سورة البقرة / الآية رقم 21 / تفسير تفسير الرازي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ المَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ

البقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)}
القول في إقامة الدلالة على التوحيد والنبوة والمعاد:
اعلم أن في هذه الآيات مسائل:
المسألة الأولى: أن الله تعالى لما قدم أحكام الفرق الثلاثة، أعني المؤمنين والكفار والمنافقين. أقبل عليهم بالخطاب، وهو من باب الالتفات المذكور في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وفيه فوائد: أحدها: أن فيه مزيد هز وتحريك من السامع كما أنك إذا قلت لصاحبك حاكياً عن ثالث: إن فلاناً من قصته كيت وكيت، ثم تخاطب ذلك الثالث فقلت: يا فلان من حقك أن تسلك الطريقة الحميدة في مجاري أمورك، فهذا الانتقال من الغيبة إلى الحضور يوجب مزيد تحريك لذلك الثالث.
وثانيها: كأنه سبحانه وتعالى يقول: جعلت الرسول واسطة بيني وبينك أولاً ثم الآن أزيد في إكرامك وتقريبك، فأخاطبك من غير واسطة، ليحصل لك مع التنبيه على الأدلة، شرف المخاطبة والمكالمة.
وثالثها: أنه مشعر بأن العبد إذا كان مشتغلاً بالعبودية فإنه يكون أبداً في الترقي، بدليل أنه في هذه الآية، انتقل من الغيبة إلى الحضور.
ورابعها: أن الآيات المتقدمة كانت في حكاية أحوالهم، وأما هذه الآيات فإنها أمر وتكليف، ففيه كلفة ومشقة فلابد من راحة تقابل هذه الكلفة، وتلك الراحة هي أن يرفع ملك الملوك الواسطة من البين ويخاطبهم بذاته، كما أن العبد إذا ألزم تكليفاً شاقاً فلو شافهه المولى وقال: أريد منك أن تفعل كذا فإنه يصير ذلك الشاق لذيذاً لأجل ذلك الخطاب.
المسألة الثانية: حكي عن علقمة والحسن أنه قال: كل شيء في القرآن: {يا أيها الناس} فإنه مكي، وما كان {يا أيها الذين ءامَنُواْ} فبالمدينة، قال القاضي: هذا الذي ذكروه إن كان الرجوع فيه إلى النقل فمسلم، وإن كان السبب فيه حصول المؤمنين بالمدينة على الكثرة دون مكة فهذا ضعيف، لأنه يجوز أن يخاطب المؤمنين مرة بصفتهم، ومرة باسم جنسهم، وقد يؤمر من ليس بمؤمن بالعبادة، كما يؤمر المؤمن بالاستمرار على العبادة والازدياد منها، فالخطاب في الجميع ممكن.
المسألة الثالثة: اعلم أن الألفاظ في الأغلب عبارات دالة على أمور هي: إما الألفاظ أو غيرها، أما الألفاظ فهي: كالاسم والفعل والحرف، فإن هذه الألفاظ الثلاثة يدل كل واحد منها على شيء، هو في نفسه لفظ مخصوص، وغير الألفاظ: فكالحجر والسماء والأرض، ولفظ النداء لم يجعل دليلاً على شيء آخر، بل هو لفظ يجري مجرى عمل يعمله عامل لأجل التنبيه.
فأما الذين فسروا قولنا: يا زيد بأنادي زيداً، أو أخاطب زيداً فهو خطأ من وجوه:
أحدها: أن قولنا: أنادي زيداً، خبر يحتمل التصديق والتكذيب، وقولنا يا زيد، لا يحتملها.
وثانيها: أن قولنا يا زيد، يقتضي صيرورة زيد منادى في الحال، وقولنا أنادي زيداً، لا يقتضي ذلك.
وثالثها: أن قولنا يا زيد يقتضي صيرورة زيد مخاطباً بهذا الخطاب وقولنا أنادي زيداً لا يقتضي ذلك لأنه لا يمتنع أنه يخبر إنساناً آخر بأني أنادي زيداً.
ورابعها: أن قولنا أنادي زيداً، إخبار عن النداء، والإخبار عن النداء غير النداء، والنداء هو قولنا: يا زيد، فإذن قولنا: أنادي زيداً، غير قولنا يا زيد، فثبت بهذه الوجوه فساد هذا القول.
ثم هاهنا نكتة نذكرها وهي: أن أقوى المراتب الاسم، وأضعفها الحرف، فظن قوم أنه لا يأتلف الاسم بالحرف، وكذا أعظم الموجودات هو الحق سبحانه وتعالى، وأضعفها البشر.
{وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً} [النساء: 28] فقالت الملائكة: أي مناسبة بينهما {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة: 30] فقيل قد يأتلف الاسم مع الحرف في حال النداء، فكذا البشر يصلح لخدمة الرب حال النداء والتضرع {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} [الأعراف: 23]، {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].
المسألة الرابعة: ياء حرف وضع في أصله لنداء البعيد وإن كان لنداء القريب لكن لسبب أمر مهم جداً، وأما نداء القريب فله: أي والهمزة، ثم استعمل في نداء من سها وغفل وإن قرب تنزيلاً له منزلة البعيد.
فإن قيل فلم يقول الداعي يا رب يا الله وهو تعالى يقول: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} [ق: 16] قلنا هو استبعاد لنفسه من مظان الزلفى وما يقربه إلى منازل المقربين هضماً لنفسه وإقراراً عليها بالتنقيص حتى يتحقق الإجابة بمقتضى قوله: أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي أو لأجل أن إجابة الدعاء من أهم المهمات للداعي.
المسألة الخامسة: أي وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام كما أن ذو والذي وصلتان إلى الوصف بأسماء الأجناس ووصف المعارف بالجمل، وهو اسم مبهم يفتقر إلى ما يزيل إبهامه، فلابد وأن يردفه اسم جنس، أو ما يجري مجراه يتصف به حتى يحصل المقصود بالنداء فالذي يعمل فيه حرف النداء هو أي والاسم التابع له صفة كقولك يا زيد الظريف إلا أن أيا لا يستقل بنفسه استقلال زيد فلم ينفك عن الصفة وموصوفها وأما كلمة التنبيه المقحمة بين الصفة وموصوفها ففيها فائدتان: الأولى: معاضدة حرف النداء بتأكيد معناه.
والثانية: وقوعها عوضاً مما يستحقه أي من الإضافة وإنما كثر في كتاب الله تعالى النداء على هذه الطريقة لاستقلاله بهذه التأكيدات والمبالغات فإن كل ما نادى الله تعالى به عباده من الأوامر والنواهي، والوعد والوعيد، واقتصاص أخبار المتقدمين بأمور عظام، وأشياء يجب على المستمعين أن يتيقظوا لها مع أنهم غافلون عنها، فلهذا وجب أن ينادوا بالأبلغ الآكد.
المسألة السادسة: اعلم أن قوله: {يا أيها الناس اعبدوا رَبَّكُمُ} يقتضي أن الله تعالى أمر كل الناس بالعبادة فلو خرج البعض عن هذا الخطاب لكان ذلك تخصيصاً للعموم.
وهاهنا أبحاث.
البحث الأول: أن لفظ الجمع المعرف بلام التعريف يفيد العموم، والخلاف فيه مع الأشعري والقاضي أبي بكر وأبي هاشم، لنا أنه يصح تأكيده بما يفيد العموم كقوله: {فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُون} [الحجر: 15] ولو لم يكن اللفظ في أصله للعموم لما كان قوله: {كُلُّهُمْ} تأكيداً بل بياناً ولأنه يصح استثناء كل واحد من الناس عنه والاستثناء يخرج ما لولاه لدخل فوجب أن يفيد العموم وتمام تقريره في أصول الفقه.
البحث الثاني: لما ثبت أن قوله تعالى: {يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا الناس} يتناول جميع الناس الذين كانوا موجودين في ذلك العصر فهل يتناول الذين سيوجدون بعد ذلك أم لا؟ والأقرب أنه لا يتناولهم؛ لأن قوله: {يا أيها الناس} خطاب مشافهة وخطاب المشافهة مع المعدوم لا يجوز، وأيضاً فالذين سيوجدون بعد ذلك ما كانوا موجودين في تلك الحالة، وما لا يكون موجوداً لا يكون إنساناً وما لا يكون إنساناً لا يدخل تحت قوله: {يا أَيُّهَا الناس} فإن قيل: فوجب أن لا يتناول شيء من هذه الخطابات الذين وجدوا بعد ذلك الزمان وأنه باطل قطعاً.
قلنا: لو لم يوجد دليل منفصل لكان الأمر كذلك إلا أنا عرفنا بالتواتر من دين محمد صلى الله عليه وسلم أن تلك الخطابات ثابتة في حق من سيوجد بعد ذلك إلى قيام الساعة فلهذه الدلالة المنفصلة حكمنا بالعموم.
البحث الثالث: قوله: {يا أيها الناس اعبدوا رَبَّكُمُ} أمر للكل بالعبادة فهل يفيد أمر الكل بكل عبادة؟ الحق لا، لأن قوله اعبدوا معناه ادخلوا هذه الماهية في الوجود، فإذا أتوا بفرد من أفراد الماهية في الوجود فقد أدخلوا الماهية في الوجود لأن الفرد من أفراد الماهية مشتمل على الماهية لأن هذه العبادة عبارة عن العبادة مع قيد كونها هذه ومتى وجد المركب فقد وجد قيداه، فالآتي بفرد من أفراد العبادة آتٍ بالعبادة، والآتي بالعبادة آتٍ بتمام ما اقتضاه قوله: {اعبدوا} وإذا كان كذلك وجب خروجه عن العهدة فإن أردنا أن نجعله دالاً على العموم نقول: الأمر بالعبادة لابد وأن يكون لأجل كونها عبادة لأن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بعلية الوصف، لا سيما إذا كان الوصف مناسباً للحكم، وهاهنا كون العبادة عبادة يناسب الأمر بها، لما أن العبادة عبارة عن تعظيم الله تعالى وإظهار الخضوع له وكل ذلك مناسب في العقول، وإذا ثبت أن كونه عبادة علة للأمر بها وجب في كل عبادة أن يكون مأموراً بها، لأنه أينما حصلت العلة وجب حصول الحكم لا محالة.
البحث الرابع: لقائل أن يقول: قوله: {يا أيها الناس اعبدوا} لا يتناول الكفار البتة لأن الكفار لا يمكن أن يكونوا مأمورين بالإيمان، وإذا امتنع ذلك امتنع أن يكونوا مأمورين بالعبادة، أما أنه لا يمكن أن يكونوا مأمورين بالإيمان فلأن الأمر بمعرفة الله تعالى إما أن يتناوله حال كونه غير عارف بالله تعالى أو حال كونه عارفاً بالله تعالى، أما إن تناوله حال كونه غير عارف بالله فيستحيل أن يكون عارفاً بأمر الله تعالى لأن العلم بالصفة مع الجهل بالذات محال فلو تناوله الأمر في هذه الحالة لكان قد تناوله الأمر في حال يستحيل منه أن يعرف كونه مأموراً بذلك الأمر، وذلك تكليف ما لا يطاق، وإن تناوله الأمر بالمعرفة حال كونه عارفاً بالله فذالك محال، لأنه أمر بتحصيل الحاصل، وذلك غير ممكن.
فثبت أن الكافر يستحيل أن يكون مأموراً بتحصيل المعرفة، وإذا استحال ذلك استحال أن يكون مأموراً بالعبادة لأنه إما أن يؤمر بالعبادة قبل المعرفة وهو محال لأن عبادة من لا يعرف ممتنعة أو يؤمر بالعبادة بعد المعرفة إلا أن على هذا التقدير يكون الأمر بالعبادة موقوفاً على الأمر بالمعرفة فلما كان الأمر بالمعرفة ممتنعاً كان الأمر بالعبادة أيضاً ممتنعاً، وأيضاً يستحيل أن يكون هذا الخطاب مع المؤمنين، لأنهم يعبدون الله فأمرهم بالعبادة يكون أمراً بتحصيل الحاصل وهو محال.
والجواب: من الناس من قال: الأمر بالعبادة مشروط بحصول المعرفة، كما أن الأمر بالزكاة مشروط بحصول ملك النصاب، وهؤلاء هم القائلون بأن المعارف ضرورية، وأما من لم يقل بذلك استدل بهذه الآية على أن المعارف ليست ضرورية فقال: الأمر بالعبادة حاصل، والعبادة لا تمكن إلا بالمعرفة، والأمر بالشيء أمر بما هو من ضرورياته، كما أن الطهارة إذا لم تصح إلا بإحضار الماء كان إحضار الماء واجباً، والدهري لا يصح منه تصديق الرسول إلا بتقديم معرفة الله تعالى، فوجبت، والمحدث لا تصح منه الصلاة إلا بتقديم الطهارة فوجبت، والمودع لا يمكنه رد الوديعة إلا بالسعي إليها، فكان السعي واجباً، فكذا هاهنا يصح أن يكون الكافر مخاطباً بالعبادة وشرط الإتيان بها الإتيان بالإيمان أولاً ثم الإتيان بالعبادة بعد ذلك. بقي لهم: الأمر بتحصيل المعرفة محال، قلنا هذه المسألة مستقصاة في الأصول والذي نقول هاهنا إن هذا الكلام وإن تم في كل ما يتوقف العلم يكون الله آمراً على العلم به، فإنه لا يجري فيما عدا ذلك من الصفات. فلم لا يجوز ورود الأمر بذلك؟ سلمنا ذلك فلم لا يجوز أن يقال هذا الأمر يتناول المؤمنين؟ قوله لأنه يصير ذلك أمراً بتحصيل الحاصل وهو محال، قلنا لما تعذر ذلك فنحمله إما على الأمر بالاستمرار على العبادة أو على الأمر بالازدياد منها، ومعلوم أن الزيادة على العبادة عبادة، فصح تفسير قوله: اعبدوا بالزيادة في العبادة.
البحث الخامس: قال منكرو التكليف: لا يجوز ورود الأمر من الله تعالى بالتكليف لوجوه:
أحدها: أن التكليف إما أن يتوجه على العبد حال استواء دواعيه إلى الفعل أو الترك أو حال رجحان أحدهما على الآخر، فإن كان الأول فهو محال، لأن في حال الاستواء يمتنع حصول الترجيح لأن الاستواء يناقض الترجيح فالجمع بينهما محال والتكليف بالفعل حال استواء الداعيين تكليف بما لا يطاق، وإن كان الثاني فالراجح واجب الوقوع؛ لأن المرجوح حال ما كان مساوياً للراجح كان ممتنع الوقوع، وإلا فقد وقع الممكن لا عن مرجح، وإذا كان حال الاستواء ممتنع الوقوع فبأن يصير حال المرجوحية ممتنع الوقوع أولى وإذا كان المرجوح ممتنع الوقوع كان الراجح واجب الوقوع ضرورة أنه لا خروج عن النقيضين إذا ثبت هذا فالتكليف إن وقع بالراجح كان التكليف تكليفاً بإيجاد ما يجب وقوعه، وإن وقع بالمرجوح كان التكليف تكليفاً بما يمتنع وقوعه، وكلاهما تكليف ما لا يطاق.
وثانيها: أن الذي ورد به التكليف إما أن يكون قد علم الله في الأزل وقوعه، أو علم أنه لا يقع أو لم يعلم لا هذا ولا ذاك، فإن كان الأول كان واجب الوقوع ممتنع العدم فلا فائدة في ورود الأمر به، وإن علم لا وقوعه كان ممتنع الوقوع واجب العدم، فكان الأمر بإيقاعه أمراً بإيقاع الممتنع وإن لم يعلم لا هذا ولا ذاك كان ذلك قولاً بالجهل على الله تعالى وهو محال، ولأن بتقدير أن يكون الأمر كذلك فإنه لا يتميز المطيع عن العاصي، وحينئذٍ لا يكون في الطاعة فائدة.
وثالثها: أن ورود الأمر بالتكاليف إما أن يكون لفائدة أو لا لفائدة، فإن كان لفائدة فهي إما عائدة إلى المعبود أو إلى العابد أما إلى المعبود فمحال لأنه كامل لذاته، والكامل لذاته لا يكون كاملاً بغيره، ولأنا نعلم بالضرورة أن الإله العالي على الدهر والزمان يستحيل أن ينتفع بركوع العبد وسجوده، وأما إلى العابد فمحال؛ لأن جميع الفوائد محصورة في حصول اللذة ودفع الألم، وهو سبحانه وتعالى قادر على تحصيل كل ذلك للعبد ابتداء من غير توسط هذه المشاق فيكون توسطها عبثاً، والعبث غير جائز على الحكيم.
ورابعها: أن العبد غير موجد لأفعاله لأنه غير عالم بتفاصيلها ومن لا يعلم تفاصيل الشيء لا يكون موجداً له وإذا لم يكن العبد موجداً لأفعال نفسه فإن أمره بذلك الفعل حال ما خلقه فيه فقد أمره بتحصيل الحاصل، وإن أمره به حال ما لم يخلقه فيه فقد أمره بالمحال وكل ذلك باطل.
وخامسها: أن المقصود من التكليف إنما هو تطهير القلب على ما دلت عليه ظواهر القرآن فلو قدرنا إنساناً مشتغل القلب دائماً بالله تعالى وبحيث لو اشتغل بهذه الأفعال الظاهرة لصار ذلك عائقاً له عن الاستغراق في معرفة الله تعالى وجب أن يسقط عنه هذه التكاليف الظاهرة، فإن الفقهاء والقياسيين قالوا إذا لاح المقصود والحكمة في التكاليف وجب اتباع الأحكام المعقولة لا اتباع الظواهر.
والجواب: عن الشبه الثلاثة الأول من وجهين:
الأول: أن أصحاب هذه الشبه أوجبوا بما ذكروه اعتقاد عدم التكاليف فهذا تكليف ينفي التكليف وأنه متناقض.
الثاني: أن عندنا يحسن من الله تعالى كل شيء سواء كان ذلك تكليف ما لا يطاق أو غيره لأنه تعالى خالق مالك، والمالك لا اعتراض ع




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال