سورة آل عمران / الآية رقم 182 / تفسير تفسير الرازي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوَهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ المُنِيرِ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ

آل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمران




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182)}
اعلم أن في كيفية النظم وجهين:
الأول: أنه تعالى لما أمر المكلفين في هذه الآيات ببذل النفس وبذل المال في سبيل الله وبالغ في تقرير ذلك، شرع بعد ذلك في حكاية شبهات القوم في الطعن في نبوته.
فالشبهة الأولى: أنه تعالى لما أمر بانفاق الأموال في سبيله قالت الكفار: انه تعالى لو طلب الانفاق في تحصيل مطلوبه لكان فقيرا عاجزا، لأن الذي يطلب المال من غيره يكون فقيرا، ولما كان الفقر على الله تعالى محالا، كان كونه طالبا للمال من عبيده محالا، وذلك يدل على أن محمدا كاذب في إسناد هذا الطلب إلى الله تعالى.
الوجه الثاني: في طريق النظم أن أمة موسى عليه السلام كانوا إذا أرادوا التقرب بأموالهم إلى الله تعالى، فكانت تجيء نار من السماء فتحرقها، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما طلب منهم بذل الأموال في سبيل الله قالوا له لو كنت نبياً لما طلبت الأموال لهذا الغرض، فانه تعالى ليس بفقير حتى يحتاج في اصلاح دينه إلى أموالنا، بل لو كنت نبياً لكنت تطلب أموالنا لأجل أن تجيئها نار من السماء فتحرقها، فلما لم تفعل ذلك عرفنا أنك لست بنبي، فهذا هو وجه النظم، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه يبعد من العاقل أن يقول ان الله فقير ونحن أغنياء، بل الإنسان إنما يذكر ذلك إما على سبيل الاستهزاء أو على سبيل الالزام، وأكثر الروايات أن هذا القول إنما صدر عن اليهود، روي أنه صلى الله عليه وسلم كتب مع أبي بكر إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى الاسلام وإلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا الله قرضاً حسنا، فقال فنحاص اليهودي: إن الله فقير حتى سألنا القرض، فلطمه أبو بكر في وجهه وقال: لولا الذي بيننا وبينكم من العهد لضربت عنقك، فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجحد ما قاله، فنزلت هذه الآية تصديقاً لأبي بكر رضي الله عنه.
وقال آخرون: لما أنزل الله تعالى: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245] قالت اليهود: نرى إله محمد يستقرض منا، فنحن إذن أغنياء وهو فقير، وهو ينهانا عن الربا ثم يعطينا الربا، وأرادوا قوله: {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}.
واعلم أنه ليس في الآية تعيين هذا القائل، إلا أن العلماء نسبوا هذا القول إلى اليهود واحتجوا عليه بوجوه:
أحدها: أن الله تعالى حكى عنهم أنهم قالوا: إن يد الله مغلولة: يعنون أنه بخيل بالعطاء وذلك الجهل مناسب للجهل المذكور في هذه الآية.
وثانيها: ما روي في الخبر أنهم تكلموا بذلك على ما رويناه في قصة أبي بكر.
وثالثها: أن القول بالتشبيه غالب على اليهود، ومن قال بالتشبيه لا يمكنه إثبات كونه تعالى قادرا على كل المقدورات، وإذا عجز عن إثبات هذا الأصل عجز عن بيان أنه غني وليس بفقير.
والوجه الرابع: أن موسى عليه الصلاة والسلام لما طلب منهم أن يوافقوه في مجاهدة الأعداء قالوا: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون. فموسى عليه السلام لما طلب منهم الجهاد بالنفس قالوا: لما كان الاله قادرا فأي حاجة به الى جهادنا، وكذا هاهنا أن محمدا عليه الصلاة والسلام لما طلب منهم الجهاد ببذل المال قالوا: لما كان الإله غنيا فأي حاجة به الى أموالنا. فكان إسنادهم هذه الشبهة الى اليهود لائقا من هذا الوجه، وإن كان لا يمتنع أن يكون غيرهم من الجهال قد قال ذلك.
والأظهر أنهم قالوه على سبيل الطعن في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، يعني لو صدق محمد في أن الاله يطلب المال من عبيده لكان فقيرا، ولما كان ذلك محالا ثبت أنه كاذب في هذا الإخبار، أو ذكروه على سبيل الاستهزاء والسخرية، فأما أن يقول العاقل مثل هذا الكلام عن اعتقاد فهو بعيد.
المسألة الثانية: هذه الآية تدل على أنه تعالى سميع للأقوال، ونظيره قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التى تُجَادِلُكَ} [المجادلة: 1].
المسألة الثالثة: ظاهر الآية يدل على أن قائل هذا القول كانوا جماعة، لأنه تعالى قال: {الذين قَالُواْ} وظاهر هذا القول يفيد الجميع.
وأما ما روي أن قائل هذا القول هو فنحاص اليهودي، فهذا يدل على أن غيره لم يقل ذلك، فلما شهد الكتاب أن القائلين كانوا جماعة وجب القطع بذلك.
ثم قال تعالى: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة {سيكتب} بالياء وضمها على ما لم يسم فاعله {الله وَقَتْلِهِمُ الأنبياء} برفع اللام على معنى سيكتب قتلهم، والباقون بالنون وفتح اللام إضافة اليه تعالى.
قال صاحب الكشاف: وقرأ الحسن والأعرج {سيكتب} بالياء وتسمية الفاعل.
المسألة الثانية: هذا وعيد على ذلك القول وهو يحتمل وجوها: أحدها: أن يكون المراد من كتبه عليهم إثبات ذلك عليهم وأن لا يلغى ولا يطرح، وذلك لأن الناس إذا أرادوا إثبات الشيء على وجه لا يزول ولا ينسى ولا يتغير كتبوه، والله تعالى جعل الكتبة مجازا عن إثبات حكم ذلك عليهم.
الثاني: سنكتب ما قالوا في الكتب التي تكتب فيها أعمالهم ليقرؤا ذلك في جرائد أعمالهم يوم القيامة، والثالث: عندي فيه احتمال آخر، وهو أن المراد: سنكتب عنهم هذا الجهل في القرآن حتى يعلم الخلق الى يوم القيامة شدة تعنت هؤلاء وجهلهم وجهدهم في الطعن في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بكل ما قدروا عليه.
ثم قال: {وَقَتْلِهِمُ الأنبياء بِغَيْرِ حَقّ} أي ونكتب قتلهم الأنبياء بغير حق، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: الفائدة في ضم أنهم قتلوا الأنبياء إلى أنهم وصفوا الله تعالى بالفقر، هي بيان أن جهل هؤلاء ليس مخصوصاً بهذا الوقت، بل هم منذ كانوا، مصرون على الجهالات والحماقات.
المسألة الثانية: في إضافة قتل الأنبياء إلى هؤلاء وجهان:
أحدهما: سنكتب ما قال هؤلاء ونكتب ما فعله أسلافهم فنجازي الفريقين بما هو أهله، كقوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا} أي قتلها أسلافكم {وَإِذْ نجيناكم مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ} [البقرة: 49] {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البحر} [البقرة: 50] والفاعل لهذه الأشياء هو أسلافهم، والمعنى أنه سيحفظ على الفريقين معاً أقوالهم وأفعالهم.
والوجه الثاني: سنكتب على هؤلاء ما قالوا بأنفسهم، ونكتب عليهم رضاهم بقتل آبائهم الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين.
وعن الشعبي أن رجلا ذكر عنده عثمان رضي الله عنه وحسن قتله، فقال الشعبي: صرت شريكا في دمه، ثم قرأ الشعبي {قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِى بالبينات وبالذى قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ} [آل عمران: 183] فنسب لهؤلاء قتلهم وكان بينهما قريب من سبعمائة سنة.
ثم قال تعالى: {وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الحريق} وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة {سيكتب} على لفظ ما لم يسم فاعله {وَقَتْلِهِمُ الأنبياء} برفع اللام {وَيِقُولُ ذُوقُواْ} بالياء المنقطة من تحت، والباقون {سَنَكْتُبُ وَنَقُولُ} بالنون.
المسألة الثانية: المراد أنه تعالى ينتقم من هذا القائل بأن يقول له ذق عذاب الحريق، كما أذقت المسلمين الغصص، والحريق هو المحرق كالأليم بمعنى المؤلم.
المسألة الثالثة: يحتمل أن يقال له هذا القول عند الموت أو عند الحشر أو عند قراءة الكتاب ويحتمل أن يكون هذا كناية عن حصول الوعيد، وإن لم يكن هناك قول:
المسألة الرابعة: لقائل أن يقول: إنهم أوردوا سؤالا وهو أن من يطلب المال من غيره كان فقيرا محتاجا، فلو طلب الله المال من عبيده لكان فقيرا وذلك محال، فوجب أن يقال: إنه لم يطلب المال من عبيده، وذلك يقدح في كون محمد عليه الصلاة والسلام صادقا في ادعاء النبوة فهو هو شبهة القوم فأين الجواب عنها؟ وكيف يحسن ذكر الوعيد على ذكرها قبل ذكر الجواب عنها؟
فنقول: إذا فرعنا على قول أصحابنا من أهل السنة والجماعة قلنا: يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد، فلا يبعد أن يأمر الله تعالى عبيده ببذل الأموال مع كونه تعالى أغنى الاغنياء.
وإن فرعنا على قول المعتزلة في أنه تعالى يراعي المصالح لم يبعد أن يكون في هذا التكليف أنواع من المصالح العائدة إلى العباد: منها: أن إنفاق المال يوجب زوال حب المال عن القلب، وذلك من أعظم المنافع، فانه اذا مات فلو بقي في قلبه حب المال مع أنه ترك المال لكان ذلك سببا لتألم روحه بتلك المفارقة، ومنها: أن يتوسل بذلك الانفاق الى الثواب المخلد المؤبد، ومنها: أن بسبب الانفاق يصير القلب فارغا عن حب ما سوى الله، وبقدر ما يزول عن القلب حب غير الله فانه يقوى في حب الله، وذلك رأس السعادات، وكل هذه الوجوه قد ذكرها الله في القرآن وبينها مراراً وأطوارا، كما قال: {والباقيات الصالحات خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَابًا} [الكهف: 46] وقال: {والآخرة خَيْرٌ وأبقى} [الأعلى: 17] وقال: {ورضوان مّنَ الله أَكْبَرُ} [التوبة: 72] وقال: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58] فلما تقدم ذكر هذه الوجوه على الاستقصاء كان إيراد هذه الشبهة بعد تقدم هذه البينات محض التعنت، فلهذا اقتصر الله تعالى عند ذكرها على مجرد الوعيد.
ثم قال تعالى: {ذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ الله لَيْسَ بظلام لّلْعَبِيدِ} وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: أنه تعالى لما ذكر الوعيد الشديد ذكر سببه فقال: {ذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} أي هذا العذاب المحرق جزاء فعلكم حيث وصفتم الله وأقدمتم على قتل الأنبياء، فيكون هذا العقاب عدلا لا جورا.
المسألة الثانية: قال الجبائي: الآية تدل على أن فعل العقاب بهم كان يكون ظلما بتقدير أن لا يقع منهم تلك الذنوب، وفيه بطلان قول المجبرة: ان الله يعذب الأطفال بغير جرم، ويجوز أن يعذب البالغين بغير ذنب، ويدل على كون العبد فاعلا، وإلا لكان الظلم حاصلا.
والجواب: ان ما ذكرتم معارض بمسألة الداعي ومسألة العلم على ما شرحناه مراراً وأطوارا.
المسألة الثالثة: لقائل أن يقول: {وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] يفيد نفي كونه ظلاما، ونفي الصفة يوهم بقاء الأصل، فهذا يقتضي ثبوت أصل الظلم.
أجاب القاضي عنه بأن العذاب الذي توعد بأن يفعله بهم لو كان ظلما لكان عظيما، فنفاه على حد عظمه لو كان ثابتا، وهذا يؤكد ما ذكرنا أن إيصال العقاب اليهم يكون ظلما لو لم يكونوا مذنبين.
المسألة الرابعة: اعلم أن ذكر الأيدي على سبيل المجاز، لأن الفاعل هو الإنسان لا اليد، إلا أن اليد لما كانت آلة الفعل حسن إسناد الفعل اليها على سبيل المجاز، ثم في هذه الآية ذكر اليد بلفظ الجمع فقال: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} وفي آية أخرى ذكر بلفظ التثنية فقال: {ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: 10] والكل حسن متعارف في اللغة.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال