سورة الفتح / الآية رقم 26 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوَهُمْ أَن تَطَؤُوَهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً

الفتحالفتحالفتحالفتحالفتحالفتحالفتحالفتحالفتحالفتحالفتحالفتحالفتحالفتحالفتح




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (20) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (21) وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (23) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (24) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (26)}.
التفسير:
قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً}.
المؤمنون الذين رضى اللّه عنهم، وشملهم بهذا الرضوان العظيم، هم الذين كانوا مع النبىّ في الحديبية، والذين بايعوه على قتال المشركين، حين جاءت أخبار من مكة تقول: إن المشركين قد نالوا عثمان رضى اللّه عنه، بسوء، وقد كان الرسول- صلوات اللّه وسلامه عليه- بعثه إليهم، ليخبرهم بأن الرسول وأصحابه إنما جاءوا معتمرين زائرين للبيت الحرام، ولم يجيئوا لقتال.
وقوله تعالى: {وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} أي أن اللّه سبحانه وتعالى، مع هذا الرضوان الذي شمل به المؤمنين من أهل الحديبية- قد فتح عليهم خيبر وملأ أيديهم من مغانمها، وبهذا رجعوا ومعهم حظ الدنيا والآخرة جميعا.
ووصف الفتح بأنه قريب، وذلك لقرب زمانه، إذ كان على أيام من صلح الحديبية، ثم لقرب تناوله، إذ لم يلق المسلمون من أهل خيبر بلاء كثيرا، بل سرعان ما استسلم يهود خيبر ليد النبىّ، ونزلوا على حكمه.
قوله تعالى: {وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}.
هو معطوف على قوله تعالى: {وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً}.
أي وأثابهم مغانم كثيرة يأخذونها، في قتالهم المشركين، والكافرين والمنافقين، ومنها غنائم هوازن في موقعة حنين، ثم تلك المغانم الكثيرة في حرب فارس والروم.
قوله تعالى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً}.
هذا وعد من اللّه سبحانه وتعالى للمؤمنين وهم على طريق الجهاد، بأنه سبحانه، سيمكّن لهم من مغانم كثيرة يأخذونها، وأن هذا الذي أخذوه في خيبر ليس إلا ثمرة معجّلة من ثمار جهادهم، وإلا باكورة من بواكير هذا الثمر.
وقوله تعالى: {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ}.
المراد بالناس هنا هم من واجههم النبىّ والمسلمون في مسيرته تلك، وهم أهل مكة، وأهل خيبر، فهؤلاء، وهؤلاء، لم يدخلوا مع المسلمين في حرب، بل عافاهم اللّه من هذا البلاء، وأعطاهم ثمرته، فسلّمت لهم قريش بحق دخولهم مكة، والطواف بالبيت الحرام، واستسلم لهم يهود خيبر، وسلّموا لهم ما بين أيديهم من أموال، وزروع.
وقوله تعالى: {وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} معطوف على محذوف، يفهم من قوله تعالى: {فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ} أي لتكون هذه الغنائم جزاء طيبا لكم، وليكون منها آية للمؤمنين، يرون فيها أن اللّه سبحانه وتعالى غنىّ عن الجهاد، وأنه سبحانه قادر على أن يفتح لهم البلاد ويخضع لهم العباد من غير قتال.. ولكنّ هذا يحرم المجاهدين فضل الجهاد، ولا يجعلهم في مكان هم أولى به من غيرهم، من رضوان اللّه، ومن الغنائم التي ينالها المجاهدون.
وقوله تعالى: {وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً} معطوف على قوله تعالى: {وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} أي وليكون لكم من هذه الآية، من هذه الآية، ما يملأ قلوبكم إيمانا باللّه، ويقينا بدينه، حيث ترون آثار لطف اللّه سبحانه، وشواهد قدرته.
قوله تعالى: {وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً}.
الأخرى: هى مكة.
وقوله تعالى: {لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها} صفة لمكة.
والمعنى، أنه إذا كان لكم في مغانم خيبر، وفى غلبكم عليها- إذا كان لكم في ذلك آية، فإن لكم في أهل مكة آية أخرى، إذ كان المشركون في صراع طويل معكم، وكانت الحرب بينكم وبينهم سجالا، وأنكم لم تقدروا أن تنالوا منهم الاستسلام لكم.. ثم هاأنتم هؤلاء ترون وقد جئتموهم لغير حرب، وفى عدد قليل، ومع هذا فقد ذلّوا بين أيديكم، وطلبوا عقد هدنة معكم، وليس ذلك إلا لأن اللّه سبحانه وتعالى قد أحاط بهم، وأخذ على أيديهم، وأوقع الرعب منكم في قلوبهم.
قوله تعالى: {وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً}.
أي أنكم أيها المؤمنون لا تقاتلون عدوكم بكثرتكم، ولكن تقاتلونهم بإيمانكم باللّه، وتوكلكم عليه، وإخلاص نيتكم له، وهذا هو ضمان النصر لكم من ربكم.
ولو أن هؤلاء المشركين- وهم في عددهم، وشوكتهم، وفى بلدهم وبين أهليهم- لو أن هؤلاء المشركين، قاتلوكم يوم الحديبية، لنصركم اللّه عليهم، ولولّوا الأدبار منهزمين، ثم لا يكون لهم ولىّ يقوم لهم، ولا ناصر يفزع لنصرهم.
وهذا حكم مطلق على ما سيكون بين المسلمين والمشركين، منذ نزول هذه الآية.. فإن أي لقاء سيلتقى فيه المسلمون بالمشركين، لن يكون للمشركين فيه إلا الهزيمة، التي لا يقيلهم منها ولىّ ولا نصير.
وقد تحقق هذا، فلم يكن بين المسلمين والمشركين بعد الحديبية حرب، وإنما كان من المشركين استسلام، وإسلام، في يوم الفتح.
قوله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}.
{سنة} منصوب بفعل محذوف، وتقديره، لقد سنّ اللّه سبحانه وتعالى بهؤلاء المشركين سنة اللّه التي قد خلت من قبل، وهى سنة اللّه فيما بين أولياء اللّه وأولياء الشيطان، بين أهل الحق، وأهل الباطل.. وسنة اللّه: هى حكمه، وقضاؤه.
وحكم اللّه وقضاؤه، هو نصرة الحق وخذلان الباطل، كما يقول سبحانه:
{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ، فَإِذا هُوَ زاهِقٌ} ويقول تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي.. إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ..} [21: المجادلة] قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً}.
يجمع المفسرون على أن ما تشير إليه الآية من كفّ أيدى المشركين عن المؤمنين، وكف أيدى المؤمنين عن المشركين- إنما هو عن صلح الحديبية.
ولكن قوله تعالى: {بِبَطْنِ مَكَّةَ} يردّ هذا القول.. فالمؤمنون لم يدخلوا مكة عام الحديبية، بل ولم يظفروا بالمشركين الظفر الذي يمكّن لهم منهم.
والذي نراه- واللّه أعلم- أن هذا إنما كان يوم الفتح، حيث دخل النبي- صلى اللّه عليه وسلم- مكة، على رأس جيش من عشرة آلاف مقاتل، وأن قريشا قد فزعت لهذا، واستسلمت من غير قتال، طالبة الأمان من رسول اللّه، بعد أن مكن اللّه له من رقابهم، فقال لهم صلوات اللّه وسلامه عليه قولته الخالدة: «ما تظنون أنى فاعل بكم؟» إنهم الآن بين يديه، وفى متناول سيوف المسلمين، وإن النبي قد ملكهم ملكا مطلقا، يتصرف فيهم كيف يشاء.
ولم يجد القوم جوابا يجيبون به على هذا التحدّى، الذي يستئير الحمية، ولكن لم يكن للقوم بعد مارأوا من جيش المسلمين- لم يكن عندهم بقية من حمية تستثار، فكان جوابهم للنبى، هذا الجواب الذليل المستسلم: «أخ كريم! وابن أخ كريم!!».
ألا لقد ذلّت جباه المتكبرين، ورغمت أنوف المتعالين!! وقد كان رد النبىّ الكريم، سمحا كريما، كما هو شأنه في جميع أحواله فقال صلوات اللّه وسلامه عليه: «أذهبوا فأنتم الطلقاء»!! لقد أطلقهم بتلك الكلمة الطيبة الكريمة من الأسر، وحفظ عليهم دماءهم التي كانت مهدرة! ولا يعترض على هذا الرأى الذي ذهبنا إليه، بأن الآية تحدّث عن أمر وقع فعلا، وذلك في قوله تعالى: {كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ..} بلفظ الماضي.
والجواب على هذا من وجهين:
أولهما: أن الإخبار عن المستقبل بالفعل الماضي، إشارة إلى تحققه، وأنه إن لم يكن قد وقع، فهو واقع لا شك فيه.
وثانيهما: أنه قد تكون هذه الآية نزلت بعد فتح مكة، ثم أخذت مكانها من السورة، لتكون إلى جانب أحداث الحديبية التي تلقّى فيها الرسول الكريم قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً}.
فهذا الفتح يطوى في كيانه فتح مكة، وإن كان فتحها لم يقع بعد.
قوله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً}.
هو بيان للسبب الذي من أجله أخذ سبحانه المشركين بالخزي والخذلان، وسنّ بهم سنته- سبحانه- في الذين خلوا من قبل.. ذلك لأنهم كفروا باللّه ورسوله، وصدّوا النبي والمسلمين عن المسجد الحرام، ومنعوا الهدى أن يبلغ محلّه من البيت العتيق.
والخطاب للنبى صلوات اللّه وسلامه عليه، وللمؤمنين معه، الذين واجههم المشركون يوم الفتح.
وفى هذا إلفات للنبى وأصحابه إلى حالهم التي كانوا عليها يوم الحديبية وإلى حالهم اليوم من القوّة، والتمكن من قريش، وأن سيف الباطل الذي كانت تضرب به قريش في وجوه المسلمين، وتلجئهم إلى الفرار من ديارهم- هذا السيف قد تحطم على صخرة الحق، وخذل أهله في الموقف الحاسم، في ساعة العسرة.
لقد استدار الزمن، وأصبح الضعفاء الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا اللّه- أصبحوا أصحاب هذا البلد الذي أخرجوا منه، وصار إلى أيديهم أن يخرجوا أو يقتلوا أولئك الظالمين الضالين الذين أخرجوهم بالأمس من ديارهم.
هذا بعض ما وقع في مشاعر كل من المسلمين والمشركين من تلك المواجهة التي كانت بينهما يوم الفتح، كلّ منهما يراجع مسيرة الأحداث التي جرت بينهما، حتى إذا انتهوا إلى يوم الفتح هذا وجدوا مفارقات بعيدة بين بدء الأحداث ونهايتها، حيث انقلبت الموازين، وتبدلت الأوضاع، وأصبح الذين كانوا لا يملكون شيئا، يملكون كل شىء، وصار الذين كانوا يملكون كل شيء لا يملكون شيئا.. و{إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ}.
قوله تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً} هو معطوف على ضمير النصب في قوله تعالى: {وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} أي وصدوكم وأنتم محرمون عن أن أن تطوفوا بالبيت الحرام، وصدوا الهدى وهو معكوف عن أن يبلغ محله.
والهدى، ما يهدى للبيت الحرام من بهيمة الأنعام.
والمعكوف: أي المحبوس على هذه الغاية، والموقوف عليها، فلا يتصرف فيه ببيع ولا بغيره.
قوله تعالى: {وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ}.
جواب لو لا محذوف، دل عليه المقام، وهو مقام تهديد للمشركين، وتذكير لهم، بجناياتهم الشنيعة على الدعوة الإسلامية، وعلى المسلمين.
والتقدير: لو لا هؤلاء الرجال المؤمنون والنساء المؤمنات الذين يعيشون مع هؤلاء المشركين ولم يعلنوا إيمانهم، وأنهم قد يؤخذون بما يؤخذ به المشركون لو وقعت الحرب بينهم وبين المسلمين- لو لا هذا لسلطكم اللّه عليهم يوم الفتح، وهم تحت أيديكم، ولذهبت سيوفكم بكثير من تلك الرءوس التي كانت تكيد للإسلام وتسوق الأذى والضر إلى أهله.
وقوله تعالى: {لَمْ تَعْلَمُوهُمْ} هو صفة للمؤمنين والمؤمنات، أي أن هؤلاء الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات، كانوا يسرّون إيمانهم، ويمسكون به في قلوبهم.. خوفا من أهلهم المشركين- فهم في نظر المؤمنين مشركون، يؤخذون بما يؤخذ به المشركون، لأنهم لا يعلمون عن إيمانهم شيئا.
وقوله تعالى: {فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ}.
المعرّة: المذمة، والعائبة التي تعيب الإنسان وتنقصه.
وفى إسناد المعرة إلى هؤلاء المؤمنين والمؤمنات الذين يسرون إيمانهم، في قوله تعالى: {فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ} في هذا إشارة إلى أن الذي يتوجه إلى المسلمين باللوم والعيب هم أولئك المؤمنون والمؤمنات أنفسهم، لأنهم هم الذين يعلمون أنهم مؤمنون، وأنهم قتلوا بيد إخوانهم المؤمنين، الذين خفى عليهم إيمانهم.
وقوله تعالى: {لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ} هو تعليل لمفهوم المخالفة من جواب الشرط المحذوف، أي لو لا رجال مؤمنون، ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم، فتصيبكم منهم معرة بغير علم- لو لا هذا لسلطكم اللّه على المشركين، ولكنه سبحانه لم يسلطكم عليهم، ليدفع عنكم المعرّة، بما تصيبون من المؤمنين والمؤمنات، وليدخل في رحمته من يشاء.. فإن للّه سبحانه في هؤلاء المشركين من يريدهم لدينه، ويدخلهم في رحمته، ولهذا مدّ لهم في الأجل، ودفع عنهم أيدى المسلمين من أن تقضى عليهم، وذلك ليقضى اللّه أمرا كان مفعولا، وليدخل في رحمته من يشاء من هؤلاء المشركين.
وقوله تعالى: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً} أي لو انفصل هؤلاء المؤمنون والمؤمنات الذين أرادهم اللّه للإيمان- لو انفصل هؤلاء وهؤلاء عن كيان المشركين، الذين لن يؤمنوا باللّه أبدا، لو انفصلوا عنهم لعذاب اللّه سبحانه الذين كفروا منهم عذابا أليما، بأن يسلطكم عليهم أو يرسل عليهم عذابا من عنده، ولكن اللّه سبحانه- حماية للمؤمنين والمؤمنات ودفعا لما يلحقهم من مكروه إذا نزل العذاب بهؤلاء المشركين الذين يخالطونهم ويمتزجون بهم- لم ينزل عذابه في الدنيا بهؤلاء المشركين الذين لن يؤمنوا أبدا، وأنظرهم إلى يوم الدين.
وهكذا أكرم اللّه المؤمنين، فلم يفجعهم في أهليهم من المشركين، ولم يرهم ما يسوءهم فيهم، وهكذا يصنع اللّه لأوليائه.
قوله تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}.
الحمية الغيرة، والأنفة، وهى التي تحتمى بها الحرمات.. وهى محمودة إذا كانت في جانب الحق، والعدل والإحسان، ومذمومة إذا كانت في جانب الهوى والسّفه، والضلال.
وحمية الجاهلية، حمية استعلاء، وتطاول بغير حق، لا يضبطها عقل، ولا تسوسها حكمة.
أي أنه على حين امتلأت قلوب المشركين الذين كفروا من حمية الجاهلية، وغذّوها بهذه المشاعر الكاذبة الفاسدة، بما كان لهم من قوة ظاهرة على المسلمين- فإن اللّه سبحانه وتعالى حين منح المسلمين القوة، ومكن لهم من هؤلاء الكافرين، حرس هذه القوة من أن تكون أداة بغى وعدوان، فأنزل السكينة على رسوله وعلى المؤمنين، ونزع ما في قلوبهم من حفيظة على المشركين وألزمهم كلمة التقوى، وهى الكلمة التي عفا الرسول صلوات اللّه وسلامه عليه بها عن المشركين، حين قال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» فهذه الكلمة التي لا يقولها في هذا المقام إلا رسول اللّه، وهو أحق بها وأهلها من دون الناس جميعا، والمؤمنون هم على هذا المورد الطيب الذي ورده الرسول، فهم بهديه مهتدون، وعلى سنته قائمون.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال