سورة البقرة / الآية رقم 22 / تفسير تفسير القرطبي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ المَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ

البقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)}
قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً} فيه ست مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ} معناه هنا صير لتعديه إلى مفعولين: ويأتي بمعنى خلق، ومنه قوله تعالى: {ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ} [المائدة: 103] وقوله: {وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1] ويأتي بمعنى سمى، ومنه قوله تعالى: {حم. وَالْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا} [الزخرف: 1- 3]. وقوله: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً} [الزخرف: 15]. {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً} [الزخرف: 19] أي سموهم. ويأتي بمعنى أخذ، كما قال الشاعر:
وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة *** لضغمهما ها يقرع العظم نابها
وقد تأتي زائدة، كما قال الآخر:
وقد جعلت أرى الاثنين أربعة *** والواحد اثنين لمّا هدني الكبر
وقد قيل في قوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ}: إنها زائدة. وجعل واجتعل بمعنى واحد، قال الشاعر:
ناط أمر الضعاف واجتعل اللي *** ل كحبل العادية الممدود فراشا
أي وطاء يفترشونها ويستقرون عليها. وما ليس بفراش كالجبال والأوعار والبحار فهي من مصالح ما يفترش منها، لأن الجبال كالأوتاد كما قال: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً. وَالْجِبالَ أَوْتاداً} [النبأ: 6- 7]. والبحار تركب إلى سائر منافعها كما قال: {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ} [البقرة: 164].
الثانية: قال أصحاب الشافعي: لو حلف رجل ألا يبيت على فراش أو لا يستسرج بسراج فبات على الأرض وجلس في الشمس لم يحنث، لأن اللفظ لا يرجع إليهما عرفا.
وأما المالكية فبنوه على أصلهم في الايمان أنها محمولة على النية أو السبب أو البساط الذي جرت عليه اليمين، فإن عدم ذلك فالعرف.
الثالثة: قوله تعالى: {وَالسَّماءَ بِناءً} السماء للأرض كالسقف للبيت، ولهذا قال وقوله الحق {وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً} [الأنبياء: 32] وكل ما علا فأظل قيل له سماء، وقد تقدم القول فيه والوقف على {بِناءً} أحسن منه على {تَتَّقُونَ}، لأن قوله: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً} نعت للرب. ويقال: بنى فلان بيتا، وبنى على أهله بناء فيهما أي زفها. والعامة تقول: بنى بأهله، وهو خطأ، وكان الأصل فيه أن الداخل بأهله كان يضرب عليها قبة ليلة دخوله بها، فقيل لكل داخل بأهله: بان. وبنى مقصورا شدد للكثرة، وابتنى دارا وبنى بمعنى، ومنه بنيان الحائط، وأصله وضع لبنة على أخرى حتى تثبت. وأصل الماء موه، قلبت الواو ألفا لتحركها وتحرك ما قبلها فقلت ماه، فالتقى حرفان خفيان فأبدلت من الهاء همزة، لأنها أجلد، وهي بالألف أشبه، فقلت: ماء، الألف الأولى عين الفعل، وبعدها الهمزة التي هي بدل من الهاء، وبعد الهمزة ألف بدل من التنوين. قال أبو الحسن: لا يجوز أن يكتب إلا بألفين عند البصريين، وإن شئت بثلاث، فإذا جمعوا أو صغروا ردوا إلى الأصل فقالوا: مويه وأمواه ومياه، مثل جمال وأجمال.
الرابعة: قوله تعالى: {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ} الثمرات جمع ثمرة. ويقال: ثمر مثل شجر. ويقال ثمر مثل خشب. ويقال: ثمر مثل بدن. وثمار مثل إكام جمع ثمر. وسيأتي لهذا مزيد بيان في الأنعام إن شاء الله. وثمار السياط: عقد أطرافها. والمعنى في الآية أخرجنا لكم ألوانا من الثمرات، وأنواعا من النبات. {رِزْقاً} طعاما لكم، وعلفا لدوابكم، وقد بين هذا قوله تعالى: {أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا. ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا. فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا. وَحَدائِقَ غُلْباً. وَفاكِهَةً وَأَبًّا. مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ} [عبس: 25- 32] وقد مضى الكلام في الرزق مستوفى والحمد لله.
فإن قيل: كيف أطلق اسم الرزق على ما يخرج من الثمرات قبل التملك؟ قيل له: لأنها معدة لان تملك ويصح بها الانتفاع، فهي رزق.
الخامسة: قلت ودلت هذه الآية على أن الله تعالى أغنى الإنسان عن كل مخلوق، ولهذا قال عليه السلام مشيرا إلى هذا المعنى: «والله لان يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يسأل أحدا أعطاه أو منعه». أخرجه مسلم. ويدخل في معنى الاحتطاب جميع الاشغال من الصنائع وغيرها، فمن أحوج نفسه إلى بشر مثله بسبب الحرص والأمل والرغبة في زخرف الدنيا فقد أخذ بطرف من جعل لله ندا.
وقال علماء الصوفية: أعلم الله عز وجل في هذه الآية سبيل الفقر، وهو أن تجعل الأرض وطاء والسماء غطاء، والماء طيبا والكلأ طعاما، ولا تعبد أحدا في الدنيا من الخلق بسبب الدنيا، فإن الله عز وجل قد أتاح لك ما لأبد لك منه، من غير منة فيه لاحد عليك.
وقال نوف البكالي: رأيت علي بن أبي طالب خرج فنظر إلى النجوم فقال: يا نوف، أراقد أنت أم رامق؟ قلت: بل رامق يا أمير المؤمنين، قال: طوبى للزاهدين في الدنيا والراغبين في الآخرة، أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطا، وترابها فراشا، وماءها طيبا، والقرآن والدعاء دثارا وشعارا، فرفضوا الدنيا على منهاج المسيح عليه السلام... وذكر باقي الخبر، وسيأتي تمامه في هذه السورة عند قوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} [البقرة: 186] إن شاء الله تعالى.
السادسة: قوله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا} نهى. {لِلَّهِ أَنْداداً} أي أكفاء وأمثالا ونظراء، واحدها ند، وكذلك قرأ محمد بن السميقع {جُنْداً}، قال الشاعر:
نحمد الله ولا ند له *** عنده الخير وما شاء فعل
وقال حسان:
أتهجوه ولست له بند *** فشركما لخيركما الفداء
ويقال: ند ونديد ونديده على المبالغة، قال لبيد:
ليكلا يكون السندري نديدتي *** وأجعل أقواما عموما عماعما
وقال أبو عبيدة {أَنْداداً} أضدادا. النحاس: {أَنْداداً} مفعول أول، و{لِلَّهِ} في موضع الثاني. الجوهري: والند بفتح النون: التل المرتفع في السماء. والند من الطيب ليس بعربي. وند البعير يند ندا وندادا وندودا: نفر وذهب على وجهه، ومنه قرأ بعضهم {يَوْمَ التَّنادِ}. وندد به أي شهره وسمع به.
السابعة: قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ابتداء وخبر، والجملة في موضع الحال، والخطاب للكافرين والمنافقين، عن ابن عباس. فإن قيل: كيف وصفهم بالعلم وقد نعتهم بخلاف ذلك من الختم والطبع والصمم والعمى. فالجواب من وجهين:
أحدهما: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} يريد العلم الخاص بأن الله تعالى خلق الخلق وأنزل الماء وأنبت الرزق، فيعلمون أنه المنعم عليهم دون الأنداد.
الثاني: أن يكون المعنى وأنتم تعلمون وحدانيته بالقوة والإمكان لو تدبرتم ونظرتم، والله أعلم.
وفي هذا دليل على الامر باستعمال حجج العقول وإبطال التقليد.
وقال ابن فورك: يحتمل أن تتناول الآية المؤمنين، فالمعنى لا ترتدوا أيها المؤمنون وتجعلوا لله أندادا بعد علمكم الذي هو نفي الجهل بأن الله واحد.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال