سورة مريم / الآية رقم 89 / تفسير تفسير القرطبي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

أَفَرَءَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً أَطَّلَعَ الغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العَذَابِ مَداًّ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزاًّ كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِداًّ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزاًّ فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَداًّ يَوْمَ نَحْشُرُ المُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً وَنَسُوقُ المُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِداًّ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَداًّ أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَداًّ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْداً

مريممريممريممريممريممريممريممريممريممريممريممريممريممريممريم




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (89) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (91) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (95)}
قوله تعالى: {وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً} يعني اليهود والنصارى، ومن زعم أن الملائكة بنات الله. وقرأ يحيى والأعمش وحمزة والكسائي وعاصم وخلف: {ولدا} بضم الواو وإسكان اللام، في أربعة مواضع: من هذه السورة قوله تعالى: {لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً} [مريم: 77] وقد تقدم، وقوله: {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً. وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً}.
وفي سورة نوح {مالُهُ وَوَلَدُهُ} [نوح: 21]. ووافقهم في {نوح} خاصة ابن كثير ومجاهد وحميد وأبو عمرو ويعقوب. والباقون في الكل بالفتح في الواو واللام وهما لغتان مثل والعرب والعرب والعجم والعجم قال:
ولقد رأيت معاشرا *** قد ثمروا مالا وولدا
وقال آخر:
وليت فلانا كان في بطن أمه *** وليت فلانا كان ولد حمار
وقال في معنى ذلك النابغة:
مهلا فداء لك الأقوام كلهم *** وما أثمر من مال ومن ولد
ففتح. وقيس يجعلون الولد بالضم جمعا والولد بالفتح واحدا. قال الجوهري: الولد قد يكون واحدا وجمعا وكذلك الولد بالضم. ومن أمثال بني أسد: ولدك من دمى عقبيك. وقد يكون الولد جمع الولد مثل أسد وأسد والولد بالكسر لغة في الولد. النحاس: وفرق أبو عبيدة بينهما فزعم أن الولد يكون للأهل والولد جميعا. قال أبو جعفر وهذا قول مردود لا يعرفه أحد من أهل اللغة ولا يكون الولد والولد إلا ولد الرجل، وولد ولده، إلا أن ولدا أكثر في كلام العرب، كما قال:
مهلا فداء لك الأقوام كلهم *** وما أثمر من مال ومن ولد
قال أبو جعفر وسمعت محمد بن الوليد يقول: يجوز أن يكون ولد جمع ولد كما يقال وثن ووثن وأسد وأسد، ويجوز أن يكون ولد وولد بمعنى واحد كما يقال عجم وعجم وعرب وعرب كما تقدم. قوله تعالى: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا} أي منكرا عظيما، عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما. قال الجوهري: الإد والادة الداهية والامر الفظيع ومنه قوله تعالى: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا} وكذلك الآد مثل فاعل. وجمع الادة أدد. وأدت فلانا داهية تؤده إدا بالفتح. والاد أيضا الشدة. والاد الغلبة والقوة قال الراجز:
نضون عني شدة وأدا *** من بعد ما كنت صملا جلدا
انتهى كلامه. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: {إدا} بفتح الهمزة. النحاس: يقال أد يؤد إدا فهو آد والاسم الإد، إذا جاء بشيء عظيم منكر.
وقال الراجز:
قد لقي الاقران مني نكرا *** داهية دهياء إدا إمرا
عن غير النحاس الثعلبي: وفيه ثلاث لغات {إِدًّا} بالكسر وهي قراءة العامة {وادا} بالفتح وهى قراءة السلمي و{آد} مثل ماد وهي لغة لبعض العرب رويت عن ابن عباس وأبي العالية، وكأنها مأخوذة من الثقل يقال: آده الحمل يئوده أودا أثقله. قوله تعالى: {تَكادُ السَّماواتُ} قراءة العامة هنا وفي الشورى بالتاء. وقراءة نافع ويحيى والكسائي {يكاد} بالياء لتقدم الفعل. {يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} 90 أي يتشققن. وقرأ نافع وابن كثير وحفص وغيرهم: بتاء بعد الياء وشد الطاء من التفطر هنا وفي الشورى.
ووافقهم حمزة وابن عامر في الشورى. وقرأ هنا {ينفطرن} من الانفطار: وكذلك قرأها أبو عمرو وأبو بكر والمفضل في السورتين. وهي اختيار أبي عبيد، لقوله تعالى: {إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار: 1] وقوله: {السماء منفطر به} [المزمل: 18]. وقوله: {وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ} 90 أي تتصدع. {وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا} 90 قال ابن عباس: هدما أي تسقط بصوت شديد.
وفي الحديث: «اللهم إنى أعوذ بك من الهد والهدة» قال شمر قال أحمد بن غياث المروزي: الهد الهدم والهدة الخسوف.
وقال الليث هو الهدم الشديد كحائط يهد بمرة يقال: هدني الامر وهد ركني أي كسرني وبلغ مني قاله الهروي والجوهري: وهد البناء يهده هدا كسره وضعضعه وهدته المصيبة أي أوهنت ركنه وانهد الجبل أي انكسر. الأصمعي: والهد الرجل الضعيف يقول الرجل للرجل إذا أوعده: إنى لغير هد أي غير ضعيف.
وقال ابن الاعرابي: الهد من الرجال الجواد الكريم وأما الجبان الضعيف فهو الهد بالكسر وأنشد:
ليسوا يهدين في الحروب إذا *** تعقد فوق الحراقف النطق
والهدة صوت وقع الحائط ونحوه تقول منه: هد يهد بالكسر هديدا والهاد صوت يسمعه أهل الساحل يأتيهم من قبل البحر له دوي في الأرض وربما كانت منه الزلزلة ودويه هديده. النحاس {هَدًّا 80} مصدر لان معنى {تَخِرُّ 90} تهد.
وقال غيره: حال أي مهدودة {أن دعوا للرحمن ولدا} {أَنْ} في موضع نصب عند الفراء لان دعوا ومن أن دعوا فموضع {أَنْ} نصب بسقوط الخافض. وزعم الفراء أن الكسائي قال: هي في موضع خفض بتقدير الخافض.
وذكر ابن المبارك: حدثنا مسعر عن واصل عن عون بن عبد الله قال قال عبد الله بن مسعود: إن الجبل ليقول للجبل يا فلان هل مر بك اليوم ذاكر لله؟ فإن قال: نعم سربه ثم قرأ عبد الله {وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً} الآية قال: أفتراهن يسمعن الزور ولا يسمعن الخير؟!. قال: وحدثني عوف عن غالب بن عجرد قال:
حدثني رجل من أهل الشام في مسجد منى قال: إن الله تعالى لما خلق الأرض وخلق ما فيها من الشجر لم تك في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة وكان لهم منها منفعة، فلم تزل الأرض والشجر كذلك حتى تكلم فجرة بني آدم تلك الكلمة العظيمة قولهم {اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً} فلما قالوها اقشعرت الأرض وشاك الشجر.
وقال ابن عباس: اقشعرت الجبال وما فيها من الأشجار والبحار وما فيها من الحيتان فصار من ذلك الشوك في الحيتان وفي الأشجار الشوك.
وقال ابن عباس أيضا وكعب: فزعت السموات والأرض والجبال وجميع المخلوقات إلا الثقلين وكادت أن تزول وغضبت الملائكة فاستعرت جهنم وشاك الشجر واكفهرت الأرض وجدبت حين قالوا: اتخذ الله ولدا.
وقال محمد بن كعب: لقد كاد أعداء الله أن يقيموا علينا الساعة لقوله تعالى: {تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً 90} قال ابن العربي: وصدق فإنه قول عظيم سبق به القضاء والقدر ولولا أن الباري تبارك وتعالى لا يضعه كفر الكافر ولا يرفعه إيمان المؤمن ولا يزيد هذا في ملكه كما لا ينقص ذلك من ملكه لما جرى شيء من هذا على الألسنة ولكنه القدوس الحكيم الحليم فلم يبال بعد ذلك بما يقول المبطلون قوله تعالى: {وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً} فيه أربع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً} نفى عن نفسه سبحانه وتعالى الولد لان الولد يقتضي الجنسية والحدوث على ما بيناه في البقرة أي لا يليق به ذلك ولا يوصف به ولا يجوز في حقه لأنه لا يكون ولد إلا من والد يكون له والد واصل والله سبحانه يتعالى عن ذلك ويتقدس. قال:
في رأس خلقاء من عنقاء مشرفة *** ما ينبغي دونها سهل ولا جبل
{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً} {إِنْ} نافية بمعنى ما أي ما كل من في السموات والأرض إلا وهو يأتي يوم القيامة مقرا له بالعبودية خاضعا ذليلا كما قال: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ} [النمل: 87] أي صاغرين أذلاء أي الخلق كلهم عبيده فكيف يكون واحد منهم ولدا له عز وجل تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا. و{آتي} بالياء في الخط والأصل التنوين فحذف استخفافا وأضيف.
الثانية: في هذه الآية دليل على أنه لا يجوز أن يكون الولد مملوكا للوالد خلافا لمن قال إنه يشتريه فيملكه ولا يعتق عليه إلا إذا أعتقه. وقد أبان الله تعالى المنافاة بين الأولاد والملك فإذا ملك الوالد ولده بنوع من التصرفات عتق عليه. ووجه الدليل عليه من هذه الآية أن الله تعالى جعل الولدية والعبدية في طرفي تقابل فنفى أحدهما وأثبت الآخر ولو اجتمعا لما كان لهذا القول فائدة يقع الاحتجاج بها وفي الحديث الصحيح: «لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه» خرجه مسلم. فإذا لم يملك الأب ابنه مع مرتبته عليه فالابن بعدم ملك الأب أولى لقصوره عنه.
الثالثة: ذهب إسحاق بن راهويه في تأويل قوله عليه الصلاة والسلام: «من أعتق شركا له في عبد» أن المراد به ذكور العبيد دون إناثهم فلا يكمل على من أعتق شركا في أنثى وهو على خلاف ما ذهب إليه الجمهور من السلف ومن بعدهم فإنهم لم يفرقوا بين الذكر والأنثى لان لفظ العبد يراد به الجنس كما قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً} فإنه قد يتناول الذكر والأنثى من العبيد قطعا. وتمسك إسحاق بأنه قد حكى عبدة في المؤنث.
الرابعة: روى البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يقول الله تبارك وتعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله ليس يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن لي كفوا أحد» وقد تقدم في البقرة وغيرها وإعادته في مثل هذا الموضع حسن جدا.
قوله تعالى: {لَقَدْ أَحْصاهُمْ} أي علم عددهم {وَعَدَّهُمْ عَدًّا} تأكيد أي فلا يخفى عليه أحد منهم. قلت: ووقع لنا في أسمائه سبحانه المحصي أعني في السنة من حديث أبي هريرة خرجه الترمذي واشتقاق هذا الفعل يدل عليه.
وقال الأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني: ومنها المحصي ويختص بأنه لا تشغله الكثرة عن العلم مثل ضوء النور واشتداد الريح وتساقط الأوراق فيعلم عند ذلك أجزاء الحركات في كل ورقة وكيف لا يعلم وهو الذي يخلق وقد قال: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}. ووقع في تفسير ابن عباس أن معنى {لقد أحصاهم وعدهم عدا} يريد أقروا له بالعبودية وشهدوا له بالربوبية. قوله تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً} أي واحدا لا ناصر له ولا مال معه لينفعه كما قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} فلا ينفعه إلا ما قدم من عمل وقال: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ} على لفظ وعلى المعنى آتوه.
وقال القشيري: وفية إشارة إلى أنكم لا ترضون لأنفسكم باستعباد أولادكم والكل عبيده فكيف رضيتم له مالا ترضون لأنفسكم. وقد رد عليهم في مثل هذا في أنهم لا يرضون لأنفسهم بالبنات ويقولون: الملائكة بنات الله تعالى الله عن ذلك وقولهم: الأصنام بنات الله. وقال: {فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم}.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال