سورة النمل / الآية رقم 42 / تفسير تفسير ابن عجيبة / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهَُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِراًّ عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا العِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ

النملالنملالنملالنملالنملالنملالنملالنملالنملالنملالنملالنملالنملالنملالنمل




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


ولما أرادت بلقيس الخروج إلى سليمان، جعلت عرشها آخر سبعة أبيات، وغلّقت الأبواب، وجعلت عليه حُراساً يحفظونه، وبعثت إلى سليمان: إني قادمة إليك؛ لأنظر ما الذي تدعو إليه، وشَخَصَتْ إليه في اثني عشر ألف قَيْل، تحت كل قيل ألوفٌ، فلما بلغت على رأس فرسخ من سليمان، {قال يا أيها الملأُ أيُّكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين}، أراد أن يريها بذلك بعض ما خصه الله تعالى به، من إجراء العجائب على يده، مع إطلاعها على عظيم قدرة الله تعالى، وعلى ما يشهد لنبوة سليمان. أو: أراد أن يأخذه قبل أن تتحصن بالإسلام، فلا يحل له، والأول أليق بمنصب النبوة، أو: أراد أن يختبرها في عقلها، بتغييره، هل تعرفه أو تُنكره.
{فال عِفْريتٌ من الجن}، وهو المارد الخبيث، واسمه ذكوان، أو: صَخْر: {أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك} أي: من مجلسك إلى الحكومة، وكان يجلس إلى تُسع النهار، وقيل: إلى نصفه. {وإني عليه}؛ على حمله {لقويُّ أمين}، آتي به على ما هو عليه، لا أغير منه شيئاً ولا أُبدله، فقال سليمان عليه السلام، أريد أعجل من هذا، {قال الذي عنده علم من الكتاب}. قيل هو: آصف بن برخيا- وزير سليمان عليه السلام، كان عنده اسمُ الله الأعظم، الذي إذا سئل به أجاب. قيل هو: يا حيّ يا قيوم، أو: يا ذا الجلال والإكرام، أو: يا إلهنا وإله كل شيء، إلهاً واحداً، لا إله إلا أنت. وليس الشأن معرفة الاسم، إنما الشأن أن يكون عين الاسم، أي: عين مسمى الاسم، حتى يكون أمره بأمر الله. وقيل: هو الخضر، أو: جبريل، أو: ملك بيده كتاب المقادير، أرسل تعالى عند قول العفريت. والأول أشهر. قال: {أنا آتيك به قبل أن يرتذَّ إليك طَرْفُك} أي: ترسل طرفك إلى شيء، فقبل أن ترده تُبصر العرش بين يديك.
رُوي: أن آصف قال لسليمان: مُدّ عينيك حتى ينتهي طرفك، فمدّ عينيه، فنظر نحو اليمن، فدعا آصف، فغار العرش في مكانه، ثم نبع عند مجلس سليمان، بقدرة الله تعالى، قبل أن يرجع إليه طرفه. {فما رآه} أي: العرش {مستقراً عنده}؛ ثابتاً لديه غير مضطرب، {قال هذا} أي: حصول مرادي، وهو حضور العرش في مدة قليلة، {من فضل ربي} عليّ، وإحسانه إليّ، بلا استحقاق مني، بل هو فضل خالٍ من العوض، {ليبلُوني}: ليختبرني {أأشكرُ} نعمَه {أم أكفرُ ومن شكَر فإنما يشكر لنفسه}؛ لأنه يقيد به محصولها، ويستجلب به مفقودها، ويحط عن ذمته عناء الواجب، ويتخلص من وصمة الكفران. {ومن كَفَرَ فإِن ربي غنيٌّ كريم} أي: ومن كفر بترك الشكر، فإن ربي غني عن شكره، كريم بترك تعجيل العقوبة إليه.
وفي الخبر: «من شكر النعم فقد قيّدها بعقالها، ومن لم يشكر فقد تعرض لزوالها».
وقال الواسطي: ما كان مِنَّا من الشكر فهو لنا، وما كان منه من النعمة فهو إلينا، وله المنة والفضل علينا. اهـ.
{قال} سليمانُ عليه السلام لأصحابه: {نكِّروا لها عرشها} أي: غيّروا هيئته بوجه من الوجوه، {ننظر أتَهْتَدِي} لمعرفته، أو: للجواب الصواب إذا سُئلت عنه، {أم تكون من الذين لا يهتدون} إلى معرفة عرشها. أو إلى الجواب الصواب.
{فلما جاءتْ} بلقيسُ سليمانَ عليه السلام، وقد كان العرش بين يديه، {قيل} من جهة سليمان، أو بواسطة: {أهكذا عرشُكِ}؟ ولم يقل: أهذا عرشك؛ لئلا يكون تلقيناً، فيفوت ما هو المقصود من اختبار عقلها، وقد قيل لسليمان- لما أراد تزوجها-: إن في عقلها شيئاً، فاختبرها بذلك. {قالت}- لما رأته-: {كأنه هو} فأجابت أحسن جواب، فلم تقل: هو هو، ولا: ليس به، وذلك من رجاحة عقلها، حيث لم تقل: هو هو مع علمها بحقيقة الحال، ولِمَا شبّهوا عليها بقولهم: أهكذا عرشك شبهت عليهم بقولها: {كأنه هو} مع أنها علمت بعرشها حقيقة، تلويحاً بما اعتراه بالتنكير من نوع مغايرة في الصفات مع اتحاد الذات، ومراعاة لحسن الأدب في محاورته عليه السلام. ولو قالوا: أهذا عرشك؟ لقالت: هو.
ثم قالت: {وأُوتينا العلم} بقدرة الله تعالى، وبصحبة نبوتك {مِن قَبْلِها}؛ من قَبل هذا الأمر، أي: من قبل المعجزة التي شاهدنا الآن، من أمر الهدهد، وبما سمعناه من المنذر من الآيات الدالة على ذلك، {وكُنا مسلمين}؛ منقادين لك من ذلك الوقت، وكأنها ظنت أنه أراد عليه السلام اختبار عقلها، وإظهار المعجزة، لتؤمن به. فأظهرت أنها آمنت به قبل وصولها إليه. أو قال سليمان: {وأُوتينا العلم} بالله تعالى وبكمال قدرته من قبل هذه الآية، {وكنا مسلمين}؛ موحدين، أو: {وأُوتينا العلم} بإسلامها ومجيئها طائعةً {من قبل} مجيئها، {وكنا مسلمين} موحّدين.
{وصدّها ما كانت تعبدُ من دون الله}، هو من كلام سليمان، أي: وصدها عن العلم بما علمناه- أو: عن التقدم إلى الإسلام- عبادةُ الشمس وإقامتها بين ظهرانيِّ الكفرة، أو: من كلام تعالى، بياناً لما كان يمنعها من إظهار ما ادعته من الإسلام الآن، أي: صدَّها عن ذلك عبادتُها القديمة للشمس، {إنها كانت من قوم كافرين} أي: كانت من قوم راسخين في الكفر، ولذلك لم تكن قادرة على إظهار إسلامها، وهو بين ظهرانيهم، حتى دخلت تحت ملكة سليمان عليه السلام، أو: وصدها الله تعالى، أو: سليمان، عما كانت تعبد من دون الله، فحذف الجار وأوصل الفعل.
{قيل لها ادْخلي الصَّرْحَ} أي: القصر، أو: صحن الدار، {فما رأته حسِبَتْهُ لُجَّةً}: ماء عظيماً، {وكشفتْ عن ساقيها}.
رُوي أن سليمان عليه السلام أمر قبل قدومها، فبُني له على طريقها قصر من زجاج أبيض، وأجرى من تحته الماء، وألقى فيه السمك وغيره، ووضع سريره في صدره، فجلس عليه، وعكف عليه الطير والجن والإنس. وإنما فعل ليزيدها استعظاماً لأمره، وتحقيقاً لنبوته. وقيل: إن الجن كرهوا أن يتزوجها، فنفضي إليه بأسرارهم؛ لأنها كانت بنت جنّية. وقيل: خافوا أن يولد له منها ولد، فيجتمع له فطنة الجن والإنس، فيخرجون من مُلْكِ سليمان إلى مُلْكِ أشدّ منه، فقالوا له: إن في عقلها شيئاً، وهي شَعْراء الساقين، ورِجْلها كحافر الحمار، فاحتبر عقلها بتنكير العرش، واتخذ الصرح ليتعرف ساقيها ورِجلها فكشفت عنهما، فإذا هي أحسن الناس ساقاً وقدماً، إلا أنه شعراء وصرف يصره. ثم {قال} لها {إنه صرح مُمَرد}؛ مملس مستو. ومنه: الأمرد، للذي لا شعر في وجهه، {من قواريرَ}؛ من الزجاج، وأراد سليمان تزوجها، فكره شعرها، فعملت له الشياطين النورة، فنكحها سليمان، وأحبها، وأقرها على ملكها، وكان يزورُها في الشهر مرة، فيقيم عندها ثلاثة ايام وولدت له، وانقضى ملكها بانقضاء ملك سليمان عليه السلام، فسبحان من لا انقضاء لملكه.
رُوي أنه مُلِك وهو ابن ثلاث عشرة سنة، ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة. اهـ.
ثم ذكر إسلامها، فقال: {قالت ربي إني ظلمتُ نفسي} بعبادة الشمس، {وأسلمتُ مع سُليمانَ} تابعة له، مقتدية به، {لله ربِّ العالمين}. وفيه الالتفات إلى الاسم الجليل، ووصفه بربوبيته للعالمين؛ لإظهار معرفتها بألوهيته تعالى، وتفرده باستحاق العبادة، وربوبيته لجميع الموجودين، التي من جملتها: ما كانت تعبد قبل ذلك من الشمس. والله تعالى أعلم.
الإشارة: عرش النفس الذي تستقر عليه هو الدنيا، فمن أحب الدنيا وركن إلى أهلها، فقد أجلس نفسه على عرشها، وصيَّرها مالكه له، متصرفة فيه بما تُحب، ومن أبغض الدنيا وزهد في أهلها، فقد هدم لها عرشها، وصارت خادمة مملوكة له، يتصرف فيها كيف يشاء. فيقول الداعي إلى الله- وهو من أهَّله الله للتربية- للمريدين: أيكم يأتيني بعرشها، ويَخرج عنها لله في أول بدايته؟ فمنهم من يأتي بها بعد مدة، ومنهم من يأتي بها أسرع من طرفة، على قدر القوة والعزم والصدق في الطلب، ومن أتى بعرش نفسه، وخرج عنها لله، فهو الذي آتاه الله علماً من الكتاب، وعرف مدلوله ومقصوده، لكن من السياسة أن يتدرج المريدُ في تركها شيئاً فشيئاً، حتى يخرج عنها، أو يغيب عن شغلها بالكلية، وإن كانت بيده. فاما خرجوا عن عرش نفوسهم لله، وتوجهوا إليه، ورأى ذلك منهم، قال: هذا من فضل ربي، حيث وقعت الهداية على يدي، ليبلوني أشكر أم أكفر.. الآية. قال نكروا لها عرشها، أي: اعرضوا عليها الدنيا، وأرُوها عرشها التي كانت عليه، متغيراً عن حاله الأولى- لأنه كان معشوقاً لها، والآن صار ممقوتاً، لغناها بالله- ننظر أتهتدي إليه، وترجع إلى محبته، فيكون علامة على عدم وصولها، أم تكون من الذين لا يهتدون إليه أبداً، فتكون قد تمكنت من الأنس بالله، فلما جاءت وأظهر لها عرشها اختباراً، قيل: أهكذا عرشك؟ قالت: كأنه هو، وأوتينا العلم بالله من قبل هذه الساعة، وكنا منقادين لمراده، فلن نرجع إلى ما خرجنا عنه لله أبداً.
وصدّها عن الحضرة ما كانت تبعد من الهوى، من دون محبة الله، إنها كانت من قوم كافرين، منكرين للحضرة، غير عارفين بها. قيل لها حين رحلت عن عرشها: ادخلي دار الحضرة، فلما رأت بحر الوحدة يتموج بتيار الصفات دهشت وحسبته لُجةً يغرق صاحبه في بحر الزندقة، قال لها رئيس البحرية- وهو شيخ التربية: إنه بحر منزه متصل، لا أول له، ولا آخر له. ليس مثله شيء، ولا معه شيء، محيط بكل شيء، وماحٍ لكل شيء. ثم اعترفت أنها ظالمة لنفسها، مشغولة بهواها، قبل أن تعرف هواه، فلما عرفته غابت عن غيره، واستسلمت وانقادت له. والله تعالى أعلم.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال