سورة الزخرف / الآية رقم 9 / تفسير تفسير البقاعي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشـاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حـم وَالْكِتَابِ المُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياًّ لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العَزِيزُ العَلِيمُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ

الشورىالشورىالشورىالشورىالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرف




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


ولما كان الاستهزاء برسول الملك استهزاء به، وكانت المماليك إنما تقام بالسياسة بالرغبة والرهبة وإيقاع الهيبة حتى يتم الجلال وتثبت العظمة، فكان لذلك لا يجوز في عقل عاقل أن يقر ملك على الاستهزاء به، سبب عن الاستهزاء بالرسل الهلاك فقال: {فأهلكنا} وكان الأصل الإضمار، ولكنه أظهر الضمير بياناً لما كان في الأولين من الضخامة صارفاً أسلوب الخطاب إلى الغيبة إقبالاً على نبيه صلى الله عليه وسلم تسلية له وإبلاغاً في وعيدهم فقال: {أشد منهم} أي من قريش الذي يستهزئون بك {بطشاً} من جهة العد والعدد والقوة والجلد فما ظنهم بأنفسهم وهم أضعف منهم إن تمادوا في الاستهزاء برسول الله الأعلى.
ولما ذكر إهلاك أولئك ذكر أن حالهم عن الإهلاك كان أضعف حال ليعتبر هؤلاء فقال: {ومضى مثل الأولين} أي وقع إهلاكهم الذي كان مثلاً يتمثل به من بعدهم، وذكر أيضاً في القرآن الخبر عنه بما حقه أن يشير مشير المثل بل ذكر أن من عبده الأولون واعتمدوا علهي مثل بيت العنكبوت فكيف بالأولين أنفسهم فكيف بهؤلاء، فإن الحال أدى إلى أنهم أضعف من الأضعف من بيت العنكبوت فلينتظروا أن يحل بهم مثل ما حل بأولئك، بأيدي جند الله من البشر أو الملائكة.
ولما كان التقدير: فلئن سألتهم عمن سمعوا بخبره ممن ذكرناهم من الأولين ليعترفن بما سمعوا من خبرهم لأنا لم نجعل لهم على المباهتة فيه جرأة لما طبعناهم عليه في أغلب أحوالهم من الصدق، عطف عليه قولهم مبيناً لجهلهم بوقوعهم في التناقض مؤكداً له لما في اعترافهم به من العجب المنافي لحالهم: {ولئن سألتهم} أيضاً عما هو أكبر من ذلك وأدل على القدرة، وجميع صفات الكمال فقلت لهم: {من خلق السماوات} على علوها وسعتها {والأرض} على كثرة عجائبها وعظمتها {ليقولن} أي من غير توقف.
ولما كان السؤال عن المبتدأ، كان الجواب المطابق ذكر الخبر، فكان الجواب هنا: الله- كما في غيره من الآيات، لكنه عدل عنه إلى المطابقة المعنوية لافتاً القول عن مظهر العظمة إلى ما يفيد من الأوصاف القدرة على كل شيء، وأنه تعالى يغلب كل شيء، ولا يغلبه شيء مكرراً للفعل تأكيداً لاعترافهم زيادة في توبيخهم وتنبيهاً على عظيم غلطهم، فقال معبراً بما هو لازم لاعترافهم له سبحانه بالتفرد بالإيجاد لأنه أنسب الأشياء لمقصود السورة وللإبانة التي هي مطلعها. {خلقهن} الذي هو موصوف بأنه {العزيز العليم} أي الذي يلزم المعترف بإسناد هذا الخلق إليه أن يعترف بأنه يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء وأن علمه محيط بكل شيء، فيقدر على إيجاده على وجه من البداعة ثم على أكمل منه ثم أبهج منه وهلم جرا إلى ما لا نهاية له- هذا هو الأليق بكمال ذاته وجليل صفاته، ونعوذ بالله من عمى المعتزلة والفلاسفة أصحاب الأذهان الجامدة والعقول الكاسدة والعرب لجهلهم يعبدون مع اعترافهم بهذا غيره، وذلك الغير لا قدرة له على شيء أصلاً، ولا علم له بشيء أصلاً، فقد كسر هذا السؤال بجوابه حجتهم، وبان به غلطهم وفضيحتهم، حتى بان لأولي الألباب أنهم معاندون.
ولما كان جوابهم بغير هاتين الصفتين ودل بذكرهما على أنهما لا زمان لاعترافهم تنبيهاً لهم على موضع الحجة، أتبعهما من كلامه دلالة على ذلك قوله التفاتاً إلى الخطاب لأنه أمكن في التقريع والتوبيخ والتشنيع وتذكيراً لهم بالإحسان الموجب للإذعان وتفصيلاً للقدرة: {الذي جعل لكم} فإنه لو كان ذلك قولهم لقالوا لنا {الأرض مهداً} أي فراشاً، قارة ثابتة وطية، ولو شاء لجعلها مزلزلة لا يثبت فيها شيء كما ترون من بعض الجبال، أو جعلها مائدة لا تثبت لكونها على تيار الماء، ولما جعل الأرض قراراً لأشباحكم جعل الأشباح قراراً لأرواحكم وطوقها حمل قرارها وقوة التصرف به في حضورها وأسفارها ليدلكم ذلك على تصرفه سبحانه في الكون وتصريفه له حيث أراد، وأنه الظاهر الذي لا أظهر منه والباطن الذي لا أبطن منه، قال القشيري: فإذا انتهى مدة كون النفوس على الأرض حكم الله بخرابها، كذلك إذا فارقت الأرواح الأشباح بالكلية قضى الله بخرابها، وأعاد الفعل تنبيهاً على تمكنه تعالى من إقامة الأسباب لتيسير الأمور الصعاب إعلاماً بأنه لا يعجزه شيء: {وجعل لكم فيها سبلاً} أي طرقاً تسلكونها بين الجبال والأودية، ولو شاء لجعلها بحيث لا يسلك في مكان منها كما جعل بعض الجبال كذلك، ثم ذكر العلة الغائبة في ذلك فقال: {لعلكم تهتدون} أي ليكون خلقنا لها كذلك جاعلاً حالكم حال من يرجى له الهداية إلى مقاصد الدنيا في الأسفار وغيرها ظاهراً فتتوصلون بها إلى الأقطار الشاسعة والأقاليم الواسعة للأمور الرافقة النافعة، فإنها إذا تكرر سلوكها صار لها من الآثار الناشئة من كثرة التكرار ما يهدي كل مار وإلى المقاصد الأخرى وحكمتها باطناً إذا تأمل الفطن حكمة مسخرها وواضعها وميسرها.
ولما كان إنزال الماء من العلو في غاية العجب لا سيما إذا كان في وقت دون وقت، وكان إنبات النبات به أعجب، وكان دالاً على البعث ولا بد، وكان مقصود السورة أنه لا بد من ردهم عن عنادهم بأعظم الكفران إلى الإيمان، والخضوع له بغاية الإذعان، قال دالاً على كمال القدرة على ذلك وغيره بالتنبيه على كمال الوصف بالعطف وبإعادة الموصول الدال على الفاعل المذكر بعظمته للتنبيه على أن الإعادة التي هذا دليلها هي سر الوجود، فهي أشرف مما أريد من الآية الماضية بمهد الأرض وسلك السبل: {والذي نزل} أي بحسب التدريج، ولولا قدرته الباهرة لكان دفعة واحدة أو قريباً منها {من السماء} أي المحل العالي {ماء} عذباً لزروعكم وثماركم وشربكم بأنفسكم وأنعامكم {بقدر} وهو بحيث ينفع الناس ولا يضر بأن يكون على مقدار حاجاتهم، ودل على عظمة الإنبات بلفت القول إلى مظهر العظمة تنبيهاً على أنه الدليل الظاهر على ما وصل به من نشر الأموات فقال مسبباً عن ذلك: {فأنشرنا} أي أحيينا، والمادة تدور على الحركة والامتداد والانبساط {به} أي الماء {بلدة} أي مكاناً يجتمع الناس فيه للإقامة معتنون بإحيائه متعاونون على دوام إبقائه {ميتاً} أي كان قد يبس نباته وعجز أهله عن إيصال الماء إليه ليحيى به، ولعله أنث البلد وذكر الميت إشارة إلى أن بلوغها في الضعف والموت بلغ الغاية بضعف أرضه في نفسها وضعف أهله عن إحيائه وقحط الزمان واضمحلال ما كان به من النبات.
ولما كان لا فرق بين جمع الماء للنبات من أعماق الأرض بعد أن كان تراباً من جملة ترابها وإخراجه كما كان رابياً يهتز بالحياة على هيئته وألوانه وما كان من تفاريعه أغصانه بأمر الله وبين جميع الله تعالى لما تفتت من أجساد الآدميين وإخراجه كما كان بروحه وجميع جواهره وأعراضه إلا أن الله قادر بكل اعتبار وفي كل وقت بلا شرط أصلاً، والماء لا قدرة له إلا بتقدير الله تعالى، كان فخراً عظيماً لأن تنتهز الفرصة لتقدير ما هم له منكرون وبه يكفرون من أمر البعث، فقال تعالى إيقاظاً لهم من رقدتهم بعثاً من موت سكرتهم: {كذلك} أي مثل هذا الإخراج العظيم لما تشاهدونه من النبات {تخرجون} من الموت الحسي والمعنوي بأيسر أمر من أمره تعالى وأسهل شأن فتخرجون في زمرة الأموات من الأرض ثانياً {فإذا أنتم بشر تنتشرون} [الروم: 20] وتخرجون من ظلمة الجهل إلى نور الإيمان فإذا أنتم حكماء عالمون.
ولما انتهزت هذه الفرصة، وسوغ ذكرها ما أثره سوء اعتقادهم من عظيم الغصة، شرع في إكمال ما يقتضيه الحال من الأوصاف، فقال عائداً إلى أسلوب العزة والعلم للإيماء إلى الحث على تأمل الدليل على بعث الأموات بانتشار الموات معيداً للعاطف تنبيهاً على كمال ذلك الوصف الموجب لتحقيق مقصود السورة من القدرة على ردهم بعد صدهم: {والذي خلق الأزواج} أي الأصناف المتشاكلة التي لا يكمل شيء منها غاية الكمال إلا بالآخر على ما دبره سبحانه في نظم هذا الوجود {كلها} من النبات والحيوان، وغير ذلك من سائر الأكوان، لم يشاركه في شيء منها أحد.
ولما ذكر الأزواج، وكان المتبادر إلى الذهن إطلاقها على ما هو من نوع واحد، دل على أن المراد ما هو أعم، فقال ذاكراً ما تشاكل في الحمل وتباين في الجسم: {وجعل لكم} لا لغيركم فاشكروه {من الفلك} أي السفن العظام في البحر {والأنعام} في البر {ما تركبون} وحذف العائد لفهم المعنى تغليباً للمتعدي بنفسه في الأنعام على المتعدي بواسطة في الفلك.
ولما ذكر النعمة الناشئة عن مطلق الإيجاد، ذكر بنعمة الراحة فيه فقال معللاً: {لتستووا} أي تكونوا مع الاعتدال والاستقرار والتمكن والراحة {على ظهوره} أي ظهور كل من ذلك المجعول، فالضمير عائد على ما جمع الظهر نظراً للمعنى تكثيراً للنعمة، وأفرد الضمير رداً على اللفظ دلالة على كمال القدرة بعظيم التصريف براً وبحراً أو تنبيهاً بالتذكير على قوة المركوب لأن الذكر أقوى من الأنثى.
ولما أتم النعمة بخلق كل ما تدعو إليه الحاجة، وجعله على وجه دال على ما له من الصفات، ذكر ما ينبغي أن يكون من غايتها على ما هو المتعارف بينهم من شكر المنعم، فقال دالاً على عظيم قدر النعمة وعلو غايتها وعلو أمر الذكر بحرف التراخي: {ثم تذكروا} أي بقلوبكم، وصرف القول إلى وصف التربية حثاً على تذكر إحسانه للانتهاء عن كفرانه والإقبال على شكرانه فقال: {نعمة ربكم} الذي أحسن إليكم بنعمة تسخيرها لكم وما تعرفونها من غيرها.
ولما كان الاعتدال عليه أمراً خارقاً للعادة بدليل ما لا يركب من الحيوانات في البر والجوامد في البحر وإن كان قد أسقط العجب فيه كثرة إلفه ذكر به فقال: {إذا استويتم عليه} ولما كان تذكر النعمة يبعث الجنان واللسان والأركان على الشكر لمن أسداها قال: {وتقولوا} أي بألسنتكم جمعاً بين القلب واللسان. ولما كان الاستواء على ذلك مقتضياً لتذكر النقص بالاحتياج إليها في بلوغ ما ركبت لأجله وفي الثبات عليها وخوف العطب منها وتذكر أن من لا يزال يحسن إلى أهل العجز الذين هم في قبضته ابتداء وانتهاء من غير شيء يرجوه منهم لا يكون إلا بعيداً من صفات الدناءة وأن استواءه على عرشه ليس كهذا الاستواء المقارن لهذه النقائص وأنه ليس كمثله شيء، كان المقام للتنزيه فقال: {سبحان الذي سخر} أي بعلمه الكامل وقدرته التامة {لنا هذا} أي الذي ركبناه سفينة كان أو دابة {وما} أي والحال أنا ما {كنا} ولما كان كل من المركوبين في الواقع أقوى من الركاب، جعل عدم إطاقتهم له وقدرتهم عليه كأنه خاص به، فقال مقدماً للجار دلالة على ذلك: {له مقرنين} أي ما كان في جبلتنا إطاقة أن يكون قرناً له وحده لخروج قوته من بين ما نعالجه ونعانيه عن طاقتنا بكل اعتبار ولا مكافئين في القوة غالبين ضابطين، مطيقين من أقرن الأمر: أطاقه وقوي عليه فصار بحيث يقرنه بما شاء.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال