سورة العنكبوت / الآية رقم 26 / تفسير تفسير الشعراوي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ العَالَمِينَ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى القَوْمِ المُفْسِدِينَ

العنكبوتالعنكبوتالعنكبوتالعنكبوتالعنكبوتالعنكبوتالعنكبوتالعنكبوتالعنكبوتالعنكبوتالعنكبوتالعنكبوتالعنكبوتالعنكبوتالعنكبوت




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(26)}
أي: أن قوم إبراهيم- عليه السلام- ظلوا على كفرهم، والذي آمن به لوط- عليه السلام- وكان ابن أخيه، وكانوا في العراق، ثم سينتقلون بعد ذلك إلى الشام.
وكلمة {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ...} [العنكبوت: 26] حين نتتبع كلمة آمن في القرآن الكريم نجد أنها تدور حول الأمن والطمأنينة والراحة والهدوء، لكنها تختلف في المدلولات حسب اختلاف موقعها الإعرابي، فهنا {فَآمَنَ لَهُ...} [العنكبوت: 26] وهل يؤمن لوط لإبراهيم؟ والإيمان كما نقول يؤمن بالله فما دام السياق {فَآمَنَ لَهُ...} [العنكبوت: 26] فلابد أن المعنى مختلف، ولا يقصد هنا الإيمان بالله.
ومعنى(آمن) هنا كما في قوله تعالى عن قريش: {وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 4] فالفعل هنا مُتعدٍّ، فالذي آمن الله، آمن قريشاً من الخوف. وكذلك في قوله تعالى: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ...} [يوسف: 64] ومعنى {فَآمَنَ لَهُ...} [العنكبوت: 26] أي: صدقه.
ومنه قوله تعالى: {وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف: 17] أي: بمصدِّق، أما آمنت بالله: اعتقدت وجوده بصفات الكمال المطلق فيه سبحانه.
ولوط لا يصدق بإبراهيم، إلا إذا كان مؤمناً بإله أرسله، فكأنه آمن بالله ثم صدَّقه فيما جاء به وقصة لوط عليه السلام لها موضع آخر فُصِّلَت فيه، إنما جاء ذكره هنا؛ لأنه حصيلة الصفقة الجدلية والجهادية بين إبراهيم وقومه، فبعد أنْ دعاهم إلى الله ما آمن له إلا لوط ابن أخيه.
وأذكر أن الشيخ موسى- رحمه الله عليه- وكان يُدرس لنا التفسير، وجاءت قصة لوط عليه السلام فقلت له: لماذا ننسب رذيلة قوم لوط إليه فنقول: لوطي. وما جاء لوط إلا ليحارب هذه الرذيلة ويقضي عليها؟
فقال الشيخ: فماذا نقول عنها إذن؟ قلت: إن اللغة العربية واسعة الاشتقاق، فمثلاً عند النسب إلى عبد الأشهل قالوا: أشهلي، ولعبد العزيز قالوا: عبدزي، ولبختنصر قالوا: بختي، والآن نقول في النسب إلى دار العلوم دَرْعمي... إلخ فلماذا لا نتبع هذه الطريقة؟ فنأخذ القاف المفتوحة، والواو الساكنة من قوم، ونأخذ الطاء من لوط، ثم ياء النسب فنقول(قوْطي) ونُجنِّب نبي الله لوطاً عليه السلام أن ننسب إليه ما لا يليق أن يُنسب إليه.
وقد حضرت احتفالاً لتكريم طه حسين، فكان مما قلته في تكريمه:(لك في العلم مبدأ طَحَسْني)؛ لأنه كثيراً ما نجد بين العلماء اسم طه، واسم حسين.
إذن: فقوله تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ...} [العنكبوت: 26] جاءت جملة اعتراضية في قصة إبراهيم عليه السلام؛ لأنه المحصلة النهائية لدعوة إبراهيم في قومه؛ لذلك يعود السياق مرة أخرى إلى إبراهيم {وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى ربي...} [العنكبوت: 26] أي: منصرف عن هذا المكان؛ لأنه غير صالح لاستتباب الدعوة.
ومادة هجر وما يُشتق منها تدلُّ على ترْك شيء إلى شيء آخر، لكن هَجَرَ تعني أن سبب الهَجْر منك وبرغبتك، إنما هاجر فيها مفاعلة مثل شارك وقاتل، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يهجر مكة، إنما هاجر منها إلى المدينة.
وهذا يعني أنه لم يهاجر برغبته، إنما آذاه قومه واضطروه للخروج من بلده، إذن: فلهم دَخْل في الهجرة، وهم طرف ثَانٍ فيها.
لذلك يقول المتنبي:
إذَا ترحّلْتَ عَنْ قوْمٍ وقَدْ قَدَرُوا *** أَلاَّ تُفارِقَهُم فالرَّاحِلُونَ هُمُو
ومن دقة الأداء القرآني في هذه المسألة أنْ يسمي نقلة رسول الله من مكة إلى المدينة هجرة من الثلاثي، ولا يقول مهاجرة؛ لأنه ساعة يهاجر يكره المكان الذي تركه، لكن هنا قال في الفعل: هاجر. وفي الاسم قال: هجرة ولم يقل مهاجرة.
وسبق أنْ ذكرنا أن هجرة المؤمنين الأولى إلى الحبشة كانت هجرة لدار أمن فحسب، لا دار الإيمان، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما وجَّههم إلى الحبشة بالذات قال: (لأن فيها ملكاً لا يُظْلم عنده أحد).
وكأنه صلى الله عليه وسلم بُسِطت له خريطة الأرض كلها، فاختار منها هذه البقعة؛ لأنه قد تبيَّن له أنها دار أمن لمن آمن من صحابته، أمّا الهجرة إلى المدينة فكانت هجرة إلى دار إيمان، بدليل ما رأيناه من مواقف الأنصار مع المهاجرين.
وهنا يقول إبراهيم عليه السلام: {إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى ربي...} [العنكبوت: 26] فالمكان إذن غير مقصود له، إنما وجهة ربي هي المقصودة، وإلا فَلَك أن تقول: كيف تهاجر إلى ربك، وربك في كل مكان هنا وهناك؟
فالمعنى: مهاجر امتثالاً لأمر ربي ومتوجه وجهة هو آمر بها؛ لأنه من الممكن أن تنتقل من مكان إلى مكان بأمر رئيسك مثلاً، وقد كانت لك رغبة في الانتقال إلى هذا المكان فترحب بالموضوع؛ لأنه حقق رغبة في نفسك، فأنت- إذن- لا تذهب لأمر صدر لك، إنما لرغبة عندك.
لذلك جاء في الحديث: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومَنْ كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
فالمعنى {إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى ربي...} [العنكبوت: 26] يعني: ليس الانتقال على رغبتي وحَسْب هواي، إنما حسب الوجهة التي يُوجِّهني إليها ربي. وأذكر أنه كان لهذه المسألة واقع في تاريخنا، وكنا جماعة من سبعين رجلاً، وقد صدر منا أمر لا يناسب رئيسنا، فأصدر قراراً بنقلنا جميعاً وشتَّتنا من أماكننا، فذهبنا عند التنفيذ نستعطفه عَلَّه يرجع في قراره، لكنه صمم عليه، وقال: كيف أكون رئيساً ولا أستطيع إنفاذ أمري على المرؤوسين؟
فقال له أحدنا وكان جريئاً: سنذهب إلى حيث شئتَ، لكن اعلموا أنكم لن تذهبوا بنا إلى مكان ليس فيه الله.
وكانت هذه كلمة الحق التي هزَّتْ الرجل، وأعادت إليه صوابه، فالحق له صَوْلة، وفعلاً سارت الأمور كما نريد، وتنازل الرئيس عن قراره.
فمعنى: {مُهَاجِرٌ إلى ربي...} [العنكبوت: 26] أن ربي هو الذي يُوجِّهني، وهو سبحانه في كل مكان. يؤيد ذلك قوله سبحانه: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله..} [البقرة: 115] وكأن الحق سبحانه يقول لنا: اعلموا أنني ما وجَّهتكم في صلاتكم إلى الكعبة إلا لأؤكد هذا المعنى: لأنك تتجه إليها من أي مكان كنت، ومن أية جهة فحيثما توجهتَ فهي قبلتُك.
ثم يقول: {إِنَّهُ هُوَ العزيز الحكيم} [العنكبوت: 26] اختار الخليل إبراهيم- عليه السلام- من صفات ربه {العزيز} [العنكبوت: 26] أي: الذي لا يُغلب وهو يَغْلب. وهذه الصفة تناسب ما كان من محاولة إحراقه، وكأنه يقول للقوم: أنا ذاهب إلى حضن مَنْ لا يُغْلب.
و{الحكيم} [العنكبوت: 26] أي: في تصرفاته، فلابد أنه سبحانه سينقلني إلى مكان يناسب دعوتي، وأناس يستحقون هذه الدعوة بما لديهم من آذان صاغية للحق، وقلوب وأفئدة متشوقة إليه، وتنتظر كلمة الحق التي أعرضتم أنتم عنها.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ...}.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال