سورة سبأ / الآية رقم 35 / تفسير تفسير ابن كثير / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا العَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الغُرُفَاتِ آمِنُونَ وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي العَذَابِ مُحْضَرُونَ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ

سبأسبأسبأسبأسبأسبأسبأسبأسبأسبأسبأسبأسبأسبأسبأ




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)}.
يقول تعالى مسليا لنبيه، وآمرا له بالتأسي بمن قبله من الرسل، ومخبره بأنه ما بعث نبيا في قرية إلا كذبه مترفوها، واتبعه ضعفاؤهم، كما قال قوم نوح: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَ} [الشعراء: 111]، {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} [هود: 27]، وقال الكبراء من قوم صالح: {لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ. قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الأعراف: 75، 76].
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53]؟ وقال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا} [الأنعام: 122] وقال: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ} [الإسراء: 16].
وقال هاهنا: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ} أي: نبي أو رسول {إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا}، وهم أولو النعمة والحشمة والثروة والرياسة.
قال قتادة: هم جَبَابرتهم وقادتهم ورؤوسهم في الشر. {إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونََ} أي: لا نؤمن به ولا نتبعه.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا هارون بن إسحاق، حدثنا محمد بن عبد الوهاب عن سفيان عن عاصم، عن أبي رَزِين قال: كان رجلان شريكان خرج أحدهما إلى الساحل وبقي الآخر، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى صاحبه يسأله: ما فعل؟ فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش، إنما اتبعه أراذل الناس ومساكينهم. قال: فترك تجارته ثم أتى صاحبه فقال: دلني عليه- قال: وكان يقرأ الكتب، أو بعض الكتب- قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إلام تدعو؟ قال: «إلى كذا وكذا». قال: أشهد أنك رسول الله. قال: «وما علمك بذلك؟» قال: إنه لم يبعث نبي إلا اتبعه رُذَالة الناس ومساكينهم. قال: فنزلت هذه الآية: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} الآيات، قال: فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أنزل تصديق ما قلت».
وهكذا قال هرقل لأبي سفيان حين سأله عن تلك المسائل، قال فيها: وسألتك: أضعفاء الناس اتبعه أم أشرافهم فزعمت: بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرسل.
وقوله تعالى إخبارا عن المترفين المكذبين: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينََ} أي: افتخروا بكثرة الأموال والأولاد، واعتقدوا أن ذلك دليل على محبة الله لهم واعتنائه بهم، وأنه ما كان ليعطيهم هذا في الدنيا، ثم يعذبهم في الآخرة، وهيهات لهم ذلك. قال الله: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ. نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: 55، 56] وقال: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 55]، وقال تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا. وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا. وَبَنِينَ شُهُودًا. وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا. ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ. كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا. سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} [المدثر: 11- 17].
وقد أخبر الله عن صاحب تينك الجنتين: أنه كان ذا مال وولد وثمر، ثم لم تُغن عنه شيئا، بل سُلب ذلك كله في الدنيا قبل الآخرة؛ ولهذا قال تعالى هاهنا: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} أي: يعطي المال لمن يحب ومَنْ لا يحب، فيفقر مَنْ يشاء ويغني مَنْ يشاء، وله الحكمة التامة البالغة، والحجة الدامغة القاطعة {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونََ}.
ثم قال: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} أي: ليست هذه دليلا على محبتنا لكم، ولا اعتنائنا بكم.
قال الإمام أحمد، رحمه الله: حدثنا كَثير، حدثنا جعفر، حدثنا يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».
ورواه مسلم وابن ماجه، من حديث كثير بن هشام، عن جعفر بن بُرْقَان، به.
ولهذا قال: {إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} أي: إنما يقربكم عندنا زلفى الإيمان والعمل الصالح، {فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا} أي: تضاعف لهم الحسنة بعشرة أمثالها، إلى سبعمائة ضعف {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} أي: في منازل الجنة العالية آمنون من كل بأس وخوف وأذى، ومن كل شر يُحْذَر منه.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا فَرْوَة بن أبي المغراء الكندي، حدثنا القاسم وعلي بن مُسْهِر، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة لَغرفا ترى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها». فقال أعرابي: لمن هي؟ قال: «لمن طيب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام».
{وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} أي: يسعون في الصد عن سبيل الله، واتباع الرسل والتصديق بآياته، {أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} أي: جميعهم مَجْزيون بأعمالهم فيها بحسبهم.
وقوله: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} أي: بحسب مَا لَه في ذلك من الحكمة، يبسط على هذا من المال كثيرا، ويضيق على هذا ويقتر على هذا رزقه جدًا، وله في ذلك من الحكمة ما لا يدركها غيره، كما قال تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا} [الإسراء: 21] أي: كما هم متفاوتون في الدنيا: هذا فقير مدقع، وهذا غني مُوَسَّع عليه، فكذلك هم في الآخرة: هذا في الغُرفات في أعلى الدرجات، وهذا في الغَمرَات في أسفل الدركات. وأطيب الناس في الدنيا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أفلح مَنْ أسلم ورُزق كَفَافا، وقَنَّعه الله بما آتاه». رواه مسلم من حديث ابن عَمْرو.
وقوله: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} أي: مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب، كما ثبت في الحديث: «يقول الله تعالى: أنْفق أنْفق عليك». وفي الحديث: أن ملكين يَصيحان كل يوم، يقول أحدهما: «اللهم أعط مُمْسِكا تَلَفًا»، ويقول الآخر: «اللهم أعط منفقا خَلَفًا» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا».
وقال ابن أبي حاتم عن يزيد بن عبد العزيز الطلاس، حدثنا هُشَيْم عن الكوثر بن حكيم، عن مكحول قال: بلغني عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إن بعدكم زمان عضوض، يعض الموسر على ما في يده حذار الإنفاق». ثم تلا هذه الآية: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينََ}
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا روح بن حاتم، حدثنا هُشَيم، عن الكوثر بن حكيم عن مكحول قال: بلغني عن حذيفة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إن بعد زمانكم هذا زمان عضوض، يعض الموسر على ما في يديه حذار الإنفاق، قال الله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينََ}، وَيَنْهَل شرار الخلق يبايعون كل مضطر، ألا إن بيع المضطرين حرام، ألا إن بيع المضطرين حرام المسلم أخو المسلم. لا يظلمه ولا يخذله، إن كان عندك معروف، فَعُد به على أخيك، وإلا فلا تَزده هلاكا إلى هلاكه».
هذا حديث غريب من هذا الوجه، وفي إسناده ضعف.
وقال سفيان الثوري، عن أبي يونس الحسن بن يزيد قال: قال مجاهد: لا يتأولن أحدكم هذه الآية: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهَ}: إذا كان عند أحدكم ما يقيمه فليقصد فيه، فإن الرزق مقسوم.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال