سورة الذاريات / الآية رقم 21 / تفسير تفسير القرطبي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الحُبُكِ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ قُتِلَ الخَرَّاصُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَماً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الحَكِيمُ العَلِيمُ

الذارياتالذارياتالذارياتالذارياتالذارياتالذارياتالذارياتالذارياتالذارياتالذارياتالذارياتالذارياتالذارياتالذارياتالذاريات




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (22) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)}
قوله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ} لما ذكر أمر الفريقين بين أن في الأرض علامات تدل على قدرته على البعث والنشور، فمنها عود النبات بعد أن صار هشيما، ومنها أنه قدرا لأقوات فيها قواما للحيوانات، ومنها سيرهم في البلدان التي يشاهدون فيها آثار الهلاك النازل بالأمم المكذبة. والموقنون هم العارفون المحققون وحدانية ربهم، وصدق نبوة نبيهم، خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بتلك الآيات وتدبرها. قوله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} قيل: التقدير وفي الأرض وفي أنفسكم آيات للموقنين.
وقال قتادة: المعنى من سار في الأرض رأى آيات وعبرا، ومن تفكر في نفسه علم أنه خلق ليعبد الله. ابن الزبير ومجاهد: المراد سبيل الخلاء والبول.
وقال السائب ابن شريك: يأكل ويشرب من مكان واحد ويخرج من مكانين، ولو شرب لبنا محضا لخرج منه الماء ومنه الغائط، فتلك الآية في النفس.
وقال ابن زيد: المعنى أنه خلقكم من تراب، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة {ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ} {تَنْتَشِرُونَ}. السدي: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ} أي في حياتكم وموتكم، وفيما يدخل ويخرج من طعامكم. الحسن: وفي الهرم بعد الشباب، والضعف بعد القوة، والشيب بعد السواد.
وقيل: المعنى وفي خلق أنفسكم من نطفة وعلقة ومضغة ولحم وعظم إلى نفخ الروح، وفي اختلاف الألسنة والألوان والصور، إلى غير ذلك من الآيات الباطنة والظاهرة، وحسبك بالقلوب وما ركز فيها من العقول، وما خصت به من أنواع المعاني والفنون، وبالألسن والنطق ومخارج الحروف والأبصار والاطراف وسائر الجوارح، وتأتيها لما خلقت له، وما سوى في الأعضاء من المفاصل للانعطاف والتثني، وأنه إذا جسا شيء منها جاء العجز، وإذا استرخى أناخ ألذل {فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ}. {أَفَلا تُبْصِرُونَ} يعني بصر القلب ليعرفوا كمال قدرته.
وقيل: إنه نجح العاجز، وحرمان الحازم. قلت: كل ما ذكر مراد في الاعتبار. وقد قدمنا في آية التوحيد من سورة البقرة أن ما في بدن الإنسان الذي هو العالم الصغير شيء إلا وله نظير في العالم الكبير، وذكرنا هناك من الاعتبار ما يكفي ويغني لمن تدبر.
قوله تعالى: {وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ} قال سعيد بن جبير والضحاك: الرزق هنا ما ينزل من السماء من مطر وثلج ينبت به الزرع ويحيا به الخلق. قال سعيد بن جبير: كل عين قائمة فإنها من الثلج. وعن الحسن أنه كان إذا رأى السحاب قال لأصحابه: فيه والله رزقكم ولكنكم تحرمونه بخطاياكم.
وقال أهل المعاني: {وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ} معناه وفي المطر رزقكم، سمي المطر سماء لأنه من السماء ينزل. قال الشاعر:
إذا سقط السماء بأرض قوم *** رعيناه وإن كانوا غضابا
وقال ابن كيسان: يعني وعلى رب السماء رزقكم، نظيره: {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ} إلا على الله رزقها.
وقال سفيان الثوري: {وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ} أي عند الله في السماء رزقكم.
وقيل: المعنى وفي السماء تقدير رزقكم، وما فيه لكم مكتوب في أم الكتاب. وعن سفيان قال: قرأ واصل الأحدب {وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ} فقال: ألا أرى رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض! فدخل خربة فمكث ثلاثا لا يصيب شيئا فإذا هو في الثالثة بدوخلة رطب، وكان له أخ أحسن نية منه فدخل معه فصارتا دوخلتين، فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرق الله بالموت بينهما. وقرأ ابن محيصن ومجاهد {وفي السماء رازقك} بالألف وكذلك في أخرها {إن الله هو الرازق} {وَما تُوعَدُونَ} قال مجاهد: يعني من خير وشر.
وقال غيره: من خير خاصة.
وقيل: الشر خاصة.
وقيل: الجنة، عن سفيان بن عيينة. الضحاك: {وَما تُوعَدُونَ} من الجنة والنار.
وقال ابن سيرين: {وَما تُوعَدُونَ} من أمر الساعة. وقاله الربيع. قوله تعالى: {فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} أكد ما أخبرهم به من البعث وما خلق في السماء من الرزق، وأقسم عليه بأنه لحق ثم أكده بقوله: {مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} وخص النطق من بين سائر الحواس، لان ما سواه من الحواس يدخله التشبيه، كالذي يرى في المرآة، واستحالة الذوق عند غلبة الصفراء ونحوها، والدوى والطنين في الاذن، والنطق سالم من ذلك، ولا يعترض بالصدى لأنه لا يكون إلا بعد حصول الكلام من الناطق غير مشوب بما يشكل به.
وقال بعض الحكماء: كما أن كل إنسان ينطق بنفسه ولا يمكنه أن ينطق بلسان غيره، فكذلك كل إنسان يأكل رزقه ولا يمكنه أن يأكل رزق غيره.
وقال الحسن: بلغني أن نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «قاتل الله أقواما أقسم لهم ربهم بنفسه ثم لم يصدقوه قال الله تعالى: {فَوَرَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ}».
وقال الأصمعي: أقبلت ذات مرة من مسجد البصرة إذ طلع أعرابي جلف جاف على قعود له متقلدا سيفه وبيده قوسه، فدنا وسلم وقال: ممن الرجل؟ قلت من بني أصمع، قال: أنت الأصمعي؟ قلت: نعم. قال: ومن أين أقبلت؟ قلت: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن، قال: وللرحمن كلام يتلوه الآدميون؟ قلت: نعم، قال: فاتل علي منه شيئا، فقرأت {وَالذَّارِياتِ ذَرْواً} إلى قوله: {وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ} فقال: يا أصمعي حسبك!! ثم قام إلى ناقته فنحرها وقطعها بجلدها، وقال: أعني على توزيعها، ففرقناها على من أقبل وأدبر، ثم عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما ووضعهما تحت الرحل وولى نحو البادية وهو يقول: {وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ} فمقت نفسي ولمتها، ثم حججت مع الرشيد، فبينما أنا أطوف إذا أنا بصوت رقيق، فالتفت فإذا أنا بالأعرابي وهو ناحل مصفر، فسلم علي واخذ بيدي وقال: أتل علي كلام الرحمن، وأجلسني من وراء المقام فقرأت: {وَالذَّارِياتِ} حتى وصلت إلى قوله تعالى: {وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ} فقال الاعرابي: لقد وجدنا ما وعدنا الرحمن حقا، وقال: وهل غير هذا؟ قلت: نعم، يقول الله تبارك وتعالى: {فَوَرَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} قال فصاح الاعرابي وقال: يا سبحان الله! من الذي أغضب الجليل حتى حلف! ألم يصدقوه في قوله حتى ألجئوه إلى اليمين؟ فقالها ثلاثا وخرجت بها نفسه.
وقال يزيد بن مرثد: إن رجلا جاع بمكان ليس فيه شيء فقال: اللهم رزقك الذي وعدتني فأتني به، فشبع وروي من غير طعام ولا شراب. وعن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لو أن أحدكم فر من رزقه لتبعه كما يتبعه الموت» أسنده الثعلبي.
وفي سنن ابن ماجه عن حبة وسواء ابني خالد قالا: دخلنا على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يعالج شيئا فأعناه عليه، فقال: «لا تيأسا من الرزق ما تهززت رؤوسكما فإن الإنسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشر» «ثم يرزقه الله». وروي أن قوما من الاعراب زرعوا زرعا فأصابته جائحة فحزنوا لأجله، فخرجت عليهم أعرابية فقالت: ما لي أراكم قد نكستم رءوسكم، وضاقت صدوركم، هو ربنا والعالم بنا، رزقنا عليه يأتينا به حيث شاء! ثم أنشأت تقول:
لو كان في صخرة في البحر راسية *** صما ململمة ملسا نواحيها
رزق لنفس براها الله لانفلقت *** حتى تؤدي إليها كل ما فيها
أو كان بين طباق السبع مسلكها *** لسهل الله في المرقى مراقيها
حتى تنال الذي في اللوح خط لها *** إن لم تنله وإلا سوف يأتيها
قلت: وفي هذا المعنى قصة الأشعريين حين أرسلوا رسولهم إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسمع قوله تعالى: {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها} فرجع ولم يكلم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: ليس الأشعريون بأهون على الله من الدواب، وقد ذكرناه في سورة هود.
وقال لقمان: {يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} الآية. وقد مضى في لقمان وقد استوفينا هذا الباب في كتاب قمع الحرص بالزهد والقناعة والحمد لله. وهذا هو التوكل الحقيقي الذي لا يشوبه شي، وهو فراغ القلب مع الرب، رزقنا الله إياه ولا أحالنا على أحد سواه بمنه وكرمه. قوله تعالى: {مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} قراءة العامة {مِثْلَ} بالنصب أي كمثل {ما أَنَّكُمْ} فهو منصوب على تقدير حذف الكاف أي كمثل نطقكم و{ما} زائدة، قاله بعض الكوفيين.
وقال الزجاج والفراء: يجوز أن ينتصب على التوكيد، أي لحق حقا مثل نطقك، فكأنه نعت لمصدر محذوف. وقول سيبويه: انه مبني بني حين أضيف إلى غير متمكن و{ما} زائدة للتوكيد. المازني: {مِثْلَ} مع {ما} بمنزلة شيء واحد فبني على الفتح لذلك. وأختاره أبو عبيد وأبو حاتم، قال: ولان من العرب من يجعل مثلا منصوبا أبدا، فتقول: قال لي رجل مثلك، ومررت برجل مثلك بنصب مثل على معنى كمثل. وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي والأعمش {مثل} بالرفع على أنه صفة لحق، لأنه نكرة وإن أضيف إلى معرفة، إذ لا يختص بالإضافة لكثرة الأشياء التي يقع بعدها التماثل بين المتماثلين. و{مِثْلَ} مضاف إلى {أَنَّكُمْ} و{ما} زائدة ولا تكون مع ما بعدها بمنزلة المصدر إذ لا فعل معها تكون معه مصدرا. ويجوز أن تكون بدلا من {لَحَقٌّ}.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال