماء.
وقال القاضي أبو الفضل عياض: شفاعات نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة خمس شفاعات: العامة. والثانية في إدخال قوم الجنة دون حساب.
الثالثة في قوم من موحدى أمته استوجبوا النار بذنوبهم فيشفع فيها نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن شاء الله أن يشفع ويدخلون الجنة. وهذه الشفاعة هي التي أنكرتها المبتدعة: الخوارج والمعتزلة، فمنعتها على أصولهم الفاسدة، وهى الاستحقاق العقلي المبني على التحسين والتقبيح.
الرابعة فيمن دخل النار من المذنبين فيخرجون بشفاعة نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيره من الأنبياء والملائكة وإخوانهم المؤمنين.
الخامسة في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها وترفيعها، وهذه لا تنكرها المعتزلة ولا تنكر شفاعة الحشر الأول. قال القاضي عياض: وعرف بالنقل المستفيض سؤال السلف الصالح لشفاعة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورغبتهم فيها، وعلى هذا لا يلتفت لقول من قال: إنه يكره أن تسأل الله أن يرزقك شفاعة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنها لا تكون إلا للمذنبين، فإنها قد تكون كما قدمنا لتخفيف الحساب وزيادة الدرجات. ثم كل عاقل معترف بالتقصير محتاج إلى العفو غير معتد بعمله مشفق أن يكون من الهالكين، ويلزم هذا القائل ألا يدعو بالمغفرة والرحمة، لأنها لأصحاب الذنوب أيضا، وهذا كله خلاف ما عرف من دعاء السلف والخلف. روى البخاري عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة».
القول الثاني- أن المقام المحمود إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة. قلت: وهذا القول لا تنافر بينه وبين الأول، فإنه يكون بيده لواء الحمد ويشفع. روى الترمذي عن أبى سعيد الخدري قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبى آدم فمن سواه إلا تحت لوائي» الحديث. القول الثالث- ما حكاه الطبري عن فرقة، منها مجاهد، أنها قالت: المقام المحمود هو أن يجلس الله تعالى محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معه على كرسيه، وروت في ذلك حديثا. وعضد الطبري جواز ذلك بشطط من القول، وهو لا يخرج إلا على تلطف في المعنى، وفية بعد. ولا ينكر مع ذلك أن يروى، والعلم يتأوله. وذكر النقاش عن أبى داود السجستاني أنه قال: من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم، ما زال أهل العلم يتحدثون بهذا، من أنكر جوازه على تأويله. قال أبو عمر ومجاهد: وإن كان أحد الأئمة يتأول القرآن فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم: أحدهما هذا والثاني في تأويل قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} قال: تنتظر الثواب، ليس من النظر. قلت. ذكر هذا في باب ابن شهاب في حديث التنزيل.
وروى عن مجاهد أيضا في هذه الآية قال: يجلسه على العرش. وهذا تأويل غير مستحيل، لان الله تعالى كان قبل خلقه الأشياء كلها والعرش قائما بذاته، ثم خلق الأشياء من غير حاجة إليها، بل إظهارا لقدرته وحكمته، وليعرف وجوده وتوحيده وكمال قدرته وعلمه بكل أفعاله المحكمة، وخلق لنفسه عرشا استوى عليه كما شاء من غير أن صار له مماسا، أو كان العرش له مكانا. قيل: هو الآن على الصفة التي كان عليها من قبل أن يخلق المكان والزمان، فعلى هذا القول سواء في الجواز أقعد محمد على العرش أو على الأرض، لان استواء الله تعالى على العرش ليس بمعنى الانتقال والزوال وتحويل الأحوال من القيام والقعود والحال التي تشغل العرش، بل هو مستو على عرشه كما أخبر عن نفسه بلا كيف. وليس إقعاده محمدا على العرش موجبا له صفة الربوبية أو مخرجا له عن صفة العبودية، بل هو رفع لمحله وتشريف له على خلقه. وأما قوله في الاخبار: «معه» فهو بمنزلة قوله: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ}، و{رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ}. {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} ونحو ذلك. كل ذلك عائد إلى الرتبة والمنزلة والحظوة والدرجة الرفيعة، لا إلى المكان.
الرابع- إخراجه من النار بشفاعته من يخرج، قاله جابر بن عبد الله. ذكره مسلم. وقد ذكرناه في كتاب التذكرة والله الموفق.
السادسة: اختلف العلماء في كون القيام بالليل سببا للمقام المحمود على قولين: أحدهما: أن البارئ تعالى يجعل ما شاء من فعله سببا لفضله من غير معرفه بوجه الحكمة فيه، أو بمعرفة وجه الحكمة.
الثاني: أن قيام الليل فيه الخلوة مع البارئ والمناجاة دون الناس، فأعطى الخلوة به ومناجاته في قيامه وهو المقام المحمود. ويتفاضل فيه الخلق بحسب درجاتهم، فأجلهم فيه درجة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه يعطى ما لا يعطى أحد ويشفع ما لا يشفع أحد. و{عَسى} من الله عز وجل واجبة. و{مَقاماً} نصب على الظرف. أي في مقام أو إلى مقام. وذكر الطبري عن أبى هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «المقام المحمود هو المقام الذي أشفع فيه لامتي». فالمقام الموضع الذي يقوم فيه الإنسان للأمور الجليلة كالمقامات بين يدي الملوك.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال