سورة الإسراء / الآية رقم 94 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا القُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الهُدَى إِلاَّ أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَّسُولاً قُلْ كَفَى بِاللَّّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً

الإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراء




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (89) وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (93) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً (94) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (95) قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (96)}.
التفسير:
قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً}.
صرّفنا: بيّنا، وكشفنا، وذلك بعرض الأمر على وجوهه كلّها، حتى ينكشف للناس جميعا.. والتصريف التنويع، ومنه تصريف الرياح، وهو هبوبها من جهات مختلفة.
بعد أن بيّن اللّه سبحانه وتعالى ما في القرآن الكريم من هذا الإعجاز الذي أعجز الإنس والجنّ، جاء قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً} جاء ليكشف عن هذا الضلال المبين، وذلك العناد الأعمى، الذي يستبدّ بالناس، فيعميهم عن الحق، ويصرفهم عن الهدى، ويزين لهم الباطل.
فهذا القرآن في بيانه المبين، وحجته المشرقة القاهرة، وهذه الآيات التي صرّفها اللّه سبحانه وتعالى في هذا القرآن، والأمثال التي ضربها للناس فيه، كلّ هذا لم تبصره أبصار الضالين، ولم تطمئن به قلوب المشركين، بل إن ذلك قد زادهم نفورا عن الهدى، وبعدا عن الحق.. شأنهم في هذا شأن كثير من الهوامّ والحشرات التي يأخذ ضوء النهار على أبصارها، فتفرّ من كل مكان يلوح منه ضوء! قوله تعالى: {وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً}.
هذا بيان لما كان عليه المشركون من عناد ومكابرة في الحق.. فهم إذ عموا عن آيات اللّه، وإذ لم يروا منها ما يراه أهل السلامة والعافية، لم يتّهموا أنفسهم، ولم ينظروا إلى هذا الداء المتمكن منهم، فلجّ بهم في الضلال، وساقهم إلى هذا التيه الذي هم فيه، بل اتهموا القرآن نفسه، وقالوا: {إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} {إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها، فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} ثم راحوا يتحدّون النبىّ، ويقترحون عليه في مجال التحدّى أن يأتيهم بآيات مادّية يرونها بأعينهم، ويلمسونها بأيديهم.
{وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً}.
فهذه واحدة من مقترحاتهم.. أن يفجر لهم ينبوعا من الأرض يتدفق منه الماء، كما فعل موسى مع بنى إسرائيل بعصاه.
وأخرى.. هى أن تكون للنبىّ جنة من نخيل وعنب، تجرى من تحتها الأنهار في وسط هذه الصحراء الجديب.. {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً}.
وثالثة.. هى أن يسقط عليهم السّماء، فتطبق على الأرض وتحيلهم وديارهم ترابا في ترابها.
{أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً}.
والكسف: القطع.
ورابعة.. وهى أن يأتيهم باللّه ومعه الملائكة.
{أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا}.
والقبيل: ما يقابل الشيء ويواجهه، ومنه القبلة، لأنها في مقابل من يتجه إليها، ويقبل عليها.
وخامسة.. وهى أن يكون له بيت عظيم، وقصر مشيد، كقصر كسرى أو قيصر، تحتشد فيه الزخارف، وتجتمع فيه ألوان الزينة والترف.
{أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} أي من ذهب.
وسادسة، وهى أن يرقى في السماء، ويرى صاعدا إليها، كما تصعد الطيور إلى ما فوق السحاب.
{أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ..}.
وإنهم لن يصدّقوا ما تراه أعينهم، إذا هو صعّد إلى السماء، فقد يكون ذلك من قبيل السّحر، وإنّما الذي يجعل من صعوده إلى السماء آية عندهم، أن يعود إليهم، ومعه كتاب كالكتاب الذي جاء به موسى.
{وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ}.
فهذه مقترحاتهم المتحدية، التي اقترحوها على النبىّ، وله أن يختار أيّا منها.. فإن أعجزته واحدة، فليختر غيرها.. فإن أعجزته هذه المقترحات كلها، فقد أسقط في يده، وظهر عجزه، وكان عليه أن يستسلم لهم، ويدع ما يدعوهم إليه.
وفى هذه المقترحات أمور.. منها:
أولا: أنها صيغت صياغة يبدو منها أن القوم قد أنصفوا النبىّ، ولم يجيئوا إليه متعنّتين، حيث وضعوا بين يديه أكثر من سبيل، فيتخيرّ أيسرها عليه، وأقربها تناولا منه.
وثانيا: أنهم لم يقصروا مقترحاتهم على مطالب ذات نفع خاص بهم، حتى يقال عنهم إنهم طلّاب منفعة، وأصحاب أهواء.. فهم إذ طلبوا أن يفجّر لهم من الأرض ينبوعا، طلبوا أن يسقط السّماء عليهم كسفا.. وهم إذ طلبوا لأنفسهم أن يفجّر لهم من الأرض ينبوعا، طلبوا له أن ينشىء لنفسه جنّة من نخيل وعنب، تجرى من تحتها الأنهار وليس نهرا واحدا، كما طلبوا أن يقيم له قصرا مشيدا، مزخرفا، مموها بالذهب.
وثالثا: أن أصابع اليهود تبدو بصماتها واضحة على تلك المقترحات، وأنهم هم الذين صاغوها للمشركين تلك الصياغة الخبيثة الماكرة.. إذ هم أصحاب قدم راسخة في هذا الضلال الذي كانوا يلقون به رسل اللّه إليهم.. فقد سألوا موسى أن يريهم اللّه جهرة، كما يقول اللّه تعالى عنهم: {وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [55: البقرة]. ومن مواقفهم الماكرة مع موسى أنهم أرادوا أن يمتحنوا قدرته على الاتصال باللّه، فطلبوا إليه أن يأتيهم بطعام غير المنّ والسّلوى، وهو طعام سماوى وضعه اللّه في أيديهم.. فقالوا {فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها، قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [61: البقرة].
فهذه المقترحات التي اقترحها المشركون على النبىّ لم يكن مرادا بها إلّا التحدّى، حتى ولو كان في هذا التحدّى هلاكهم! فقولهم: {أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً} هو من قبيل ما طلبه بنو إسرائيل، من استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير!! وقد أمر اللّه نبيّه أن يردّ على مقترحاتهم تلك بقوله سبحانه: {قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا}.
وقد تضمن هذا الرد أمرين:
أولهما: أنه- صلوات اللّه وسلامه عليه- ليس إلا بشرا مثلهم، وأنه محكوم بهذه البشرية التي تحكمهم، وأنه بحكم هذه البشرية ليس مما يحسب عليه، أو ينقص من قدره ألّا يأتى بشىء من هذه المقترحات التي اقترحوها عليه.. لأنها خارجة عن حدود البشر.
وثانيا: أنه رسول، ومن شأن الرسول ألّا يخرج عن الحدود التي رسمها له من أرسله، وإلا كان خائنا للرسالة، وحينئذ يكون ما يعمله أو يقوله هو لحسابه الشخصي، وفى حدود مقدرته.
والرسول حريص على أداء الرسالة التي أمر بتبليغها، ملتزم الحدود المرسومة له.. فإذا حدثته نفسه بالخروج عن حدود رسالته، فمعنى هذا أنه انسلخ عن صفته تلك، ولم يعد رسولا، وأصبح مجرد {بشر} لاصلة له بالسماء.. وإذا كان كذلك، فإنه ليس له سبيل إلى الإتيان بشىء من هذه المقترحات التي يقترحها المشركون عليه، والتي هى فوق طاقة البشر! ففى هذا الرد المعجز: {هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا} إفحام لهؤلاء المشركين، الذين يجهلون تلك البديهيات، وهى أن الرسول الذي يقترحون عليه هذه المقترحات، هو بشر منهم، قبل أن يكون رسولا، وأن كونه رسولا لا يخرجه عن بشريته، وأنه إنما يعطى ما تقدمه له السماء، كما يقول اللّه سبحانه وتعالى له: {قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ} [110: الكهف] وكما يقول سبحانه: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ} [44- 47: الحاقة].
قوله تعالى: {وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا}.
الناس، هنا، هم مطلق الناس، في كل زمان ومكان.. والمراد بهم أولئك الذين يلقون رسل اللّه بالبهت والتكذيب، ويقفون منهم موقف العناد والتحدّى، وقد جاء النظم القرآنى بكلمة {الناس} على إطلاقها، لأن الكثرة الغالبة في الناس، هى التي لا تؤمن بالرسل، وقليل منهم أولئك الذين يؤمنون.
كما يقول سبحانه: {وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [103: يوسف].
والشبهة التي تفسد على هؤلاء الضالين رأيهم في رسل اللّه، وتصوّرهم للطبيعة التي يكونون عليها- هى أن الرسل الذين يكونون سفراء بين اللّه والناس، ينبغى أن يكونوا- حسب تقديرهم- على مستوى فوق مستوى البشر، إذ لو كان من الممكن أن يتصل إنسان باللّه، لكانوا هم- أي هؤلاء الضالون المنكرون- أهلا لهذا الأمر، وأولى به من هذا الرسول، الذي يدّعى تلك الدعوى على اللّه..!!
فهذا الإنكار الذي يواجه به المشركون رسل اللّه، إنما يقوم أساسا عند هؤلاء المنكرين، على أمرين:
أولهما: أن البشر عموما في مستوى دون هذا المستوي الذي يستطيع فيه إنسان أن يتصل باللّه.
وثانيهما: أنه لو كان في الإمكان أن يتصل إنسان باللّه، فلن يكونه هذا الإنسان الذي يدّعى أنه رسول من عند اللّه! فهناك عندهم من هم أولى منه.. حتى لكأن ذلك مما يتزاحمون عليه من مظاهر الحياة المادية.. واللّه سبحانه وتعالى يقول: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ} [124: الأنعام].
وقوله تعالى: {قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا} هو ردّ على هؤلاء الذين ينكرون أن يبعث اللّه بشرا رسولا، ويرفضون التعامل مع أي إنسان يقول إنه رسول من ربّ العالمين.. ويطالبون أن يكون المبعوث إليهم ملكا من ملائكة اللّه، أو اللّه ذاته، كما يقول سبحانه على لسانهم: {وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً} [21: الفرقان].
وفى قوله تعالى: {لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ} استبعاد لصلاحية الملك أن يؤدى رسالة الرسول بين الناس.. إنه ملك، وهم بشر.
فلو جاء إلى الناس على صورة غير صورة البشر لفتنوا به إذا خاطبهم- وهو غير إنسان- بلسانهم وتحدّث إليهم بلغتهم.
ولو جاءهم في صورة إنسان، لظلت الشبهة قائمة عندهم في أن هذا الرسول بشر.. وفى هذا يقول اللّه تعالى: {وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ} [9: الأنعام] أي أنه إذا كان من تدبير اللّه سبحانه وتعالى أن يبعث إلى الناس ملكا رسولا لاقتضت حكمته أن يكون هذا الملك في صورة بشرية كاملة، حتى يمكن أن يلتقى بالناس ويبلغهم رسالة ربّه! وهذا لا يغيّر من واقع الحال شيئا.. فملك في صورة بشر.. هو في حساب الناس بشر.
قوله تعالى: {قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً} هو تهديد لهؤلاء المشركين، بأن يتركهم النبىّ وشأنهم، وما هم فيه من ضلال وعمى، بعد أن أبلغهم رسالة ربّه، ورفع لأبصارهم أضواء الحق، وأنوار الهدى.. واللّه شهيد على ما كان من النبىّ وما كان منهم، واللّه سبحانه لا تخفى عليه خافية، إنه كان بعباده خبيرا بصيرا، مطلعا على ما يسرّون وما يعلنون.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال