سورة النمل / الآية رقم 61 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الغَابِرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاءَ مَطَرُ المُنذَرِينَ قُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ البَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ

النملالنملالنملالنملالنملالنملالنملالنملالنملالنملالنملالنملالنملالنملالنمل




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (64)}.
التفسير:
بعد هذا العرض الكاشف، الذي عرضت فيه السّورة مواقف المشركين والكافرين، من دعوة الحقّ التي يحملها إليهم رسل اللّه، ويقدّمون بين يديها الآيات المحسوسة التي تنطق بقدرة اللّه وعظمته، وتشهد لرسله بأنهم مؤيدون من عند اللّه، وأن ما على ألسنتهم هو من كلمات اللّه، وأن ما بأيديهم هو من آيات اللّه- مع هذا، فقد عميت من الضالين الأبصار، وزاغت القلوب، فكان العناد والتحدّى، ثم التطاول والتعدّى.. وكان ذلك هو الجواب المحمّل بألوان التكذيب، والتهديد، الذي تلقاه الرسل من أقوامهم، إلا قليلا ممن شرح اللّه صدره للإيمان منهم، فنجا بنفسه، وكان من المفلحين في الدنيا والآخرة جميعا.
بعد هذا العرض، جاءت آيات اللّه، لتعقب على هذه الأحداث، ولتلفت الأنظار إلى اللّه وعظمته، وإلى ماله في عباده من آيات.. ففى هذا التعقيب يرى المؤمنون والمشركون جميعا ما تحمل كلمات اللّه، من بيان، تتجلّى فيه نعم اللّه عليهم، ويبين منها فضله الذي أفاضه على هذا الوجود!.
وقوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} هو خطاب خاص للنبى، ثم هو عام إلى كل مؤمن باللّه.. وفي هذا الخطاب دعوة إلى ذكر اللّه بالحمد على نعمه التي لا تحصى، والتي أجلّها وأعظمها، هو الإيمان الذي عمرت به قلوب المؤمنين.
وفي قوله تعالى: {وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى} ذكر يقترن مع ذكر اللّه، بالتسليم على عباد اللّه الذين اصطفاهم، واختصهم بالمزيد من فضله، وهم رسله الكرام، كما يقول سبحانه: {سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} [180- 182 الصافات] وفي اقتران ذكر اللّه بالحمد والثناء عليه، بذكر المرسلين، والدعاء بالسّلام عليهم- في هذا تكريم لرسل اللّه، واعتراف بفضلهم على الناس، إذ كانوا مصابيح هدى، ودعاة أمن وسلام للعباد.. وهذا من شأنه أن يجعلهم موضع إعزاز، وحبّ، وإكرام، من أقوامهم خاصة، ومن الإنسانية كلها عامة، لا أن ترجمهم الأيدى الأئمة، وتسلقهم الألسنة الفاجرة، وتزدريهم العيون البلهاء، كما يفعل السفهاء، والحمقى، من أهل الشرك والضلال..!
وقوله تعالى: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} هو استفهام تقريرى، يراد به أخذ الجواب من كل لسان، على هذا السؤال.
وأصل الاستفهام {أاللّه} قلبت همزة الوصل في لفظ الجلالة ألفا، للتسهيل، فصارت مع همزة الاستفهام مدّة.
و{أمّا} أصلها {أم} حرف العطف الذي يقع بعد همزة التسوية، {ما} الموصولة.. فأدغمت الميم في الميم.. وجىء باسم الموصول {ما} بدل {من} للإشارة إلى ما يعبد المشركون من معبودات، لا تعقل، من الحيوان، والجماد، وغيرها، وذلك أكثر ما يشرك به المشركون.
قوله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}.
فى الجواب على الآية السابقة جوابان:
جواب لأهل البصائر وأصحاب العقول.. وهو أن اللّه هو وحده المستحقّ للعبادة.
وجواب لأهل الشرك، الذين ران الضلال على قلوبهم.. وهو أنهم يؤثرون آلهتهم التي يعبدونها، ولا يلتفتون إلى غيرها.
وقد جاءت هذه الآية: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ...} والآيات التي بعدها، لتلقى هؤلاء المشركين مع آلهتهم، ولتضع أمام أعينهم موازنة بينهم، وبين اللّه سبحانه وتعالى، لينظروا فيروا إن كان هناك من آلهتهم من يشارك اللّه في هذه الصفات التي للّه سبحانه وتعالى.. فإن كان يقع لأيديهم أو لأبصاهم، أو لعقولهم شيء من هذا، فليمسكوا بآلهتهم، وإلّا فليروا رأيهم فيها، إن كان لهم- مع أهوائهم المتسلطة عليهم- رأى.
فقوله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً..} هو معادل لمستفهم عنه محذوف، وهو الآلهة التي يمسك بها هؤلاء المشركون، والتقدير: أآلهتهم هذه، أم من خلق السموات والأرض وأنزل لهم من السماء ماء...؟.
وفي قوله تعالى: {فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ} هو إلفات إلى ما أودع اللّه سبحانه وتعالى من أسرار في هذا الماء، الذي ينزله من السماء، فيحيى به الأرض بعد موتها، ويكسو عريها حللا زاهية رائعة، ذات ألوان وأصباغ، تبهج النفس، وتشرح الصّدر.
وفي العدول عن ضمير الغائب المفرد في {أنزل} إلى ضمير المتكلم المعظم ذاته في {فأنبتنا} إشارة إلى أمرين:
أولهما: أن إنزال المطر عملية، قد لا يشهدها كثير من الناس، وإذا شهدوها فإن كثيرا منهم قد لا يلتفتون إليها.. أما هذه الزروع، وتلك الجنات التي تزين وجه الأرض، فإنه قل في الناس من لا يشهد هذه الظاهرة، ويملأ عينيه، ومشاعره منها، ومما فيها من حسن وروعة.. فكان من المناسب هنا أن يرى الناس يد القدرة القادرة، وهي تنسج هذه الحلل الجميلة الرائعة التي تنكسو الأرض، وتجلوها كما تجلى العروس في ليل زفافها.. ففى قوله تعالى:
{أنبتنا} حضور للّه سبحانه، في هذه الزروع والجنات التي تزين وجه الأرض، وتقع لعينى كل إنسان.
وثانيهما: أن هذه الزروع وتلك الجنات.. ليست على صورة واحدة، فهى مختلفة الألوان والأشكال، متعددة الأنواع والأجناس،. كما يقول اللّه سبحانه {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا وَحَدائِقَ غُلْباً وَفاكِهَةً وَأَبًّا} [24- 31 عبس] فهذه الصور التي لا تكاد تحصى من الزروع والأشجار، في مسرح العين، تبدو وكأن آلافا من الأيدى، عملت على إخراجها من الأرض، واستيلادها من بطنها، وصبغها بهذه الأصباغ.. وإن الأمر لعلى خلاف هذا الظاهر، فهى يد واحدة قادرة، هى يد الحكيم العليم، التي تفردت بكل هذا.. ومن هنا حسن أن يذكر اللّه سبحانه وتعالى بضمير الحضور، وبصيغة الجمع، حيث ترى قدرة اللّه قائمة على كل نبتة، وكل شجرة.. وليس كذلك الشأن في المطر، ونزوله.. إنه صورة واحدة في كل أحواله..!
وقوله تعالى: {ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها} الضمير {فى شجرها} يعود إلى الحدائق.
والمعنى، أن هذه الحدائق ذات الروعة والبهجة، ليس في مقدور الناس جميعا أن ينبتوا شجرها، وأن يخرجوه من الأرض، فضلا عن أن يمسكوا عليه حياته، ويبلغوا به هذا المدى من النماء، والإزهار، والإثمار، وتنوع الألوان والأشكال.
وفي قوله تعالى: {أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟} سؤال تقريرى، يراد الجواب عليه، بعد النظر إلى هذه المعارض التي عرضتها الآية الكريمة لبعض قدرة اللّه، وآثار رحمته! وجواب أهل العناد والضلال، هو جواب كل معاند ضال.. وهو العمى عن الحق، والتشبث بالباطل.. ولهذا جاء قوله تعالى: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} مسجلا عليهم هذا الضلال، آخذا من أفواههم جوابهم على هذا السؤال.
وهو أنهم قوم يعدلون عن الحق إلى الباطل، ويولون وجوههم إلى معبوداتهم التي يعكفون عليها.
قوله تعالى: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً.. أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ!} وهذه معادلة أخرى، يوازن فيها المشركون بين اللّه، وبين آلهتهم.
أيّ أحق بالألوهة، وأولى بالعبادة؟. أآلهتكم تلك الخرساء الصماء، أم اللّه الذي جعل الأرض قرارا؟ أي موضعا صالحا لحياة الإنسان، واستقراره عليها، {وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً} أي وأجرى بين شعاب الأرض أنهارا، تخلل أجزاءها، بحيث يأخذ كل جزء منها حظه من هذه الأنهار {وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ} أي جبالا راسية، تمسك بها أن تميد أو تضطرب.. {وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً} أي فصل بين ماء البحار، وماء الأنهار، حيث يلتقيان، فلا يطغى أحدهما على الآخر.. بل يبقى ماء الأنهار عذبا سائغا، ويظل ماء البحار ملحا أجاجا.
هذا هو صنع اللّه، وتلك آيات قدرته، وسوابغ رحمته.. فأين ما للآلهة التي تعبدونها، أيها المشركون الضالون؟
{أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟}.
أجيبوا! وقد أجابوا جواب الأغبياء الجاهلين، الذين لا حظّ لهم من علم.. فهم والحيوان على سواء.. ولو أنهم كانوا على شيء من العلم، لأنار لهم علمهم الطريق إلى الحق، ولنطقوا بما ينبغى أن ينطق به أهل العلم، وهو أنه {لا إله إلا اللّه}.
ولكن أتى لهم هذا، وهم في هذا الجهل المظلم؟: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ}.
وفي الآية الكريمة إعجاز من إعجاز النظم القرآنى.. فقد تكررت كلمة {جعل} أربع مرات، تخللت عشر كلمات، دون أن يشعر أحد بهذا التكرار، أو يجد له أي أثر في النطق بهذه الكلمات، التي تناغم لحنها، وتوازن نظمها، فكانت لحنا علوى النغم، يأسر الآذان بوقعه، ويملك المشاعر، بسرّه وجهره..!
أقرأ الآية الكريمة ورتلها ترتيلا! {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً.. وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً.. وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ.. وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً؟ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ..}.
ثم ألا تسجد بعد هذا لهذا الإعجاز من كلام رب العالمين؟
قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ}.
ومعادلة ثالثة.. بين ما للّه، وبين ما يكون لهذه المعبودات من دون اللّه.
أفهذه الآلهة، التي لا تملك ضرّا ولا نفعا، أم الإله الواحد، القادر، السميع، البصير، الذي تفزعون إليه- أيها الضالون المكذبون- عند كل كرب، وتدعونه عند كل شدّة، فيستجيب لكم، ويكشف الضرّ عنكم.؟
كما يقول سبحانه: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.. تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} [63- 64: الأنعام] أآلهتكم هذه؟ أم اللّه ربّ العالمين، الذي أعطاكم هذه الصورة البشرية السويّة، ومنحكم العقل، والمنطق، وأقامكم على هذه الأرض خلفاء للّه فيها؟
ألا تذكرون فضل اللّه عليكم، ولا تنظرون إلى نعمه إليكم؟ ألا تشكرون له أن أخرجكم من العدم إلى الوجود، ثم أعطاكم من الوجود الأرضى أحسن وأكرم ما خلق فيه؟
أجيبوا.. أيها الضالون المكذّبون، الجاحدون؟
وقد أجابوا بما يجيب به كل جاحد لنعمة اللّه.. لا يذكر اللّه إلا عند الشدّة، فإذا انجلى الكرب، وذهبت الشدّة {نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} [8: الزمر].
ولهذا جاءت فاصلة الآية: {قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ} لتسجل عليهم هذا التنكر لنعمة اللّه عليهم، وإحسانه إليهم.. فهم لا يذكرون للّه هذه النعمة، ولا يتذكرون هذا الإحسان.
قوله تعالى: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ؟ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
ومعادلة أو موازنة رابعة.
أآلهتكم هذه الجاثمة الجامدة، أم اللّه الذي يهديكم في ظلمات البر والبحر، بما أقام لكم من معالم في السماء والأرض، تتعرفون بها وجهتكم، في تنقلكم على ظهر الأرض أو البحر؟ أآلهتكم هذه المستخزية العاجزة.. أم الإله الذي يرسل الرياح فتثير السحاب، وتدفعه إلى حيث ينزل ماء من السماء، فيحيى الأرض ومن عليها؟
ماذا تقولون؟
أجيبوا.. أيها اللّاهون الغافلون! ويجيبون بهذا الصمت الغبي.. ويجيب الوجود كله من حولهم، بهذا الجواب، الناطق بوحدانية اللّه، المنزه للّه عن الشريك، والصاحبة والولد.
{تَعالَى اللَّه ُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
قوله تعالى: {أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ؟ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}؟
وهذه معادلة أو موازنة خامسة.
أآلهتكم هذه العجماء، الصماء.. أم اللّه الذي يبدأ الخلق، وينشئه ابتداء على غير مثال، ثم يعيده خلقا آخر كما بدأه، بعد أن يبلى، وتذهب معالمه؟
ماذا تقولون؟
أتقولون بعد هذا.. إن مع اللّه إلها، يصنع ما يصنع اللّه، ويتصرف معه في هذا الوجود، أو يشاطره بعضا منه؟
{قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ.. إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}.
فأين الحجة على ما بين أيديكم؟ وأين البرهان على ما تقولون من أن مع اللّه إلها أو آلهة أخرى؟ إن القول بلا حجة يستند إليها، وبلا دليل يقوم عليه- هو كلام، لا معقول له، ولا حياة فيه، ولا نفع لمن يتعلق به:
{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ.. إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ} [117: المؤمنون].
وفي هذا العرض الممتد، المختلف الصور والألوان، لآيات اللّه في الأرض وفي السماء، وفي البر والبحر، لا يجد المكابرون والمعاندون، سبيلا إلى الإفلات والهروب من الإقرار بوحدانية اللّه.. إذ كانوا كلما أخذوا وجها من وجوه الضلال، لقيهم معرض من معارض قدرة اللّه.. حتى إذا كان آخر المطاف كانت كل ظنونهم وأوهامهم في آلهتهم قد ضلت عنهم، وفرت من بين أيديهم، فوقفوا في حيرة، بين الاتجاه إلى اللّه الذي يحجبهم عنه كبرهم وعنادهم، وبين الجري وراء آلهتهم بعد أن انكشف لهم أمرها.. وهنا لا يطالبهم القرآن بأكثر من أن يستعملوا شيئا من العقل والمنطق، وأن يحترموا إنسانيتهم، فلا يؤمنوا إلا بما يقبله العقل، ويطمئن إليه القلب، وإلا بما يقوم للعقل منه برهان على أنه الحق! لقد أقامهم القرآن في هذا العرض مقام الشك، والشك: كما يقولون: أول مراتب اليقين،




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال