سورة الأحزاب / الآية رقم 60 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَائِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً لَئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيـلاً سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً

الأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزابالأحزاب




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (62) يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (66) وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (67) رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (69) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)}.
التفسير:
قوله تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا}.
مناسبة هذه الآية هنا، هى أن الآيات السابقة كانت دستورا سماويا للحياة الروحية في بيت النبىّ، ولحراسة هذا البيت من العيون الفاجرة، والألسنة البذيئة.. وفي المدينة منافقون كثيرون، ومؤمنون لم تخلص قلوبهم بعد للإيمان، ومن هؤلاء وأولئك تهب ريح خبيثة على المجتمع الإسلامى الطهور، الذي أقامه النبىّ في المدينة.. فكان من الحكمة، وقد حصن اللّه قلوب المؤمنين، وأقامهم على طريق الإيمان والتقوى، أن يعزل عنهم هذا الداء الخبيث الذي يتمشى في أجواء المدينة، من المنافقين وممن في قلوبهم مرض من المؤمنين.
وفي قوله: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} إنذار مزلزل لهؤلاء المنافقين ومن انضوى إليهم، بأن يسلط اللّه عليهم النبىّ، فيلقى بهم خارج المدينة، بعيدا عن هذا المكان الطهور الذي لا يجد الخبث حياة له فيه.
والمرجفون: هم الذين يثيرون الشائعات الكاذبة، ويطلقون الأراجيف المصطنعة، ليشغلوا الناس بها، ويفسدوا عليهم حياتهم.
وقوله تعالى: {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} أي لنسلطنك عليهم، فتخرجهم من المدينة على أسوأ حال، كما خرج اليهود من قبلهم.
وقوله: {ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا} إشارة إلى أن هؤلاء المنافقين وإخوانهم، إذا سلّط عليهم النبىّ، لن يجدوا القوة التي يدفعون بها بأسه وقوته.. بما مكن اللّه له في الأرض، وبما جمع له من جند اللّه وأنصاره.
{وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ} [6: الحشر].
قوله تعالى: {مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا}.
{ملعونين} حال من فاعل محذوف تقديره: يخرجون منها ملعونين، أي تصحبهم اللعنة.
وقوله تعالى: {أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} كلام مستأنف.
أي أنهم بهذه اللعنة التي خرجوا بها من المدينة، لن يجدوا مأوى يؤوون إليه، ولا معتصما يعتصمون به.. فأينما ثقفوا أي وقعوا ليد النبىّ والمسلمين {أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} أي أصبحوا في عداد الأسرى، وليس لهم بعد الأسر إلا القتل، لأنهم عرب، لا تقبل منهم فدية، أو يهود ائتمروا مع المشركين على حرب النبىّ، فجرى عليهم حكم المشركين من العرب.
قوله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} أي سنسنّ بهم سنة الذين سبقوهم من قبل، ونأخذهم بما أخذنا به أمثالهم من أهل الضلال والنفاق.. فهذا هو حكم اللّه في المفسدين في الأرض، وهو حكم قائم لا يتبدل أبدا.
والمراد بالذين خلوا من قبل هنا هم اليهود- من بنى قريظة وبنى النضير- الذين وقع بهم بأس اللّه، فأخرجوا من ديارهم، وقتل رجالهم، وسبى نساؤهم وذراريهم.
ويجوز أن يكون {الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} هم أمثال هؤلاء المنافقين من أهل الضلال في الأمم السابقة، ويدخل فيهم ضمنا يهود المدينة.
قوله تعالى: {يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً}.
هو تذكير بالساعة، وإلفات إلى يوم القيامة، في هذا الموطن الذي تهددت فيه الآية السابقة جماعات المنافقين، ومن في قلوبهم مرض، وهم صنّاع الأراجيف والشائعات.. وذلك ليرجعوا إلى اللّه، وليخلوا قلوبهم من النفاق، وليطهروها من تلك الآفات الخبيثة التي استوطنتها.
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً} هو تهديد لتلك الجماعات التي إن لم تصحح إيمانها، أصبحت في عداد الكافرين، وليس للكافرين عند اللّه إلا اللعنة وسوء الدار، حيث ينزلون أسوأ منزل في جهنم، لا يخرجون من عذابها المطبق عليهم أبدا، ولا يجدون وليّا يقف إلى جانبهم، ولا نصيرا ينصرهم، ويدفع عنهم هذا البلاء المشتمل عليهم.
قوله تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا}.
فى الآية عرض لصورة من صور العذاب التي يلقاها الكافرون يوم القيامة.
إنهم يقلبون على وجوههم في جهنم، وهم أحياء.. كلما نضجت جلودهم بدلهم اللّه جلودا غيرها ليذوقوا العذاب، ألوانا، وليطعموه حميما وغسّاقا.. وهم في هذا العذاب لا يملكون إلا صرخات الندم والحسرة، على خلافهم للّه والرسول، فيقولون: {يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا}.
وأنّى لهم أن يصلحوا ما أفسدوا؟ لقد فات الأوان!.
قوله تعالى: {وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}.
أي أن من مقولاتهم التي يقولونها، ويعتذرون بها هو قولهم: {رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}.
إنهم يلقون باللائمة على سادتهم وكبرائهم، وقد كانوا تبعا لهم، فأوردوهم هذا المورد الوبيل.
فقوله تعالى: {وَقالُوا} هو حكاية لما سيقولونه يوم القيامة، وعبّر عنه بالفعل الماضي، لأن هذا القول واقع في علم اللّه القديم.
وتلك حجة داحضة، وعذر غير مقبول..! لقد باعوا أنفسهم لسادتهم، وعطلوا العقل الذي وهبه اللّه إياهم، فلم يصغوا إلى آيات اللّه، ولم يستمعوا إلى دعوة الرسول، ولم يلتفتوا بعقولهم وقلوبهم إلى هذا النور الذي غمر الآفاق من حولهم.. بل تركوا لغيرهم مقودهم، وأسلموه زمامهم... فإذا دفع بهم قائدهم إلى الهاوية، فهم الملومون، ولا لوم على أحد.
قوله تعالى: {رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً}.
هذا هو الجزاء الذي يجزى به الضالون سادتهم، ورؤساء الكفر والضلال فيهم.. إنهم لا يملكون أن ينتقموا لأنفسهم منهم بغير هذا الدعاء إلى اللّه أن يضاعف لهم العذاب، الذي يلقاه هؤلاء الأتباع.. فهم رؤساؤهم الذين كانوا يذهبون بالنصيب الأوفر من متاع الدنيا، فليذهبوا كذلك بالنصيب الأوفر من العذاب واللعنة في الآخرة..!
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً}.
أشاع اليهود في المدينة جوّا خبيثا من الدس والنفاق، وخلق الأراجيف وإذاعة الشائعات، واتخذوا من هذا كله أسلحة يحاربون بها الدعوة الإسلامية، ويدخلون منها على من في قلوبهم مرض من المسلمين، فيفتنونهم في دينهم، ويتخذون منهم أبواقا لترديد الأكاذيب، وإشاعة الأراجيف.. وقد أخزى اللّه اليهود، ونكّل بهم، وكفى المسلمين شرهم، وطهر المدينة من رجسهم.
وبقي بعد هذا أشتات من الناس، قد تمكن فيهم النفاق والكيد الذي ورثوه عن اليهود، فجاء قوله تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا} جاء منذرا هؤلاء المخلفين من صنائع اليهود، بأن ينزعوا عما هم فيه، وإلا أصابهم ما أصاب أصحابهم من قبل.
وفي قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} إلفات للمسلمين عامة، وإشارة إلى المنافقين، ومرضى القلوب وضعاف الإيمان منهم، خاصة، إلى أن يعتزلوا اليهود عزلة شعورية، وأن يقطعوا كل ما كان بينهم من صلات قائمة على التشبه بهم، والجري على أساليبهم، لأنهم شر خالص، وبلاء محض.
كالداء الخبيث إن لم يقتل صاحبه، أفسد عليه حياته، ونغّص معيشته.
وإنه لا سلامة للمسلمين من اليهود إلا إذا تخلصوا من كل أثر مادى أو نفسى كان لهم فيهم.. وأما وقد جلا اليهود عن المدينة إلى غير رجعة، ولم يبق إلا ما تركوه في بعض الناس من آثار، في أساليب الحياة، وصور التفكير، فإنه لكى يأمن المسلمون على سلامتهم في أنفسهم وفي عقيدتهم- ينبغى أن يتخلصوا من كل مخلفات اليهود فيهم، من ماديات الحياة ومعنوياتها جميعا.
والتطاولعلى مقام الرسل، والافتنان في إيذائهم والكيد لهم، طبيعة غالبة على اليهود.
وقد قص القرآن الكريم على المسلمين كثيرا من مواقفهم اللئيمة المنحرفة مع رسل اللّه.. فقال تعالى: {فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [155: النساء].
وقال سبحانه وتعالى متوعدا إياهم: {أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} [87: البقرة].
{وموسى} الذي يدين اليهود بشريعته وبالتوراة التي تلقاها من ربه- قد لقى من كيد اليهود وأذاهم في شخصه حيّا، وفي شريعته، بعد موته، ما لقى الأنبياء منهم، من ألوان الكيد والأذى.
وقولهم الذي قالوه في موسى هو ما حكاه القرآن الكريم عنهم في قولهم لموسى: {أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا} [129 الأعراف] وكان ذلك ردّا على قوله لهم: {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [128: الأعراف].
فهذا القول هو اتهام له، وتكذيب بالوعد الذي وعدهم إياه بأمر ربه.
وكان في هذا الاتهام أذى له، خاصة وهو في مواجهة فرعون، وفي معمعة الصراع المحتدم بينهما.. إنهم يكذبون موسى، ويتهمونه بالخداع لهم بهذه الأمانى التي يحدثهم بها.
وقد برأ اللّه موسى من هذا الاتهام الوقح، فصدقه الوعد الذي وعده، ونجّى القوم على يديه من فرعون، وأراهم من آيات اللّه عجبا.
والمنافقون ومن في قلوبهم مرض من المسلمين، هم المعنيون بهذا الأمر الذي تحمله الآية الكريمة: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً}.
فلقد كذب إخوانهم اليهود موسى، واتهموه فيما وعدهم به من الخلاص من يد عدوهم، ومن التمكين لهم في الأرض، وقد صدق اللّه وعده، وأنجز لموسى ما وعده في قومه.. وكما صدق اللّه وعده موسى في قومه، سيصدق اللّه وعده محمدا في قومه، فيكبت عدوّهم، ويمكنّ لهم في الأرض.. وكما كان موسى وجيها عند اللّه، ذا منزلة عالية عنده، سيكون محمدا وجيها عند ربه، في مقام رفيع عنده.
فليكن للمنافقين والذين في قلوبهم مرض في هذا عبرة وموعظة، وليقتلوا في نفوسهم تلك الشكوك وهذه الريب في صدق الرسول.. فإنهم إن فعلوا سلمت قلوبهم من النفاق، وصحّت من المرض، وأصبحوا في عباد اللّه المؤمنين، الذين اطمأنت قلوبهم بالإيمان، وخلت مشاعرهم من الشكوك والتّهم، فلم تنطق ألسنتهم بالزور والبهتان.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى في الآية التالية، والآية التي بعدها.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً} فهذه هى صفات المؤمنين حقّا، وذلك هو منطقهم، وتلك هى سبيلهم.
إنهم على إيمان وثيق باللّه، قد امتلأت قلوبهم بتقواه، وخشيته، فلا يقولون زورا، ولا ينطقون بهتانا، وإنما قولهم الحق، ومنطقهم الصدق.. وبهذا يصلح اللّه أعمالهم، ويتقبلها منهم، ويغفر لهم ذنونهم.. وهذا لا يكون إلا لمن أطاع اللّه ورسوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً}.
إذ أنه لا فوز أعظم من النجاة من عذاب اللّه، والفوز بدخول الجنة: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ} [185: آل عمران].




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال