سورة طه / الآية رقم 50 / تفسير تفسير الشعراوي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي اليَمِّ فَلْيُلْقِهِ اليَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ العَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى قَالَ فَمَا بَالُ القُرُونِ الأُولَى

طهطهطهطهطهطهطهطهطهطهطهطهطهطهطه




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى(50)}
معنى {ا أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ} [طه: 50] أي: كل ما في الوجود، خلقه الله لمهمة، فجاء خَلْقه مناسباً للمهمة التي خُلِق لها {ثُمَّ هدى} [طه: 50] أي: دلّ كل شيء على القيام بمهمته ويسّره لها.
والحق سبحانه أعطى كل شيء(خَلْقَهُ) الخَلْق يُطلَق، ويُراد به المخلوق، فالمخلوق شيء لابد له من مادة، لابد أن يكون له صورة وشكل، له لون ورائحة، له عناصر ليؤدي مهمته.
فإذا أراد الله سبحانه خَلْق شيء يقْدِر له كل هذه الأشياء فأمدَّ العين كي تبصر، والأنف كي يشم، واللسان كي يتذوق، ثم هدى كل شيء إلى الأمر المراد به لتمام مهمته، بدون أي تدخّل فيه من أحد.
وإذا كان الإنسان، وهو المقدور للقادر الأعلى يستطيع أن يصنع مثلاً القنبلة الزمنية، ويضبطها على وقت، فتؤدي مهمتها بعد ذلك تلقائياً دون اتصال الصانع بها.
فالحق سبحانه خلق كل شيء وأقدره على أنْ يُؤدِّي مهمته على الوجه الأكمل تأدية تلقائية غريزية، فالحيوانات التي نتهمها بالغباء، ونقول عنها: (بهائم) هي في الحقيقة ليست كذلك، وقد أعطانا الحق سبحانه وتعالى صورة لها في مسألة الغراب الذي بعثه الله ليُعلِّم ولد آدم كيف يواري سوءة أخيه كما قال سبحانه: {فَبَعَثَ الله غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأرض لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذا الغراب فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النادمين} [المائدة: 31].
فكيف صنع الغراب هذا الصنيع؟ صنعة بالغريزة التي جعلها الله فيه، ولو تأملتَ الحمار الذي يضربون به المثل في الغباء حين تريده أنْ يتخطى(قناة) مثلاً، تراه ينظر إليها ويُقدِّر مسافتها، فإن استطاع أنْ يتخطاها قفز دون تردد، وإنْ كانت فوق إمكانياته تراجع، ولم يُقْدِم مهما ضربته أو أجبرته على تخطيها، هذه هي الغريزة الفِطْرية.
لذلك تجد المخلوقات غير المختارة لا تخطىء؛ لأنها محكومة بالغريزة، وليس لها عقل يدعو إلى هوىً، وليس لها اختيار بين البدائل مثل العقل الإلكتروني الذي يعطيك ما أودعته فيه لا يزيد عليه ولا ينقص، أما الإنسان فيمكن أنْ يُغيّر الحقيقة، ويُخفِي ما تريده منه، لأن له عقلاً يفاضل: قُلْ هذه، ولا تقُلْ هذه، وهذا ما ميّز الله به الإنسان عن غيره من المخلوقات.
كذلك، ترى الحيوان إذا شبع يتمنع عن الطعام ولا يمكن أن تؤكله عود برسيم واحد مهما حاولتَ، إنما الإنسان صاحب العقل والهوى يقول لك:(أرها الألوان تريك الأركان)، فلا مانع بعد أن أكل حتى التخمة من تذوُّق أصناف شتّى من الحلوى والفاكهة وخلافه.
وفي هذه الآية يقول الحق سبحانه وتعالى أنه: {ا أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى} [طه: 50].
خذ مثلاً الأذن، وكيف هي محكمة التركيب مناسبة لتلقي الأصوات، ففي الأذن من الخارج تجاعيد وتعاريج تتلقى الأصوات العالية، فتُخفّف من حِدّتها حتى تصل إلى الطبلة الرقيقة هادئة، وإلاَّ خرقتها الأصوات وأصَمّتها، وكذلك جعلها لله لِصدِّ الرياح حتى إذا هبت لم تجد الأذن هكذا عارية فتؤذيها.
وكذلك العَيْن، كم بها من آيات لله، فقد خلقها الله بقدر، من هذه الآيات أن حرارتها إنْ زادت عن 12 درجة تفسد، وأرنبة الأنف إنْ زادت عن 9 درجات لا تؤدي مهمتها، مع أن في الجسم عضواً حرارته 40 درجة هو الكبد، والحرارة الكلية للإنسان 37 درجة، تكون ثابتة في المناطق الباردة حيث الجليد كما هي في المناطق الحارة، لا ترتفع ولا تنخفض إلا لعِلَّة أو آفة في الجسم.
إذن: كل شيء في الوجود خلقه الله بقدر وحكمة وكيفية لأداء مهمته، كما قال في آية أخرى: {الذي خَلَقَ فسوى والذي قَدَّرَ فهدى} [الأعلى: 23].
اللسان مثلاً جعل الله به حَلَمات متعددة، كل واحدة منها تتذوّق طَعْماً معيناً، فواحدة للحلو، وواحدة للمُرِّ، وواحدة للحريف، وهكذا، وجميعها في هذه المساحة الضيقة متجاورة ومتلاصقة بقَدْر دقيق ومُعْجز.
الأنف وما فيه من مادة مُخاطية عالقة لا تسيل منك، وشعيرات دقيقة، ذلك لكي يحدث لهواء الشهيق عملية تصفية وتكييف قبل أن يصل إلى الرئتين؛ لذلك لا ينبغي أنْ نقصَّ الشعيرات التي بداخل الأنف؛ لأن لها مهمة.
عضلة القلب وما تحتويه من أُذَيْن وبُطَيْن، ومداخل للدم، ومخارج محكمة دقيقة تعمل ميكانيكياً، ولا تتوقف ولا تتعطل لمدة 140 أو 120 سنة، تعمل تلقائياً حتى وأنت نائم، فأيّ آلة يمكن أنْ تُؤدِّي هذه المهمة؟
والحق سبحانه وتعالى عندما أرسل موسى وهارون بآية دالة على صدقهما إلى فرعون كانت مهمتهما الأساسية أَخْذ بني إسرائيل، وإنقاذهم من طغيان فرعون، وجاءت المسألة الإيمانية تبعية، أما أصل مهمة موسى فكان: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ} [طه: 47].
والحق سبحانه حين يعرض قضية الإيمان يعرضها مبدوءة بالدليل دليل البدء الذي جاء في قوله تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى} [طه: 50] لأن، فرعون الذي ادعى الألوهية لابد أن يكون له مألوهون، وهم خَلْق مثله، وهو يعتزّ بملكه وماله من أرض مصر ونيلها وخيراتها حتى قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهار تَجْرِي مِن تحتي} [الزخرف: 51].
فأراد الحق سبحانه وتعالى أنْ يرد عليه: ألَكَ شيء في خَلْق هؤلاء المألوهين لك؟
وما أشبهَ موقف فرعون أمام هذه الحجة بموقف النمروذ أمام نبي الله إبراهيم عليه السلام عندما قال له: {رَبِّيَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: 258].
فلم يجد النمروذ إلا الجدل والسفسطة، فلجأ إلى حيلة المفلسين، وجاء برجلين فقال: أنا أحكم على هذا بالموت وأعفو عن هذا؛ لذلك لما أحسَّ إبراهيم عليه السلام منه المراوغة والجدال نقله إلى مسألة لا يستطيع منها فكاكاً.
{قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ الله يَأْتِي بالشمس مِنَ المشرق فَأْتِ بِهَا مِنَ المغرب فَبُهِتَ الذي كَفَرَ والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين} [البقرة: 258].
إذن: فالردُّ إلى قضية الخلق الأول دليل لا يمكن لأحد ردُّه، حتى فرعون ذاته لم يدَّعِ أنه خلق شيئاً، إنما تجبّر وتكبّر وادّعى الألوهية فقط على مألوه لم يخلقه، ولم يخلق نفسه، ولم يخلق الملْك الذي يعتز به.
ولما كان دليل الخلق الابتدائي هو الدليل المقنع، لم يكن لفرعون رَدٌّ عليه؛ لذلك لما سمع هذه المسألةَ {قَالَ رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى} [طه: 50] لم يستطع أنْ ينقضَ هذا الدليل، فأراد أنْ يُخرِج الحوار من دليل الجد إلى مسألة أخرى يهرب إليها، مسألة فرعية لا قيمة لها: {قَالَ فَمَا بَالُ القرون الأولى}




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال