سورة الصافات / الآية رقم 79 / تفسير تفسير ابن القيم / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ البَاقِينَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي العَالَمِينَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ العَالَمِينَ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الجَحِيمِ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ

الصافاتالصافاتالصافاتالصافاتالصافاتالصافاتالصافاتالصافاتالصافاتالصافاتالصافاتالصافاتالصافاتالصافاتالصافات




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79)}
فمن قال: إن المتروك هو السلام عليهم في الأخرى نفسه، فلا ريب أن قوله: {سَلامٌ عَلى نُوحٍ} جملة في موضع نصب بتركنا. والمعنى: أن العالمين يسلمون على نوح ومن بعده من الأنبياء.
ومن فسره بلسان الصدق والثناء الحسن. نظر إلى لازم السلام وموجبه، وهو الثناء عليهم، وما جعل لهم من لسان الصدق الذي لأجله إذا ذكروا سلم عليهم.
وقد زعمت طائفة، منهم: ابن عطية وغيره. أن من قال: تركنا عليه ثناء لها حسنا ولسان صدق. كان: {سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ} جملة ابتدائية، لا محل من الإعراب. وهو سلام من اللّه سلم به عليه.
قالوا: فهذا السلام من اللّه أمنة لنوح في العالمين أن يذكره أحد بشر. قاله الطبراني.
وقد يقوي هذا القول: أنه سبحانه أخبر أن المتروك عليه هو في الأخرى وأن المسلم عليه في العالمين، وبأن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: أبقى اللّه عليه ثناء حسنا. وهذا القول ضعيف لوجوه:
أحدها: أنه يلزم منه حذف المفعول لتركنا، ولا يبقى في الكلام فائدة على هذا التقدير، فإن المعنى يؤول إلى: أنا تركنا عليه في الآخرين أمرا لا ذكر له في اللفظ. لأن السلام عند هذا القائل منقطع بما قبله، لا تعلق له بالفعل.
الثاني: أنه لو كان المفعول محذوفا كما ذكره لذكروه في موضع واحد، ليدل على المراد منه عند حذفه. ولم يطرد حذفه في جميع من أخبر أنه ترك عليه في الآخرين الثناء الحسن. وهذه طريقة القرآن، بل وكل كلام فصيح: أن يذكر الشيء في موضع ثم يحذفه في موضع آخر، لدلالة فصيح: أن يذكر الشيء في موضع ثم يحذفه في موضع آخر، لدلالة المذكور على المحذوف. وأكثر ما تجده مذكورا وحذفه قليل. وإما أن يحذف حذفا مطردا ولم يذكره في موضع واحد، ولا في اللفظ ما يدل عليه.
فهذا لا يقع في القرآن.
الثالث: أن في قراءة ابن مسعود، وتركنا عليه في الآخرين. سلاما فالنصب وهذا يدل على أن المتروك هو السلام نفسه.
الرابع: أنه لو كان السلام منقطعا مما قبله لأخل ذلك بفصاحة الكلام وجزالته، ولما حسن الوقوف على ما قبله.
وتأمل هذا بحال السامع إذا سمع قوله: {وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} كيف يجد قلبه متشوفا متطلعا إلى تمام الكلام واجتناء الفائدة منه، ولا يجد فائدة الكلام انتهت وتمت، ليظهر عندها، بل يبقى طالبا لتمامها وهو المتروك. فالوقف على الآخرين ليس بوقف تام.
فإن قيل: فيجوز حذف المحذوف من هذا الباب، لأن ترك هنا في معنى أعطى لأنه أعطاه ثناء حسنا أبقاه عليه في الأخرى ويجوز في باب أعطى ذكر المفعولين وحذفهما والاقتصار على أحدهما: وقد وقع ذلك في القرآن. كقوله: {إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ} [108: 1] فذكرهما. وقال: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطى} [92: 5] فحذفهما.
وقال لسوف: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ} [98: 5] فحذف الثاني، واقتصر على الأول. وقال: {وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ} فحذف الأول. واقتصر على الثاني.
قيل: فعل الإعطاء فعل مدح، لفظه دليل على أن المفعول المعطي قد ناله عطاء المعطى والإعطاء إحسان ونفع وبر، فجاز ذكر المفعولين وحذفهما والاقتصار على أحدهما بحسب الغرض المطلوب من الفعل.
فإن كان المقصود إيجاد ماهية الإعطاء المخرجة للعبد من البخل والشح والمنع، المنافي للإحسان ذكر الفعل مجردا. كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى} ولم يذكر ما أعطى، ولا من أعطى. وتقول فلان يعطي ويتصدق ويهب ويحسن، وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: «اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطى لما منعت».
لما كان المقصود بهذا تفرّد الرب سبحانه بالإعطاء والمنع لم يكن لذكر المعطى ولا لحظ المعطى معنى، بل المقصود: أن حقيقة الإعطاء والمنع إليك لا إلى غيرك، بل أنت المتفرد بها، لا يشركك فيها أحد، فذكر المفعولين هنا يخلّ بتمام المعنى وبلاغته.
وإذا كان المقصود ذكرهما ذكرا معا كقوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ} [108: 1] فإن المقصود إخباره لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم بما خصه به وأعطاه إياه من الكوثر. ولا يتم هذا إلا بذكر المفعولين. وكذا قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} [76: 8].
وإذا كان المقصود أحدهما فقط اقتصر عليه. كقوله تعالى: {وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ} المقصود به: أنهم يفعلون هذا الواجب عليهم، ولا يهملونه.
فذكره لأنه هو المقصود.
وقوله ان أهل النار: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [74: 43، 44] لما كان المقصود الإخبار عن المستحق للاطعام أنهم بخلوا عنه. ومنعوه حقه من الإطعام، وقست قلوبهم عنه كان ذكره هو المقصود، دون ذكر المطعوم.
وتدبر هذه الطريقة في القرآن، وذكره للأهم المقصود، وحذفه لغيره، يطلعك على باب من أبواب إعجازه وكمال فصاحته.
وأما فعل الترك: فلا يشعر بشيء من هذا، ولا يمدح به. فلو قلت: فلان يترك لم يكن مفيدا فائدة أصلا، بخلاف قولك: يطعم، ويعطي، ويهب، ونحوه، بل لابد أن تذكر ما يترك. ولهذا لا يقال: فلان يأكل، ويقال: مطعم ومطعم. ومن أسمائه سبحانه المعطى.
فقياس ترك على أعطى من أفسد القياس.
{وسَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ} جملة محكية.
قال الزمخشري: وتركنا عليه في الآخرين من الأمم. هذه الكلمة- وهي {سَلامٌ عَلى نُوحٍ}- يعني يسلمون عليه تسليما. ويدعون له، وهو من الكلام المحكي، كقولك: قرأت: سورة أنزلناها.
الخامس: أنه قال: {سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ} فأخبر سبحانه أن هذا السلام عليه في العالمين، ومعلوم أن هذا السلام فيهم هو سلام العالمين عليه، كلهم يسلم عليه، ويثني عليه، ويدعو له. فذكره بالسلام عليه فيهم.
وأما سلام اللّه سبحانه عليه. فليس مقيدا بهم، ولهذا لا يشرع أن يسأل اللّه تعالى مثل ذلك: فلا يقال: السلام على رسول اللّه في العالمين، ولا: اللهم سلم على رسولك في العالمين، ولو كان هذا هو سلام اللّه لشرع أن يطلب من اللّه على الوجه الذي سلم به.
وأما قولهم: إن اللّه سلم عليه في العالمين. وترك عليه في الآخرين.
فاللّه سبحانه وتعالى أبقى على أنبيائه ورسله سلاما وثناء حسنا فيمن تأخر بعدهم، جزاء على صبرهم وتبليغهم رسالات ربهم، واحتمالهم للأذى من أممهم في اللّه. وأخبر أن هذا المتروك على نوح هو عام في العالمين، وأن هذه التحية ثابتة فيهم جميعا، لا يخلون منها. فأدامها عليه في الملائكة والثقلين طبقا بعد طبق، وعالما بعد عالم مجازاة لنوح عليه السلام بصبره، وقيامه بحق ربه، وبأنه أول رسول أرسله إلى أهل الأرض. وكل المرسلين بعده بعثوا بدينه، كما قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً} [42: 13] الآية.
وقولهم: إن هذا قول ابن عباس، فقد تقدم. أن ابن عباس وغيره إنما أرادوا بذلك أن السلام عليهم من الثناء الحسن ولسان الصدق. فذكروا بمعنى السلام عليه وفائدته. واللّه سبحانه أعلم.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال