سورة مريم / الآية رقم 98 / تفسير تفسير الألوسي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُداًّ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ المُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّداًّ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقَى إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ العُلَى الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى

مريممريممريممريمطهطهطهطهطهطهطهطهطهطهطه




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)}
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ} وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ضمن وعيد هؤلاء القوم بالإهلاك وحث له عليه الصلاة والسلام على الإنذار أي قرنًا كثيرًا أهلكنا قبل هؤلاء المعاندي {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مّنْ أَحَدٍ} استئناف مقرر لمضمون ما قبله، والاستفهام في معنى النفي أي ما تشعر بأحد منهم.
وقرأ أبو حيولا. وأبو حرية. وابن أبي عبلة. وأبو جعفر المدني {تُحِسُّ} بفتح التاء وضم الحاء {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} أي صوتًا خفيًا وأصل التركيب هو الخفاء ومنه ركز الرمح إذا غيب طرفه في الأرض والركاز للمال المدفون، وخص بعضهم الركز بالصوت الخفي دون نطق بحروف ولا فم، والأكثرون على الأول، وخص الصوت الخفي لأنه الأصل الأكثر ولأن الأثر الخفي إذا زال فزوال غيره بطريق الأولى.
والمعنى أهلكناهم بالكلية واستأصلناهم بحيث لا ترى منهم أحدًا ولا تسمع منهم صوتًا خفيًا فضلًا عن غيره، وقيل: المعنى أهلكناهم بالكلية بحيث لا ترى منهم أحدًا ولا تسمع من يخبر عنهم ويذكرهم بصوت خفي، والحاصل أهلكناهم فلا عين ولا خبر، والخطاب إما لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح للخطاب.
وقرأ حنظلة «تسمع» مضارع اسمعت مبنيًا للمفعول والله تعالى أعلم.
ومن باب الإشارة في الآيات: {واذكر فِى الكتاب إبراهيم إِنَّهُ كَانَ صِدّيقًا نَّبِيًّا} [مريم: 41] أمر للحبيب أن يذكر الخليل وما من الله تعالى به عليه من أحكام الخلة ليستشير المستعدين إلى التحلي بما أمكن لهم منها. والصديق على ما قال ابن عطاء القائم مع ربه سبحانه على حد الصدق في جميع الأوقات لا يعارضه في صدقه معارض بحال، وقال أبو سعيد الخزاز: الصديق الآخذ بأتم الحظوظ من كل مقام سنى حتى يقرب من درجات الأنبياء عليهم السلام، وقال بعضهم: من تواترت أنوار المشاهدة واليقين عليه وأحاطت به أنوار العصمة.
وقال القاضي: هو الذي صعدت نفسه تارة راقي النظر في الحجج والآيات وأخرى عارج التصفية والرياضة إلى أوج العرفان حتى اطلع على الأشياء وأخبر عنها على ما هي عليه، ومقام الصديقية قيل: تحت مقام النبوة ليس بينهما مقام.
وعن الشيخ الأكبر قدس سره إثبات مقام بينهما وذكر أنه حصل لأبي بكر الصديق رضي الله عنه. والمشهور بهذا الوصف بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم أبو بكر رضي الله تعالى عنه وليس ذلك مختصًا به، فقد أخرج أبو نعيم في المعرفة. وابن عساكر. وابن مردويه من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه أبي ليلى الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصديقون ثلاثة، حبيب النجار مؤمن آل يس الذي قال: {قَالَ ياقوم اتبعوا المرسلين}، وحز قيل مؤمن آل فرعون الذي قال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبّىَ الله} وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه وهو أفضلهم {إِذْ قَالَ لاِبِيهِ ياأبت ياأبت لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئًا} [مريم: 42]».
الخ فيه من لطف الدعوة إلى اتباع الحق والإرشاد إليه ما لا يخفى. وهذا مطلوب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا سيما إذا كان ذلك مع الأقارب ونحوهم قال: {سلام عليك} [مريم: 47] هذا سلام الأعراض عن الأغيار وتلطف الأبرار مع الجهال، قال أبو بكر بن طاهر: أنه لما بدا من آزر في خطابه عليه السلام ما لا يبدو إلا من جاهل جعل جوابه السلام لأن الله تعالى قال: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَمًا} [الفرقان: 63] {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} [مريم: 84] أي أهاجر عنكم بديني، ويفهم. منه استحباب هجر الاشرار.
وعن أبي تراب النخشبي صحبة الإشرار تورث سوء الظن بالاخبار، وقد تضافرت الأدلة السمعية والتجربة على أن مصاحبتهم تورث القسوة وتثبط عن الخير {وادعوا رَبّى عَسَى أَن لا أَكُونَ بِدُعَاء رَبّى شَقِيّا} [مريم: 48] فيه من الدلالة على مزيد أدبه عليه السلام مع ربه عز وجل ما فيه، ومقام الخلة يقتضي ذلك فإن من لا أدب له لا يصلح أن يتخذ خليلًا {فَلَمَّا اعتزلهم وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله وَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ} [مريم: 49] كأن ذلك كان عوضًا عمن اعتزل من أبيه وقومه لئلا يضيق صدره كما قيل: ولما اعتزل نبينا صلى الله عليه وسلم الكون أجمع ما زاغ البصر وما طغى عوض عليه الصلاة والسلام بأن قال له سبحانه: {إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10].
«واذكر» أيها الحبيب «في الكتاب موسى» الكليم «إنه كان مخلصًا» لله تعالى في سائر شؤونه، قال الترمذي: المخلص على الحقيقة من يكون مثل موسى عليه السلام ذهب إلى الخضر على السلام ليتأدب به فلم يسامحه في شيء ظهر له منه {وناديناه مِن جَانِبِ الطور الايمن وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم: 52] قالوا النداء بداية والنجوى نهاية، النداء مقام الشوق والنجوى مقام كشف السر {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هارون نَبِيًّا} [مريم: 53] قيل: علم الله تعالى ثقل الأسرار على موسى عليه السلام فاختار له هارون مستودعًا لها فهورون عليه السلام مستودع سر موسى عليه السلام، {واذكر فِى الكتاب إسماعيل إِنَّهُ كَانَ صادق الوعد} [مريم: 54] بالصبر على بذل نفسه أو بما وعد به استعداده من كمال التقوى لربه جل وعلا والتحلي بما يرضيه سبحانه من الأخلاق {واذكر فِى الكتاب إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدّيقًا نَّبِيًَّا وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 56، 57] وهو نوع من القرب من الله تعالى به عليه عليه السلام.
وقيل: السماء الرابعة والتفضل عليه بذلك لما فيه من كشف بعض أسرار الملكوت أولئك الذين أنعم الله عليهم بما لا يحيط نطاق الحصر به من النعم الجليلة {أُولَئِكَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مّنَ النبيين} مما كشف لهم من آياته تعالى، وقد ذكر أن القرآن أعظم مجلى لله عز وجل: {وَبُكِيًّا} [مريم: 58] من مزيد فرحهم بما وجدوه أو من خوف عدم استمرار ما حصل لهم من التجلي:
ونبكي إن نأوا شوقًا إليهم *** ونبكي إن دنوا خوف الفراق
{وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62] قيل: الرزق هاهنا مشاهدة الحق سبحانه ورؤيته عز وجل وهذا لعموم أهل الجنة وأما المحبوبون والمشتاقون فلا تنقطع عنهم المشاهدة لمحة ولو حجبوا لماتوا من ألم الحجاب {رَبّ السموات والارض وَمَا بَيْنَهُمَا فاعبده واصطبر لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] مثلا يلتفت إليه ويطلب منه شيء، وقال الحسين بن الفضل: هل يستحق أحد أن يسمى باسم من أسمائه تعالى على الحقيقة {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ على رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا} [مريم: 71] وذلك لتظهر عظمة قهره جل جلاله وآثار سطوته لجميع خلقه عز وجل ثم ننجى الذين اتقوا جزاء تقواهم {ونذر الظالمين فيها جيثا} [مريم: 72] جزاء ظلمهم، وهذه الآية كم أجرت من عيون العيون العيون.
فعن عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه أنه كان يبكي ويقول: قد علمت أني وارد النار ولا أدري كيف الصدر الصدر بعد الورود، وعن الحسن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يقول الرجل لصاحبه: هل أتاك أنك وارد؟ فيقول: نعم فيقول: هل أتاك أنك خارج؟ فيقول لا فيقول: ففيم الضحك إذن؟ {قُلْ مَن كَانَ فِى الضلالة فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدًّا} [مريم: 75] لما افتخروا بحظوظ الدنيا التي لا يفتخر بها إلا ذوو الهمم الدنية رد الله تعالى عليهم بأن ذلك استدراج ليس بإكرام والإشارة فيه أن كل ما يشغل عن الله تعالى والتوجه إليه عز وجل فهو شر لطاحبه {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا} [مريم: 85] ركبانا على نجائب النور، وقال ابن عطاء: بلغني عن الصادق رضي الله عنه أنه قال: ركبانا على متون المعرفة {إِن كُلُّ مَن فِى السموات والارض إِلا *اتِى الرحمن عَبْدًا} [مريم: 93] فقيرًا ذليلًا منقادًا مسلوب الأنانية بالكلية {إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدًّا} [مريم: 96] في القلوب المفطورة على حب الله تعالى وذلك أثر محبته سبحانه لهم، وفي الحديث: «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به» الخ، ولا يشكل على هذا أنا نرى كثيرًا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ممقوتين لأن الذين يقتنونهم قد فطرت قلوبهم على الشر وإن لم يشعروا بذلك، ومن هنا يعلم أن بغض الصالحين علامة خبث الباطل {رَبَّنَا اغفر لَنَا ولإخواننا الذين سَبَقُونَا بالإيمان وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلًا لّلَّذِينَ ءامَنُواْ} [الحشر: 10] وقيل: معنى {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدًّا} [مريم: 96] سيجعل لهم لذة وحلاوة في الطاعة، والأخبار تؤيد ما تقدم والله تعالى أعلم وله الحمد على اتمام تفسير سورة مريم ونسأله جل شأنه التوفيق لاتمام تفسير سائر سور كتابه المعظم بحرمة نبيه صلى الله عليه وسلم.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال