سورة فاطر / الآية رقم 42 / تفسير في ظلال القرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ الكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلاَ يَزِيدُ الكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلاَ يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً

فاطرفاطرفاطرفاطرفاطرفاطرفاطرفاطرفاطرفاطرفاطرفاطرفاطرفاطرفاطر




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


هذا المقطع الأخير في السورة يشتمل على جولات واسعة المدى كذلك، ولمسات للقلب وإيحاءات شتى: جولة مع البشرية في أجيالها المتعاقبة، يخلف بعضها بعضاً. وجولة في الأرض والسماوات للبحث عن أي أثر للشركاء الذين يدعونهم من دون الله. وجولة في السماوات والأرض كذلك لرؤية يد الله القوية القادرة تمسك بالسماوات والأرض أن تزولا. وجولة مع هؤلاء المكذبين بتلك الدلائل والآيات كلها وهم قد عاهدوا الله من قبل لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم، ثم نقضوا هذا العهد وخالفوه فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفوراً. وجولة في مصارع المكذبين من قبلهم وهم يشهدون آثارهم الداثرة ولا يخشون أن تدور عليهم الدائرة وأن تمضي فيهم سنة الله الجارية.. ثم الختام الموحي الموقظ الرهيب: {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة}. وفضل الله العظيم في إمهال الناس وتأجيل هذا الأخذ المدمر المبيد..
{هو الذي جعلكم خلائف في الأرض. فمن كفر فعليه كفره. ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتاً. ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خساراً}.
إن تتابع الأجيال في الأرض، وذهاب جيل ومجيء جيل، ووراثة هذا لذاك، وانتهاء دولة وقيام دولة، وانطفاء شعلة واتقاد شعلة. وهذا الدثور والظهور المتواليان على مر الدهور.. إن التفكير في هذه الحركة الدائبة خليق أن يجد للقلب عبرة وعظة، وأن يشعر الحاضرين أنهم سيكونون بعد حين غابرين، يتأمل الآتون بعدهم آثارهم ويتذاكرون أخبارهم، كما هم يتأملون آثار من كانوا قبلهم ويتذاكرون أخبارهم. وجدير بأن يوقظ الغافلين إلى اليد التي تدير الأعمار، وتقلب الصولجان، وتديل الدول، وتورث الملك، وتجعل من الجيل خليفة لجيل. وكل شيء يمضي وينتهي ويزول، والله وحده هو الباقي الدائم الذي لا يزول ولا يحول.
ومن كان شأنه أن ينتهي ويمضي، فلا يخلد ولا يبقى. من كان شأنه أنه سائح في رحلة ذات أجل؛ وأن يعقبه من بعده ليرى ماذا ترك وماذا عمل، وأن يصير في النهاية إلى من يحاسبه على ما قال وما فعل. من كان هذا شأنه جدير بأن يحسن ثواءه القليل، ويترك وراءه الذكر الجميل، ويقدم بين يديه ما ينفعه في مثواه الأخير.
هذه بعض الخواطر التي تساور الخاطر، حين يوضع أمامه مشهد الدثور والظهور، الطلوع والأفول، والدول الدائلة، والحياة الزائلة، والوراثة الدائبة جيلاً بعد جيل:
{هو الذي جعلكم خلائف في الأرض}..
وفي ظل هذا المشهد المؤثر المتتابع المناظر، يذكرهم بفردية التبعة، فلا يحمل أحد عن أحد شيئاً، ولا يدفع أحد عن أحد شيئاً؛ ويشير إلى ما هم فيه من إعراض وكفر وضلال، وعاقبته الخاسرة في نهاية المطاف:
{فمن كفر فعليه كفره.
ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتاً. ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خساراً}.
والمقت أشد البغض. ومن يمقته ربه فأي خسران ينتظره؟ وهذا المقت في ذاته خسران يفوق كل خسران؟!
والجولة الثانية في السماوات والأرض، لتقصِّي أي أثر أو أي خبر لشركائهم الذين يدعونهم من دون الله، والسماوات والأرض لا تحس لهم أثراً، ولا تعرف عنهم خبراً:
{قل: أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله؟ أروني ماذا خلقوا من الأرض؟ أم لهم شرك في السماوات؟ أم آتيناهم كتاباً فهم على بينة منه؟ بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضاً إلا غروراً}.
والحجة واضحة والدليل بيّن. فهذه الأرض بكل ما فيها ومن فيها. هذه هي مشهودة منظورة. أي جزء فيها أو أي شيء يمكن أن يدعي مدع أن أحداً غير الله خلقه وأنشأه! إن كل شيء يصرخ في وجه هذه الدعوى لو جرؤ عليها مدع. وكل شيء يهتف بأن الذي أبدعه هو الله؛ وهو يحمل آثار الصنعة التي لا يدعيها مدع، لأنه لا تشبهها صنعة، مما يعمل العاجزون أبناء الفناء!
{أم لهم شرك في السماوات؟}..
ولا هذه من باب أولى! فما يجرؤ أحد على أن يزعم لهذه الآلهة المدعاة مشاركة في خلق السماوات. ولا مشاركة في ملكية السماوات. كائنة ما كانت. حتى الذين كانوا يشركون الجن أو الملائكة.. فقصارى ما كانوا يزعمون أن يستعينوا بالشياطين على إبلاغهم خبر السماء. أو يستشفعوا بالملائكة عند الله. ولم يرتق ادعاؤهم يوماً إلى الزعم بأن لهم شركاً في السماء!
{أم آتيناهم كتاباً فهم على بينة منه؟}..
وحتى هذه الدرجة درجة أن يكون الله قد آتى هؤلاء الشركاء كتاباً فهم مستيقنون منه، واثقون بما فيه لم يبلغها أولئك الشركاء المزعومون.. والنص يحتمل أن يكون هذا السؤال الإنكاري موجهاً إلى المشركين أنفسهم لا إلى الشركاء فإن إصرارهم على شركهم قد يوحي بأنهم يستمدون عقيدتهم هذه من كتاب أوتوه من الله فهم على بينة منه وبرهان. وليس هذا صحيحاً ولا يمكن أن يدعوه. وعلى هذا المعنى يكون هناك إيحاء بأن أمر العقيدة إنما يتلقى من كتاب من الله بيّن. وأن هذا هو المصدر الوحيد الوثيق. وليس لهم من هذا شيء يدعونه؛ بينما الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاءهم بكتاب من عند الله بيّن. فما لهم يعرضون عنه، وهو السبيل الوحيد لاستمداد العقيدة؟!
{بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضاً إلا غروراً}..
والظالمون يعد بعضهم بعضاً أن طريقتهم هي المثلى؛ وأنهم هم المنتصرون في النهاية. وإن هم إلا مخدوعون مغرورون، يغر بعضهم بعضاً، ويعيشون في هذا الغرور الذي لا يجدي شيئاً..
والجولة الثالثة بعد نفي أن يكون للشركاء ذكر ولا خبر في السماوات ولا في الأرض تكشف عن يد الله القوية الجبارة تمسك بالسماوات والأرض وتحفظهما وتدبر أمرهما بلا شريك:
{إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده.
إنه كان حليماً غفوراً}..
ونظرة إلى السماوات والأرض؛ وإلى هذه الأجرام التي لا تحصى منتثرة في ذلك الفضاء الذي لا تعلم له حدود. وكلها قائمة في مواضعها، تدور في أفلاكها محافظة على مداراتها، لا تختل، ولا تخرج عنها، ولا تبطئ أو تسرع في دورتها، وكلها لا تقوم على عمد، ولا تشد بأمراس، ولا تستند على شيء من هنا أو من هناك.. نظرة إلى تلك الخلائق الهائلة العجيبة جديرة بأن تفتح البصيرة على اليد الخفية القاهرة القادرة التي تمسك بهذه الخلائق وتحفظها أن تزول.
ولئن زالت السماوات والأرض عن مواضعها، واختلت وتناثرت بدداً، فما أحد بقادر على أن يمسكها بعد ذلك أبداً. وذلك هو الموعد الذي ضربه القرآن كثيراً لنهاية هذا العالم. حين يختل نظام الأفلاك وتضطرب وتتحطم وتتناثر؛ ويذهب كل شيء في هذا الفضاء لا يمسك أحد زمامه.
وهذا هو الموعد المضروب للحساب والجزاء على ما كان في الحياة الدنيا. والانتهاء إلى العالم الآخر، الذي يختلف في طبيعته عن عالم الأرض اختلافاً كاملاً.
ومن ثم يعقب على إمساك السماوات والأرض أن تزولا بقوله:
{إنه كان حليماً غفوراً}..
{حليماً} يمهل الناس، ولا ينهي هذا العالم بهم، ولا يأخذ بنواصيهم إلى الحساب والجزاء إلا في الأجل المعلوم. ويدع لهم الفرصة للتوبة والعمل والاستعداد. {غفوراً} لا يؤاخذ الناس بكل ما اجترموا، بل يتجاوز عن كثير من سيئاتهم ويغفرها متى علم فيهم خيراً. وهو تعقيب موح ينبه الغافلين لاقتناص الفرصة قبل أن تذهب فلا تعود.
والجولة الرابعة مع القوم وما عاهدوا الله عليه، ثم ما انتهوا بعد ذلك إليه من نقض للعهد، وفساد في الأرض. وتحذير لهم من سنة الله التي لا تتخلف، ولا تبديل فيها ولا تحويل:
{وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم. فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفوراً. استكباراً في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين؟ فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً}..
ولقد كان العرب يرون اليهود أهل كتاب يجاورونهم في الجزيرة؛ وكانوا يرون من أمر انحرافهم وسوء سلوكهم ما يرون؛ وكانوا يسمعون من تاريخهم وقتلهم رسلهم، وإعراضهم عن الحق الذي جاءوهم به. وكانوا إذ ذاك ينحون على اليهود؛ ويقسمون بالله حتى ما يدعون مجالاً للتشديد في القسم: {لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم}.. يعنون اليهود. يعرضون بهم بهذا التعبير ولا يصرحون!
ذلك كان حالهم وتلك كانت أيمانهم.
يعرضها كأنما يدعو المستمعين ليشهدوا على ما كان من هؤلاء القوم في جاهليتهم. ثم يعرض ما كان منهم بعد ذلك حينما حقق الله أمنيتهم، وأرسل فيهم نذيراً:
{فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفوراً. استكباراً في الأرض ومكر السيئ!}..
وإنه لقبيح بمن كانوا يقسمون هذه الأيمان المشددة أن يكون هذا مسلكهم: استكباراً في الأرض ومكر السيئ. والقرآن يكشفهم هذا الكشف، ويسجل عليهم هذا المسلك. ثم يضيف إلى هذه المواجهة الأدبية المزرية بهم، تهديد كل من يسلك هذا المسلك الزري:
{ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}..
فما يصيب مكرهم السيئ أحداً إلا أنفسهم؛ وهو يحيط بهم ويحيق ويحبط أعمالهم.
وإذا كان الأمر كذلك فماذا ينتظرون إذن؟ إنهم لا ينتظرون إلا أن يحل بهم ما حل بالمكذبين من قبلهم، وهو معروف لهم. وإلا أن تمضي سنة الله الثابتة في طريقها الذي لا يحيد:
{فلن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً}..
والأمور لا تمضي في الناس جزافاً؛ والحياة لا تجري في الأرض عبثاً؛ فهناك نواميس ثابتة تتحقق، لا تتبدل ولا تتحول. والقرآن يقرر هذه الحقيقة، ويعلمها للناس، كي لا ينظروا الأحداث فرادى، ولا يعيشوا الحياة غافلين عن سننها الأصيلة. محصورين في فترة قصيرة من الزمان، وحيز محدود من المكان. ويرفع تصورهم لارتباطات الحياة، وسنن الوجود، فيوجههم دائماً إلى ثبات السنن واطراد النواميس. ويوجه أنظارهم إلى مصداق هذا فيما وقع للأجيال قبلهم؛ ودلالة ذلك الماضي على ثبات السنن واطراد النواميس.
وهذه الجولة الخامسة نموذج من نماذج هذا التوجيه بعد تقرير الحقيقة الكلية من أن سنة الله لا تتبدل ولا تتحول:
{أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض. إنه كان عليماً قديراً}.
والسير في الأرض بعين مفتوحة وقلب يقظ؛ والوقوف على مصارع الغابرين، وتأمل ما كانوا فيه وما صاروا إليه.. كل أولئك خليق بأن تستقر في القلب ظلال وإيحاءات ومشاعر وتقوى..
ومن ثم هذه التوجيهات المكررة في القرآن للسير في الأرض والوقوف على مصارع الغابرين، وآثار الذاهبين. وإيقاظ القلوب من الغفلة التي تسدر فيها، فلا تقف. وإذا وقفت لا تحس. وإذا أحست لا تعتبر. وينشأ عن هذه الغفلة غفلة أخرى عن سنن الله الثابتة. وقصور عن إدراك الأحداث وربطها بقوانينها الكلية. وهي الميزة التي تميز الإنسان المدرك من الحيوان البهيم، الذي يعيش حياته منفصلة اللحظات والحالات؛ لا رابط لها، ولا قاعدة تحكمها. والجنس البشري كله وحدة أمام وحدة السنن والنواميس.
وأمام هذه الوقفة التي يقفهم إياها على مصارع الغابرين قبلهم وكانوا أشد منهم قوة فلم تعصمهم قوتهم من المصير المحتوم.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال