سورة الزخرف / الآية رقم 51 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ العَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ المَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ

الزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرف




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (46) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (47) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (52) فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (56)}.
التفسير:
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ}.
مناسبة هذه القصة هنا، هو هذا الشبه القريب بين فرعون، وبين فراعين قريش، الذين كانوا ينظرون إلى النبىّ من سماء عالية، من الغرور الكاذب، والوهم الخادع، فيكذّبون رسول اللّه، ويهزءون به، لا لشىء إلا لأنه ليس أكثرهم مالا، ولا أوسعهم غنى، وإنهم لينكرون أن يختار اللّه لرسالته من لا يختارونه هم للرياسة عليهم، والسيادة فيهم.. {وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ!} [31: الزخرف].
وقصة موسى مع فرعون، هنا، هى مرآة يرى المشركون على صفحتها وجوههم المنكرة في شخص فرعون، وماركبه من غرور واستعلاء، حتى أورده ذلك وقومه موارد الهلاك.
قوله تعالى: {فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ}.
هو رجع لصدى هذه الضحكات الهازئة الساخرة التي كان المشركون يلقون بها النبي، كلما طلع عليهم بآية من آيات اللّه.. كما يقول اللّه تعالى في آية تالية من هذه السورة: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} أي يضجون بالضحك الهازئ، الساخر.. وكما يقول سبحانه: {أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ؟ وَتَضْحَكُونَ؟ وَلا تَبْكُونَ؟} [59- 60: النجم].
قوله تعالى: {وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
هو إشارة إلى ما كان بين يدى موسى من آيات عجبا، عرضها على فرعون وملائه، آية آية.. ليكون لهم في هذا مزدجر، فلم يزدهم ذلك إلا كفرا، وضلالا.
وفى قوله تعالى: {إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها} إشارة إلى الآثار التي كانت تحدثها هذه الآيات في حياة القوم.. فكانت تنتقل بهم من سيىء إلى أسوأ.. كما يقول اللّه سبحانه: {فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [42: الأنعام].
والمراد بالآيات هنا هى تلك الآيات التي أرسلها اللّه عليهم بالبلاء بعد البلاء.
كما يقول سبحانه: {فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ} [133: الأعراف].
قوله تعالى: {وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ}.
أي أنهم كانوا كلما نزل بهم البلاء، وأحاط بهم الكرب، جاءوا إلى موسى يسألونه أن يرفع عنهم هذا البلاء، على أن يؤمنوا باللّه الذي يؤمن به هو، ويدعوهم إليه.
وفى قوله تعالى: {يا أَيُّهَا السَّاحِرُ} إشارة كاشفة عما في نفوسهم من إصرار على الكفر، وإن نطقت ألسنتهم بالإيمان.. فهم لا يرون في موسى إلا ساحرا كبيرا. وأنه قادر بسحره هذا على أن يسوق إليهم البلاء، وأن يمسكه إذا شاء.. فهم بهذه الصفة يتعاملون معه.. أما دعواه بأنه رسول من رب العالمين، فهذا ادعاء لم يصحّ عندهم، وإن قبلوه منه، فهو إلى أن ينكشف البلاء عنهم.. {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ} [134- 135: الأعراف].
وفى قوله تعالى: {رَبَّكَ} اعتراف ضمنى منهم، بأنهم على ما هم عليه من كفر باللّه.. فهو رب موسى.. وليس ربّهم.. وهو الذي عهد إلى موسى بهذا السحر الذي بين يديه، وعلّمه إياه.
قوله تعالى: {فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ}.
أي فلما استجاب اللّه لموسى فيما طلبه من رفع البلاء عنهم، لم يستقيموا على العهد الذي عاهدوا موسى عليه، من الإيمان باللّه، بعد رفع البلاء عنهم.
بل نكثوا العهد، وأمسكوا بما هم عليه من كفر.
قوله تعالى: {وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ}.
هو معطوف على قوله تعالى: {إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ}.
أي لم يكتفوا بنكث العهد، بعد أن رفع عنهم البلاء، الذي كان مشتملا عليهم، ولم يشكروا اللّه على العافية، بل ازدادوا كفرا وضلالا، فجمع فرعون قومه، وحشدهم بين يديه، ليعيد إليهم ثقتهم فيه، وإيمانهم به، بعد هذه الزلزلة العاتية التي أصابتهم من هذا البلاء الذي لم يجدوا من فرعون حيلة يحتال بها لدفعه، حتى اضطروا إلى الوقوف بين يدى موسى موقف التذلل والرجاء، طالبين إليه كشف الضر عنهم، فكان لهم ما طلبوا!! وهذا موقف من شأنه أن يذهب بهيبة فرعون، ويتحيّف سلطانه القائم في قومه، فكان هذا التدبير الذي جاء عقب هذه التجربة التي دخل فيها القوم بيد موسى، ثم أخرجوا منها بيد موسى أيضا.
{وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ.. قالَ يا قَوْمِ: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ.. وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي.. أَفَلا تُبْصِرُونَ؟}.
ومن أنكر على فرعون هذا الملك الذي له؟ إنه هو الذي ينكر على نفسه هذا الملك، بعد أن رأى كيف تهزه الأحداث، وتزلزله النكبات، وتكاد تبتلعه الأمواج المضطربة، وهو لا يملك لذلك دفعا!! فأين سلطانه؟ وأين جبروته؟ لقد تعرّى من كل شىء، وأصبح في هذه المحنة نبتة هزيلة، تعصف بها الرياح فيما تعصف به من نبات وأعشاب! إنه يلوذ بموسى عدوّه، طالبا أن يمد إليه يده ليدفع عنه هذا البلاء الذي نزل به.
إن فرعون هنا يفكر بصوت عال- كما يقولون- فهو بهذا الحديث إلى قومه، يكشف عما يشعر به من ضياع لسلطانه، وذهاب لهيبته. وهو بهذا الحديث يتحسس وجوده الذي ذهب، وسلطانه الذي ضاع.. تماما كما يفعل من صحا من حلم مزعج، رأى فيه أنه سقط من قمة جبل فتحطم، وتبدّد أشلاء، إنّه ليتحسس جسده ليرى إن كان حيّا أو هو في عالم الأموات، وإن كان هو في يقظة أو في حلم!.
وفى قوله تعالى: {أَفَلا تُبْصِرُونَ} طلب من فرعون لمزيد من الصفعات على وجهه، ليتأكد له أنه موجود على قيد الحياة، وأنه لا يزال قائما على كرسى الملك.. وإن من شك في ذلك فلينظر.. فها هو ذا فرعون.. وها هو ذا عرش فرعون.. وها هو ذا قائم على كرسى مملكته!! إنه الغريق الذي احتواه اليمّ، وقد بئس الذي ينظرون إليه من نجاته،. وهو يهتف بهم: أنا هنا.. ما زلت حيّا.. فلا تهيلوا التراب علىّ!!.
قوله تعالى: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ}.
أم هنا للإضراب على تلك المشاعر التي يراها فرعون تتحرك في صدور قومه، من استخفاف به، وإكبار لموسى.. فهو يقول لهم: لا تظنوا هذه الظنون بموسى، ولا تجعلوه معى على كفة ميزان.. إنه ليس مثلى، ولا خيرا منّى.. بل أنا خير من هذا الذي هو مهين، لا ملك معه، ولا سلطان له، ولا منطق مستقيم على لسانه.
ومن قال من القوم إن موسى خير منه؟.
إن فرعون نفسه هو الذي يقول هذا، وإنه ليرى موسى، وقد نازعه سلطانه، بل وانتزعه منه.. وإن فرعون لينزل من سمائه العالية، ويرضى أن يكون هو وموسى على كفتى ميزان.. على أن تكون كفته أرجح من كفة موسى.. أنا خير منه!!.
لقد نفذ القرآن الكريم بهذه الكلمات القليلة، إلى أغوار النفس الإنسانية ورصد حركاتها وسكناتها، وكشف عما يندس في مساربها من خواطر وتصورات، وما يزدحم في أعماقها من رؤى وخيالات.
وهذا وجه من وجوه الإعجاز القرآنى، يطالع من ينظر فيه متأملا، آيات بينات، تشهد بأن هذا القرآن هو من كلام رب العالمين، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. تنزيل من حكيم حميد.
قوله تعالى: {فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ}.
إن فرعون إذ يجلس على كرسى عرشه، فزعا مضطربا، ليرى- بلمح الخاطر- يد موسى تكاد تمتد إليه وتنتزعه من هذا العرش، ثم يرى هذه اليد عطلا من كل حلىّ، على حين يرى يديه هو قد حليتا بأساور من ذهب، مما يدل على أنه الملك الجدير بالجلوس على هذا العرش- وهنا يجدها فرعون فرصة ليضع في كفة ميزانه ثقلا جديدا تثقل به كفته، على حين تخف كفة موسى.
فيقول: {أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ}.
ثم أنا خير من هذا الذي لم تحلّ يده بحلية من ذهب، شأن الملوك وأصحاب السلطان.. فلو أن هذا الإنسان كان رسولا من عند اللّه حقّا لما ضنّ عليه ربه بأن يلقى عليه أسورة من ذهب، كأمارة على أنه موفد من جهة عالية، ذات بأس، وذات سلطان! فإن لم يكن أهلا لأن ينال من ربه هذه المكرمة، أفلا جاء معه ملك أو ملائكة من السماء، يشهدون له أنه رسول من عند اللّه؟ فإذا لم يكن هذا أو ذاك، فبأى وجه يكون لموسى مقام بيننا ومكانة فينا؟.
واقتران الملائكة: هو اتصالهم ومرافقتهم لموسى.
قوله تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ}.
أي أن فرعون استخف بعقول قومه، واستصغر أحلامهم، فتحدث إليهم بهذا الحديث الذي لا يقبله عقل، ولا يستسيغه عاقل.. ومع هذا فقد تلقاه القوم بالتسليم والطاعة، ولم يقم من بينهم قائم ينكر هذا القول المنكر، ويسفه هذا المنطق السفيه.. {إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ..} أي كانوا على ما كان عليه فرعون من سفاهة، وجهل، فراجت عندهم هذه البضاعة الفاسدة! وهكذا يستغلظ الضلال، وتنتشر سحبه القائمة في المواطن التي تقبل الباطل، وتستجيب له.. تماما كالبرك والمستنقعات، تتداعى عليها الهوامّ والحشرات، وتتوالد وتتكاثر في أعداد لا تعدّ ولا تحصى.
وإنها ليست مسئولية داعية الضلال وحده، بل هى كذلك مسئولية.
الذين يستجيبون له، ولا ينكرون عليه المنكر الذي يدعوهم إليه.. ومن هنا كان الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر مسئولية منوطة بكل مجتمع إنسانىّ، في أفراده وجماعاته، إذ كانت الجماعة أشبه بالجسد، فيما يعرض له من عوارض العلل والآفات.. فأى عضو في الجماعة، يعرض له عارض من عوارض الفساد، يهدد الجماعة كلها بتلك الآفة، التي إن لم تجد من يطبّ له منها، سرت عدواها في المجتمع كله، وتهددت وجوده.
قوله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ}.
وهكذا كانت عاقبة الجماعة كلها.. داعية الضلال، ومن ضلّ بضلاله.
لقد أخذهم اللّه جميعا بعذابه، فأغرقهم كما أغرق فرعون.
وفى قوله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ}.
إشارة إلى أن اللّه سبحانه وتعالى، قد أمهل هؤلاء الضالين، ومدّ لهم في ضلالهم، حتى يكون لهم فسحة من الوقت، يراجعون فيها أنفسهم، ويعدّلون موقفهم المنحرف.
فلما لم يكن لهم في هذا الإمهال، وفى تلك المطاولة، إلا الإمعان في الضلال، والإسراف في العناد- أخذهم اللّه بذنوبهم، ولم يكن لهم من دون اللّه من ولى ولا نصير.
فقوله تعالى: {آسَفُونا} أي أسخطونا عليهم.. واللّه سبحانه وتعالى {حليم} فلا يغضب اللّه إلا على من أخذه بحمله ثم لم يزده الحلم إلا سفها وجهلا.
قوله تعالى: {فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ}.
أي أن العذاب الذي أخذ به هؤلاء الضالون، المسرفون في الضلال، كانا عذابا يضرب به المثل من بعدهم، ويرى الخلف عبرة وعظة فيما نزل بهذا السلف.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال