سورة الحديد / الآية رقم 8 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ

الحديدالحديدالحديدالحديدالحديدالحديدالحديدالحديدالحديدالحديدالحديدالحديدالحديدالحديدالحديد




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (9) وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)}.
التفسير:
قوله تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}.
بعد هذا البيان المبين الذي عرضت فيه الآيات السابقة بعض ما للّه سبحانه وتعالى من قدرة، وتصريف في هذا الوجود، وماله من علم يحيط بكل شىء، وينفذ إلى خفايا الصدور، وخوالج النفوس- بعد هذا جاءت دعوة اللّه إلى عباده أن يستجيبوا للّه، وأن يؤمنوا به وبرسوله، وأن ينفقوا مما أعطاهم من فضله، وجعلهم خلفاءه فيه ووكلاءه عليه.. وأنه ليس للخليفة، أو الوكيل أن يخالف أمر من استخلفه أو وكله.
فالإيمان باللّه، والولاء له، والتصديق برسوله، هو حق الخالق على المخلوق.
والإنفاق من عطاء اللّه في سبيل اللّه، هو حق هذا العطاء، ومطلوب الشكر عليه.
ومع أن الإيمان باللّه، والإنفاق من مال اللّه في سبيل اللّه، هو حق مطلوب أداؤه، وأداء الحقوق، هو إبراء الذمة، لا يستوجب جزاء.. ومع هذا، فقد أوجب اللّه سبحانه على نفسه- فضلا وإحسانا- أن يجزى على أداء تلك الحقوق جزاء كريما، وأجرا كبيرا.. {فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} قوله تعالى {وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} بعد أن جاءت تلك الدعوة الآمرة الهاتفة بالإيمان باللّه والإنفاق في سبيله في قوله تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}، وبعد أن أعقب هذه الدعوة هذا الوعد الكريم من اللّه سبحانه وتعالى بالجزاء العظيم، والأجر الكبير لمن يستجيب لها- جاءت الآيات بعدها لتناقش هذه الدعوة، ولتلقى أولئك المترددين في قبولها، لقاء المنكر عليهم موقفهم هذا، المطالب لهم ببيان العلة أو العلل التي تحول بينهم وبين إجابة داعى اللّه الذي دعاهم.. {وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ؟} أي أىّ شيء يحول بينكم وبين الإيمان باللّه.. وهذا رسول اللّه إليكم، يدعوكم لتؤمنوا بربكم؟ لما ذا لا تجيبون دعوة اللّه وتؤمنون به؟
إن دعوتكم إلى الإيمان باللّه، وبعث رسول من عند اللّه إليكم بها، هو فضل من فضل اللّه عليكم، وإحسان من إحسانه إليكم، إذ كان من شأنكم أن تكونوا مؤمنين، من غير دعوة مجدّدة إليكم.. فلقد دعاكم اللّه سبحانه وتعالى إلى الإيمان من قبل، وأخذ ميثاقكم وأنتم في ظهور آبائكم، فأجبتم ولبيتم.. فما لكم لا تذكرون هذا الميثاق، ولا توفّون به؟ ثم مالكم إذ قد نقضتم الميثاق، أن تجددوه على يد الرسول الذي بعثه اللّه إليكم ليذكر كم به، ويقيمكم عليه؟.
وقوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
أي إن كنتم ما زلتم على إيمانكم باللّه الذي وثّقه معكم وأنتم في ظهور آبائكم- فما لكم لا تؤمنون بما يدعوكم إليه الرسول من إيمان، وهو إنما يدعوكم إلى هذا الإيمان الذي آمنتم به من قبل؟ وعلى هذا يكون مفهوم نظم الآية هكذا: {وما لكم لا تؤمنون باللّه إن كنتم مؤمنين} وأما قوله تعالى: {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ} فهما جملتان حاليتان تكشفان عن حال المخاطبين وهم يدعون إلى الإيمان ولا يجيبون دعوة الداعي.
وهذا يعنى أن دعوة الإسلام، هى دعوة تلتقى مع الفطرة التي فطر الناس عليها، وأن من يرفض هذه الدعوة أو ينكرها، فهو منحرف عن الفطرة، حائد عن طريقها.
والميثاق الذي أخذه اللّه سبحانه على الناس، هو فطرتهم التي أودعها فيهم، والتي يولد عليها كل مولود، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا بَلى!} [172: الأعراف].
فكل مولود يولد سليما معافى من داء الشرك والضلال، أشبه باللبن يخرج من الضرع.. وقد يتعرض هذا اللبن للعطب والفساد بما يعلق به من أفذار، وما يتخلّق من هذه الأقذار من جراثيم.
وفى الحديث الشريف: «كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه».
ودعوة الإسلام، هى دعوة إلى الفطرة، وإلى تطهيرها مما يكون قد علق بها من آفات.. {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها.. لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ.. ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ.. وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [30: الروم].
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ}.
هو بيان لفضل اللّه على عباده، إذ يجدّد دعوته إليهم، ويدعوهم إلى توثيق الميثاق الذي نقضوه، بما ينزل على عبده محمد صلوات اللّه وسلامه عليه، من آيات بينات، ليخرجهم بها من الظلمات إلى النور، وليعيد إليهم فطرتهم التي أفسدوها.. وهذا من رأفة اللّه سبحانه بعباده، ورحمته بهم.. {وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ}.
فسبحانه، سبحانه، من رب كريم، برّ رحيم!! وألا خسر وخاب من أعرض عن ربه، وأسلم زمامه ليد شيطانه!.
وفى قوله تعالى: {ينزل} إشارة إلى أن القرآن لم يكن قد تمّ نزوله بعد، وأنه مازال يتنزل حالا بعد حال.
وفى قوله تعالى: {عَلى عَبْدِهِ} دون أن يذكر اسم هذا العبد- إشارة إلى أنه هو عبد اللّه، الذي تتحقق فيه صفة العبودية الكاملة للّه، حتى أنه إذا أضيف إليه هذا العبد من غير ذكر اسمه، لم يكن المقصود إلا هو، وهو محمد صلوات اللّه وسلامه عليه.. وهذا مقام جليل لا يبلغه أحد من عباد اللّه.. فصلى اللّه عليك يا رسول اللّه، وعلى آلك، والمهتدين بهداك، وسلم تسليما كثيرا كثيرا.
قوله تعالى: {وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ؟ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ.. أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا.. وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى.. وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.}.
والشقّ الآخر من شقّى الدعوة التي يدعو اللّه سبحانه عباده إليها، بعد الإيمان به، هو الإنفاق في سبيله.
فإذا استجاب العبد لدعوة اللّه، وآمن به، فلم لا ينفق في سبيله؟
ولم يمسك هذا المال الذي آتاه اللّه؟ ولم يضنّ به على الإنفاق فيما يدعوه.
إليه؟ أله شيء من هذا المال؟ أليس هذا المال من مال اللّه؟ وهل يملك أحد شيئا، مع اللّه سبحانه الذي له ملك السموات والأرض؟ وهل يبقى هذا المال في يد ممسكيه إلى الأبد؟ وكيف.. وللّه ميراث السموات والأرض؟ فمن أمسك هذا المال الذي في يده، فهو صائر يوما إلى غيره.
ثم هو صائر آخر الأمر إلى اللّه سبحانه وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ} [40: مريم].
وقوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا} هو خطاب للمنفقين في سبيل اللّه، وأنهم ليسوا على درجة واحدة في الثواب والجزاء على ما أنفقوا.
فالذين أنفقوا- ولو قليلا- في ساعة العسرة، وفى حال كان الإسلام فيها في دور الامتحان والابتلاء، لم تثبت قدمه بعد، ولم يتمكن سلطانه- الذين أنفقوا في هذه الحال، وقاتلوا، هم أعظم درجة من الذين أنفقوا وقاتلوا بعد الفتح، وبعد أن علت راية الإسلام، وانجحر الشرك، ودالت دولة المشركين.
فالذين أنفقوا وقاتلوا قبل الفتح- وهو فتح مكة، أو صلح الحديبية- إنما كانوا ينفقون ويقاتلون ابتغاء وجه اللّه، من غير أن ينظروا إلى مغانم تقع لأيديهم، ومن غير أن يكون لسلطان الإسلام قوة قاهرة تدعوهم إليه، أو سلطان ظاهر يغريهم به، وإنما أنفقوا ما أنفقوا من أموال ونفوس، لما وقع في نفوسهم من إيمان باللّه، وطمع في رضوانه.
وهؤلاء هم الذين أشار إليهم سبحانه وتعالى بقوله: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [10- 11 الواقعة].
كما أشار إليهم سبحانه بقوله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [100: التوبة].
أما الذين أنفقوا بعد الفتح، وقاتلوا في سبيل اللّه، فإنما ينفقون ويقاتلون، وقد أنفق الناس جميعا وقاتلوا، سواء منهم من نظر إلى سلطان الإسلام، أو لم ينظر.. وشتان بين منفق ومنفق، ومقاتل ومقاتل.
فتلك حال وهذه حال، ولكلّ من الحالين حساب وتقدير..!
وقوله تعالى: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى} أي أن كلا من الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، والذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا- هؤلاء وهؤلاء قد وعدهم اللّه الحسنى، أي المنزلة الحسنى، أو العاقبة الحسنى.
فهم جميعا في رضوان اللّه.. وإن اختلفت حظوظهم ومنازلهم من هذا الرضوان.
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} إشارة إلى ما يصحب هذه الأعمال من نيّات.. فقد يتلبس العمل السابق بنية تحبطه، لأنه لم يكن خالصا لوجه اللّه.. وقد يجىء العمل المتأخر مصحوبا بنية خالصة لوجه اللّه، فيسبق المتأخر المتقدم.. «وإنما لكل امرئ ما نوى».
وهذا مما يعلمه اللّه سبحانه وتعالى من عباده، وما انعقدت عليه نياتهم.
وفى قوله تعالى: {أَنْفَقَ وقاتَلَ} وفى الجمع بين الانفاق والقتال في سبيل اللّه- في هذا إشارة إلى أن الإنفاق ليس مقصورا على المال وحده، وإنما هو إنفاق من النفوس، وبذلها في سبيل اللّه.. فمن لم يكن ذا مال لم يحرم اللّحاق بالمنفقين من أموالهم، وذلك بالإنفاق من ذات نفسه، ومن كان ذا مال لم يمنعه الإنفاق من ماله أن ينفق من ذات نفسه، فيجمع إحسانا إلى إحسان، وقد يكون الإنفاق إلى جانب النفس والمال، إنفاقا من حصافة الرأى، وحسن التدبير، والنّصح للمؤمنين.
قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} هو دعوة كريمة من رب كريم، إلى أن يقرضه المؤمنون مما أعطاهم، فيضاعف لهم هذا القرض، ويجزيهم عليه الجزاء الأوفى.
وإنه ليس بعد هذا عذر لمعتذر ممن يؤمنون باللّه واليوم الآخر في ألّا يجيبوا دعوة اللّه سبحانه وتعالى، وألّا ينفقوا مما خولهم إياه، وجعله ملكا خالصا لهم، فيأخذ منهم ما أنفقوا أخذ المقترض، الذي يشكر لمقرضه، ويحمد صنيعه معه.. فسبحانه سبحانه من رب بر رحيم!!! والقرض الحسن، هو أن يكون من مال مكتسب من حلال، وأن يكون من أكرم مال المنفق وآثره عنده، وأن يخرجه من يده عن طيب خاطر، ورضا نفس، وأن يكون الإنفاق والنفس راغبة في الحياة، مقبلة عليها، لا بعد أن يهرم المرء ويذهب شبابه، وتنطفىء حدة رغباته، وشهواته.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال