سورة الروم / الآية رقم 38 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فَآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُريدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُضْعِفُونَ اللًّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشرِكُونَ ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

الرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالروم




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)}.
التفسير:
قوله تعالى: {وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ}.
تشير الآية الكريمة إلى فطرة اللّه التي فطر الناس عليها، والتي هى حظ مقسوم في الناس جميعا، يولدون بها كما يولدون على هذه الصورة الإنسانية، وما فيها من جوارح، وما في كيانها من قوى عقلية، ونفسية، وروحية، ثم تمضى بهم الحياة، فيختلفون أشكالا، ويتعددون صورا وأنماطا، في ألسنتهم، ومدركاتهم، ومشاعرهم.
وهناك حال واحدة، تأخذ فيها الفطرة مكانها في الناس جميعا، حتى أولئك الذين أفسدوا فطرتهم بكفرهم وضلالهم- تلك الحال هى ما يلبس الناس من ضر، وما ينزل بهم من بلاء وكرب.. ففى تلك الحال، يعود الإنسان إلى فطرته، أو تعود إليه فطرته، وإذا هو- من غير حساب أو تقدير، وعلى غير وعى أو إدراك- قد فزع إلى اللّه، ولاذبه من وجه هذا البلاء المطل عليه.
وفي هذه التجربة التي يمر بها كل إنسان مرات كثيرة في حياته، شاهد يقوم في كيان الإنسان، يشهد بأن اللّه في ضمير كل إنسان، وفي وجدان كل كافر، ومشرك، وإن كان هو ينكر ذلك، ولا يعترف به.. ولكن إذا مسه الضر، وكربه الكرب، أخذته صحوة كصحوة الموت، وإذا نفسه قد أشرقت بنور الحق، فعرف اللّه ومد يده إليه.. ولكن سرعان ما يخبو هذا النور، ويطغى عليه ظلام كثيف، حين تزال عنه هذه الغاشية، وتزايله تلك الصحوة، وإذا هو على ما عهد عليه نفسه من كفر وضلال.
وقوله تعالى: {وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} تقرير لهذه الحقيقة التي أشرنا إليها، وأن الناس جميعا، مؤمنهم وكافرهم على سواء في اللّجأ إلى اللّه، والضراعة إليه، حين ينزل بهم الضر، ويحتويهم البلاء.. ثم تختلف بهم الحال بعد هذا، كما كانت حالهم مختلفة من قبل.. فالمؤمنون على اتصال باللّه في السراء والضراء، وعلى إيمان به وولاء له، في اليسر والعسر.
أما غير المؤمنين فإنهم لا يعرفون اللّه، ولا يؤمنون به، إلا حين تضطرب بهم سفينة الحياة، ويغشاهم الموج من كل مكان.
هنالك يدعون اللّه مخلصين له الدين، كما دعا فرعون ربه، وآمن به حين أدركه الغرق!.
وقوله تعالى: {ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ}.
تصوير لحال هؤلاء الكافرين باللّه، حين يرفع عنهم البلاء، وتتداركهم رحمة اللّه.. إنهم لا يكادون يخرجون من يد الهلاك، حتى ينسوا ربهم الذي دعوه من قبل، وكأنهم لم يكن بينهم وبينه شى ء! وفي العطف بثم بين الفزع إلى اللّه، وبين الغوث، واستجابة الدعاء، إشارة إلى أنه ليس في كل غوث يغاث المستغيثون.. فذلك مرهون بتقدير اللّه وحكمته، وفيما قضى به في عباده.
ثم إن الاستجابة، إذا وقعت لا تقع على حسب تقدير الإنسان لحدود زمانها، ولا للصورة التي تقع عليه.. فذلك أيضا، مرهون بتقدير اللّه، وعلمه، وحكمته.. وهذا مما يبتلى به العباد.. فالمؤمنون يدعون اللّه تضرعا وخفية، ولا ييأسون من روح اللّه ورحمته أبدا.. حتى أنه إذا لم يستجب لهم، ووقع ما يكرهون، أصبح هذا المكروه عندهم محبوبا مستساغا، لأنه من عند اللّه، وبتقدير اللّه، وبإرادته فيهم.. أما الذين لا يؤمنون باللّه، فلا يزيدهم ذلك إلا كفرا باللّه، وبعدا عنه.
وفي قوله تعالى: {إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} {إذا} هنا فجائية، وهى ذات دلالتين:
أولاهما: مبادرة المشركين والضالين، وإسراعهم إلى ما كانوا عليه من شرك وضلال:
وثانيتهما: أن ذلك خروج على غير المنتظر، من قوم كانوا إلى لحظات قليلة يتجهون إلى اللّه، ثم إذا هم يحولون وجوههم عنه، لا لسبب، إلا ما ساق إليهم اللّه من خير، وما مسهم به من رحمة!! وهذا أمر يثير العجب، والدهش والاستغراب.. أفهكذا يقابل الإحسان، ويستقبل الفضل؟ ولكن متى كان للعمى أن يبصروا، وللصم أن يسمعوا؟
وفي قوله تعالى: {مِنْهُمْ} أي من الناس، والمراد بالفريق، المشركون الضالون.
وفي إضافة المشركين إلى {ربهم} إشارة إلى فداحة هذا الظلم، الذي ركبه هؤلاء المشركون، فجحدوا نعمة ربهم، الذي استجاب لهم، ودفع البلاء عنهم!.
قوله تعالى: {لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}.
اللام في {ليكفروا} هى لام التعليل، فشركهم باللّه، هو علّة لكفرهم بما آتاهم اللّه من نعم، فهم بهذا الشرك. ينكرون نعم اللّه عليهم، ولا يضيفونها إليه، بل يجعلونها لمعبوداتهم التي يعبدونها من دون اللّه.
وفي قوله تعالى: {فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} انتقال من الغيبة إلى الخطاب، حيث يواجه هؤلاء المشركون بهذا الوعيد من ربّهم.. فليتمتعوا بما هم فيه، وسوف يعلمون ما يجره عليهم كفرهم وشركهم من بلاء شديد، وعذاب أليم.
قوله تعالى: {أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ}.
السلطان: الحجة، البرهان.
وفي الآية إضراب عن خطابهم، وعن الحديث إليهم، وإبعادهم من مقام الحضور، بعد أن تلقوا هذا الوعيد الشديد.. ثم التفات إلى من هم أهل للخطاب من المؤمنين، ليحاكم هؤلاء المجرمون أمامهم.. إنهم أشركوا باللّه، فما الحجة التي بين أيديهم على هذا الشرك؟ أأنزل اللّه عليهم كتابا ينطق بهذا الضلال الذي هم فيه؟ أم قام فيهم رسول من عند اللّه يدعوهم إلى هذا الذي يدينون به؟ ما برهانهم على هذا؟ وما الحجة التي بين أيديهم والتي يعبدون هذه المعبودات عليها؟ إنهم مطالبون بأن يقيموا على هذه المعبودات حجة، من عقل، أو كتاب، أو رسول... وإلّا فهو الضلال المبين، والمصير المشئوم. {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ} [117 المؤمنون].
قوله تعالى: {وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ}.
الناس هنا، هم مطلق الناس.. فإن من شأن الإنسان من حيث هو إنسان، إذا أذاقه اللّه من رحمته، وأفاض عليه من نعمه.. فرح، ورضى.. وإن أصابه سوء تكرّه، وساء ظنّه، وطاف به طائف اليأس والقنوط! {إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ} [19- 23 المعارج] والناس في هذا درجات متفاوتة.. فالمؤمنون، على حال غير حال المشركين والكافرين.
ثم إن المؤمنين ليسوا على حال واحدة.. بل هم درجات.. والدرجة التي يتحقق بها إيمان المؤمن على صورة سويّة محمودة، هى ألا يستبدّ به الفرح إذا لبسته نعمة، وألا يدخل عليه اليأس والقنوط من رحمة اللّه إذا مسّه ضرّ، وأصابه سوء.. فهو على رجاء أبدا من رحمة اللّه، وإنه- وهو في البلاء- ليستسيغ طعمه، وينزله منزل الرضا والتسليم من نفسه.. مفوضا أمره إلى اللّه، راضيا بما قسم اللّه له.
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
الرؤية هنا بصرية، وعلمية معا.. أي أنها رؤية بالنظر في وجوه الحياة وفي أحوال الناس، ومن هذه الرؤية يجىء العلم الذي يرى منه المبصرون أن اللّه سبحانه لم يجعل الناس على سواء، فيما قدّر لهم من أرزاق في هذه الدنيا، كما يقول سبحانه: {نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا..} [32: الزخرف] فهذا العلم الذي يجىء به النظر في أحوال الناس، وفي اختلاف أرزاقهم- يدلّ على أن ذلك لم يكن إلا بإرادة عليا، وعن تقدير لمالك الملك، المتصرف في العباد.. فيبسط اللّه الرزق ويوسعه لبعض الناس، ويضيّقه ويقدره لآخرين، بحكمة وتقدير.. فالأرزاق بيد اللّه، يعطى منها ما يشاء لمن يشاء.. ذلك ما يعرفه المؤمنون باللّه، ويرضون بما قسم اللّه لهم، فلا يبطر المؤمن إذا أصابته نعمة، ولا ييأس، أو يحزن، إذا قدر اللّه عليه رزقه.. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
أما غير المؤمنين فإنهم لا يرون للّه في ذلك شيئا.. وإنما هى الدنيا، يقتتل فيها الناس، ويتخاطفون ما عليها، كما تتخاطف الذئاب فريسة وقعت لها.. فمن وقع ليده أو فمه ما يشبعه رضى واطمأن، ومن لم يقع ليده أو لفمه شىء، أغتمّ وحزن، ومات أسى وحسرة! وهذه الآية، هى أشبه بتعقيب على الآية التي قبلها، وهى قوله تعالى: {وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ}.
ذلك أنه لو نظر الإنسان إلى أحوال الدنيا وتقلبات الأيام، وتبدّل الأحوال بالناس، ثم كان له من هذا النظر عبرة وموعظة- لكان له من ذلك موقف رشيد حكيم مع ما يبتلى اللّه سبحانه، العباد، من نعم ونقم.
فإذا ساق اللّه تعالى إليه مزيدا من النعم والإحسان، لم يستبدّ به الفرح، ولم يأخذه الغرور، لأنه يعلم أن ذلك إنى تبديل، وتحويل، وزوال.. وأنه إذا مسه سوء، وأصابه ضرّ، لم يقتله الجزع، ولم يخنقه اليأس والقنوط، لأنه يعلم- بإيمانه باللّه- أن تلك الحال لن تدوم، وأن مع العسر يسرا، وأن بعد الضيق فرجا وسعة، كما يقول سبحانه {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} وكما يقول جل شأنه {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}.
قوله تعالى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وهذه الآية كذلك تعقيب على سابقتها، لأنه إذا علم الإنسان علما يقينيا، أن اللّه هو الذي بيده كلّ شىء، وأنه هو سبحانه الذي يجرى أرزاق العباد كما شاء وقدّر- إذا علم الإنسان هذا العلم، سخت نفسه بالعطاء والبذل، وسمحت يده بالإحسان ببعض ما آتاه اللّه، وخاصة ما كان متعلقا بذي القربى، واليتامى والمساكين.. فهؤلاء لهم حقوق في أموال ذوى المال، وقد أوجبها اللّه لهم، في تلك الأموال وجعل أداءها فرضا واجب الأداء، لا تبرأ الذمة إلا بأدائه.
وشتان بين إنسان يعلم أن هذا المال الذي في يده، ليس له فيه شىء، وأن سعيه وكدّه لم يحصّل له إلا ما قدّره اللّه، وبين من يرى أن هذا المال الذي جمعه هو ثمرة عمله وكدّه، حتى ولو كان وارثا له.. إنه ابن المورّث وكفى!.
فالأول لا يحرص كثيرا على هذا المال، ولا يضنّ به على الحقوق الواجبة للّه فيما أعطاه اللّه.. لأنه إنما يعطى مما أعطاه ربّه، ولا يرى هذا المال الذي في يده إلا وديعة للّه عنده، يأكل منه بالمعروف، ويؤدّى ما أمره به اللّه تعالى فيه.. إنه ينظر إلى هذا المال على ضوء ما يشير إليه قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [7: الحديد] فهو خليفة للّه ووكيل عنه، في هذا المال الذي أعطاه اللّه، وليس للخليفة أن يخرج عن أمر من استخلفه، وما كان للوكيل أن يذهب مذهبا غير الذي رسمه له موكّله.
وأما الثاني، الذي يرى أن المال الذي معه، هو من جمعه، وكده، فإنه يتصرف في هذا المال تصرف المستبدّ بما يملك ملكا خالصا، لا يرى لأحد شيئا معه.. كذلك فعل قارون، وكان جوابه على من دعاه أن يبتغى بما آتاه اللّه الدار الآخرة، أن قال: {إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي!} [78: القصص] وقوله تعالى: {ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} الإشارة هنا إلى البذل والإنفاق، على ذوى القربى والمساكين وابن السبيل.. أي هذا الإنفاق في هذا الوجه، هو خير مدخر، للذين يريدون بما أنفقوا وجه اللّه، ويبتغون مرضاته، بامتثال أمره، وهؤلاء هم المؤمنون باللّه.. أما غير المؤمنين، فإنهم إذا أنفقوا في هذا الوجه، فلا ينالون بما أنفقوا خيرا، لأنهم لم ينفقوا ما أنفقوا وهم ناظرون إلى اللّه، مؤمنون به، ممتثلون أمره، وإنما أنفقوا ما أنفقوا إرضاء لنزعات نفوسهم، ووساوس خواطرهم.
وقوله تعالى: {وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الإشارة للمنفقين المؤمنين، الذين يريدون بما أنفقوا وجه اللّه، فهؤلاء يتقبل اللّه سبحانه وتعالى منهم ما أنفقوا، ويضاعف لهم الجزاء الطيب عليه.. كما يقول سبحانه: {إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [27: المائدة] وكما يقول جل شأنه: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ} [26: يونس] وكما يقول سبحانه: {وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ} [37: سبأ].
قوله تعالى: {وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}.
الربا: هو الزيادة والنماء.. يقال ربا الشيء يربو، أي نما وزاد، ومنه الربوة، وهى ما ارتفع على ما حوله من الأرض.
والربا، في لسان الشريعة الإسلامية، هو القرض في مقابل عوض.
وقوله تعالى: {وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ} معطوف على قوله تعالى: {ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فهو في تقدير، ما أنفقتم من خير، وما آتيتم من مال لذوى القربى واليتامى والمساكين تريدون به وجه اللّه، فهو خير عند اللّه، تجزون به خيرا وتلقون فوزا وفلاحا.. وما آتيتم من مال تريدون به أن يربو ويزداد في أموال الناس، فلا يقبله اللّه، ولا يزكيه.. وقد سمى هذا المال المعطى، ربا، لأنه أعطى وهو منظور إليه على أنه يربو ويزيد، ثم يعود إلى صاحبه أضعافا مضاعفة.
وفي قوله تعالى: {لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ} إشارة إلى أن ربا هذا المال، إنما يربو ويزداد بما يأكل من أموال الناس.. لأنه إنما يربو ويزداد من أموال من أخذوه، ويرعى في أموالهم، ويلتهمها التهاما.. فهو آفة تدخل على الذين يأخذونه، فيغتالها، ويعيث فسادا فيها، ويرعى كل صالحه منها.
وهذا يعنى أن الذين يقترضون بالربا إنما يجنون على أنفسهم، بهذا الوباء الذي يدخلونه عليهم، ويخلطونه بأموالهم.
وقوله تعالى: {وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}.
أي أن ما يعطى من مال قرضا حسنا، بلا مقابل وعوض، هو عمل من أعمال البر، يتقبله اللّه ويضاعفه للمقرضين، فيبارك عليهم هذا المال، في الدنيا، ويجزيهم الجزاء الحسن عليه في الآخرة.. هذا إذا كان مرادا به وجه اللّه، ومعطى من يد مؤمنة باللّه، تريد بهذا القرض، تفريج كرب المكروبين، وسدّ حاجة المحتاجين.. أما إذا كان القرض لغير هذا الوجه، فلا مكان له في الصالحات من الأعمال عند اللّه.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال