سورة طه / الآية رقم 128 / تفسير تفسير ابن عجيبة / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ القُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى

طهطهطهطهطهطهطهطهطهطهطهطهطهطهطه




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


قلت: {أفلم} الهمزة للإنكار التوبيخي، والفاء للعطف على محذوف، أي: أغْفَلوا فلم يهد لهم. وعدى الهداية باللام لتضمنها معنى التبيين، والفاعل مضمونُ {كم أهلكنا}، أي: أفلم يُبين لهم مآل أمرهم كثرة إهلاكنا للقرون الأولى؟ وقيل: الفاعل ضمير عائد إلى الله. و{كم...} إلخ: مُعلق للفعل سد مسد مفعوله. أي: أفلم يُبين الله لهم كثرة إهلاك القرون من قبلهم؟ والأوجه: أنْ لا يُلاحظ له مفعول، كأنه قيل: أفلم يفعل الله لهم الهداية، ثم قيل بطريق الالتفات: كم أهلكنا *** الخ؛ بيانًا لتلك الهداية. و{مِنَ القُرون}: في محل نصب، نعت لمفعول محذوف، أي: قرنًا كائنًا من القرون.
وجملة {يمشون}: حال من القرون، أي: أهلكناهم وهم في حال أمن وتقلب في ديارهم، أو من الضمير في {لهم}، مؤكد للإنكار، والعامل: {يهد}، والمعنى: أفلم يهد لهم إهلاكنا للقرون السالفة، كقوم نوح ولوط وأصحاب الأيكة، حال كونهم، أي: قريش- ماشين في مساكنهم إذا سافروا إلى الشام-، و{أجل مسمى}: عطف على {كلمة}، أو استئناف، أي: وأجل مسمى حاصل لهم.
يقول الحقّ جلّ جلاله: {أفَلَمْ يَهْدِ لهم} أي: أو لم يُبين لهم عاقبة أمرهم {كم أهلكنا قبلَهم من القرون} أي: كثرة إهلاكنا للقرون السالفة قبلهم، وهم {يمشون في مساكنهم} إذا سافروا إلى الشام، كأصحاب الحجر، وثمود، وفرعون، وقوم لوط، مشاهدين لآثار ديارهم خاربة، مع علمهم بما جرى عليهم، بسبب تكذيبهم، فإنَّ ذلك مما يُوجب أن يهتدوا إلى الحق، فيعتبروا، لئلا يحل بهم مثل ما حلّ بأولئك، أو: {أفلم يهد لهم} كثرة إهلاكنا للقرون السالفة قبلهم، حال كونهم آمنين، {يمشون} في ديارهم ويتقلبون في رباعهم {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف: 78].
{إِنّ في ذلك} الإهلاك الفظيع {لآياتٍ} كثيرة عظيمة واضحة الهداية، دالة على الحق {لأُولي النُّهى}؛ لذوي العقول الناهية عن القبائح، التي من أقبحها ما يتعاطاه كفار مكة من الكفر بآيات الله، والتعامي عنها، وغير ذلك من فنون المعاصي.
{ولولا كلمةٌ سبقتْ من ربك}، وهو تأخير العذاب عن هذه الأمة إلى الآخرة؛ لحكمة، لعجلنا لهم الهلاك كما عجلنا لتلك القرون المهلكة، التي يمرون عليها ولا يعتبرون، فأصروا على الكفر والعصيان، فلولا تلك العِدّة بتأخير العذاب {لكان لزامًا} أي: لكان عقاب جناياتهم لازمًا لهؤلاء الكفرة، بحيث لا يتأخرون عن جناياتهم ساعة، لزوم ما أنزل بأولئك الغابرين، وفي التعرض لعنوان الربوبية، مع الإضافة إلى ضميره- عليه الصلاة والسلام- تلويح بأن ذلك التأخير تشريف له صلى الله عليه وسلم، كما ينبئ عنه قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33]. واللزام: مصدر لازم، وصف به؛ للمبالغة، {وأجَلٌ مسمىً} أي: لولا كلمة سبقت بتأخيرهم، وأجل مسمى لأعمارهم أو عذابهم، وهو يوم القيامة، أو يوم بَدْرٍ، لَمَا تأخر عذابهم أصلاً.
وإنما فصله عما عطف عليه، للمسارعة إلى بيان جواب {لولا}، وللإشعار باستقلال كل منهما بنفي لزوم العذاب المعجل، ومراعاة فواصل الآية الكريمة.
{فاصبر على ما يقولون} أي: إذا كان الأمر على ما ذكرنا؛ من أن تأخير عذابهم ليس بإهمال، بل إمهال، وأنه لازم لهم ألبتة. فاصبر على ما يقولون من كلمات الكفر؛ فإن علمه صلى الله عليه وسلم بأنهم هالكون لا محالة مما يسليه ويحمله على الصبر، أو اصبر على ما يقولون، واشتغل بالله عنهم، ولا تلتفت إلى هلاكهم ولا بقائهم، فالله أدرى بهم. {وسَبِّحْ بحمدِ ربك} أي: نزّهه عما ينسبون إليه، ما لا يليق بشأنه الرفيع، حامدًا له على ما خصك به من الهدى، معترفًا بأنه مولى النعم كلها.
قال الورتجبي: سماع الأذى يُوجب المشقة، فأزال عنه ما كان قد لحقه من سماع ما يقولونه بقوله: {وسبح بحمد ربك} أي: إن كان سماع ما يقولون يُوحشك، فتسبيحنا يُروحك. اهـ. أو: صَلِّ وأنت حامد لربك، الذي يبلغك إلى كمال هدايتك، ويرجح هذا قوله: {قبل طُلوع الشمس وقبل غُروبها}، فإن توقيت التنزيه غير معهود، فإنَّ المراد بقبل طلوع الشمس: صلاة الفجر، وقبل غروبها: صلاة الظهر والعصر، وقيل: العصر فقط.
{ومن أناء الليل} أي: ساعاته {فسبِّح} أي: صَلِّ، والمراد به المغرب والعشاء، وآناء: جمع إنَى، بالكسر والقصر، أو {أناء} بالفتح والمد. وتقديم المجرور في قوله تعالى: {ومن آناء الليل فسبح}؛ لاختصاصها بمزيد الفضل، فإن القلب فيها أجمع، والنفس إلى الاستراحة أميل، فتكون العبادة فيها أشق، ولذلك قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ الليل هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المُزمّل: 6]. {و} سبح أيضًا، {أطراف النهار} وهو تكرير لصلاتي الفجر والمغرب؛ إيذانًا باختصاصهما بمزيد مزية. وجمع {أطراف} بحسب اللفظ مع أمن اللبس، أو يراد بأطراف النهار: الفجر والمغرب والظهر؛ لأنها نهاية النصف الأول من النهار وبداية النصف الثاني، أو يريد التطوع في أجزاء النهار.
قلت: وإذا حملناه على التنزيه- وهو أن يقول: سبحان الله، أو: لا إله إلاّ الله، أو كل ما يدل على تنزيه الحق- يكون تخصيص هذه الأوقات بالذكر؛ لشرفها. فقد وردت أحاديث في الترغيب في ذكر الله أول النهار وآخره، وآناء الليل حين ينتبه من نومه، بحيث يكون كلما تيقظ من نومه سبَّح الله وهلّله وكبّره، قبل أن يعود إلى نومه. وهكذا كان أهل اليقظة من السلف الصالح. وقوله تعالى: {لعلك ترضى} أي: بما يعطيك من الثواب الجزيل، بالتسبيح في هذه الأوقات. أو ترضى بالشفاعة في جميع الخلائق، فتقر عينك حينئذ.
وفي صحيح البخاري: «إِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الشمس ليس دونها سحاب، فَإِنِ استَطَعْتُم أَلا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غروبِها فافْعَلُوا»، ثُم تَلا هذه الآية: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها}، ففيه ترجيح من فسرها بالصلاة، وفيه إشارة إلى أن الصلاة ذكر وإقبال على الله وانقطاع إليه، وذلك مزرعة المشاهدة والرؤية في الآخرة. وقد جاء في أهل الجنة: «أنهم يرون ربهم بكرة وعشيًا»، هذا في حق العموم، وأما خصوص الخصوص، ففي كل ساعة ولحظة. والله تعالى أعلم.
الإشارة: أفَلَم يَهد لأهل الإيمان والاعتبار، وأهل الشهود والاستبصار، كم أهلكنا قبلهم من القرون الخالية، والأمم الماضية، فهم يمشون في مساكنهم الدارسة، ويُشاهدون آثارهم الدائرة، كيف رحلوا عنها وتركوها، واستبدلوا ما كانوا فيه من سعة القصور بضيق القبور، وما كانوا عليه من الفُرش الممهدة بافتراش التراب وتغطية اللحود الممددة، فيعتبروا ويتأهبوا للحوق بهم، فقد كانوا مثلهم أو أشد منهم، قد نما ذكرهم، وعلا قدرهم، وخسف بعد الكمال بدرهم. فكأنهم ما كانوا، وعن قريب مضوا وبانوا، وأفضوا إلى ما قدموا، وانقادوا؛ قهرًا، إلى القضاء وسلموا، ففي ذلك عِبَر وآيات لأولي النُهى. لكن القلوب القاسية لا ينفع فيها وعظ ولا تذكير، فلولا كلمة الرحمة والحلم بتأخير العذاب، وأجل مسمى لأعمارهم، لعجل لهم العقاب.
فاصبر، أيها المتوجه إلى الله، المنفرد بطاعة مولاه، على ما يقولون، مما يُكدر القلوب، واشتغل بذكر ربك وتنزيهه، مع الطلوع والغروب وآناء الليل والنهار، حتى تغيب في حضرة علام الغيوب، لعلك ترضى بمشاهدة المحبوب. وبالله التوفيق.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال