سورة الأحزاب / الآية رقم 15 / تفسير في ظلال القرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيراً وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولاً

الأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزاب




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


في معترك الحياة ومصطرع الأحداث كانت الشخصية المسلمة تصاغ. ويوماً بعد يوم وحدثاً بعد حدث كانت هذه الشخصية تنضج وتنمو، وتتضح سماتها. وكانت الجماعة المسلمة التي تتكون من تلك الشخصيات تبرز إلى الوجود بمقوماتها الخاصة، وقيمها الخاصة. وطابعها المميز بين سائر الجماعات.
وكانت الأحداث تقسو على الجماعة الناشئة حتى لتبلغ أحياناً درجة الفتنة، وكانت فتنة كفتنة الذهب، تفصل بين الجوهر الأصيل والزبد الزائف؛ وتكشف عن حقائق النفوس ومعادنها، فلا تعود خليطاً مجهول القيم.
وكان القرآن الكريم يتنزل في إبان الابتلاء أو بعد انقضائه، يصور الأحداث، ويلقي الأضواء على منحنياته وزواياه، فتنكشف المواقف والمشاعر، والنوايا والضمائر. ثم يخاطب القلوب وهي مكشوفة في النور، عارية من كل رداء وستار؛ ويلمس فيها مواضع التأثر والاستجابة؛ ويربيها يوماً بعد يوم، وحادثاً بعد حادث؛ ويرتب تأثراتها واستجاباتها وفق منهجه الذي يريد.
ولم يترك المسلمون لهذا القرآن، يتنزل بالأوامر والنواهي، وبالتشريعات والتوجيهات جملة واحدة؛ إنما أخذهم الله بالتجارب والابتلاءات، والفتن والامتحانات؛ فقد علم الله أن هذه الخليقة البشرية لا تصاغ صياغة سليمة، ولا تنضج نضجاً صحيحاً، ولا تصح وتستقيم على منهج إلا بذاك النوع من التربية التجريبية الواقعية، التي تحفر في القلوب، وتنقش في الأعصاب؛ وتأخذ من النفوس وتعطي في معترك الحياة ومصطرع الأحداث. أما القرآن فيتنزل ليكشف لهذه النفوس عن حقيقة ما يقع ودلالته؛ وليوجه تلك القلوب وهي منصهرة بنار الفتنة، ساخنة بحرارة الابتلاء، قابلة للطرق، مطاوعة للصياغة!
ولقد كانت فترة عجيبة حقاً تلك التي قضاها المسلمون في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فترة اتصال السماء بالأرض اتصالاً مباشراً ظاهراً، مبلوراً في أحداث وكلمات. ذلك حين كان يبيت كل مسلم وهو يشعر أن عين الله عليه، وأن سمع الله إليه؛ وأن كل كلمة منه وكل حركة، بل كل خاطر وكل نية، قد يصبح مكشوفاً للناس، يتنزل في شأنه قرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحين كان كل مسلم يحس الصلة المباشرة بينه وبين ربه؛ فإذا حزبه أمر، أو واجهته معضلة، انتظر أن تفتح أبواب السماء غداً أو بعد غد ليتنزل منها حل لمعضلته، وفتوى في أمره، وقضاء في شأنه. وحين كان الله سبحانه بذاته العلية، يقول: أنت يا فلان بذاتك قلت كذا، وعملت كذا وأضمرت كذا وأعلنت كذا. وكن كذا، ولا تكن كذا.. وياله من أمر هائل عجيب! ياله من أمر هائل عجيب أن يوجه الله خطابه المعين إلى شخص معين.. هو وكل من على هذه الأرض، وكل ما في هذه الأرض، وكل هذه الأرض. ذرة صغيرة في ملك الله الكبير!
لقد كانت فترة عجيبة حقاً، يتملاها الإنسان اليوم، ويتصور حوادثها ومواقفها، وهو لا يكاد يدرك كيف كان ذلك الواقع، الأضخم من كل خيال!
ولكن الله لم يدع المسلمين لهذه المشاعر وحدها تربيهم، وتنضج شخصيتهم المسلمة.
بل أخذهم بالتجارب الواقعية، والابتلاءات التي تأخذ منهم وتعطي؛ وكل ذلك لحكمة يعلمها، وهو أعلم بمن خلق، وهو اللطيف الخبير.
هذه الحكمة تستحق أن نقف أمامها طويلاً، ندركها ونتدبرها؛ ونتلقى أحداث الحياة وامتحاناتها على ضوء ذلك الإدراك وهذا التدبير.
وهذا المقطع من سورة الأحزاب يتولى تشريح حدث من الأحداث الضخمة في تاريخ الدعوة الإسلامية، وفي تاريخ الجماعة المسلمة؛ ويصف موقفاً من مواقف الامتحان العسيرة، وهو غزوة الأحزاب، في السنة الرابعة أو الخامسة للهجرة، الامتحان لهذه الجماعة الناشئة، ولكل قيمها وتصوراتها. ومن تدبر هذا النص القرآني، وطريقة عرضه للحادث، وأسلوبه في الوصف والتعقيب ووقوفه أمام بعض المشاهد والحوادث، والحركات والخوالج، وإبرازه للقيم والسنن. من ذلك كله ندرك كيف كان الله يربي هذه الأمة بالأحداث والقرآن في آن.
ولكي ندرك طريقة القرآن الخاصة في العرض والتوجيه فإننا قبل البدء في شرح النص القرآني، نثبت رواية الحادث كما عرضتها كتب السيرة مع الاختصار المناسب ليظهر الفارق بين سرد الله سبحانه؛ وسرد البشر للوقائع والأحداث.
عن محمد بن إسحاق قال: بإسناده عن جماعة:
إنه كان من حديث الخندق أن نفراً من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق النضري، وحيي بن أخطب النضري، وكنانة بن أبي الحقيق النضري، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، في نفر من بني النضير، ونفر من بني وائل، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا حتى قدموا على قريش في مكة، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله. فقالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه. فهم الذين أنزل الله تعالى فيهم: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت، ويقولون للذين كفروا: هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً} إلى قوله: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله؛ فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً. فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيراً} فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم واتعدوا له.
ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاءوا غطفان من قيس عيلان فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه، وأن قريشاً قد تابعوهم على ذلك، فاجتمعوا معهم فيه.
فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن في بني فزارة، والحارث بن عوف من بني مرة، ومسعر بن رخيلة فيمن تابعه من قومه من أشجع.
فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أجمعوا لهم من الأمر ضرب الخندق على المدينة؛ فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل معه المسلمون فيه. فدأب فيه ودأبوا. وأبطأ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن المسلمين في عملهم ذلك رجال من المنافقين، وجعلوا يورون بالضعيف من العمل، ويتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إذن. وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد منها يذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويستأذنه في اللحوق بحاجته فيأذن له، فإذا قضى حاجته رجع إلى ما كان فيه من عمله رغبة في الخير واحتساباً له. فأنزل الله في أولئك المؤمنين.. {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله، وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه. إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم، واستغفر لهم الله، إن الله غفور رحيم} ثم قال تعالى يعني المنافقين الذين كانوا يتسللون من العمل، ويذهبون بغير إذن من النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً. قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم} ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة، في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وأهل تهامة. وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد حتى نزلوا بذنب نَقْمَى إلى جانب أحد. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سَلع في ثلاثة آلاف من المسلمين؛ فضرب هناك عسكره والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذراري والنساء فجعلوا في الآطام (أي الحصون).
وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضري حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وعهدهم. وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قومه؛ وعاقده على ذلك وعاهده.. فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب (أي ما زال يروضه ويخاتله) حتى سمح له على أن أعطاه عهداً وميثاقاً: لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمداً أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك.
فنقض كعب ابن أسد عهده، وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعظم عند ذلك البلاء، واشتد الخوف؛ وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم، حتى ظن المؤمنون كل ظن، ونجم النفاق من بعض المنافقين، حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط! وحتى قال أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن الحارث: يا رسول الله، إن بيوتنا عورة من العدو وذلك عن ملأ من رجال قومه فأذن لنا أن نخرج فنرجع إلى دارنا، فإنها خارج من المدينة.
فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام عليه المشركون بضعاً وعشرين ليلة، قريباً من شهر. لم تكن بينه وبينهم حرب إلا الرميا بالنبل والحصار.
فلما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث ابن عوف وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة، على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهما الصلح حتى كتبوا الكتابة؛ ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح، إلا المراوضة في ذلك. فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل؛ بعث إلى سعد بن معاذ (سيد الأوس) وسعد بن عبادة (سيد الخزرج) فذكر ذلك لهما. واستشارهما فيه، فقالا له: يا رسول الله، أمراً تحبه فنصنعه؟ أم شيئاً أمرك الله به لا بد لنا من العمل به؟ أم شيئاً تصنعه لنا؟ قال: «بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما». فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعاً. أفحين أكرمنا الله بالإسلام، وهدانا له، و




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال