سورة الروم / الآية رقم 51 / تفسير في ظلال القرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَّظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ المَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَمَا أَنْتَ بِهَادِ العُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ العَلِيمُ القَدِيرُ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ المُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ البَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ البَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا القُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ

الرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالروم




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


يمضي هذا الشوط من السورة في مجالها الأصيل. المجال الكوني العام الذي ترتبط به أقدار الناس وأقدار الأحداث؛ والذي تتناسق فيه سنن الكون وسنن الدين القيم بلا تعارض ولا اصطدام.
وفي هذا الشوط يرسم صورة لتقلب الأهواء البشرية أمام ثبات السنن؛ ووهن عقائد الشرك أمام قوة الدين القيم. ويصور نفوس البشر في السراء والضراء وعند قبض الرزق وبسطه، وهي تضطرب في تقديراتها وتصوراتها ما لم تستند إلى ميزان الله الذي لا يضطرب أبداً، وما لم ترجع إلى قدر الله الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. وبمناسبة الرزق يوجههم إلى الطريقة التي تنمي المال وتزكيه. الطريقة المتفقة مع النهج القيم والطريق الواصل. ويردهم بهذا إلى معرفة الخالق الرازق الذي يميت ويحيي. أما الشركاء الذين يتخذونهم من دون الله فماذا يفعلون؟ وينبههم إلى الفساد الذي تنشئه عقيدة الشرك في كل مكان. كما يوجه الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين إلى الاستقامة على منهجهم القيم. قبل أن يأتي اليوم الذي لا عمل فيه ولا كسب، ولكن حساب وجزاء عما كانوا يعملون. وفي معرض الحديث عن رزق الله يوجه قلوبهم إلى أنماط من هذا الرزق. منها ما يتعلق بحياتهم المادية كالماء النازل من السماء الذي يحيي الأرض بعد موتها. وتجري الفلك فيه بأمره. ومنها تلك الآيات البينات التي تنزل على الرسول لإحياء موات القلوب والنفوس، ولكنهم لا يهتدون ولا يسمعون. ويطوف بهم في جولة مع أطوار نشأتهم وحياتهم حتى ينتهوا إلى خالقهم، فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون.. ويختم هذا الشوط بتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم وتوجيهه إلى الصبر حتى يتحقق وعد الله الحق اليقين.
{وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه، ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون، ليكفروا بما آتيناهم، فتمتعوا فسوف تعلمون. أم أنزلنا عليهم سلطاناً فهو يتكلم بما كانوا به يشركون؟ وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها، وإن تصيبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون. أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر؟ إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون}...
إنها صورة للنفس البشرية التي لا تستمد من قيمة ثابتة، ولا تسير على نهج واضح. صورة لها وهي تتأرجح بين الانفعالات الطارئة، والتصورات العارضة، والاندفاعات مع الأحداث والتيارات. فعند مس الضر يذكر الناس ربهم، ويلجأون إلى القوة التي لا عاصم إلا إياها، ولا نجاة إلا بالإنابة إليها. حتى إذا انكشفت الغمة، وانفرجت الشدة، وأذاقهم الله رحمة منه: {إذا فريق منهم بربهم يشركون}.. وهو الفريق الذي لا يستند إلى عقيدة صحيحة تهديه إلى نهج مستقيم.
ذلك أن الرخاء يرفع عنهم الاضطرار الذي ألجأهم إلى الله؛ وينسيهم الشدة التي ردتهم إليه. فيقودهم هذا إلى الكفر بما آتاهم الله من الهدى وما آتاهم من الرحمة، بدلاً من الشكر والاستقامة على الإنابة.
وهنا يعاجل هذا الفريق بالتهديد في أشخاص المشركين الذين كانوا يواجهون الرسالة المحمدية، فيوجه إليهم الخطاب، ويحدد أنهم من هذا الفريق الذي يعنيه:
{فتمتعوا فسوف تعلمون}..
وهو تهديد ملفوف، هائل مخيف. وإن الإنسان ليخاف من تهديد حاكم أو رئيس فكيف وهذا التهديد من فاطر هذا الكون الهائل، الذي أنشأه كله بقولة: كن! {فتمتعوا فسوف تعلمون}!
وبعد هذه المعاجلة بالتهديد الرعيب يعود فيسأل في استنكار عن سندهم في هذا الشرك الذي يجازون به نعمة الله ورحمته؛ وهذا الكفر الذي ينتهون إليه:
{أم أنزلنا عليهم سلطاناً فهو يتكلم بما كانوا به يشركون؟}..
فإنه لا ينبغي لبشر أن يتلقى شيئاً في أمر عقيدته إلا من الله. فهل أنزلنا عليهم حجة ذات قوة وسلطان تشهد بهذا الشرك الذي يتخذونه؟ وهو سؤال استنكاري تهكمي، يكشف عن تهافت عقيدة الشرك، التي لا تستند إلى حجة ولا تقوم على دليل. ثم هو سؤال تقريري من جانب آخر، يقرر أنه لا عقيدة إلا ما يتنزل من عند الله. وما يأتي بسلطان من عنده. وإلا فهو واهن ضعيف.
ثم يعرض صفحة أخرى من صفحات النفس البشرية في الفرح بالرحمة فرح الخفة والاغترار؛ والقنوط من الشدة واليأس من رحمة الله:
{وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها، وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون}..
وهي كذلك صورة للنفس التي لا ترتبط بخط ثابت تقيس إليه أمرها في جميع الأحوال؛ وميزان دقيق لا يضطرب مع التقلبات. والناس هنا مقصود بهم أولئك الذين لا يرتبطون بذلك الخط ولا يزنون بهذا الميزان. فهم يفرحون بالرحمة فرح البطر الذي ينسيهم مصدرها وحكمتها، فيطيرون بها، ويستغرقون فيها، ولا يشكرون المنعم، ولا يستيقظون إلى ما في النعمة من امتحان وابتلاء. حتى إذا شاءت إرادة الله أن تأخذهم بعملهم فتذيقهم حالة {سيئة} عموا كذلك عن حكمة الله في الابتلاء بالشدة، وفقدوا كل رجاء في أن يكشف الله عنهم الغمة؛ وقنطوا من رحمته ويئسوا من فرجه.. وذلك شأن القلوب المنقطعة عن الله، التي لا تدرك سننه ولا تعرف حكمته. أولئك الذين لا يعلمون. يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا!
ويعقب على هذه الصورة بسؤال استنكاري يعجب فيه من أمرهم، وقصر نظرهم وعمى بصيرتهم. فالأمر في السراء والضراء يتبع قانوناً ثابتاً، ويرجع إلى مشيئة الله سبحانه، فهو الذي ينعم بالرحمة، ويبتلي بالشدة؛ ويبسط الرزق ويضيقه وفق سنته، وبمقتضى حكمته. وهذا ما يقع كل آن، ولكنهم هم لا يبصرون:
{أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر؟}.
فلا داعي للفرح والبطر عند البسط، ولا لليأس والقنوط عند القبض؛ فإنما هي أحوال تتعاور الناس وفق حكمة الله، وفيها للقلب المؤمن دلالة على أن مرد الأمر كله لله، ودلالة على اطراد السنة، وثبات النظام، رغم تقلب الأحوال:
{إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون}..
وإذا كان الله هو الذي يبسط الرزق ويقبضه؛ وهو الذي يعطي ويمنع وفق مشيئته؛ فهو يبين للناس الطريق الذي تربو أموالهم فيه وتربح. لا كما يظنون هم، بل كما يهديهم الله:
{فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل. ذلك خير للذين يريدون وجه الله؛ وأولئك هم المفلحون. وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله؛ وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون}..
وما دام المال مال الله، أعطاه رزقاً لبعض عباده، فالله صاحب المال الأول قد قرر قسماً منه لفئات من عباده، يؤديها إليهم من يضع يده على ذلك المال. ومن ثم سماها حقاً. ويذكر هنا من هذه الفئات {ذا القربى والمسكين وابن السبيل}. ولم تكن الزكاة بعد قد حددت ولا مستحقوها قد حصروا. ولكن المبدأ كان قد تقرر. مبدأ أن المال مال الله، بما أنه هو الرازق به، وأن لفئات من المحتاجين حقاً فيه مقرراً لهم من صاحب المال الحقيقي، يصل إليهم عن طريق واضع اليد على هذا المال.. وهذا هو أساس النظرية الإسلامية في المال. وإلى هذا الأساس ترجع جميع التفريعات في النظرية الاقتصادية للإسلام. فما دام المال مال الله، فهو خاضع إذن لكل ما يقرره الله بشأنه بوصفه المالك الأول، سواء في طريقة تملكه أو في طريقة تنميته، أو في طريقة إنفاقه. وليس واضع اليد حراً في أن يفعل به ما يشاء.
وهو هنا يوجه أصحاب المال الذين اختارهم ليكونوا أمناء عليه إلى خير الطرق للتنمية والفلاح. وهي إيتاء ذي القربى والمسكين وابن السبيل، والإنفاق بصفة عامة في سبيل الله: {ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون}..
وكان بعضهم يحاول تنمية ماله بإهداء هدايا إلى الموسرين من الناس، كي ترد عليه الهدية مضاعفة! فبين لهم أن هذا ليس الطريق للنماء الحقيقي: {وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله}.. هذا ما تذكره الروايات عن المقصود بالآية وإن كان نصها بإطلاقه يشمل جميع الوسائل التي يريد بها أصحابها أن ينموا أموالهم بطريقة ربوية في أي شكل من الأشكال.. وبين لهم في الوقت ذاته وسيلة النماء الحقيقية:
{وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون}...
هذه هي الوسيلة المضمونة لمضاعفة المال: إعطاؤه بلا مقابل وبلا انتظار رد ولا عوض من الناس.
إنما هي إرادة وجه الله. أليس هو الله الذي يبسط الرزق ويقدر؟ أليس هو الذي يعطي الناس ويمنع؟ فهو الذي يضاعف إذن للمنفقين ابتغاء وجهه؛ وهو الذي ينقص مال المرابين الذين يبتغون وجوه الناس.. ذلك حساب الدنيا، وهناك حساب الآخرة وفيه أضعاف مضاعفة. فهي التجارة الرابحة هنا وهناك!
ومن زاوية الرزق والكسب يعالج قضية الشرك، وآثارها في حياتهم وفي حياة من قبلهم، ويعرض نهاية المشركين من قبل وعاقبتهم التي تشهد بها آثارهم:
{الله الذي خلقكم، ثم رزقكم، ثم يميتكم ثم يحييكم. هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء؟ سبحانه وتعالى عما يشركون. ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون. قل: سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين}..
وهو يواجههم بواقع أمرهم وحقائق حالهم التي لا يملكون أن يماروا في أن الله وحده هو موجدها؛ أو التي لا يملكون أن يزعموا أن لآلهتهم المدعاة مشاركة فيها. يواجههم بأن الله هو الذي خلقهم. وأنه هو الذي رزقهم. وأنه هو يميتهم. وأنه هو يحييهم. فأما الخلق فهم يقرون به. وأما الرزق فهم لا يملكون أن يزعموا أن آلهتهم المدعاة ترزقهم شيئاً. وأما الإماتة فلا حجة لهم على غير ما يقرره القرآن فيها. بقي الإحياء وكانوا يمارون في وقوعه. وهو يسوقه إليهم ضمن هذه المسلمات ليقرره في وجدانهم بهذه الوسيلة الفريدة، التي تخاطب فطرتهم من وراء الانحراف الذي أصابهم. وما تملك الفطرة أن تنكر أمر البعث والإعادة.
ثم يسألهم: {هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء؟} ولا ينتظر جواباً منهم، فهو سؤال للنفي في صورة التقريع غير محتاج إلى جواب! إنما يعقب عليه بتنزيه الله: {سبحانه وتعالى عما يشركون}.
ثم يكشف لهم عن ارتباط أحوال الحياة وأوضاعها بأعمال الناس وكسبهم؛ وأن فساد قلوب الناس وعقائدهم وأعمالهم يوقع في الأرض الفساد، ويملؤها براً وبحراً بهذا الفساد، ويجعله مسيطراً على أقدارها، غالباً عليها:
{ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس}...
فظهور الفساد هكذا واستعلاؤه لا يتم عبثاً، ولا يقع مصادفة؛ إنما هو تدبير الله وسنته.. {ليذيقهم بعض الذي عملوا} من الشر والفساد، حينما يكتوون بناره، ويتألمون لما يصيبهم منه: {لعلهم يرجعون} فيعزمون على مقاومة الفساد، ويرجعون إلى الله وإلى العمل الصالح وإلى المنهج القويم.
ويحذرهم في نهاية هذه الجولة أن يصيبهم ما أصاب المشركين قبلهم، وهم يعرفون عاقبة الكثيرين منهم، ويرونها في آثارهم حين يسيرون في الأرض، ويمرون بهذه الآثار في الطريق:
{قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين}.
وكانت عاقبتهم ما يرون حين يسيرون في الأرض؛ وهي عاقبة لا تشجع أحداً على سلوك ذلك الطريق!
وعند هذا المقطع يشير إلى الطريق الآخر الذي لا يضل سالكوه، وإلى الأفق الآخر الذي لا يخيب قاصدوه.
{فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله. يومئذ يصدعون. من كفر فعليه كفره؛ ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون. ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله. إنه لا يحب الكافرين}.
والصورة التي يعبر بها عن الاتجاه إلى الدين القيم صورة موحية معبرة عن كمال الاتجاه، وجديته، واستقامته: {فأقم وجهك للدين القيم}... وفيها الاهتمام والانتباه والتطلع، واستشراف الوجهة السامية والأفق العالي والاتجاه السديد.
وقد جاء هذا التوجيه أول مرة في السورة بمناسبة الكلام عن الأهواء المتفرقة والأحزاب المختلفة. أما هنا فيجيء بمناسبة الشركاء، والرزق ومضاعفته، والفساد الناشئ من الشرك، وما يذوقه الناس في الأرض من ظهور الفساد واستعلائه، وعاقبة المشركين في الأرض. يجيء بهذه المناسبة فيبين جزاء الآخرة ونصيب المؤمنين والكافرين فيها؛ ويحذرهم من يوم لا مرد له من الله. يوم يتفرقون فريقين: {من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون}..
ويَمهَد معناه يُمهِّد ويُعبِّد، ويعد المهد الذي فيه يستريح، ويهيء الطريق أو المضجع المريح. وكلها ظلال تتجمع وتتناسق، لتصور طبيعة العمل الصالح ووظيفته. فالذي يعمل العمل الصالح إنما يمهد لنفسه ويهيء أسباب الراحة في ذات اللحظة التي يقوم فيها بالعمل الصالح لا بعدها. وهذا هو الظل الذي يلقيه التعبير. وذلك: {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات}.. {من فضله}.. فما يستحق أحد من بني آدم الجنة بعمله. وما يبلغ مهما عمل أن يشكر الله على جزء من فضله. إنما هو فضل الله ورحمته بالمؤمنين. وكراهيته سبحانه للكافرين: {إنه لا يحب الكافرين}..
بعد ذلك يأخذ معهم في جولة أخرى تكشف عن بعض آيات الله، وما فيها من فضل الله ورحمته، فيما يهبهم من رزق وهدى ينزل عليهم، فيعرفون بعضه وينكرون بعضه. ثم لا يشكرون ولا يهتدون.
{ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات، وليذيقكم من رحمته، ولتجري الفلك بأمره، ولتبتغوا من فضله، ولعلكم تشكرون. ولقد أرسلنا من قبلك رسلاً إلى قومهم فجاءوهم بالبينات، فانتقمنا من الذين أجرموا، وكان حقاً علينا نصر المؤمنين. الله الذي يرسل الرياح، فتثير سحاباً، فيبسطه في السماء كيف يشاء، ويجعله كسفاً، فترى الودق يخرج من خلاله، فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون. وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين. فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها. إن ذلك لمحيي الموتى، وهو على كل شيء قدير. ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلوا من بعده يكفرون}...
إنه يجمع في هذه الآيات بين إرسال الرياح مبشرات، وإرسال الرسل بالبينات، ونصر المؤمنين بالرسل، وإنزال المطر المحيي، وإحياء الموتى وبعثهم.
وهو جمع له مغزاه.. إنها كلها من رحمة الله، وكلها تتبع سنة الله. وبين نظام الكون، ورسالات الرسل بالهدى، ونصر المؤمنين، صلة وثيقة. وكلها من آيات الله. ومن نعمته ورحمته، وبها تتعلق حياتهم، وهي مرتبطة كلها بنظام الكون الأصيل.
{ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات}... تبشر بالمطر. وهم يعرفون الريح الممطرة بالخبرة والتجربة فيستبشرون بها. {وليذيقكم من رحمته} بآثار هذه البشرى من الخصب والنماء. {ولتجري الفلك بأمره} سواء بدفع الرياح لها؛ أو بتكوين الأنهار من الأمطار فتجري السفن فيها. وهي تجري مع هذا بأمر الله. ووفق سنته التي فطر عليها الكون؛ وتقديره الذي أودع كل شيء خاصيته ووظيفته، وجعل من شأن هذا أن تخف الفلك على سطح الماء فتسير، وأن تدفعها الرياح فتجري مع التيار وضد التيار. وكل شيء عنده بمقدار.. {ولتبتغوا من فضله} في الرحلات التجارية، وفي الزرع والحصاد، وفي الأخذ والعطاء. وكله من فضل الله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً. {ولعلكم تشكرون} على نعمة الله في هذا كله.. وهذا توجيه إلى ما ينبغي أن يقابل به العباد نعمة الله الوهاب.
ومثل إرسال الرياح مبشرات إرسال الرسل بالبينات:
{ولقد أرسلنا من قبلك رسلاً إلى قومهم فجاءوهم بالبينات}..
ولكن الناس لم يستقبلوا رحمة الله هذه وهي أجل وأعظم استقبالهم للرياح المبشرات. ولا انتفعوا بها وهي أنفع وأدوم انتفاعهم بالمطر والماء! ووقفوا تجاه الرسل فريقين: مجرمين لا يؤمنون ولا يتدبرون ولا يكفون عن إيذاء الرسل والصد عن سبيل الله. ومؤمنين يدركون آيات الله، ويشكرون رحمته، ويثقون بوعده، ويحتملون من المجرمين ما يحتملون.. ثم كانت العاقبة التي تتفق مع عدل الله ووعده الوثيق.
{فانتقمنا من الذين أجرموا. وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}..
وسبحان الذي أوجب على نفسه نصر المؤمنين؛ وجعله لهم حقاً، فضلاً وكرماً. وأكده لهم في هذه الصيغة الجازمة التي لا تحتمل شكاً ولا ريباً. وكيف والقائل هو الله القوي العزيز الجبار المتكبر، القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير. يقولها سبحانه معبرة عن إرادته التي لا ترد، وسنته التي لا تتخلف، وناموسه الذي يحكم الوجود.
وقد يبطئ هذا النصر أحياناً في تقدير البشر لأنهم يحسبون الأمور بغير حساب الله، ويقدرون الأحوال لا كما يقدرها الله. والله هو الحكيم الخبير. يصدق وعده في الوقت الذي يريده ويعلمه، وفق مشيئته وسنته. وقد تتكشف حكمة توقيته وتقديره للبشر وقد لا تتكشف. ولكن إرادته هي الخير وتوقيته هو الصحيح. ووعده القاطع واقع عن يقين، يرتقبه الصابرون واثقين مطمئنين.
بعد ذلك يمضي السياق يقرر أن الله هو الذي يرسل الرياح، وينزل المطر، ويحيي الأرض بعد موتها، وكذلك يحيي الموتى فيبعثون.
سنة واحدة، وطريقة واحدة، وحلقات في سلسلة الناموس الكبير:
{الله الذي يرسل الرياح}.. وفق ناموسه في تكوين هذا الكون وتنظيمه وتصريفه. {فتثير سحاباً}. بما تحمله من بخار الماء المتصاعد من كتلة الماء في الأرض. {فيبسطه في السماء}.. ويفرشه ويمده. {ويجعله كسفاً}.. بتجميعه وتكثيفه وتراكمه بعضه فوق بعض، أو يصطدم بعضه ببعض، أو تنبعث شرارة كهربائية بين طبقة منه وطبقة، أو كسفة منه وكسفة. {فترى الودق يخرج من خلاله} وهوالمطر يتساقط من خلال السحاب. {فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون}.. ولا يعرف هذا الاستبشار على حقيقته كما يعرفه الذين يعيشون مباشرة على المطر. والعرب أعرف الناس بهذه الإشارة. وحياتهم كلها تقوم على ماء السماء، وقد تضمنت ذكره أشعارهم وأخبارهم في لهفة وحب وإعزاز!
{وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين}..
وهذا تقرير لحالهم قبل أن ينزل عليهم المطر: حولهم من اليأس والقنوط والهمود.. ثم هم يستبشرون.. {فانظر إلى آثار رحمة الله}..! انظر إليها في النفوس المستبشرة بعد القنوط، وفي الأرض المستبشرة بعد الهمود؛ وفي الحياة التي تدب في التربة وتدب في القلوب.
{فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها}.. إنها حقيقة واقعة منظورة، لا تحتاج إلى أكثر من النظر والتدبر. ومن ثم يتخذها برهاناً على قضية البعث والإحياء في الآخرة. على طريقة الجدل القرآني، الذي يتخذ من مشاهد الكون المنظورة، وواقع الحياة المشهودة، مادته وبرهانه؛ ويجعل من ساحة الكون العريض مجاله وميدانه:
{إن ذلك لمحيي الموتى}.. {وهو على كل شيء قدير}..
وهذه آثار رحمة الله في الأرض تنطق بصدق هذا الوعد وتؤكد هذا المصير.
وبعد تقرير هذه الحقيقة يمضي في تصوير حال القوم الذين يستبشرون بالرياح المحملة بالماء؛ ويستروحون بآثار رحمة الله عند نزوله من السماء.. يمضي في تصوير حالهم لو كانت الريح التي رأوها مصفرة بما تحمل من رمل وتراب لا من ماء وسحاب وهي الريح المهلكة للزرع والضرع أو التي يصفر منها الزرع فيصير حطاماً:
{ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلوا من بعده يكفرون}..
يكفرون سخطاً ويأسا، بدلاً من أن يستسلموا لقضاء الله، ويتوجهوا إليه بالضراعة ليرفع عنهم البلاء. وهي حال من لا يؤمن بقدر الله، ولا يهتدي ببصيرته إلى حكمة الله في تدبيره، ولا يرى من وراء الأحداث يد الله التي تنسق هذا الكون كله؛ وتقدر كل أمر وكل حادث. وفق ذلك التنسيق الشامل للوجود المترابط الأجزاء..
وعند هذا الحد من تصوير تقلبات البشر وفق أهوائهم، وعدم انتفاعهم بآيات الله التي يرونها ماثلة في الكون من حولهم؛ وعدم إدراكهم لحكمة الله من وراء ما يشهدونه من وقائع وأحداث.. عند هذا يتوجه بالخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزيه عن إخفاق جهوده في هداية الكثير منهم؛ ويرد هذا إلى طبيعتهم التي لا حيلة له فيها، وانطماس بصيرتهم وعماها:
{فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين، وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم، إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون}.
وهو يصورهم موتى ولا حياة فيهم، صماً لا سمع لهم، عمياً لا يهتدون إلى طريق.. والذي ينفصل حسه عن الوجود فلا يدرك نواميسه وسننه ميت لا حياة فيه. إنما هي حياة حيوانية، بل أضل وأقل، فالحيوان مهدي بفطرته التي قلما تخونه! والذي لا يستجيب لما يسمع من آيات الله ذات السلطان النافذ في القلوب أصم ولو كانت له أذنان تسمعان ذبذبة الأصوات! والذي لا يبصر آيات الله المبثوثة في صفحات الوجود أعمى ولو كانت له عينان كالحيوان!
{إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون}..
وهؤلاء هم الذين يسمعون الدعوة، لأن قلوبهم حية، وبصائرهم مفتوحة، وإدراكهم سليم. فهم يسمعون فيسلمون. ولا تزيد الدعوة على أن تنبه فطرتهم فتستجيب.
بعد ذلك يعود السياق ليجول بهم جولة جديدة، لا في مشاهد الكون من حولهم، ولكن في ذوات أنفسهم، وفي أطوار نشأتهم على هذه الأرض؛ ويمتد بالجولة إلى نهايتها هنالك في الحياة الأخرى. في ترابط بين الحياتين وثيق:
{الله الذي خلقكم من ضعف، ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير. ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة. كذلك كانوا يؤفكون. وقال الذين أوتوا العلم والإيمان: لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث، فهذا يوم البعث، ولكنكم كنتم لا تعلمون. فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون}..
إنها جولة مديدة، يرون أوائلها في مشهود حياتهم؛ ويرون أواخرها مصورة تصويراً مؤثراً كأنها حاضرة أمامهم. وهي جولة موحية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
{الله الذي خلقكم من ضعف}.. ولم يقل خلقكم ضعافاً أو في حالة ضعف؛ إنما قال: {خلقكم من ضعف} كأن الضعف مادتهم الأولى التي صيغ منا كيانهم.. والضعف الذي تشير الآية إليه ذو معان ومظاهر شتى في تكوين هذا الإنسان.
إنه ضعف البنية الجسدية الممثل في تلك الخلية الصغيرة الدقيقة التي ينشأ منها الجنين. ثم في الجنين وأطواره وهو فيها كلها واهن ضعيف. ثم في الطفل والصبي حتى يصل إلى سن الفتوة وضلاعة التكوين.
ثم هو ضعف المادة التي ذرأ منها الإنسان. الطين. الذي لولا نفخة من روح الله لظل في صورته المادية أو في صورته الحيوانية، وهي بالقياس إلى الخلقة الإنسانية ضعيفة ضعيفة.
ثم هو ضعف الكيان النفسي أمام النوازع والدفعات، والميول والشهوات، التي لولا النفخة العلوية وما خلقت في تلك البنية من عزائم واستعدادات، لكان هذا الكائن أضعف من الحيوان المحكوم بالإلهام.
{الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة}.. قوة بكل تلك المعاني التي جاءت في الحديث عن الضعف. قوة في الكيان الجسدي، وفي البناء الإنساني، وفي التكوين النفسي والعقلي.
{ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة}.. ضعفاً في الكيان الإنساني كله. فالشيخوخة انحدار إلى الطفولة بكل ظواهرها. وقد يصاحبها انحدار نفسي ناشئ من ضعف الإرادة ليهفو الشيخ أحيانا كما يهفو الطفل، ولا يجد من إرادته عاصماً. ومع الشيخوخة الشيب، يذكر تجسيماً وتشخيصاً لهيئة الشيخوخة ومنظرها.
وإن هذه الأطوار التي لا يفلت منها أحد من أبناء الفناء، والتي لا تتخلف مرة فيمن يمد له في العمر، ولا تبطئ مرة فلا تجيء في موعدها المضروب. إن هذه الأطوار التي تتعاور تلك الخليقة البشرية لتشهد بأنها في قبضة مدبرة، تخلق ما تشاء، وتقدر ما تشاء، وترسم لكل مخلوق أجله وأحواله وأطواره، وفق علم وثيق وتقدير دقيق: {يخلق ما يشاء وهو العليم القدير}..
ولا بد لهذه النشأة المحكمة المقدرة من نهاية كذلك مرسومة مقدرة. هذه النهاية يرسمها في مشهد من مشاهد القيامة، حافل بالحركة والحوار على طريقة القرآن:
{ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة}..
فهكذا يتضاءل في حسهم كل ما وراءهم قبل هذا اليوم، فيقسمون: ما لبثوا غير ساعة. ويحتمل أن يكون قسمهم منصباً على مدة لبثهم في القبور، كما يحتمل أن يكون ذلك عن لبثهم في الأرض أحياء وأمواتاً. {كذلك كانوا يؤفكون} ويصرفون عن الحق والتقدير الصحيح حتى يردهم أولو العلم الصحيح إلى التقدير الصحيح:
{وقال الذين أوتوا العلم والإيمان: لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث. فهذا يوم البعث. ولكنكم كنتم لا تعلمون}..
وأولو العلم هؤلاء هم في الغالب المؤمنون، الذين آمنوا بالساعة، وأدركوا ما وراء ظاهر الحياة الدنيا، فهم أهل العلم الصحيح وأهل الإيمان البصير. وهم يردون الأمر هنا إلى تقدير الله وعلمه {لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث}.. فهذا هو الأجل المقدور، ولا يهم طويلاً كان أم كان قصيراً. فقد كان ذلك هو الموعد، وقد تحقق:
{فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون}..
ثم يختم المشهد بالنتيجة الكلية في إجمال يصور ما وراءه مما لحق بالظالمين الذين كانوا يكذبون بيوم الدين:
{فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون}..
فلا معذرة منهم تقبل ولا يعتب عليهم أحد فيما فعلوه، أو يطلب إليهم الاعتذار. فاليوم يوم العقاب لا يوم العتاب!
ومن هذا المشهد البائس اليائس يردهم إلى ما هم فيه من عناد وتكذيب، وتلك كانت عاقبة العناد والتكذيب:
{ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل؛ ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا: إن أنتم إلا مبطلون. كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون} وهي نقلة بعيدة في الزمان والمكان؛ ولكنها تجيء في السياق وكأنها قريب من قريب وينطوي الزمان والمكان فإذا هم مرة أخرى أمام القرآن وفيه من كل مثل؛ وفيه من كل نمط من أنماط الخطاب؛ وفيه من كل وسيلة لإيقاظ القلوب والعقول؛ وفيه من شتى اللمسات الموحية العميقة التأثير وهو يخاطب كل قلب وكل عقل في كل بيئة وكل محيط وهو يخاطب النفس البشرية في كل حالة من حالاتها وفي كل طور من أطوارها ولكنهم بعد هذا كله يكذبون بكل آية ولا يكتفون بالتكذيب بل يتطاولون على أهل العلم الصحيح فيقولون عنهم إنهم مبطلون ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون ويعقب على هذا الكفر والتطاول كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون كذلك بمثل هذه الطريقة ولمثل هذا السبب فهؤلاء الذين لا يعلمون مطموسو القلوب لا تتفتح بصيرتهم لإدراك آيات الله متطاولون على أهل العلم والهدى ومن ثم يستحقون أن يطمس الله على بصيرتهم وأن يطبع على قلوبهم لما يعلمه سبحانه عن تلك البصائر وهذه القلوب الدرس التاسع توجيه إلى الصبر والإتزان ثم يأتي الإيقاع الأخير في السورة بعد تلك الجولات مع المشركين في الكون والتاريخ وفي ذوات أنفسهم وفي أطوار حياتهم ثم هم بعد ذلك كله يكفرون ويتطاولون يأتي الإيقاع الأخير في صورة توجيه لقلب الرسول ص ومن معه من المؤمنين فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون إنه الصبر وسيلة المؤمنين في الطريق الطويل الشائك الذي قد يبدو أحيانا بلا نهاية والثقة بوعد الله الحق والثبات بلا قلق ولا زعزعة ولا حيرة ولا شكوك الصبر والثقة والثبات على الرغم من اضطراب الآخرين ومن تكذيبهم للحق وشكهم في وعد الله ذلك أنهم محجوبون عن العلم محرومون من أسباب اليقين فأما المؤمنون الواصلون الممسكون بحبل الله فطريقهم هو طريق الصبر والثقة واليقين مهما يطل هذا الطريق ومهما تحتجب نهايته وراء الضباب والغيوم وهكذا تختم السورة التي بدأت بوعد الله في نصر الروم بعد بضع سنين ونصر المؤمنين تختم بالصبر حتى يأتي وعد الله؛ والصبر كذلك على محاولات الاستخفاف والزعزعة من الذين لا يوقنون فيتناسق البدء والختام وتنتهي السورة وفي القلب منا إيقاع التثبيت القوي بالوعد الصادق الذي لا يكذب واليقين الثابت الذي لا يخون.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال