سورة الشعراء / الآية رقم 27 / تفسير تفسير ابن عجيبة / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ المُرْسَلِينَ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قَالَ رَبُّ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المَسْجُونِينَ قَالَ أَوَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ قَالَ لِلْمَلأِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي المَدَائِنِ حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ

الشعراءالشعراءالشعراءالشعراءالشعراءالشعراءالشعراءالشعراءالشعراءالشعراءالشعراءالشعراءالشعراءالشعراءالشعراء




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


يقول الحق جل جلاله: لما أتى موسى وهارونُ فرعونَ وبلَّغا الرسالة، {قال} له: {ألم نُربِّك...} إلخ، رُوي أنهما أتيا بابه فلم يُؤذن لهما سنة، حتى قال البواب: إن هنا إنساناً يزعم أنه رسول رب العالمين، فقال: ائذن له، لعلنا نضحك منه، فأَذِن، فدخل، فأدى الرسالة، فعرفه فرعونُ، فقال له: {ألم نُربِّك فينا}؛ في حِجْرنا ومنازلنا، {وليداً} أي طفلاً. عبّر عنه بذلك؛ لقُرب عهده بالولادة. وهذه من فرعون معارضة لقول موسى عليه السلام: {إنا رسول رب العالمين}، بنسبته تربيته إليه وليداً. ولذلك تجاهل بقوله: {وما ربُّ العالمين}، وصرح بالجهل بعد ذلك بقوله: {لئن اتخذت إلهاً غيري...} إلخ، {ولبثتَ فينا من عُمُرِكَ سنين} قيل: لبث فيهم ثلاثين سنة، ثم خرج إلى مدين، وأقام به عشر سنين، ثم عاد يدعوهم إلى الله- عز وجل- ثلاثين سنة، ثم بقي بعد الغرق خمسين، وقيل: قتل القبطي وهو ابن ثنتي عشرة سنة، وفرّ منهم على إثر ذلك. والله أعلم.
ثم قال له: {وفعلتَ فَعْلَتك التي فعلتَ} يعني: قتل القبطي، بعدما عدد عليه نعمته؛ من تربيته، وتبليغه مبلغ الرجال، وبّخه بما جرى عليه مع خبازه، أي: قتلت صاحبي، {وأنت من الكافرين} بنعمتي، حيث عمدت إلى قتل رجل من خواصي، أو: أنت حينئذٍ ممن تفكر بهم الآن، أي: كنت على ديننا الذي تسميه كفراً، وهذا افتراء منه عليه؛ لأنه معصوم، وكان يعاشرهم بالتقية، وإلا فأين هو عليه السلام من مشاركتهم في الدين.
{قال فعلتُها إذاً} أي: إذ ذاك {وأنا من الضالين} أي: من المخطئين؛ لأنه لم يتعمد قتله، بل أراد تأديبه، أو: الذاهلين عما يؤدي إليه الوكز. أو: من الضالين عن النبوة، ولم يأت عن الله في ذلك شيء، فليس عليَّ توبيخ في تلك الحالة. والفرض أن المقتول كافر، فالقتل للكافر لم يكن فيه شرع، وهذا كله لا ينافي النبوة. وكذلك التربية لا تنافي النبوة.
{ففررتُ منكم} إلى ربي، متوجهاً إلى مدين {لمّا خِفْتُكم} أن تصيبني بمضرة، أو تؤاخذني بما لا أستحقه. {فوهب لي ربي حُكماً} أي: حكمة، أو: نبوة وعلماً، فزال عني الجهل والضلالة، {وجعلني من المرسلين}؛ من جملة رسله، {وتلك نعمة تمُنُّها عليَّ أن عَبدتَّ بني إسرائيل} أي: تلك التربية نعمة تمُن بها عليّ ظاهراً، وهي في الحقيقة تعبيدك بني إسرائيل، وقهرك إياهم، بذبح أبنائهم، فإنه السبب في وقوعي عندك وحصولي في تربيتك، ولو تركتهم لرباني أبواي. فكأن فرعون في الحقيقة امتن على موسى بتعبيد قومه وإخراجه من حجر أبويه. فقال له موسى عليه السلام: أَوَ تلك نعمةٌ تَمُنٌُّها عَلَيَّ؛ استعبادك لهم، ليس ذلك بنعمة، ولا لك فيها عليَّ منة، وتعبيده: تذليلهم واستخدامهم على الدوام.
ووحد الضمير في {تمنّها} و {وعبّدتَّ}، وجمعها في {منكم} و {خفتكم}؛ لأن الفرار والخوف كان منه ومن ملئه المؤتمرين به، وأما الامتنان فمنه وحده.
وحين انقطعت حجة فرعون وروغانه عن ذكر رب العالمين، أخذ يستفهم موسى عن الذي ذكر أنه رسول من عنده؛ مكابرة وتجاهلاً وتعامياً، طلباً للرئاسة، كما قال تعالى: {قال فرعونُ وما ربُّ العالمين}، أي: أيُّ شيء رب العالمين، الذي ادعيت أنك رسوله منكراً لأن يكون للعالمين رب غيره، حسبما يعْربُ عنه قوله: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعْلَى} [النازعات: 24]، وقوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي} [القصص: 38]. أو: فما صفته، أو حقيقته؟ {قال} موسى: هو {ربُّ السمواتِ والأرضِ وما بينهما} أي: ما بين الجنسين، {إن كنتم موقنين} أي: إن كنتم موقنين بالأشياء، محققين لها، علمتم ذلك، أو: إن كنتم موقنين شيئاً من الأشياء، فهذا أولى بالإيقان؛ لظهور دليله وإنارة برهانه.
{قال} فرعونُ، عند سماع جوابه عليه السلام، خوفاً من تأثيره في قلوبهم، {لِمن حولَه} من أشراف قومه، وكانوا خمسمائة مسورة بالأسورة: {أَلا تستمعون}، أنا أسأله عن الماهية، وهو يجيبني بالخاصية. ولما كانت ما هي الربوبية لا تُدرك ولا تنال حقيقتها، أجابه بما يمكن إدراكه من خواص الماهية.
ثم {قال} عليه السلام: {ربُّكم وربُّ آبائكم الأولين} أي: هو خالقكم وخالق آبائكم الأولين، أي: وفرعون من جملة المخلوقين فلا يصلح للربوبية، وإنما قال: {ورب آبائكم}؛ لأن فرعون كان يدعي الربوبية على أهل عصره دون من تقدمهم.
{قال} فرعونُ: {إنّ رَسُولَكُمْ الذي أُرْسِلَ إِليكُمْ لمجنون}؛ حيث يزعم أن في الوجود ألهاً غيري، أو: حيث لا يطابق جوابه سؤالي؛ لأني أسأله عن الحقيقة وهو يجيبني بالخاصية، {قال} موسى عليه السلام: {ربُّ المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون} فتستدلون بما أقول حتى تعرفوا ربكم. وهذا غاية الإرشاد، حيث عمم أولاً بخلق السموات والأرض وما بينهما، ثم خصص من العام أنفسهم وآباءهم؛ لأنّ أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه، ومن ولد منه، وما شاهد من أحواله، من وقت ميلاده إلى وفاته، ثم خصّص المشرق والمغرب؛ لأن طلوع الشمس من أحد الخافقين وغروبهما في الآخر، على تقدير مستقيم وحساب مستوٍ، من أقوى الدلائل على وحدانية الربوبية، ووجوب وجودها. أو: تقول: لما سأله عن ماهية الربوبية؛ جهلاً؛ فأجابه، بالخاصية، {قال ألا تستمعون}؟ فعاد موسى إلى مثل قوله، فجنّنه فرعون، زاعماً أنه حائد عن الجواب، فعاد ثالثاً مبيناً أن الواجب الوجود، الفردَ الصمد، لا يدرك بالكُنْهِ، إنما يعرف بالصفات، وما عرفه بالذات إلا خواص الخواص، فالسؤال عن الذات من أمثاله جهل وحمق. ولذلك قال: {إن كنتم تعقلون}، أي: إن كان لكم عقل علمتم أنه لا يمكن أن تعرفوه إلا بهذا الطريق.
قال ابن جزيّ: إن قيل: كيف قال أولاُ: {إن كنتم موقنين}، ثم قال آخراً: {إن كنتم تعقلون}؟ فالجواب: أنه لاَيَنَ أولاً؛ طمعاً في إيمانهم، فلما رأى منهم العناد والمغالطة وبخهم بقوله {إن كنتم تعقلون}، وجعل ذلك في مقابلة قول فرعون: {إن رسولكم الذي أُرسل إليكم لمجنون}. اهـ.
ولما تجبر فرعون وبهت {قال لَئِنِ اتَّخَذْتَ إلهاً غيري لأَجعلنَك من المسجونين}، أي: لأجعلنك واحداً ممن عرفت حالهم في سجوني، وكان من عادته أن يأخذ من يرى سجنه، فيطرحه في هوّة ذاهبة في الأرض، بعيدة العمق، فرداً، لا ينظر فيها ولا يسمع، وكان ذلك أشدّ من القتل. ولو قال: لأسجننك، لم يؤد هذا المعنى، وإن كان أخصر. قاله النسفي.
الإشارة: التربية لها حق يراعي ويجب شكرها، ولا فرق بين تربية البشرية والروحانية. قال القشيري: لم يجحد موسى حقَّ التربية والإحسانَ إليه في الظاهر، ولكن بَيَّنَ أنه إذا أمر الله بشيءٍ وَجَبَ اتباعُ أمره، وإذا كانت تربية المخلوقين تُوجب حقاً، فتربية الله أولى بأن يعَظِّمَ العبدُ قَدْرَها. اهـ. فكل من أحسن إلى بشريتك بشيء وجب عليه شكره؛ بالإحسان إليه، ولو بالدعاء، وكل من أحسن إلى روحانيتك بالعلم أو بالمعرفة، وجب عليك خدمته وتعظيمه، وإنكار ذلك بسبب المقت والطرد، والعياذ بالله.
وقول فرعون: {وما رب العالمين}: سؤال عن حقيقة الذات، ومعرفة الكنه متعذرة؛ إذ ليس كمثله شيء، وأقرب ما يجاب به قوله تعالى: {هُوَ الأول والآخر والظاهر والباطن} [الحديد: 3] فهذه الأسماء الأربعة أحاطت بالذات في الجملة، ولم تترك منها شيئاً، والإحاطة بالكنه متعذرة، ولو وقعت الإحاطة لم يبق للعارفين تَرَق، مع أن ترقيهم في كشوفات الذات لا ينقطع أبداً، في هذه الدار الفانية، وفي تلك الدار الباقية. وبالله التوفيق.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال