سورة آل عمران / الآية رقم 44 / تفسير في ظلال القرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِياًّ مِّنَ الصَّالِحِينَ قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ وَإِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ إِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ

آل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمران




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


تقول الروايات التي تصف المناظرة بين النبي صلى الله عليه وسلم ووفد نجران اليمن: إن هذا القصص الذي ورد في هذه السورة عن مولد عيسى عليه السلام، ومولد أمه مريم، ومولد يحيى، وبقية القصص جاء رداً على ما أراد الوفد إطلاقه من الشبهات؛ وهو يستند إلى ما جاء في القرآن عن عيسى عليه السلام بأنه كلمة الله إلى مريم وروح منه، وأنهم كذلك سألوا عن أمور لم ترد في سورة مريم وطلبوا الجواب عنها..
وقد يكون هذا صحيحاً.. ولكن ورود هذا القصص في هذه السورة على هذا النحو يمضي مع طريقة القرآن العامة في إيراد القصص لتقرير حقائق معينة يريد إيضاحها. وغالباً ما تكون هذه الحقائق هي موضوع السورة التي يرد فيها القصص؛ فيساق القصص بالقدر وبالأسلوب الذي يركز هذه الحقائق ويبرزها ويحييها.. فما من شك أن للقصص طريقته الخاصة في عرض الحقائق، وإدخالها إلى القلوب، في صورة حية، عميقة الإيقاع، بتمثيل هذه الحقائق في صورتها الواقعية وهي تجري في الحياة البشرية. وهذا أوقع في النفس من مجرد عرض الحقائق عرضاً تجريدياً.
وهنا نجد هذا القصص يتناول ذات الحقائق التي يركز عليها سياق السورة، وتظهر فيها ذات الخطوط العريضة فيها. ومن ثم يتجرد هذا القصص من الملابسة الواقعة المحدودة التي ورد فيها؛ ويبقى عنصراً أصيلاً مستقلاً؛ يتضمن الحقائق الأصيلة الباقية في التصور الاعتقادي الإسلامي.
إن القضية الأصيلة التي يركز عليها سياق السورة كما قدمنا هي: قضية التوحيد. توحيد الألوهية وتوحيد القوامة.. وقصة عيسى- وما جاء من القصص مكملاً لها في هذا الدرس- تؤكد هذه الحقيقة، وتنفي فكرة الولد والشريك، وتستبعدهما استبعاداً كاملاً؛ وتظهر زيف هذه الشبهة وسخف تصورها؛ وتبسط مولد مريم وتاريخها، ومولد عيسى وتاريخ بعثته وأحداثها، بطريقة لا تدع مجالاً لإثارة أية شبهة في بشريته الكاملة، وأنه واحد من سلالة الرسل، شأنه شأنهم، وطبيعته طبيعتهم، وتفسر الخوارق التي صاحبت مولده وسيرته تفسيراً لا تعقيد فيه ولا غموض، من شأنه أن يريح القلب والعقل، ويدع الأمر فيهما طبيعياً عادياً لا غرابة فيه.. حتى إذا عقب على القصة بقوله: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له: كن. فيكون}.. وجد القلب برد اليقين والراحة؛ وعجب كيف ثارت تلك الشبهات حول هذه الحقيقة البسيطة؟
والقضية الثانية التي تنشأ من القضية الأولى في سياق السورة كله هي قضية حقيقة الدين وأنه الإسلام. ومعنى الإسلام وأنه الاتباع والاستسلام.. وهذه ترد كذلك في ثنايا القصص واضحة.. ترد في قول عيسى عليه السلام لبني إسرائيل: {ومصدقاً لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم}.
وفي هذا القول تقرير لطبيعة الرسالة، وأنها تأتي لإقرار منهج، وتنفيذ نظام، وبيان الحلال والحرام، ليتبعه المؤمنون بهذه الرسالة ويسلموا به.. ثم يرد معنى الاستسلام والاتباع على لسان الحواريين: {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال: من أنصاري إلى الله؟ قال الحواريون: نحن أنصار الله، آمنا بالله، واشهد بأنا مسلمون. ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين}..
ومن الموضوعات التي يركز عليها سياق السورة تصوير حال المؤمنين مع ربهم.. وهذا القصص يعرض جملة صالحة من هذه الحال في سير هذه النخبة المختارة من البشر، التي اصطفاها وجعلها ذرية بعضها من بعض. وتتمثل هذه الصور الوضيئة في حديث امرأة عمران مع ربها ومناجاته في شأن وليدتها.. وفي حديث مريم مع زكريا. وفي دعاء زكريا ونجائه لربه. وفي رد الحواريين على نبيهم، ودعائهم لربهم.. وهكذا..
حتى إذا انتهى القصص جاء التعقيب متضمناً وملخصاً هذه الحقائق، معتمداً على وقائع القصص في تقرير الحقائق التي يقررها.. فيتناول حقيقة عيسى- عليه السلام- وطبيعة الخلق والإرادة الإلهية. والوحدانية الخالصة. ودعوة أهل الكتاب إليها. ودعوتهم إلى المباهلة عليها.. وينتهي الدرس ببيان جامع شامل لأصل هذه الحقيقة ليتوجه به النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل الكتاب عامة.. من حضر منهم المناظرة ومن لم يحضر ومن كان من ذلك الجيل ومن يجيء بعده إلى آخر الزمان قل: {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم: ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله. فإن تولوا فقولوا: اشهدوا بأنا مسلمون}..
بهذا ينتهي الجدل؛ ويتبين ماذا يريد الإسلام من الناس، وماذا يضع لحياتهم من أساس. ويحدد معنى الدين ومعنى الإسلام؛ وتنتفي كل صورة مشوهة أو مدخولة يدعي لها أصحابها أنها دين. أو أنها إسلام.. وهذا هو الهدف النهائي للدرس الماضي، وللسورة كلها كذلك، تولاها القصص بالبيان والإيضاح في الصورة القصصية الجميلة الجذابة العميقة الإيحاء.. وهذه وظيفة القصص القرآني وطبيعته التي تحكم أسلوبه وطريقة عرضه في شتى السور على نهج خاص.
وقد عرضت قصة عيسى في سورة مريم، وعرضت هنا. وبمراجعة النصوص هنا وهناك تبدو زيادة بعض الحلقات هنا، مع اختصار في بعض الحلقات.. فقد كان هناك تفصيل مطول في سورة مريم لحلقة مولد عيسى. ولم تكن هناك حلقة مولد مريم. وهنا تفصيل في رسالة عيسى والحواريين واختصار في قصة مولده كما أن التعقيب هنا أطول لأنه جاء بصدد مناظرات حول قضية أشمل، وهي قضية التوحيد والدين والوحي والرسالة، مما لم يكن موجوداً في سورة مريم.. مما يكشف عن طبيعة الأسلوب القرآني في عرض القصص، مساوقاً لجو السورة التي يعرض فيها، ولمناسبته فيها والأن نأخذ في استعراض النصوص تفصيلاً.
يبدأ هذا القصص ببيان من اصطفاهم الله من عباده واختارهم لحمل الرسالة الواحدة بالدين الواحد منذ بدء الخليقة، ليكونوا طلائع الموكب الإيماني في شتى مراحله المتصلة على مدار الأجيال والقرون. فيقرر أنهم ذرية بعضها من بعض. وليس من الضروري أن تكون ذرية النسب- وإن كان نسب الجميع يلتقي في آدم ونوح- فهي أولاً رابطة الاصطفاء والاختيار الإلهي؛ ونسب هذه العقيدة الموصول في ذلك الموكب الإيماني الكريم:
{إن الله اصطفى آدم ونوحاً، وآل إبراهيم وآل عمران، على العالمين. ذرية بعضها من بعض، والله سميع عليم}..
ولقد ذكر السياق آدم ونوحا فردين؛ وذكر آل إبراهيم وآل عمران أسرتين. إشارة إلى أن آدم بشخصه ونوحاً بشخصه هما اللذان وقع عليهما الاصطفاء. فأما إبراهيم وعمران فقد كان الاصطفاء لهما ولذريتهما كذلك- على القاعدة التي تقررت في سورة البقرة عن آل إبراهيم: قاعدة أن وراثة النبوة والبركة في بيته ليست وراثة الدم، إنما هي وراثة العقيدة: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال: إني جاعلك للناس إماماً. قال: ومن ذريتي؟ قال: لا ينال عهدي الظالمين} وبعض الروايات تذكر أن عمران من آل إبراهيم. فذكر آل عمران إذن تخصيص لهذا الفرع لمناسبة خاصة، هي عرض قصة مريم وقصة عيسى عليه السلام.. كذلك نلاحظ أن السياق لم يذكر من آل إبراهيم لا موسى ولا يعقوب (وهو إسرائيل) كما ذكر آل عمران.. ذلك أن السياق هنا يستطرد إلى الجدل حول عيسى بن مريم وحول إبراهيم- كما سيأتي في الدرس التالي- فلم تكن هناك مناسبة لذكر موسى في هذا المقام أو ذكر يعقوب..
ومن هذا الإعلان التمهيدي ينتقل السياق مباشرة إلى آل عمران ومولد مريم:
{إذ قالت امرأة عمران: رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم. فلما وضعتها قالت: رب: إني وضعتها أنثى- والله أعلم بما وضعت- وليس الذكر كالأنثى، وإني سميتها مريم؛ وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم. فتقبلها ربها بقبول حسن، وأنبتها نباتاً حسناً، وكفلها زكريا. كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً. قال: يا مريم أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب}..
وقصة النذر تكشف لنا عن قلب امرأة عمران- أم مريم- وما يعمره من إيمان، ومن توجه إلى ربها بأعز ما تملك. وهو الجنين الذي تحمله في بطنها. خالصاً لربها، محرراً من كل قيد ومن كل شرك ومن كل حق لأحد غير الله سبحانه. والتعبير عن الخلوص المطلق بأنه تحرر تعبير موح. فما يتحرر حقاً إلا من يخلص لله كله، ويفر إلى الله بجملته وينجو من العبودية لكل أحد ولكل شيء ولكل قيمة، فلا تكون عبوديته إلا لله وحده.
فهذا هو التحرر إذن.. وما عداه عبودية وإن تراءت في صورة الحرية!
ومن هنا يبدو التوحيد هو الصورة المثلى للتحرر. فما يتحرر إنسان وهو يدين لأحد غير الله بشيء ما في ذات نفسه، أو في مجريات حياته، أو في الأوضاع والقيم والقوانين والشرائع التي تصرف هذه الحياة.. لا تحرر وفي قلب الإنسان تعلق أو تطلع أو عبودية لغير الله. وفي حياته شريعة أو قيم أو موازين مستمدة من غير الله. وحين جاء الإسلام بالتوحيد جاء بالصورة الوحيدة للتحرر في عالم الإنسان..
وهذا الدعاء الخاش




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال