سورة الواقعة / الآية رقم 18 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وَلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لاَ يُصَدَّعُونَ عَنهَا وَ لاَ يُنْزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُونِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً وَأَصْحَابُ اليَمِينِ مَا أَصْحَابُ اليَمِينِ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً لأَصْحَابِ اليَمِينِ ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لاَ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الحِنثِ العَظِيمِ وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ

الواقعةالواقعةالواقعةالواقعةالواقعةالواقعةالواقعةالواقعةالواقعةالواقعةالواقعةالواقعةالواقعةالواقعةالواقعة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (19) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (25) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (26)}.
التفسير:
قوله تعالى: {إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ} جملة شرطية وجوابها.
ووقوع الواقعة، مجيئها، وحدوثها، والواقعة، القيامة، وسميت وسميت واقعة لأنها تقع فجأة على غير انتظار.. وكلّ شيء يحمل نذر الشّرّ يعبّر عن مجيئه بالوقوع، كأنه يسقط على الناس من فوق، فلا يملكون له دفعا، كقوله تعالى: {وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا} [85: النمل] وقوله سبحانه: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ} [134: الأعراف] وقوله جل شأنه: {وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} [82: النمل].
ووقوع يوم القيامة إيذان بدخول الناس في تجربة قاسية. وفى امتحان عسر.. كما يقول سبحانه: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [2: الحج].
وقوله تعالى: {لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ} هو جواب الشرط: {إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ} أي أنه إذا وقعت الواقعة، فليس هناك من يكذّب بها من هؤلاء الذين كانوا ينكرون البعث والقيامة ويكذبون من يحدثهم عنه، لأنهم يكونون حينئذ أمام واقع مشهود، لا سبيل إلى إنكاره والمكابرة فيه.
قوله تعالى: {خافِضَةٌ رافِعَةٌ}.
أي هى خافضة ورافعة لأقدار الناس ومنازلهم، حيث ينزل كل إنسان منزله في هذا اليوم.. فريق في الجنة، وفريق في السعير.
قوله تعالى: {إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً}.
هذه الآيات، هى بيان لما يقع في هذا اليوم من أحداث، وكأنها جواب عن سؤال هو: متى تقع الواقعة؟ فجاء الجواب لا لبيان وقتها، وإنما لبيان الأهوال التي تطلع على الناس منها، فذلك هو المهمّ في هذا الأمر، وهو الذي ينبغى الالتفات إليه، والإعداد له، والعمل على النجاة منه.. أما الوقت الذي تقع فيه الواقعة، فليس بالأمر المهمّ، بعد أن تأكد أن وقوعها آت لا شكّ فيه. وإنما المهم هو الاستعداد للقاء هذا اليوم، الذي لا مفر منه.
ففى هذا اليوم ترجّ الأرض رجّا، أي تضطرب اضطرابا شديدا لما يجرى عليها من أحداث، حيث تندكّ الجبال، وتخر متداعية، متناثرة، فلا يبقى منها حجر على حجر، بل إن هذه الأحجار تتحول إلى ذرات تذروها الرياح كأنها العهن المنفوش.
فقوله تعالى: {وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا} أي طحنت طحنا.
وقوله تعالى {فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا} أي صارت ذرات منتثرة في الفضاء، كالغبار المتطاير مع الرياح.
هذا، وقد قلنا في أكثر من موضع إن هذا التبدل الذي يبدو من عوالم الوجود وكائناته، إنما هو لتبدّل موقف الإنسان من هذه العوالم، ولما تحدث من اختلاف بعيد بين معطيات جوارحه في الدنيا، ومعطياتها في الآخرة، حيث تنكشف له حقائق الموجودات.. إنّ الإنسان في هذه الدنيا يرى من الأمور ظواهرها، وظلالها، ولكنه في الآخرة يرى صميمها وحقيقتها.
فرجّ الأرض رجّا، هو ما تراه العين يوم القيامة، من وضع الأرض، حيث تبدو على حقيقتها، كرة معلقة في الفضاء، تجرى في سرعة عظيمة، أشبه بالبالونة بين يدى الريح.
وبثّ الجبال بثّا، حتى تكون كالهباء المنبث، المنتشر، هو ما تراه العين من الجبال. على مدى بعيد منها، حيث تبدو الجبال، وكأنها في صغرها الهباء المبثوث.
وقوله تعالى: {وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً} إشارة إلى ما يكون عليه الناس يومئذ، وهو أنهم يتناثرون، ويتفرقون فرقا ثلاثا، كل فرقة تجتمع إلى بعضها أزواجا، جن وإنس، أو ذكر وأنثى.
قوله تعالى: {فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}.
هو بيان للأزواج الثلاثة التي يضمها المحشر يومئذ من عالمى الجن والإنس، أو من ذكور الناس وإناثهم.
فأصحاب اليمين في جانب، وأصحاب الشمال في جانب، والسابقون في مكان فوق هؤلاء وأولئك جميعا.
وفى قوله تعالى: {ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ}.
استفهام يراد به إلفات الأبصار إلى أصحاب الميمنة، والإشارة إلى مكانهم الذي ينعمون هم فيه، وما يظلهم هناك من أمن وسكينة.
وفى قوله تعالى: {ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ} استفهام يراد به كذلك إلفات الأبصار إلى أصحاب المشئمة، والإشارة إلى مكان هؤلاء المناكيد، وما يغشاهم فيه من همّ وبلاء.
والميمنة، من اليمن، والبركة.
والمشئمة، من الشؤم، وسوء الحال.
والسابقون، هم أهل السابقة إلى الإيمان في كل أمة، ممن سبقوا إلى الإيمان باللّه، والاستجابة لرسل اللّه.. فهؤلاء في مكان مكين عند اللّه، لا يكاد يلحقهم فيه أحد ممن يجىء بعدهم، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا، وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى}! (10: الحديد) وفى تكرار السابقين في قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}.
إشارة إلى هذا المقام المكين الذي لهم عند ربهم، وأنهم في هذا المقام، لا يتحولون عنه، وهو مقام السبق أبدا.
فالسابقون الأولى مبتدأ، والسابقون الثانية خبر، أي السابقون هم السابقون دائما أبدا.
وفى تعريف طرفى الجملة- المبتدأ والخبر- ما يفيد القصر.. أي قصر السبق عليهم وحدهم، وأنهم كما سبقوا إلى الإيمان باللّه في الدنيا، سبقوا إلى اللّه سبحانه في الآخرة، وكانوا أول من ينزل ساحة فضله ورضوانه.
قوله تعالى: {أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} إشارة إلى هؤلاء السابقين، وإلى هذا المقام الكريم الذي أحلهم اللّه سبحانه وتعالى فيه يوم القيامة، وأنهم هم أهل القرب من اللّه سبحانه.
وقوله تعالى: {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ} هو بيان للحال التي يكون عليها هؤلاء السابقون المقربون.. فهم في جنات النعيم، على سرر {موضونة} أي مطرزة، ومكللة.
وهم على هذه السرر في حال من الطمأنينة، والأمن، والرضوان، حيث يتكئون على هذه والسّرر اتكاء استرواح واسترخاء، يقابل بعضهم بعضا، وينظر بعضهم إلى بعض، فيرى كل منهم في وجه أصحابه نضرة النعيم، فيزداد نعيما ورضوانا، بهذا النعيم، وذلك الرضوان، الذي يراه وقد فاض على كل من حوله.
وقوله تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} إشارة إلى أن أهل السبق هؤلاء، الذين ينعمون بهذا النعيم، هم {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ}.
والثلة: الجماعة الكثيرة من الناس، وهم أولئك الذين سبقوا إلى الإيمان من كل أمة، فكانوا بهذا أشبه بالأعلام المنصوبة، يقتدى الناس بهم، ويأخذون طريقهم.. فهم الذين ارتادوا لأقوامهم الطريق إلى الإيمان، واحتملوا مع الرسل سفه السفهاء، وجهل الجاهلين من أقوامهم.. فكان لهم بهذا فضل لا يشاركهم فيه. إلا أفراد قليلون ممن جاءوا بعدهم.. ولهذا جاء قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} مبينا أن من يلحق بهم من بعدهم هم قلة بالنسبة إليهم.. إذ كان ذلك المقام لا ينال إلا في صحبة الرسل. أو من تبلغ به تقواه، ومجاهدته أن يكون مجدّدا لدعوة الرسول، متابعا لشريعته، خطوة خطوة.
قوله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} أي يمر عليهم، وهم في متكئهم هذا- {وِلْدانٌ}، أي غلمان {مخلدون} أي خالدون في هذا الشباب الدائم، الذي لا يتحول أبدا.. فهم مخلدون في حالهم تلك، كما يخلد أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار.. أو أنهم مخلدون، أي تزين آذانهم بقروط من كريم المعادن، ونفيس الجواهر.
والأكواب: جمع كوب، وهو ما كان من الآنية بغير عروة.
والأباريق: جمع إبريق، وهو ما كان ذا عروة يمسك به منها.
والكأس: الإناء الذي يشرب فيه الخمر، ولا يسمى كأسا إلا إذا كان فيه الشراب.
والمعنى أن هؤلاء الولدان المخالدين الذين يلبسون ثوب الصبا أبدا، والذين تزين آذانهم بالقروط، دلالا وتنعما- يطوفون على هؤلاء المقربين بأكواب، وأباريق، وكئوس من معين، أي من عيون جارية من الخمر.
وفى جمع الأكواب، والأباريق، وإفراد الكئوس- إشارة إلى أن الأكواب والأباريق، هى التي تحمل الشراب لأهل المجلس، فإذا انتهى الولدان إليهم ملئوا لكل كأسه الذي يشرب منه، ولم يجيئوا إليهم بها مملوءة جميعها مرة واحدة.. ومثل هذا قوله تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا} [17: الإنسان] وقوله سبحانه: {يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ} [23: الطور].
قوله تعالى: {لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ} أي لا يصيبهم من شرب هذه الخمر ما يصيب شاربى خمر الدنيا من صداع، إذا جاوز الشارب قدرا معينا منها.. فهذه الخمر التي تقدّم لهؤلاء السابقين المقربين، لا يصيبهم منها هذا الصداع مهما شربوا منها، ومهما علّوا ونهلوا.
وقد ضمّن {يصدّعون} معنى الفعل {يصرفون} من غير أن يزايله المعنى الأصلى الذي له، وهو الصداع.. والمعنى أنهم لا يصرفون عن هذه الخمر بسبب صداع يصيبهم منها.. وهذا إعجاز من إعجاز النظم القرآنى.
وقوله تعالى: {وَلا يُنْزِفُونَ} أي لا يستهلكون لذتهم فيها يشرب ما يشربون منها، كما يحدث ذلك لشارب خمر الدنيا.. حيث تذهب لذة مدمنها بعد قدر محدود منها، بل إن لذتهم باقية أبدا، وإن ظلوا في شرب دائم لا ينقطع.
وهذا هو بعض الفرق بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة. فإن نعيم الدنيا- أو ما يسمى نعيما- إذا ناله المريء وأخذ منه حاجته، زهد فيه، وأصبح أىّ قدر يناله منه بعد هذا، مبعثا للألم، بل وضربا من العذاب.. أما نعيم الجنة، فإن لذته لا تنفد أبدا، ولا تنقطع شهوة المتصل به على امتداد الأزمان والآباد.. بل إنه كلما ازداد تناولا للشىء تجددت له لذات جديدة معه.
قوله تعالى: {وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ}.
أي ويطوف عليهم الولدان المخلدون كذلك بفاكهة كثيرة مختلفة، يتخيرون منها ما يشاءون.
قوله تعالى: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ}.
أي ويطوف عليهم الولدان بأنواع من لحوم الطير، مما تشتهيه أنفسهم وتطلبه.
قوله تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ}.
أي وتقبل عليهم، وتدعوهم إليهن {حور عين}.
والحور جمع حوراء، وهى التي في عينيها حور، وهو سواد في جفن العين يزيدها جمالا وفتنة.
والعين: جمع عيناء، وهى واسعة العينين، في جمال باهر، وسحر آسر.
وقوله تعالى: {كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ}.
أي متشابهات في حسنهن، وكمالهن، حتى لكأنهن حبات اللؤلؤ المصون، الذي لم يتغير لونه بالتعرض للشمس أو الهواء.
قوله تعالى: {جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ}.
أي أن كل هذا النعيم الذي يساق إلى هؤلاء المقربين، إنما هو جزاء لما كانوا يعملون في دنياهم من أعمال قائمة على ميزان الحق، والعدل، والإحسان.
قوله تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً}.
أي وفى هذا المجلس الكريم، الذي يضم أهل السبق والإحسان، والذي لا ينظرون فيه إلا وجوها مشرقة بنضرة النعيم، ولا يرد عليهم فيها إلا ولدان مخلدون يقومون على خدمتهم، وإلا حور عين مهيئين لهم- في هذا المجلس الكريم، لا يسمع أهله لاغية، ولا سخفا من لغو القول وهزله، وإنما يسمعون قولا كريما، هو {سلام}، سلام، من ربهم، أو من الملائكة الذين {يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ} أو مما يلقى به بعضهم بعضا من تحية كلها سلام في سلام.
فالاستثناء في قوله تعالى: {إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً} هو استثناء منقطع.
أو هو استثناء متصل يحمل معنى بلاغيا، هو تأكيد المدح بما يشبه الذم.
أي أنه إذا كان هناك من لغو أو تأثيم يسمعه أهل هذا المجلس الكريم، فهو هذا القول الذي يقال لهم في هذا المقام، وهو: سلام، سلام.. فإذا كان هذا هو اللغو والتأثيم، فكيف بما لا لغو فيه ولا تأثيم؟ وهذا غاية في تنزيه مجلسهم، وحفظ أسماعهم من أن يطوف بها شيء من اللغو أبدا.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال