سورة الإسراء / الآية رقم 89 / تفسير تفسير الشعراوي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا القُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الهُدَى إِلاَّ أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَّسُولاً قُلْ كَفَى بِاللَّّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً

الإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراء




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا(89)}
التصريف: هو التحويل والتنويع بأساليب مختلفة لزيادة البيان، والمراد أن القرآن الكريم لا يعالج القضايا بأسلوب رتيب جامد، بل يُحوِّل الكلام بين أساليب متعددة؛ لأنه يخاطب طباعاً متعددة، ويتعرض أيضاً لموضوعات متعددة ومعاني مختلفة، فلابد أن يصرف الأسلوب ويَقلِبه على أكثر من وجه، فالذي لا يفهم هذه يفهم هذه، فيعرض المعنى الواحد بأساليب متعددة وأمثال مختلفة.
ونأخذ مثالاً على ذلك قضية القمة، وهي الألوهية ووحدانية الله تعالى، فنرى القرآن يعرضها في معارض مختلفة هكذا: {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا..} [الأنبياء: 22].
أي: في السماء والأرض.
وهذا الأسلوب قد لا يفهمه غير العربي؛ لأنه يفتقد الملَكَة اللغوية التي يتلقّى بها كلام الله، وقد يعترض فيقول:(إلا) أداة استثناء. فالمعنى: لو كان فيهما آلهة خارج منهم الله لَفَسدتَا، فلو كانت هناك آلهة ومعهم الله فهذه لا تجوز؛ لأنها مشاركة، لكنها تفيد أن الله تعالى موجود، وإنْ كان معه آخرون، والمنطق في هذه الحالة يقول: لو كان في السماء والأرض آلهة ومعهم الله لا تفسد.
لكن الحقيقة أن {إِلاَّ} هنا ليس للاستثناء، بل هي اسم بمعنى(غير). فالمعنى إذن: لو كان فيهما آلهة غير الله لَفسدَتا.
ثم يعرضها بأسلوب آخر، فيقول تعالى: {مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ..} [المؤمنون: 91].
فالحق تبارك وتعالى مُنزّه عن الولد والشريك، إذ لو كان معه إله آخر لَذهبَ كل إله بما خلق، واختصّ نفسه بمنطقة معينة، ولعلا بعضُهم على بعض، فإن أرادوا إبراز شيء للوجود، فأيّهما يبرزه؟ إنْ قدر على إبراز واحد فالآخر عاجز، وإنْ لم يقدر عليه واحد بمفرده، فهما عاجزان لا يصلحان للألوهية.
ثم يعرض نفس القضية بأسلوب آخر، فيقول: {قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً} [الإسراء: 42].
أي: إنْ كان مع الله آلهة كما يدَّعي المشركون لَذهَب هؤلاء الآلهة إلى ذي العرش يُعاتبونه أو يُؤدِّبونه، أو يُعاقبونه؛ لأنه انفرد بالملْك من دونهم.
وبأسلوب آخر يقول تعالى: {شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ..} [آل عمران: 18].
ولم يَأْتِ مَنْ ينازعه هذه المكانة، أو يدَّعيها لنفسه، إذن: فقد ثبتتْ له هذه القضية إلى أنْ يُوجَد معارض، فالمختلف فيه يتفق عليه إنْ لم يظهر له معارض.
وسبق أن ضربنا لذلك مثلاً، ولله المثل الأعلى: هَبْ أن جماعة انصرفوا من مجلس، ثم وجد صاحب البيت حافظة نقود في مكان مجلسهم فعرضها عليهم، فلم يدَّعها أحد لنفسه إلا رجل واحد قال: هي لي، أيشكُّ صاحب البيت أنها له؟
نرى هذا التصرف أيضاً في أسلوب القرآن في مسألة ادعاء أن لله تعالى ولداً، تعالى الله عما يقول المبطلون عُلُواً كبيراً، فيعرضها القرآن هكذا: {وَقَالَتِ اليهود عُزَيْرٌ ابن الله وَقَالَتْ النصارى المسيح ابن الله} [التوبة: 30].
فيردُّ القرآن هذا الزعْم بقوله تعالى: {بَدِيعُ السماوات والأرض أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ..} [الأنعام: 101].
وفي موضع آخر يعرض المسألة هكذا: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البنات سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ} [النحل: 57].
أي: فإن كنتم تريدون مقاسمة الخالق سبحانه، فهل يليق أنْ تأخذوا أنتم البنين؛ لأنهم المفضلون حَسْب زعمكم، وتتركوا له تعالى البنات: {أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى} [النجم: 21-22] أي: قسمة جائرة.
وهكذا يُصرِّف القرآن أسلوبه، ويُحوّله ليقنع به جميع العقول؛ ليناسب كل الطبائع. وتمتاز لغة العرب بالمثل والحكمة؛ لذلك كان من التصريف في أسلوب القرآن استخدام المثل، وهو تعبير مُوجَز، يحمل المعاني الكثيرة وتتعشق لفظه، وتقوله كما هو دون تغيير إذا جاءت مناسبته.
فإذا أرسلتَ أحداً في مهمة أو جماعة، فيمكنك حين عودتهم تقول لهم مستفهماً:(ماذا وراءكِ يا عصام؟) هكذا بصيغة المؤنثة المفردة، لأن المثل قيل هكذا، حيث أرسل أحدهم امرأة تسمى عصام لتخطب له إحدى النساء وحينما أقبلت عليه خاطبها بهذه العبارة، فصارت مثلاً.
وكما تقول لصاحبك الذي يتعالى عليك:(إن كنت ريحاً فقد لاقيت إعصاراً) إذن: المثل يمتاز بأنه يثبت على لفظه الأول ولا يتغير عنه.
أما الحكمة فهي: قول شارد يقوله كل واحد، وهو كلام يقلُّ لفظه، ويجِلُّ معناه.
كما تقول: (رُبَّ أخ لك لم تَلِدْهُ أمك).
(لا تُعلِّم العَوانُ الخِمْرة).
(إن المنبتَّ لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى) أي: أن الذي يُجهِد دابته في السير لن يصل إلى ما يريد؛ لأنها ستنقطع به ولا تُوصِّله.
ومن الحكمة هذه الأبيات الشعرية التي صارت حكمة متداولة:
وَمَنْ يكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَريضٍ *** يَجِدْ مُرّاً بِهِ المَاءَ الزُّلاَلاَ
وقوله:
وَأَتْعَس النَّاسِ حَظَّاً مَنْ تكونُ لَه *** نَفْسُ الملُوكِ وحالاتُ المسَاكين
وهَبْ أن ولدك أهمل دروسه طوال العام وعند الامتحان أخذ يجدّ ويَجْتهد ويُرهِق نفسه، هنا يمكنك أن تقول له:(قبل الرماء تُملأُ الكنائن) والكنانة هي المخلاة التي تُوضَع بها السهام، وهذه لابد أنْ يُعِدّها الصياد قبل صَيْده لا وقت الصيد.
إذن: لأهمية المثل في لغة العرب جعله القرآن لَوْناً أسلوبياً، وأداةٍ للإقناعٍ، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا..} [البقرة: 26].
لأن الله تعالى يخاطب بالقرآن عقولاً مختلفة وطبائع متعددة؛ لذلك لا يستحي أن يضرب المثل بأحقر مخلوقاته لِيُقنِعَ الجميع كُلاً بما يناسبه.
وقوله: {فَمَا فَوْقَهَا} قد يقول قائل: ولماذا قال {فَمَا فَوْقَهَا}، فالعجيب هنا مسألة الصِّغَر؟
نقول: المراد بما فوقها.
أي: في المعنى المراد، وهو الصِّغر. أي: ما فوقها في الصِّغر لا أكبر منها.
ثم يأتي بالمعنى في صورة أخرى: {ياأيها الناس ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمعوا لَهُ إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجتمعوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطالب والمطلوب} [الحج: 73].
وفي آية أخرى يقول سبحانه: {مَثَلُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ العنكبوت اتخذت بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ البيوت لَبَيْتُ العنكبوت لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 41].
إذن: يُصرِّف الله الأمثال ويُحوِّلها ليأخذ كل طَبْع ما يناسبه وما يقتنع به، وليس القرآن على وتيرة واحدة أو مزيج واحد يعطي للجميع. بل يُشخّص الداءات ويُحلِّلها ويعالجها بما يناسبها؛ لذلك يأتي الأسلوب مختلفاً.
وهذه المسألة واضحة في الحديث النبوي الشريف، حيث كان الصحابة يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم السؤال الواحد، وتأتي الإجابة مختلفة من شخص لآخر، فقد سُئِل صلى الله عليه وسلم كثيراً: ما أفضل الأعمال يا رسول الله؟ فقال للسائل: (الصلاة لوقتها) وقال لآخر: (بر الوالدين) وقال لآخر: (أنْ تلقىَ أخاك بوجه طَلْق).
وهكذا جاءت الإجابة مختلفة من شخص لآخر؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يراعي حال سائله، ويحاول أنْ يعالج نقطة الضعف فيه، فالأمر ليس(أكلشيه) ثابتاً يعطيه للجميع، بل هي مراعاة الأحوال والطباع.
ثم يقول تعالى: {فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُوراً} [الإسراء: 89].
نعرف أن(إلاّ) أداة استثناء، تُخرِج ما بعدها من حكم ما قبلها، كما تقول: جاء القوم إلا زيداً، ولو طبَّقْنَا هذه القاعدة على الآية لا يستقيم معناها، كما لو قلت: ضربت إلا زيدا، والآية أسلوب عربي فصيح.
نقول: لأن معنى أبى: لم يقبل ولم يَرْضَ، فالمراد: لم يَرْضَ إلا الكفور، فلابد للاستثناء المفرّغ أنْ يُسبق بنفي.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً}.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال