سورة البقرة / الآية رقم 260 / تفسير تفسير الرازي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَناًّ وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ قُوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌ حَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْـهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ

البقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)}
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: في عامل {إِذْ} قولان قال الزَّجّاج التقدير: اذكر إذ قال إبراهيم، وقال غيره إنه معطوف على قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذي حَاجَّ إبراهيم} ألم تر إذ حاج إبراهيم في ربه، وألم تر إذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى.
المسألة الثانية: أنه تعالى لم يسم عزيراً حين قال: {أَوْ كالذى مَرَّ على قَرْيَةٍ} [البقرة: 259] وسمى هاهنا إبراهيم مع أن المقصود من البحث في كلتا القصتين شيء واحد، والسبب أن عزيراً لم يحفظ الأدب، بل قال: {أنى يحيي هذه الله بعد موتها} وإبراهيم حفظ الأدب فإنه أثنى على الله أولاً بقوله: {رَبّ} ثم دعا حيث قال: {أَرِنِى} وأيضاً أن إبراهيم لما راعى الأدب جعل الإحياء والإماتة في الطيور، وعزيراً لما لم يراع الأدب جعل الإحياء والإماتة في نفسه.
المسألة الثالثة: ذكروا في سبب سؤال إبراهيم وجوهاً الأول: قال الحسن والضحاك وقتادة وعطاء وابن جريج: أنه رأى جيفة مطروحة في شط البحر فإذا مد البحر أكل منها دواب البحر، وإذا جزر البحر جاءت السباع فأكلت، وإذا ذهبت السباع جاءت الطيور فأكلت وطارت، فقال إبراهيم: رب أرني كيف تجمع أجزاء الحيوان من بطون السباع والطيور ودواب البحر، فقيل: أو لم تؤمن قال بلى ولكن المطلوب من السؤال أن يصير العلم بالاستدلال ضرورياً.
الوجه الثاني: قال محمد بن إسحاق والقاضي: سبب السؤال أنه مع مناظرته مع نمروذ لما قال: {رَبّيَ الذي يُحْىِ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْىِ وَأُمِيتُ} فأطلق محبوساً وقتل رجلاً قال إبراهيم: ليس هذا بإحياء وإماتة، وعند ذلك قال: {رَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الموتى} لتنكشف هذه المسألة عند نمروذ وأتباعه، وروي عن نمرود أنه قال: قل لربك حتى يحيي وإلا قتلتك، فسأل الله تعالى ذلك، وقوله: {لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى} بنجاتي من القتل أو ليطمئن قلبي بقوة حجتي وبرهاني، وإن عدولي منها إلى غيرها ما كان بسبب ضعف تلك الحجة، بل كان بسبب جهل المستمع.
والوجه الثالث: قال ابن عباس وسعيد بن جُبَيْر والسُّدّي رضي الله عنهم: أن الله تعالى أوحى إليه إني متخذ بشراً خليلاً: فاستعظم ذلك إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وقال إلهي ما علامات ذلك؟ فقال: علامته أنه يحيي الميت بدعائه، فلما عظم مقام إبراهيم عليه السلام في درجات العبودية وأداء الرسالة، خطر بباله: إني لعلي أن أكون ذلك الخليل، فسأل إحياء الميت فقال الله: {أَوَلَمْ تُؤْمِنُ قَالَ بلى ولكن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى} على أنني خليل لك.
الوجه الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم إنما سأل ذلك لقومه وذلك أتباع الأنبياء كانوا يطالبونهم بأشياء تارة باطلة وتارة حقة، كقولهم لموسى عليه السلام: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} [الأعراف: 138] فسأل إبراهيم ذلك. والمقصود أن يشاهده فيزول الإنكار عن قلوبهم.
الوجه الخامس: ما خطر ببالي فقلت: لا شك أن الأمة كما يحتاجون في العلم بأن الرسول صادق في ادعاء الرسالة إلى معجز يظهر على يده فكذلك الرسول عند وصول الملك إليه وإخباره إياه بأن الله بعثه رسولاً يحتاج إلى معجز يظهر على يد ذلك الملك ليعلم الرسول أن ذلك الواصل ملك كريم لا شيطان رجيم وكذا إذا سمع الملك كلام الله احتاج إلى معجز يدل على أن ذلك الكلام كلام الله تعالى لا كلام غيره وإذا كان كذلك فلا يبعد أن يقال: إنه لما جاء الملك إلى إبراهيم وأخبره بأن الله تعالى بعثك رسولاً إلى الخلق طلب المعجز فقال: {رَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الموتى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بلى ولكن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى} على أن الآتي ملك كريم لا شيطان رجيم.
الوجه السادس: وهو على لسان أهل التصوف: أن المراد من الموتى القلوب المحجوبة عن أنوار المكاشفات والتجلي، والإحياء عبارة عن حصول ذلك التجلي والأنوار الإلهية فقوله: {أرني كيف تحيي الموتى} طلب لذلك التجلي والمكاشفات فقال أولم تؤمن قال بلى أؤمن به إيمان الغيب، ولكن أطلب حصولها ليطمئن قلبي بسبب حصول ذلك التجلي، وعلى قول المتكلمين: العلم الاستدلالي مما يتطرق إليه الشبهات والشكوك فطلب علماً ضرورياً يستقر القلب معه استقرار لا يتخالجه شيء من الشكوك والشبهات.
الوجه السابع: لعله طالع في الصحف التي أنزلها الله تعالى عليه أنه يشرف ولده عيسى بأنه يحيي الموتى بدعائه فطلب ذلك فقيل له {أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بلى ولكن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى} على أني لست أقل منزلة في حضرتك من ولدي عيسى.
الوجه الثامن: أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم أمر بذبح الولد فسارع إليه، ثم قال: أمرتني أن أجعل ذا روح بلا روح ففعلت، وأنا أسألك أن تجعل غير ذي روح روحانياً، فقال: أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي على أنك اتخذتني خليلاً.
الوجه التاسع: نظر إبراهيم صلى الله عليه وسلم في قلبه فرآه ميتاً بحب ولده فاستحيى من الله وقال: أرني كيف تحيي الموتى أي القلب إذا مات بسبب الغفلة كيف يكون إحياؤه بذكر الله تعالى.
الوجه العاشر: تقدير الآية أن جميع الخلق يشاهدون الحشر يوم القيامة فأرني ذلك في الدنيا، فقال: أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي على أن خصصتني في الدنيا بمزيد هذا التشريف.
الوجه الحادي عشر: لم يكن قصد إبراهيم إحياء الموتى، بل كان قصده سماع الكلام بلا واسطة.
الثاني عشر: ما قاله قوم من الجهال، وهو أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان شاكاً في معرفة المبدأ وفي معرفة المعاد، أما شكه في معرفة المبدأ فقوله: {هذا رَبّى} وقوله: {لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبّى لأَكُونَنَّ مِنَ القوم الضالين} [الأنعام: 77] وأما شكه في المعاد فهو في هذه الآية، وهذا القول سخيف، بل كفر وذلك لأن الجاهل بقدرة الله تعالى على إحياء الموتى كافر، فمن نسب النبي المعصوم إلى ذلك فقد كفر النبي المعصوم، فكان هذا بالكفر أولى، ومما يدل على فساد ذلك وجوه:
أحدها: قوله تعالى: {أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بلى ولكن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى} ولو كان شاكاً لم يصح ذلك.
وثانيها: قوله: {ولكن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى} وذلك كلام عارف طالب لمزيد اليقين، ومنها أن الشك في قدرة الله تعالى يوجب الشك في النبوّة فكيف يعرف نبوّة نفسه.
أما قوله تعالى: {أَوَلَمْ تُؤْمِن} ففيه وجهان:
أحدهما: أنه استفهام بمعنى التقرير، قال الشاعر:
ألستم خير من ركب المطايا *** وأندى العالمين بطون راح
والثاني: المقصود من هذا السؤال أن يجيب بما أجاب به ليعلم السامعون أنه عليه السلام كان مؤمناً بذلك عارفاً به وأن المقصود من هذا السؤال شيء آخر.
أما قوله تعالى: {قَالَ بلى ولكن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى} فاعلم أن اللام في {لّيَطْمَئِنَّ} متعلق بمحذوف، والتقدير: سألت ذلك إرادة طمأنينة القلب، قالوا. والمراد منه أن يزول عنه الخواطر التي تعرض للمستدل وإلا فاليقين حاصل على كلتا الحالتين.
وهاهنا بحث عقلي وهو أن التفسير مفرع على أن العلوم يجوز أن يكون بعضها أقوى من بعض، وفيه سؤال صعب، وهو أن الإنسان حال حصول العلم له إما أن يكون مجوزاً لنقيضه، وإما أن لا يكون، فإن جوّز نقيضه بوجه من الوجوه، فذاك ظن قوي لا اعتقاد جازم، وإن لم يجوز نقيضه بوجه من الوجوه امتنع وقوع التفاوت في العلوم.
واعلم أن هذا الإشكال إنما يتوجه إذا قلنا المطلوب هو حصول الطمأنينة في اعتقاد قدرة الله تعالى على الإحياء، أما لو قلنا: المقصود شيء آخر فالسؤال زائل.
أما قوله تعالى: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مّنَ الطير} فقال ابن عباس رضي الله عنهما: أخذ طاوساً ونسراً وغراباً وديكاً، وفي قول مجاهد وابن زيد رضي الله عنهما: حمامة بدل النسر، وهاهنا أبحاث:
البحث الأول: أنه لما خص الطير من جملة الحيوانات بهذه الحالة ذكروا فيه وجهين:
الأول: أن الطيران في السماء، والارتفاع في الهواء، والخليل كانت همته العلو والوصول إلى الملكوت فجعلت معجزته مشاكلة لهمته.
والوجه الثاني: أن الخليل عليه السلام لما ذبح الطيور وجعلها قطعة قطعة، ووضع على رأس كل جبل قطعاً مختلطة، ثم دعاها طار كل جزء إلى مشاكله، فقيل له كما طار كل جزء إلى مشاكله كذا يوم القيامة يطير كل جزء إلى مشاكله حتى تتألف الأبدان وتتصل به الأرواح، ويقرره قوله تعالى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} [القمر: 7].
البحث الثاني: أن المقصود من الإحياء والإماتة كان حاصلاً بحيوان واحد، فلم أمر بأخذ أربع حيوانات، وفيه وجهان الأول: أن المعنى فيه أنك سألت واحداً على قدر العبودية وأنا أعطي أربعاً على قدر الربوبية والثاني: أن الطيور الأربعة إشارة إلى الأركان الأربعة التي منها تركيب أبدان الحيوانات والنباتات والإشارة فيه أنك ما لم تفرق بين هذه الطيور الأربعة لا يقدر طير الروح على الارتفاع إلى هواء الربوبية وصفاء عالم القدس.
البحث الثالث: إنما خص هذه الحيوانات لأن الطاوس إشارة إلى ما في الإنسان من حب الزينة والجاه والترفع، قال تعالى: {زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات} [آل عمران: 14] والنسر إشارة إلى شدة الشغف بالأكل والديك إشارة إلى شدة الشغف بقضاء الشهوة من الفرج والغراب إشارة إلى شدة الحرص على الجمع والطلب، فإن من حرص الغراب أنه يطير بالليل ويخرج بالنهار في غاية البرد للطلب، والإشارة فيه إلى أن الإنسان ما لم يسع في قتل شهوة النفس والفرج وفي إبطال الحرص وإبطال التزين للخلق لم يجد في قلبه روحاً وراحة من نور جلال الله.
أما قوله تعالى: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} بكسر الصاد، والباقون بضم الصاد، أما الضم ففيه قولان الأول: أن من صرت الشيء أصوره إذا أملته إليه ورجل أصور أي مائل العنق، ويقال: صار فلان إلى كذا إذا قال به ومال إليه، وعلى هذا التفسير يحصل في الكلام محذوف، كأنه قيل: أملهن إليك وقطعهن، ثم اجعل على كل جبل منهن جزأ، فحذف الجملة التي هي قطعهن لدلالة الكلام عليه كقوله: {أَنِ اضرب بّعَصَاكَ البحر فانفلق} على معنى: فضرب فانفلق لأن قوله: {ثُمَّ اجعل على كُلّ جَبَلٍ مّنْهُنَّ جزءاً} يدل على التقطيع.
فإن قيل: ما الفائدة في أمره بضمها إلى نفسه بعد أن يأخذها؟.
قلنا: الفائدة أن يتأمل فيها ويعرف أشكالها وهيآتها لئلا تلتبس عليه بعد الإحياء، ولا يتوهم أنها غير تلك.
والقول الثاني: وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد {صرهن إليك} معناه قطعهن، يقال: صار الشيء يصوره صوراً، إذ قطعه، قال رؤبة يصف خصماً ألد: صرناه بالحكم، أي قطعناه، وعلى هذا القول لا يحتاج إلى الإضمار، وأما قراءة حمزة بكسر الصاد، فقد فسّر هذه الكلمة أيضاً تارة بالإمالة، وأخرى بالتقطيع، أما الإمالة فقال الفرّاء: هذه لغة هذيل وسليم: صاره يصيره إذا أماته، وقال الأخفش وغيره {صرهن} بكسر الصاد: قطعهن. يقال: صاره يصيره إذا قطعه، قال الفرّاء: أظن أن ذلك مقلوب من صرى يصري إذا قطع، فقدمت ياؤها، كما قالوا: عثا وعاث، قال المبرّد: وهذا لا يصح، لأن كل واحد من هذين اللفظين أصل في نفسه مستقل بذاته، فلا يجوز جعل أحدهما فرعاً عن الآخر.
المسألة الثانية: أجمع أهل التفسير على أن المراد بالآية: قطعهن، وأن إبراهيم قطع أعضاءها ولحومها وريشها ودماءها، وخلط بعضها على بعض، غير أبي مسلم فإنه أنكر ذلك، وقال: إن إبراهيم عليه السلام لما طلب إحياء الميت من الله تعالى أراه الله تعالى مثالا قرب به الأمر عليه، والمراد بصرهن إليك الإمالة والتمرين على الإجابة، أي فعود الطيور الأربعة أن تصير بحيث إذا دعوتها أجابتك وأتتك، فإذا صارت كذلك، فاجعل على كل جبل واحداً حال حياته، ثم ادعهن يأتينك سعياً، والغرض منه ذكر مثال محسوس في عود الأرواح إلى الأجساد على سبيل السهولة وأنكر القول بأن المراد منه: فقطعهن.
واحتج عليه بوجوه:
الأول: أن المشهور في اللغة في قوله: {فَصُرْهُنَّ} أملهن وأما التقطيع والذبح فليس في الآية ما يدل عليه، فكان إدراجه في الآية إلحاقاً لزيادة بالآية لم يدل الدليل عليها وأنه لا يجوز والثاني: أنه لو كان المراد بصرهن قطعهن لم يقل إليك، فإن ذلك لا يتعدى بإلي وإنما يتعدى بهذا الحرف إذا كان بمعنى الإمالة.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: فخذ إليك أربعة من الطير فصرهن.
قلنا: التزام التقديم والتأخير من غير دليل ملجئ إلى التزامه خلاف الظاهر والثالث: أن الضمير في قوله: {ثُمَّ ادعهن} عائد إليها لا إلى أجزائها، وإذا كانت الأجزاء متفرقة متفاصلة وكان الموضوع على كل جبل بعض تلك الأجزاء يلزم أن يكون الضمير عائداً إلى تلك الأجزاء لا إليها، وهو خلاف الظاهر، وأيضاً الضمير في قوله: {يَأْتِينَكَ سَعْيًا} عائداً إليها لا إلى إجزائها وعلى قولكم إذا سعى بعض الأجزاء إلى بعض كان الضمير في {يَأْتِينَكَ} عائداً إلى أجزائها لا إليها، واحتج القائلون بالقول المشهور بوجوه:
الأول: أن كل المفسرين الذين كانوا قبل أبي مسلم أجمعوا على أنه حصل ذبح تلك الطيور وتقطيع أجزائها، فيكون إنكار ذلك إنكاراً للإجماع والثاني: أن ما ذكره غير مختص بإبراهيم صلى الله عليه وسلم، فلا يكون له فيه مزية على الغير والثالث: أن إبراهيم أراد أن يريه الله كيف يحيي الموتى، وظاهر الآية يدل على أنه أجيب إلى ذلك، وعلى قول أبي مسلم لا تحصل الإجابة في الحقيقة والرابع: أن قوله: {ثُمَّ اجعل على كُلّ جَبَلٍ مّنْهُنَّ جُزْءا} يدل على أن تلك الطيور جعلت جزأ جزأ، قال أبو مسلم في الجواب عن هذا الوجه: أنه أضاف الجزء إلى الأربعة فيجب أن يكون المراد بالجزء هو الواحد من تلك الأربعة والجواب: أن ما ذكرته وإن كان محتملاً إلا أن حمل الجزء على ما ذكرناه أظهر والتقدير: فاجعل على كل جبل من كل واحد منهن جزأً أو بعضاً.
أما قوله تعالى: {ثُمَّ اجعل على كُلّ جَبَلٍ مّنْهُنَّ جُزْءاً} ففيه مسائل:
المسألة الأولى: ظاهر قوله: {على كُلّ جَبَلٍ} جميع جبال الدنيا، فذهب مجاهد والضحاك إلى العموم بحسب الإمكان، كأنه قيل: فرقها على كل جبل يمكنك التفرقة عليه، وقال ابن عباس والحسن وقتادة والربيع أربعة جبال على حسب الطيور الأربعة وعلى حسب الجهات الأربعة أيضاً أعني المشرق والمغرب والشمال والجنوب، وقال السدي وابن جريج: سبعة من الجبال لأن المراد كل جبل يشاهده إبراهيم عليه السلام حتى يصح منه دعاء الطير، لأن ذلك لا يتم إلا بالمشاهدة، والجبال التي كان يشاهدها إبراهيم عليه السلام سبعة.
المسألة الثانية: روي أنه صلى الله عليه وسلم أمر بذبحها ونتف ريشها وتقطيعها جزءاً جزءاً وخلط دمائها ولحومها، وأن يمسك رؤوسها، ثم أمر بأن يجعل أجزاءها على الجبال على كل جبل ربعاً من كل طائر، ثم يصيح بها: تعالين بإذن الله تعالى، ثم أخذ كل جزء يطير إلى الآخر حتى تكاملت الجثث، ثم أقبلت كل جثة إلى رأسها وانضم كل رأس إلى جثته، وصار الكل أحياء بإذن الله تعالى.
المسألة الثالثة: قرأ عاصم في رواية أبي بكر والفضل {جُزْءا} مثقلاً مهموزاً حيث وقع، والباقون مهمزاً مخففاً وهما لغتان بمعنى واحد.
أما قوله تعالى: {ثُمَّ ادعهن يَأْتِينَكَ سَعْيًا} فقيل عدواً ومشياً على أرجلهن، لأن ذلك أبلغ في الحجة، وقيل طيراناً وليس يصح، لأنه لا يقال للطير إذا طار: سعى، ومنهم من أجاب عنه بأن السعي هو الاشتداد في الحركة، فإن كانت الحركة طيراناً فالسعي فيها هو الاشتداد في تلك الحركة.
وقد احتج أصحابنا بهذه الآية على أن البنية ليست شرطاً في صحة الحياة، وذلك لأنه تعالى جعل كل واحد من تلك الأجزاء والأبعاض حياً فاهماً للنداء، قادراً على السعي والعدو، فدل ذلك على أن البنية ليست شرطاً في صحة الحياة قال القاضي: الآية دالة على أنه لابد من البنية من حيث أوجب التقطيع بطلان حياتها.
والجواب: أنه ضعيف لأن حصول المقارنة لا يدل على وجوب المقارنة، أما الانفكاك عنه في بعض الأحوال فإنه يدل على أن المقارنة حيث حصلت ما كانت واجبة، ولما دلّت الآية على حصول فهم النداء، والقدرة على السعي لتلك الأجزاء حال تفرقها، كان دليلاً قاطعاً على أن البنية ليست شرطاً للحياة.
أما قوله تعالى: {واعلم أَنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} فالمعنى أنه غالب على جميع الممكنات {حَكِيمٌ} أي عليم بعواقب الأمور وغايات الأشياء.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال