سورة المؤمنون / الآية رقم 62 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ لاَ تَجْأَرُوا اليَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا القَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُوَلَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ وَلَوِ اتَّبَعَ الحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوَهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَإِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ

المؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنون




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (55) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (56) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (60) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (61) وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (62)}.
التفسير:
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}.
الخطاب الموجه من اللّه سبحانه وتعالى إلى الرسل.. عليهم الصلاة والسلام- هو خطاب عام يشمل أتباع الرسل جميعا.. وقد خصّ الرسل بالنداء لأنهم القدوة والمثل للأنسانية كلها عامة، ولأقوامهم خاصة.
وقدّم الأكل من الطيبات على العمل الصالح، لأنه ثمرة الأعمال الصالحة، فلا يتحرّى الأكل من الطيب إلا من أقام نفسه على الأعمال الصالحة وأخذها بها.
ولأن الأكل، وما يتصل به، هو مدار حياة الإنسان، وكل سعيه وعمله يكاد يكون دائرا في مجاله- كان الإلفات إليه ألزم وأولى، لأنه هو الذي يجسّم العمل، ويصوّره، وهو الذي يرى عليه أثر العمل وصفته، إن كان صالحا أو غير صالح.
وفى قوله تعالى: {إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} تحذير من مراقبة اللّه، وعلمه بما يقع من الناس من أعمال، وبما تتصف به هذه الأعمال من صلاح أو فساد.
وقوله تعالى: {وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} هو دعوة إلى الإخاء الإنسانىّ، وإلى إزالة هذه السدود التي تعزل المجتمعات الإنسانية بعضها عن بعض.. فما هذه الأصباغ والألوان التي تصبغ الناس، من معتقدات دينية، لا ينبغى أن تقوم حجازا بين الناس، وخاصة إذا كانوا جميعا يتجهون.
إلى اللّه، ويؤمنون به.. فوجهتهم جميعا هى اللّه، وإن كان لكلّ وجهة هو موليها.. وكذلك ينبغى أن تكون وجهتهم جميعا هى الإنسانية، وإن كان لكلّ إنسان لونه، ووطنه وجنسه.
قوله تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
هو إنكار على الناس هذا التقاطع والتدابر الذي بينهم، وقد كان الأولى بهم، وهم إخوة أبناء ذكر وأنثى، وهم مربوبون لربّ واحد أن يكون أمرهم واحدا.. ولكنهم تنكبوا هذا الطريق، فتنازعوا أمرهم بينهم، وتقطعوه قطعا، وذهب كل فريق منهم بجزء منه، فرحا بما ذهب به، ظانّا أنه أخذ الخير كلّه، على حين أنه أخذ القليل وفاته الكثير.
وفى قوله تعالى: {فَتَقَطَّعُوا} بدلا من قوله {فقطعوا} الذي يقتضيه ظاهر النظم إشارة إلى أنهم هم الذين تقطعوا، لا أن الأمر هو الذي تقطع.
وذلك أنهم بهذا الخلاف الذي وقع بينهم، قد أوقعوا الضرر بأنفسهم، فكان بينهم الصراع والقتال.
والزّبر: القطع، جمع زبرة وهى القطعة من الشيء.. كما في قوله تعالى: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} [96: الكهف] قوله تعالى: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ}.
الأمر هنا، هو أمر مطلق، لكل ناصح ومرشد، لهؤلاء الضالّين، المختلفين على الحق.
وهذا الأمر هو تهديد لهؤلاء الضالين المختلفين، بأن يتركوا فيما هم فيه من ضلال، وألا يلح عليهم أحد في تنبيههم من غمرتهم، وسكرتهم التي هم فيها.
وذلك إلى أن تقرعهم القارعة، التي تذهب بهذا الخمار الذي لذّلهم النوم في ظله المعتم الكثيف! قوله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ.. بَلْ لا يَشْعُرُونَ}.
المفعول الثاني للفعل يحسبون محذوف، دلّ عليه المقام.
والتقدير أيحسبون هذا الذي نمدّهم به من مال وبنين، إكراما، وإحسانا منّا إليهم؟ كلا، وإنما {نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ} لنفتنهم فيما نمدهم به، كما يقول تعالى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [131: طه].
وقوله تعالى: {بَلْ لا يَشْعُرُونَ} إشارة إلى أنهم لا يشعرون بهذا الابتلاء، وأنهم يحسبون ذلك خيرا لهم، كما يقول تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ} [180: آل عمران].
هذا، ويمكن أن يكون قوله تعالى: {نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ} هو المفعول الثاني للفعل يحسبون.. ويكون المعنى: {أيحسبون أنما نمدّهم به من مال وبنين مسارعة لهم منا بالخيرات؟ كلا.. إنه فتنة لهم.. ولكن لا يشعرون} لما استولى عليهم من سكرة بهذا الذي هم فيه من نعيم.
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ}.
فى هذه الآيات عرض للصورة الكريمة، التي يكون عليها الذين يسارعون في الخيرات حقا، ويملئون أيديهم منها، ويكون لهم فيها زاد طيب في الدنيا والآخرة.
وهؤلاء هم على صفات تؤهلهم لهذا المقام الكريم:
فهم (أولا) من خشية ربهم، وخوفهم من بأسه- على إشفاق دائم، من أن يعصوه، وأن يفعلوا منكرا.. {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ}.
وهم (ثانيا) بآيات ربهم يؤمنون، ويعملون بهذه الآيات، ويهتدون بهديها.. {وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} ثم هم (ثالثا) قد خلت نفوسهم من كلّ أثر من الشرك باللّه.. {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ} ثم هم (رابعا) على خشية ومراقبة دائمة للّه.. حتى أنهم وهم يفعلون ما يفعلون من خير ويقدمون ما يقدمون من طاعات وعبادات، لا تزايلهم الخشية ولا يبارحهم الخوف من اللّه، ومن أنهم على تقصير في حقه تعالى، وفيما يجب له من طاعة وولاء.
{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ} ويستعمل الإيتاء غالبا في فعل الخير مثل قوله تعالى: {وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ} وقوله تعالى: {وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ} وقوله سبحانه: {آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا}.
ويستعمل الإتيان في فعل الشر غالبا.. كما في قوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} وقوله: {وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ}.
وقد جاءت الآية هنا بلفظ الإيتاء.
{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ}.
وفى قراءة مشهورة: {والذين يأتون ما أتوا} ويقال لها قراءة النبىّ.
وعلى هذه القراءة يكون المعنى: والذين يفعلون المنكر، وهم على خوف وخشية من ربهم. فإنهم بهذا الخوف وتلك الخشية أهل لأن يكونوا في هذه الأصناف التي ذكرها اللّه سبحانه وتعالى من أصناف المؤمنين.. إذ أن ما في قلوبهم من وجل من لقاء ربّهم وهم على المنكر- سينتهى بهم يوما إلى النزوع عن المنكر، والوقوف عند حدود اللّه.
وقد يبدو في ترتيب هذه الصفات تقديم وتأخير، وأنها لم تلتزم الترتيب الطبيعي، تصاعدا أو تنازلا.
فمثلا.. الإيمان بآيات اللّه.. ينبغى أن يسبق الخشية من اللّه، وكذلك عدم الشرك باللّه، وهو سابق للخشية من اللّه، حيث لا تكون الخشية للّه إلا من قلب مؤمن باللّه، وبآيات اللّه.. وإنه لا بد لهذا من سر.. فما هو؟
الجواب- واللّه أعلم- أن هذه الصفات، وإن أمكن أن تلتقى جميعها في قلب المؤمن باللّه، إلا أن المؤمنين على حظوظ مختلفة منها.. فبعضهم تغلب عليه صفة الخشية من اللّه، وبعضهم يؤمن بآيات اللّه، ولكن تغلبه نفسه، فلا تتحقق الخشية كاملة من اللّه في قلبه.. وبعضهم يعترف بوجود اللّه، ويقرّ بوحدانيته إقرارا عقليّا، كالفلاسفة ونحوهم. ولا يتلقون عن الرّسل، ولا يأخذون مما معهم من آيات اللّه.. وبعضهم يؤمن باللّه، وبآيات اللّه، وبرسل اللّه.. ثم يؤتون ما آتوا من طاعات وعبادات وهم في صراع مع أنفسهم، وفى خوف من لقاء اللّه أن يكونوا قد قصّروا.
فهؤلاء جميعا يمكن أن يتجهوا إلى الخير، ويجاهدوا أنفسهم لتحصيل الخير، حيث يحمل كل منهم في كيانه شرارة من شرارات الإيمان يمكن أن تنقدح في حال من الأحوال، ما دام على أية صفة من تلك الصفات، فتشرق نفسه بنور اللّه، وإذا هو- شيئا فشيئا- على هدى من ربه، وعلى طريق الخير والإحسان.
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ} [201: الأعراف] وهذه الأصناف من المؤمنين- على قربها أو بعدها من الإحسان- يشدّها جميعها إلى النجاة، والفلاح، الإيمان باللّه.. وحيث يكون الإيمان باللّه، فإنه يكون الأمل والرجاء في السلامة والنجاة، وحيث يتعرّى الإنسان من الإيمان فإنه لا أمل ولا رجاء في سلامة أو نجاة، وإن فعل أفعال المؤمنين المحسنين.
قوله تعالى: {أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ}.
أي أن هؤلاء المؤمنين الذين تحققت فيهم تلك الصفات جميعها، أو تحقق فيهم بعضها دون بعض- هم أهل لأن يسددوا ويرشدوا، وأن يكونوا يوما من السباقين إلى الخير، ما داموا في صحبة الإيمان باللّه، ذلك الإيمان الذي يقيم في كيانهم نورا يطلع عليهم كلما أظلمت سماؤهم، وظللتها سحب الفتن والأهواء.
فالإيمان باللّه، هو المعتصم، ولا معتصم غيره، إذا استمسك به الإنسان فقد ضمن النجاة والفلاح.. {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [101: آل عمران] وقد روينا من قبل حديثا عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم، في شأن ثقيف، حين دعيت إلى الإسلام، فقبلته، ولكنها اشترطت ألا تؤدى الزكاة، ولا تجاهد في سبيل اللّه.
وحين عرض على النبىّ- صلوات اللّه وسلامه عليه- إسلامهم هذا، قبله منهم، وقال صلوات اللّه وسلامه عليه: {سيتصدقون ويجاهدون في سبيل اللّه إذا أسلموا}.
قوله تعالى: {وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها.. وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ..}.
هو تطمين لقلوب هؤلاء المؤمنين، الذين ملأت الخشية قلوبهم، واستولى الخوف من اللّه عليهم، حتى لقد كاد ذلك يكون وسواسا دائما يعيش معهم.. فجاء قوله تعالى: {وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها} ليخفف عن المؤمنين باللّه هذا الشعور الضاغط عليهم، وليريهم من رحمة اللّه ما تقرّ به عيونهم، وتطمئن به قلوبهم، وذلك لأن اللّه سبحانه: {لا يكلف نفسا إلا وسعها} وحسب المؤمن باللّه أن يأتى من الطاعات ما تتسع له نفسه، ويحتمله جهده.. واللّه سبحانه وتعالى يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [16: التغابن].
وقوله تعالى: {وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ}.
المراد بالكتاب هنا، هو الكتاب الذي تسجّل فيه الأعمال، لكل عامل في هذه الدنيا، من حسن أو سىء.. كما يقول سبحانه: {هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [29: الجاثية] وكما يقول جل شأنه: {وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً} [13: الإسراء].
فكل ما يعمله الإنسان، مسطور في هذا الكتاب، ناطق بكل صغيرة وكبيرة.. دون أن يكون هناك خطأ أو نسيان.. تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.
فليكتب الإنسان في كتابه هذا ما يحبّ أن يراه، ويسعد به ولا تكتب في كتابك غير شيء يسرّك في القيامة أن تراه.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال