سورة الفرقان / الآية رقم 57 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْئَلْ بِهِ خَبِيراً وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَراًّ وَمُقَاماً وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً

الفرقانالفرقانالفرقانالفرقانالفرقانالفرقانالفرقانالفرقانالفرقانالفرقانالفرقانالفرقانالفرقانالفرقانالفرقان




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (54) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (55) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (56) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (57) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (58) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (59)}.
التفسير:
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً}.
مرج البحرين: المرج، خلط الشيء بالشيء، ومرج الخاتم في اليد، أي اضطرب، وأمر مريج، أي مختلط.. ومرج البحرين: أي خلطهما، وجمع بعضهما ببعض.
والعذب: الحلو، الطيب.. والفرات: العذب أيضا.. وهو توكيد للعذب، أي عذب عذب.
والسائغ: الذي تقبله النفس وتستطيبه.
والأجاج: الشديد الملوحة.
والبرزخ: الحاجز بين الشيئين.
والحجر المحجور: المحتجز، المحجوز، الذي لا سبيل له إلى الخروج من هذا الحجاز.
والآية الكريمة، مثل واقع محسوس، لقدرة اللّه، ولسلطانه القائم على هذا الوجود، حيث ترى في لقاء الماء بالماء قدرة القادر الحكيم، في عزل أجزاء هذا السائل المائع، الذي يشبه الهواء في سيولته.. فالماء الملح في جانب، والماء العذب الفرات في جانب، وهما حيث ترى العين، ماء واحد، لا يعرف أيهما هذا أو ذاك، إلا بالمذاق باللسان..! فما أروع هذه القدرة، وما أعظم سلطانها الذي يحجز هذين السائلين بعضهما عن بعض، فلا يطغى أحدهما على الآخر، ولا يختلط العذب بالملح.. وفي هذا يقول الحقّ جلّ وعلا: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ} [19- 20: الرحمن].
وفي هذا المثل صورة للمجتمع الإنسانى، حيث الأخيار والأشرار، والمؤمنون والكافرون، والهواة والضالون.. إنهما في محيط حياة واحدة، حيث يموج بعضهم في بعض، وحيث تتشابه وجوههم وصورهم، تشابه الماء والماء، ومع هذا فإن بين الأخيار والأشرار، حجاز، وبرزخ، أشبه بهذا البرزخ غير المنظور، الذي يحجز بين الماء والماء: {هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ}.
الماء والماء. والناس والناس:
ومن إعجاز القرآن الكريم، ما تكشف عنه هذه الآية، من روعة التصوير، ودقة التمثيل، فيما بين مجتمع الماء والماء، والناس والناس:
فأولا: هذا التشابه في الصورة بين الماء العذب، والماء الملح، وبين الأخيار والأشرار من الناس.. وأن التطابق يكاد يكون تامّا في الظاهر، بين المتناقضين، في كل من وجهى الصورة.. فعلى أحد وجهيها، ماء عذب فرات، وماء ملح أجاج، وعلى الوجه الآخر.. مؤمنون، أخيار، طيبون، وكافرون، أشرار، خبيثون.. لا يعرف أي من هذه الأطراف، إلا بالمذاق والاختبار، ولا يبين فضل أىّ منها إلا في موقع العمل والتجربة.
وعلى هذا، فإن ما في كيان المؤمنين من إيمان وخير وطيب، إنما تظهر آثاره في مجال العمل، وفي موقع التجربة والاحتكاك بالحياة وبالناس.
وكذلك ما عند الكافرين من كفر وشر وخبث، إنما يعرف حسابه، ويأخذ الوصف الذي له، حين يتحول إلى عمل، واقع في الحياة.. وإلا فالناس جميعا على سواء، ما لم ينكشف ما بداخلهم من خير أو شر، ومن إيمان وكفر، في صورة سلوك، وعمل..! {وَقُلِ اعْمَلُوا.. فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.
وثانيا: الناس- وإن ظهروا في صورة واحدة- هم في حقيقتهم، فريقان: مؤمن وكافر، ومستقيم، ومعوج، ومهتد وضال، وطيب وخبيث.
سواء اختبروا أم لم يختبروا، وجرّبوا أم لم يجرّبوا.. هكذا خلقهم اللّه، وإن توالد بعضهم من بعض، كما يتولد الماء العذب، من الماء الملح.. {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} [95: الأنعام].. {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [2: التغابن].
وفي هذا يقول الرسول الكريم: «النّاس معادن.. خيارهم في الجاهلية، خيارهم في الإسلام».
وثالثا: المؤمنون الأخيار في المجتمع الإنسانى، وهم مادة الحياة، وهم الروح الذي يسرى في شرايين كل ما هو نافع، وصالح، لإثبات شجرة الحياة، وإروائها، وإزهارها، وإثمارها، ولو افتقدتهم هذه الأرض، لما كان للحياة أثر فيها- إنهم الماء العذب، الذي هو حياة الأحياء، من نبات، وجماد، وإنسان.. {وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [30: الأنبياء].. وفي هذا يقول بعض العارفين: الماء العذب، ما وقع منه على الأرض أنبت البرّ، وما وقع في البحر ولد الدرّ، أي اللؤلؤ والمرجان.
ورابعا: المؤمنون الأخيار، في المجتمع الإنسانى، هم قلّة- في كل زمان ومكان- بالإضافة إلى الضالين، والأشرار.. وتكاد نسبتهم تعدل نسبة الماء العذب، إلى الماء الملح.
وفي هذا يقول الحقّ تبارك وتعالى: {وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [103: يوسف] ويقول سبحانه: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ} [110: آل عمران].
ويقول: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ} [8: الروم] ويقول: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ} [24: ص].
وخامسا: ليس في الناس من هو شر خالص، أو خير محض.. ففى الأشرار الماء ما في الملح، من عناصر الماء العذب.. بل إن من هذا الماء الملح، ما يرقّ ويصفو، ويتحول إلى بخار، وسحاب، ثم ينزل على الأرض ماء عذبا فراتا.
وفي الأخيار ما في الماء العذب الفرات من قابلية للاختلاط بما يفسده وبغير طبيعته وهو يسلك مسالكه في الأرض.. فتارة يسلك مجرى طيّبا. فيكدر، ثم يصفو.. وتارة يقع في مستنقع، فيركد، ثم يتعفن.. وهكذا.
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً}.
هو مضمون من مضامين هذا المثل، الذي ضربه اللّه سبحانه وتعالى في الآية السابقة، للمؤمنين والكافرين، فيما بين الماء العذب، والماء الملح، من تشابه، وتضادّ في آن واحد.
فالماء العذب. والماء الملح.. هما ماء واحد.. وهما في الوقت نفسه ماءان.
فالصلة بينهما قريبة، وبعيدة معا..!!
والناس، مؤمنون، وكافرون.. من أصل واحد.. هم أبناء هذا الماء.
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {فَجَعَلَهُ نَسَباً}.
أي فجعل هذا الماء هو صلة القرابة القريبة، التي تجمع الإنسان إلى الإنسان، كما تجمع الأخ إلى أخيه.
والناس، مؤمنون وكافرون.. هم صنفان، وكان من الممكن، أن يفرّق بينهما هذا الاختلاف، ولكن ما بينهما من نسب قريب، يمنع هذه الفرقة، ويرفع هذا الاختلاف.
ومن هنا، فإنه إذا كان لكلّ من المؤمنين والكافرين ذاتيته، وطريقه في الحياة، فإن ما بينهما من تلاق في الأصل يجعل طريقيهما كالخطّين المتقابلين، يلتقيان، عند نقطة هندسية، أشبه بهذا اللقاء بين الماء العذب والماء الملح، وليس كالخطين المتوازيين اللذين لا يلتقيان أبدا.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَصِهْراً}! فالصهر: أهل بيت المرأة بالنسبة لزوجها.. وأصهر إلى فلان: أي تزوج ابنته أو أخته.
وفي قوله تعالى: {وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً} إشارة إلى قدرة اللّه سبحانه وتعالى، في الجمع، بين المختلفين، والتفرقة بين المتشابهين في حال معا.!
قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً}.
الضمير في قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ} يعود إلى الكافرين، الذين ذكرهم اللّه سبحانه في قوله: {فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً}.
فهؤلاء الكافرون، لا يستمعون إلى هذا القرآن، ولا ينتفعون بما يضرب لهم من أمثال، وما يكشف لهم من جلال اللّه وقدرته.. وإذا هم على ما هم عليه من ضلال الجاهلية وشركها، لم ينكشف لعقولهم من هذا النور السماوي، ما هم فيه من عمى وضلال.. وهاهم أولاء- كما عهدتهم الحياة من قبل- عاكفون على عبادة هذه الدّمى وتلك الأحجار، التي لا تنفع ولا تضرّ، إذا دعاها عابدها لجلب خير، أو دفع ضرّ.
وقوله تعالى: {وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً} إشارة إلى جناية من يكفر بربّه ويعبد إلها غيره. إنه يحارب خالقه، إذ يكون حربا على أولياء اللّه، من الرسل، وأتباع الرسل سواء أكان ذلك باتباع سبيل غير المؤمنين، أم كان بالوقوف في وجه المؤمنين، وإعلان الحرب سافرة عليهم.
وهو بهذا يظاهر أعداء اللّه على أوليائه، وفي هذا حرب للّه، ومظاهرة لأعدائه المحاربين له، على حربه.
فالظهير، هو المعين الذي يسند ظهر غيره.. والكافر بكفره، وبانتظامه في صفوف الكافرين المحاربين للّه، هو يظاهر على اللّه، ولا يظاهر للّه.. وذلك كما يقول سبحانه: {رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} [17: القصص].
قوله تعالى: {وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً}.
هو عزاء للنبيّ الكريم، لما يلقى في تبليغ رسالته من عنت هؤلاء المشركين، وضلالهم، وما يسوءه من خلافهم عليه، وهم في هذا الضلال الذي لن يسلمهم إلا إلى الهلاك والبوار.
وما ذا يفعل الرسول أكثر ممّا فعل مع هؤلاء المعاندين الضالّين.. إنه لا يملك بين يديه قوة تحركهم على أن يركبوا سفينة النجاة معه، وإن كلّ ما يملكه هو كلمات اللّه، يبشر بها المؤمنين بأن لهم من اللّه فضلا كبيرا، وينذر الضالين المكذّبين بأن لهم عذابا أليما.. {فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [21- 22: الغاشية].
قوله تعالى: {قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا}.
أي أن الرسول الذي يحمل عبء هذه الرسالة، ويحتمل الأذى في سبيلها من الضالين والمعاندين، والسفهاء- لا يطلب لذلك أجرا على هذا الجهد المضنى الذي يبذله، كما يطلب الناس أجرا لكل عمل يعملونه.. إنه يؤدى رسالة اللّه خالصة لوجه اللّه سبحانه وتعالى، وهو الذي يتولى جزاءه، وحسن مثوبته.
وقوله تعالى: {مِنْ أَجْرٍ}.
من هنا لاستغراق النّفى، للشىء الذي وقع عليه الفعل، وهو الأجر.. وهذا يعنى أنه لا يسأل على هذا العمل الذي يقدمه لهم أي أجر، وإن قلّ سواء أكان أجرا ماديا من مال ومتاع، أم أجرا معنويا، من جاه وسلطان.
وقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا}.
إلا هنا أداة استثناء عاملة، وما بعدها مستثنى من عموم النفي الواقع على كلمة أجر.
والتقدير: لا أسألكم أجرا على ما أقدم لكم من خير، إلا أجر من شاء أن يتخذ إلى ربّه سبيلا، بالإنفاق في سبيل اللّه، والإحسان إلى الفقراء والمساكين، والضعفاء.. فذلك هو الأجر الذي أناله منكم، فهو وإن لم يكن لى، فإنى أحتسبه لى، لأن ما يقدّم للّه، وما يؤدّى لعباد اللّه، هو لى.. وما ينفق في سبيل اللّه، هو كأنما ينفق في سبيلى.. إذ ليس لى سبيل إلا سبيل اللّه.
وهذا مثل قوله تعالى: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى} [23: الشورى] فالإحسان إلى ذوى القربى، كالوالدين، والإخوة والأعمام والعمات ونحوهم- هو إحسان إلى النبيّ، وتحقيق لدعوة الخير التي يدعو إليها.. واللّه سبحانه وتعالى يقول: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً} [23: الإسراء].
فالإحسان إلى الوالدين، هو من تمام الإيمان باللّه، وكأن ذلك الإحسان هو إحسان إلى النبيّ، وهو الأجر الذي يناله من المؤمنين، الذين هداهم اللّه إلى الإيمان على يديه.
قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً}.
هو معطوف على قوله تعالى: {قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} أي: قل لهم هذا القول، ودعهم وما يشاءون، متوكلا على الحيّ الذي لا يموت.
أما كلّ حيّ سواه، ففى كيانه معاول هدمه وفنائه: {كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [88: القصص].. وسبّح بحمد ربك، منزّها له عن الشريك والولد، حامدا له أن هداك إلى الإيمان، وأن جعلك السّراج المنير الذي يهتدى به الضالون، ويسير على سنا ضوئه المؤمنون.
وقوله تعالى: {وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً}.
هو تهديد للكافرين والضالين، وما يقترفون من آثام، وأن اللّه سبحانه وتعالى عليم بما يعملون، خبير.. لا يختلط عليه المحسنون بالمسيئين.
قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً}.
هو من صفات اللّه سبحانه وتعالى، الذي دعى النبيّ إلى التوكّل عليه، وتفويض أمره إليه.. فهو سبحانه، حيّ لا يموت، خلق السموات والأرض، وما بينهما من عوالم، في ستة أيام.
وقد قلنا من قبل، إن هذه الأيام الستة، هى الظرف الحاوي، الذي تمّ فيه ميلاد المخلوقات، جميعها، أي الوجود كله، في أرضه وسماواته، وما في أرضه وسماواته.. وليس هذا الزّمن مرتبطا بقدرة اللّه سبحانه وتعالى في خلق المخلوقات.. ولو شاء- سبحانه- لخلق العالم كله في لحظة واحدة: {إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [82: يس].
وقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ}.
الاستواء على العرش، هو القيام على هذا الوجود، والاستيلاء على مركز القوة والسلطان فيه. فلا تخرج ذرّة من ذرات هذا الوجود عن سلطان اللّه، وعن علم اللّه: {وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ} [59: الأنعام].
وقوله تعالى: {الرَّحْمنُ} هو فاعل الفعل {اسْتَوى}.
وهو يعنى أن صاحب السلطان القائم على هذا الوجود هو {الرَّحْمنُ} الذي أفاض رحمته ـ وقوله تعالى: {فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً} الأمر هنا إلى كل إنسان غابت عنه هذه الحقيقة، وهي رحمانية الرحمن، القائم على هذا الوجود.. فمن غابت عنه هذه الحقيقة، ولم يدرك آثارها في هذا الوجود، وفي كل موجود.. فليسأل أهل العلم والخبرة، الذين يقدرون اللّه حق قدره، ويعرفون مواقع رحمته في خلقه.. واللّه سبحانه وتعالى يقول: {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [7: الأنبياء].




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال