سورة غافر / الآية رقم 1 / تفسير تفسير الرازي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَتَرَى المَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حم تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ العَلِيمِ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ العِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ المَصِيرُ مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي البِلادِ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ

الزمرالزمرغافرغافرغافرغافرغافرغافرغافرغافرغافرغافرغافرغافرغافر




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)}
اعلم أن في الآية مسائل:
المسألة الأولى: قرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي حم بكسر الحاء، والباقون بفتح الحاء، ونافع في بعض الروايات، وابن عامر بين الفتح والكسر وهو أن لا يفتحها فتحاً شديداً، قال صاحب الكشاف: قرئ بفتح الميم وتسكينها، ووجه الفتح التحريك لالتقاء الساكنين وإيثار أخف الحركات نحو: أين وكيف، أو النصب بإضمار إقرأ، ومنع الصرف إما للتأنيث والتعريف، من حيث إنها اسم للسورة وللتعريف، وإنها على زنة أعجمي نحو قابيل وهابيل، وأما السكون فلأنا بينا أن الأسماء المجردة تذكر موقوفة الأواخر.
المسألة الثانية: الكلام المستقصى في هذه الفواتح مذكور في أول سورة البقرة، والأقرب هاهنا أن يقال حم اسم للسورة، فقوله: {حم} مبتدأ، وقوله: {تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله} خبر والتقدير أن هذه السورة المسماة بحم تنزيل الكتاب، فقوله: {تَنزِيلَ} مصدر، لكن المراد منه المنزل.
وأما قوله: {مِنَ الله} فاعلم أنه لما ذكر أن {حم * تَنزِيلُ الكتاب} وجب بيان أن المنزل من هو؟ فقال: {مِنَ الله} ثم بيّن أن الله تعالى موصوف بصفات الجلال وسمات العظمة ليصير ذلك حاملاً على التشمير عن ساق الجد عند الاستماع وزجره عن التهاون والتواني فيه، فبين أن المنزل هو {الله العزيز العليم}.
واعلم أن الناس اختلفوا في أن العلم بالله ما هو؟ فقال جمع عظيم، أنه العلم بكونه قادراً وبعده العالم بكونه عالماً، إذا عرفت هذا فنقول: {العزيز} له تفسيران:
أحدهما: الغالب فيكون معناه القادر الذي لا يساويه أحد في القدرة.
والثاني: الذي لا مثل له، ولا يجوز أن يكون المراد بالعزيز هنا القادر، لأن قوله تعالى: {الله} يدل على كونه قادراً، فوجب حمل {العزيز} على المعنى الثاني وهو الذي لا يوجد له مثل، وما كان كذلك وجب أن لا يكون جسماً، والذي لا يكون جسماً يكون منزّهاً عن الشهوة والنفرة، والذي يكون كذلك يكون منزّهاً عن الحاجة.
وأما {العليم} فهو مبالغة في العلم، والمبالغة التامة إنما تتحقق عند كونه تعالى عالماً بكل المعلومات، فقوله: {مِنَ الله العزيز العليم} يرجع معناه إلى أن هذا الكتاب تنزيل من القادر المطلق، الغني المطلق، العالم المطلق، ومن كان كذلك كان عالماً بوجوه المصالح والمفاسد، وكان عالماً بكونه غنياً عن جر المصالح ودفع المفاسد، ومن كان كذلك كان رحيماً جواداً، وكانت أفعاله حكمة وصواباً منزّهة عن القبيح والباطل، فكأنه سبحانه إنما ذكر عقيب قوله: {تَنزِيلَ} هذه الأسماء الثلاثة لكونها دالة على أن أفعاله سبحانه حكمة وصواب، ومتى كان الأمر كذلك لزم أن يكون هذا التنزيل حقاً وصواباً، وقيل الفائدة في ذكر {العزيز العليم} أمران أحدهما: أنه بقدرته وعلمه أنزل القرآن على هذا الحد الذي يتضمن المصالح والإعجاز، ولولا كونه عزيزاً عليماً لما صح ذلك والثاني: أنه تكفل بحفظه وبعموم التكليف فيه وظهوره إلى حين انقطاع التكليف، وذلك لا يتم إلا بكونه عزيزاً لا يغلب وبكونه عليماً لا يخفى عليه شيء، ثم وصف نفسه بما يجمع الوعد والوعيد والترهيب والترغيب، فقال: {غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب شَدِيدِ العقاب ذِى الطول لاَ إله إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ المصير} فهذه ستة أنواع من الصفات:
الصفة الأولى: قوله: {غَافِرِ الذنب} قال الجبائي: معناه أنه غافر الذنب إذا استحق غفرانه إما بتوبة أو طاعة أعظم منه، ومراده منه أن فاعل المعصية إما أن يقال إنه كان قد أتى قبل ذلك بطاعة كان ثوابها أعظم من عقاب هذه المعصية أو ما كان الأمر كذلك فإن كان الأول كانت هذه المعصية صغيرة فيحبط عقابها، وإن كان الثاني كانت هذه المعصية كبيرة فلا يزول عقابها إلا بالتوبة، ومذهب أصحابنا أن الله تعالى قد يعفو عن الكبيرة بعد التوبة، وهذه الآية تدل على ذكل وبيانه من وجوه:
الأول: أن غفران الكبيرة بعد التوبة وغفران الصغيرة من الأمور الواجبة على العبد، وجميع الأنبياء والأولياء والصالحين من أوساط الناس مشتركون في فعل الواجبات، فلو حملنا كونه تعالى غافر الذنب على هذا المعنى لم يبق بينه وبين أقل الناس من زمرة المطيعين فرق في المعنى الموجب لهذا المدح وذلك باطل، فثبت أنه يجب أن يكون المراد منه كونه غافر الكبائر قبل التوبة وهو المطلوب الثاني: أن الغفران عبارة عن الستر ومعنى الستر إنما يعقل في الشيء الذي يكون باقياً موجوداً فيستر، والصغيرة تحبط بسبب كثرة ثواب فاعلها، فمعنى الغفر فيها غير معقول، ولا يمكن حمل قوله: {غَافِرِ الذنب} على الكبيرة بعد التوبة، لأن معنى كونه قابلاً للتوب ليس إلا ذلك، فلو كان المراد غافر الذنب هذا المعنى لزم التكرار وإنه باطل فثبت أن كونه غافر الذنب يفيد كونه غافراً للذنوب الكبائر قبل التوبة الثالث: أن قوله: {غَافِرِ الذنب} مذكور في معرض المدح العظيم، فوجب حمله على ما يفيد أعظم أنواع المدح، وذلك هو كونه غافراً للكبائر قبل التوبة، وهو المطلوب.
الصفة الثانية: {وَقَابِلِ التوب} وفيه بحثان:
الأول: في لفظ التوب قولان: الأول: أنه مصدر وهو قول أبي عبيدة، والثاني: أنه جماعة التوبة وهو قول الأخفش، قال المبرد يجوز أن يكون مصدراً يقال تاب يتوب توباً وتوبة مثل قال يقول قولاً وقولة، ويجوز أن يكون جمعاً لتوبة فيكون توبة وتوب مثل ثمرة وثمر إلا أن المصدر أقرب لأن على هذا التقدير يكون تأويله أنه يقبل هذا الفعل.
الثاني: مذهب أصحابنا أن قبول التوبة من المذنب يقع على سبيل التفضل، وليس بواجب على الله، وقالت المعتزلة إنه واجب على الله واحتج أصحابنا بأنه تعالى ذكر كونه قابلاً للتوب على سبيل المدح والثناء، ولو كان ذلك من الواجبات لم يبق فيه من معنى المدح إلا القليل، وهو القدر الذي يحصل لجميع الصالحين عند أداء الواجبات والاحتراز عن المحظورات.
الصفة الثالثة: قوله: {شَدِيدُ العقاب} وفيه مباحث:
البحث الأول: في هذه الآية سؤال وهو أن قوله: {شَدِيدُ العقاب} يصلح أن يكون نعتاً للنكرة ولا يصلح أن يكون نعتاً للمعرفة تقول مررت برجل شديد البطش، ولا تقول مررت بعبد الله شديد البطش، وقوله الله اسم علم فيكون معرفة فكيف يجوز وصفه بكونه شديد العقاب مع أنه لا يصلح إلا أن يجعل وصفاً للنكرة؟ قالوا وهذا بخلاف قولنا غافر الذنب وقابل التوب لأنه ليس المراد منهما حدوث هذين الفعلين وأنه يغفر الذنب ويقبل التوبة الآن أو غداً، وإنما أريد ثبوت ذلك ودوامه، فكان حكمهما حكم إله الخلق ورب العرش، وأما {شَدِيدُ العقاب} فمشكل لأنه في تقدير شديد عقابه فيكون نكرة فلا يصح جعله صفة للمعرفة، وهذا تقرير السؤال وأجيب عنه بوجوه:
الأول: أن هذه الصفة وإن كانت نكرة إلا أنها لما ذكرت مع سائر الصفات التي هي معارف حسن ذكرها كما في قوله: {وَهُوَ الغفور الودود * ذُو العرش المجيد * فَعَّالٌ لّمَا يُرِيدُ} [البروج: 14 16] والثاني: قال الزجاج إن خفض {شَدِيدُ العقاب} على البدل، لأن جعل النكرة بدلاً من المعرفة وبالعكس أمر جائز، واعترضوا عليه بأن جعله وحده بدلاً من الصفات فيه نبوّة ظاهرة الثالث: أنه لا نزاع في أن قوله: {غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب} يحسن جعلهما صفة، وإنما كان كذلك لأنهما مفيدان معنى الدوام والاستمرار، فكذلك قوله: {شَدِيدُ العقاب} يفيد معنى الدوام والاستمرار، لأن صفات الله تعالى منزّهة عن الحدوث والتجدد، فكونه {شَدِيدُ العقاب} معناه كونه بحيث يشتد عقابه، وهذا المعنى حاصل أبداً، وغير موصوف بأنه حصل بعد أن لم يكن كذلك، فهذا ما قيل في هذا الباب.
البحث الثاني: هذه الآية مشعرة بترجيح جانب الرحمة والفضل، لأنه تعالى لما أراد أن يصف نفسه بأنه شديد العقاب ذكر قبله أمرين كل واحد منهما يقتضي زوال العقاب، وهو كونه غافر الذنب وقابل التوب وذكر بعده ما يدل على حصول الرحمة العظيمة، وهو قوله: {ذِى الطول}، فكونه شديد العقاب لما كان مسبوقاً بتينك الصفتين وملحوقاً بهذه الصفة، دل ذلك على أن جانب الرحمة والكرم أرجح.
البحث الثالث: لقائل أن يقول ذكر الواو في قوله: {غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب} ولم يذكرها في قوله: {شَدِيدُ العقاب} فما الفرق؟ قلنا إنه لو لم يذكر الواو في قوله: {غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب} لاحتمل أن يقع في خاطر إنسان أنه لا معنى لكونه غافر الذنب إلا كونه قابل التوب، أما لما ذكر الواو زال هذا الاحتمال، لأن عطف الشيء على نفسه محال، أما كونه شديد العقاب فمعلوم أنه مغاير لكونه {غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب} فاستغنى به عن ذكر الواو.
الصفة الرابعة: {ذي الطول} أي ذي التفضل يقال طال علينا طولاً أي تفضل علينا تفضلاً، ومن كلامهم طل علي بفضلك، ومنه قوله تعالى: {أُوْلُواْ الطول مِنْهُمْ} [الزمر: 86] ومضى تفسيره عند قوله: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً} [النساء: 25] واعلم أنه لم يصف نفسه بكونه {شَدِيدُ العقاب} لابد وأن يكون المراد بكونه تعالى آتياً بالعقاب الشديد الذي لا يقبح منه إتيانه به، بل لا يجوز وصفه تعالى بكونه آتياً لفعل القبيح، وإذا ثبت هذا فنقول: ذكر بعده كونه ذا الطول وهو كونه ذا الفضل، فيجب أن يكون معناه كونه ذا الفضل بسبب أن يترك العقاب الذي له أن يفعله لأنه ذكر كونه ذا الطول ولم يبين أنه ذو الطول فيماذا فوجب صرفه إلى كونه ذا الطول في الأمر الذي سبق ذكره، وهو فعل العقاب الحسن دفعاً للإجمال، وهذا يدل على أنه تعالى قد يترك العقاب الذي حسن منه تعالى فعله، وذلك يدل على أن العفو عن أصحاب الكبائر جائز وهو المطلوب.
الصفة الخامسة: التوحيد المطلق وهو قوله: {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} والمعنى أنه وصف نفسه بصفات الرحمة والفضل، فلو كان معه إله آخر يشاركه ويساويه في صفة الرحمة والفضل لما كانت الحاجة إلى عبوديته شديدة، أما إذا كان واحداً وليس له شريك ولا شبيه كانت الحاجة إلى الإقرار بعبوديته شديدة، فكان الترغيب والترهيب الكاملان يحصلان بسبب هذا التوحيد.
الصفة السادسة: قوله: {إِلَيْهِ المصير} وهذه الصفة أيضاً مما يقوي الرغبة في الإقرار بعبوديته، لأنه بتقدير أن يكون موصوفاً بصفات الفضل والكرم وكان واحداً لا شريك له، إلا أن القول بالحشر والنشر إن كان باطلاً لم يكن الخوف الشديد حاصلاً من عصيانه، أما لما كان القول بالحشر والقيامة حاصلاً كان الخوف أشد والحذر أكمل، فلهذا السبب ذكر الله تعالى هذه الصفات، واحتج أهل التشبيه بلفظة إلى، وقالوا إنها تفيد انتهاء الغاية، والجواب عنه مذكور في مواضع كثيرة من هذا الكتاب.
واعلم أنه تعالى لما قرر أن القرآن كتاب أنزله ليهتدى به في الدين ذكر أحوال من يجادل لغرض إبطاله وإخفاء أمره فقال: {مَا يجادل فِي ءايات الله إِلاَّ الذين كَفَرُواْ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى: أن الجدال نوعان جدال في تقرير الحق وجدال في تقرير الباطل، أما الجدال في تقرير الحق فهو حرفة الأنبياء عليهم السلام قال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: {وجادلهم بالتى هِىَ أَحْسَنُ} [النمل: 125] وقال حكاية عن الكفار أنهم قالوا لنوح عليه السلام {يانوح قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} [هود: 32] وأما الجدال في تقرير الباطل فهو مذموم وهو المراد بهذه الآية حيث قال: {مَا يجادل فِي ءايات الله إِلاَّ الذين كَفَرُواْ} وقال: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] وقال: {وجادلوا بالباطل لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق} وقال صلى الله عليه وسلم: «إن جدالاً في القرآن كفر» فقوله إن جدالاً على لفظ التنكير يدل على التمييز بين جدال لأجل تقريره والذب عنه، قال صلى الله عليه وسلم: «إن جدالاً في القرآن كفر» وقال: «لا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر».
المسألة الثانية: الجدال في آيات الله هو أن يقال مرة إنه سحر ومرة إنه شعر ومرة إنه قول الكهنة ومرة أساطير الأولين ومرة إنما يعلمه بشر، وأشباه هذا مما كانوا يقولونه من الشبهات الباطلة فذكر تعالى أنه لا يفعل هذا إلا الذين كفروا وأعرضوا عن الحق.
ثم قال تعالى: {فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي البلاد} أي لا ينبغي أن تغتر بأني أمهلهم وأتركهم سالمين في أبدانهم وأموالهم يتقلبون في البلاد أي يتصرفون للتجارات وطلب المعاش، فإني وإن أمهلتهم فإني سآخذهم وأنتقم منهم كما فعلت بأشكالهم من الأمم الماضية، وكانت قريش كذلك يتقلبون في بلاد الشام واليمن ولهم الأموال الكثيرة يتجرون فيها ويربحون، ثم كشف عن هذا المعنى فقال: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ والأحزاب مِن بَعْدِهِمْ} فذكر من أولئك المكذبين قوم نوح والأحزاب من بعدهم أي الأمم المستمرة على الكفر كقوم عاد وثمود وغيرهم، كما قال في سورة ص [12، 13] {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأوتاد * وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وأصحاب الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الأحزاب} وقوله: {وَهَمَّتْ كُلُّ أمَة بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} أي وعزمت كل أمة من هؤلاء الأحزاب أن يأخذوا رسولهم ليقتلوه ويعذبوه ويحبسوه {وجادلوا بالباطل} أي هؤلاء جادلوا رسلهم بالباطل أي بإيراد الشبهات {لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق} أي أن يزيلوا بسبب إيراد تلك الشبهات الحق والصدق {فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} أي فأنزلت بهم من الهلاك ما هموا بإنزاله بالرسل، وأرادوا أن يأخذوهم فأخذتهم أنا، فكيف كان عقابي إياهم، أليس كان مهلكاً مستأصلاً مهيباً في الذكر والسماع، فأنا أفعل بقومك كما فعلت بهؤلاء إن أصروا على الكفر والجدال في آيات الله، ثم كشف عن هذا المعنى فقال: {وكذلك حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ عَلَى الذين كَفَرُواْ أَنَّهُمْ أصحاب النار} أي ومثل الذي حق على أولئك الأمم السالفة من العقاب حقت كلمتي أيضاً على هؤلاء الذين كفروا من قومك فهم على شرف نزول العقاب بهم قال صاحب الكشاف {أَنَّهُمْ أصحاب النار} في محل الرفع بدل من قوله: {كلمة ربك} أي مثل ذلك الوجوب وجب على الكفرة كونهم من أصحاب النار، ومعناه كما وجب إهلاكهم في الدنيا بالعذاب المستأصل، كذلك وجب إهلاكهم بعذاب النار في الآخرة، أو في محل النصب بحذف لام التعليل وإيصال الفعل، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن قضاء الله بالسعادة والشاقوة لازم لا يمكن تغييره، فقالوا إنه تعالى أخبر أنه حقت كلمة العذاب عليهم وذلك يدل على أنهم لا قدرة لهم على الإيمان، لأنهم لو تمكنوا منه لتمكنوا من إبطال هذه الكلمة الحقة، ولتمكنوا من إبطال علم الله وحكمته، ضرورة أن المتمكن من الشيء يجب كونه متمكناً من كل ما هو من لوازمه، ولأنهم لو آمنوا لوجب عليهم أن يؤمنوا بهذه الآية فحينئذ كانوا قد آمنوا بأنهم لا يؤمنون أبداً، وذلك تكليف ما لا يطاق، وقرأ نافع وابن عامر {حَقَّتْ كلمات رَبَّكَ} على الجمع والباقون على الواحد.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال