سورة الزمر / الآية رقم 22 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ العَذَابِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الخِزْيَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا القُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرْآناً عَرَبِياًّ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ

الزمرالزمرالزمرالزمرالزمرالزمرالزمرالزمرالزمرالزمرالزمرالزمرالزمرالزمرالزمر




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ (20) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (21) أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (23) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (26)}.
التفسير:
قوله تعالى: {أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ}؟.
هو تهديد ووعيد لأولئك الذين استولى الضلال عليهم، فحجب عقولهم عن رؤية النور الذي يشعّ من حولهم، وأصمّوا آذانهم عن داعى الهدى الذي يدعوهم إليه، ليخرجهم مما هم فيه من ضلال.
والخطاب لرسول اللّه- صلوات اللّه وسلامه عليه- وأنه لا يملك أن يردّ قضاء اللّه، في هؤلاء المشركين، الذين حقّت عليهم كلمة العذاب، وأنهم من أصحاب النار، فليدعهم الرسول- صلوات اللّه وسلامه عليه- لمصيرهم هذا، بعد أن أعذر إليهم، وبلّغهم رسالة ربه.
وقوله تعالى: {أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} استفهام يراد به النفي، وهو جواب للشرط قبله.. {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ} أي أفمن حق عليه كلمة العذاب، ينتفع بالهدى الذي بين يديك أيها النبىّ، ويتحول من الشرك إلى الإيمان؟ ذلك محال.. {أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ}؟ إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب.
قوله تعالى: {لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ} هو إشارة إلى أن قضاء اللّه في خلقه، ليس حجة لأهل الضلال على ما هم فيه من ضلال، وأن عليهم أن يعملوا بمعزل عما للّه من مشيئة فيهم، لأنهم لا يدرون ما تلك المشيئة.
فهؤلاء المؤمنون من عباد اللّه، المتقون لحرماته، قد أخذوا بالأسباب التي من شأنها أن تدنيهم من اللّه، وتبلغ بهم منازل رضوانه، دون أن يعلموا مشيئة اللّه فيهم. ولكنهم مع هذا قد أخذوا بالأسباب.. إنهم لم يستسلموا للقدر إلا وهم على طريق العمل.. وهذا هو ما يقضى به العقل.. إن العاقل لا يلقى بنفسه بين مخالب حيوان مفترس، أو يضع يده في فم حيّة.
بل إنه ليفر من وجه هذا الخطر، وإن كان هذا لا يمنع القدر المقدور له!.
إن الجنة لا يدخلها إلا مؤمن.. فمن كان على غير الإيمان، وطلب الجنة فقد غبن نفسه، وأضلّها وغرّر بها.. فليطلب المرء رضوان اللّه من بابه، وهو الإيمان.. ثم يدع ما وراء ذلك، فإن كان ممن أراد اللّه لهم الهدى والرشاد، أذن له بالدخول، ووفّقه للعمل الصالح، وإن كان ممن أراد اللّه له الضلال والشقاء، حجبه عنه، وحلّى بينه وبين ما هو فيه من ضلال!.
إن المرء لا يحاسب على إرادة اللّه فيه، وإنما يحاسب على إرادته هو لنفسه، على ما تجرى عليه أموره في الدنيا.. فهو إن سرق أخذ بجريرة السرقة، وإن قتل أخذ بمن قتل.. وهكذا.. إن العقل يقضى بأن يسأل الإنسان نفسه إزاء كل أمر يعرض له: ماذا أريد، لا ماذا يريد اللّه بي، أولى؟ لأنه يعرف يقينا ما ذا يريد هو، ولا يعرف قطعا ماذا يريد اللّه به، أوله.
وفى وصف الغرف بأنها مبنية- إشارة إلى أنها ثابتة، تطيب فيها الحياة بالسكن والاستقرار. وأنها ليست خياما مضروبة، لا يستقر المقيم فيها إلا ريثما يتحول بها إلى أماكن أخرى.
ونعود مرة، بعد مرة، لنقرر أن هذه الصور التي لنعيم الجنة، مما هو من حياة البادية ومطالب النفس فيها- هذه الصور، هى مما يشتهيه أهل الجنة الذين حرموا منه في دنياهم، وقصرت أيديهم عن تناوله، فهى بالنسبة للمحرومين منها نعيم عظيم، لا يكمل نعيمهم إلا بتحقيقه، وإن كان لا يعدّ شيئا إلى ما في الجنة من ألوان النعيم.
وقوله تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ} منصوب على الإغراء، أي انتظروا وعد اللّه، أو صدّقوا وعد اللّه.
قوله تعالى: {أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ}.
هو عرض لقدرة اللّه، وتذكير بآلائه، ونعمه على عباده.
فهذا الماء، ينزل من السماء بقدرة القادر، ثم يأخذ مسالكه في ظاهر الأرض، وباطنها، فيكون على ظهر الأرض جداول وأنهارا، ويكون في باطنها شرايين، تتجمع، ثم تتفجر منها العيون، ومن ماء الأنهار والعيون، يخرج الزرع مختلف الألوان، والثمار.. وهذا الزرع يأخذ دورة في الحياة كدورة الكائن الحي، ينتقل من طور الطفولة إلى الشباب، فالكهولة، فالشيخوخة، فالموت.
وهيجان النبات: فورانه، وبلوغ أشدّه.. أشبه بفوران الشباب وهيجانه.
وفى العطف بالفاء في قوله تعالى: {فَتَراهُ مُصْفَرًّا}.
إشارة إلى قصر الزمن بين شباب الزرع وشيخوخته.
وفى العطف بثم في قوله تعالى: {ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً} إشارة إلى الزمن بين اصفرار النبات، وجفاف ماء الحياة منه، وهو زمن أطولبالنسبة إلى الزمن بين هيجانه واصفراره.
والحطام: القطع المحطمة من كلّ شيء قابل للكسر.. مثل حطام الآنية، أو قطع الخشب ونحوها، وهذا ما يكون من النبات بعد أن يجفّ وييبس.
وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ}.
إشارة إلى أن هذه المشاهد التي تعرضها الآية الكريمة لقدرة اللّه، لا يراها، ولا يذكر ما فيها من دلالات دالة على تلك القدرة، إلّا أصحاب العقول السليمة، التي لم يغطّ عليها الجهل والضلال.
قوله تعالى: {أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ.. فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ. فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.
جواب الشرط (من) محذوف دل عليه المقام، وتقديره: أيستوى من شرح اللّه صدره للإسلام، فأشرقت نفسه بنور الحق، واستبان له الطريق إلى اللّه، ومن ختم اللّه على قلبه، فلم يقبل ما ساق اللّه إليه من نور، فضلّ سواء السبيل؟ وهذا مثل قوله تعالى: {أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ} [14: محمد].
قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ}.
تهديد ووعيد لهؤلاء المشركين الضالين، الذين إذا ذكرّوا بآيات ربّهم اشمأزّوا ونفروا.
وهذا هو بعض السر في تعدية اسم الفاعل قاسية بحرف الجرّ {من} وذلك لتضمنه معنى نافرة، أي فويل للنافرة قلوبهم من ذكر اللّه.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}:
(45: الزمر).
قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ}.
هو إلفات إلى نعمة جليلة من نعم اللّه، إلى جانب ما ينزل سبحانه من نعم.. فهو سبحانه الذي أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، وأخرج منها حبّا ونباتا، تغتذى منه الأجسام، وإنه يغير هذا الماء، وبما يخرج من الأرض من ثمرات، لا يكون للإنسان ولا لكائن حىّ حياة.
ثم هو سبحانه بعد أن كفل للإنسان حياته، وللجسم حاجته- أنزل له من السماء ما يحيا به الجانب الروحىّ منه.. فالإنسان ليس جسدا وحسب، مثل سائر الأحياء، وإنما هو جسد وروح، وهو بهذا الجسد وحده حيوان، ولا تتحقق إنسانيته إلا بالجسد والروح معا.
وقوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ}.
هو بيان للغذاء الروحي الذي أنزله اللّه، وهو القرآن الكريم.. إنه حديث اللّه إلى عباده، وكلماته إليهم.. فأى حديث أحسن من حديث اللّه؟ وأي كلام أكرم وأطيب من كلامه؟.
وقوله تعالى: {كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ}.
هو بدل من قوله تعالى: {أَحْسَنَ الْحَدِيثِ}.
وهو وصف لأحسن الحديث، وبيان له.. فأحسن الحديث، هو هذا الكتاب، أي القرآن الكريم، وهو كتاب متشابه في جلال قدره، وعلوّ منزلته، وسموّ معانيه.. إنه الحق في آياته وكلماته.. فهو على درجة واحدة في كماله وجلاله، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}: (82: النساء).
والمثاني: جمع مثنى، وذلك بما فيه من بيان للأمور وأضداد.
كالإيمان والكفر، والحق والباطل، والهدى والضلال، والخير والشر، والحسنات والسيئات، والجنة والنار.. والقرآن الكريم في الحالين، هو على مستواه العالي من الكمال والجلال.. فالحديث عن الكفر مثلا، معجز إعجاز الحديث عن الإيمان، لأن هذا وذك من كلام اللّه.
وقوله تعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}.
الاقشعرار، والقشعريرة، حال تعترى الجسد من أثر رهبة أو خوف، فيموج الجلد بموجات أشبه بمسّة الكهرباء.
واقشعرار جلود الذين يخشون ربّهم من هذا الحديث المنزل من عند اللّه، هو لما يقع في قلوبهم من رهبة وجلال لما يسمعون من كلام اللّه، الذي يقول اللّه سبحانه وتعالى فيه: {لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [21: الحشر]. فإذا نزل هذا القرآن على القلوب المؤمنة اهتزت لجلاله، وزلزلت أقطارها لرهبته.. أما غير المؤمنين، الذين لا يعرفون اللّه ولا يقدرونه قدره، فلا تلمس قلوبهم نفحة من آيات اللّه، ولا تصوبها قطرة من سماء كلماته.
وقوله تعالى: {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ} إشارة إلى حال أخرى من أحوال المؤمنين الذين يخشون ربّهم في لقائهم مع آيات اللّه.
إنهم في أول لقائهم مع آيات اللّه، وفى مفتتح كلّ اسّماع إليها، تغشاهم حال من الخوف والرهبة، فتقشعرّ لذلك جلودهم.. ثم إذا هم أطالوا النظر في آيات اللّه، وامتدّ جلوسهم في حضرتها، أخذ هذا الخوف وتلك الراهبة يزايلانهم شيئا، شيئا، حيث تعلوهم السكينة وتظللهم الطمأنينة ويغشاهم الأنس، فتسكن قلوبهم الواجفة، وتهدأ أوصالهم الراجفة، وإذا جلودهم التي علتها أمواج القشعريرة، وشدّتها رعدة الخوف، قد استرخت ولانت! وفى تعدية الفعل {تلين} بحرف الجرّ إلى- إشارة إلى تضمين الفعل معنى الميل، بمعنى أن قلوبهم تميل وتهفوا إلى مواصلة الحياة مع كتاب اللّه.
وقوله تعالى: {ذلِكَ هُدَى اللَّهِ} الإشارة إلى القرآن الكريم، وأنه هدى اللّه، الذي أنزله على رسوله، ليكون هدى للعالمين.
وقوله تعالى: {يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ}.
أي أن هذا الهدى لا يهتدى به إلّا من وفّقه اللّه، وشرح صدره للإيمان.
وقوله تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ}.
أي أمّا من أضلّه اللّه وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة- فلن يهتدى أبدا، ولن تجدى معه الحجج التي تساق إليه.. {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً} [17: الكهف] قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ.. وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ}.
أي أفمن يلقى في جهنم فيتقيها بوجهه، كمن عافاه اللّه من هذا البلاء، وقيل له ادخل؟ الجنة كلّا.. {لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ.. أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ} [20: الحشر].
وقوله تعالى: {وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} معطوف على محذوف، هو بيان لحال المؤمنين الذين اتقوا سوء العذاب بإيمانهم، فقيل لهم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون، {وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ}.
وفى اتقاء العذاب ودفعه بالوجه، إشارة إلى شدّة هذا العذاب، حتى أن الوجه الذي تقوم جوارح الإنسان على حراسته ودفع الأذى عنه، يصبح هو لذبّة التي يذبّ بها هذا العذاب.
قوله تعالى: {كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ}.
هو مواجهة للمشركين بما ينتظرهم من عذاب مباغت، يطلع عليهم من حيث لا يشعرون، كما وقع ذلك للذين كذبوا رسل اللّه من قبلهم.. فتلك هى عاقبة المكذبين، ولن يفلت هؤلاء المشركون من هذه العاقبة.
قوله تعالى: {فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ}.
هو بيان للعذاب الذي حلّ بالمكذبين.. إنه عذاب في الدنيا، بما أصابهم في أنفسهم وأهليهم وأموالهم، وعذاب في الآخرة، حيث تكون النار مأواهم.. وهذا العذاب الأخروى أكبر من كل عذاب يراه الناس في هذه الدنيا.. ولكن المكذبين في غفلة من هذا، فهم لا يعلمون سوء هذا المصير الذي ينتظرهم.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال