سورة الحديد / الآية رقم 16 / تفسير تفسير القرطبي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ يَوْمَ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العَذَابُ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الغَرُورُ فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ المَصِيرُ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ إِنَّ المُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ

الحديدالحديدالحديدالحديدالحديدالحديدالحديدالحديدالحديدالحديدالحديدالحديدالحديدالحديدالحديد




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)}
قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} أي يقرب ويحين، قال الشاعر:
ألم يأن لي يا قلب أن أترك الجهلا *** وأن يحدث الشيب المبين لنا عقلا
وماضيه أنى بالقصر يأنى. ويقال: آن لك- بالمد- أن تفعل كذا يئين أينا أي حان، مثل أنى لك وهو مقلوب منه. وأنشد ابن السكيت:
ألما يئن لي أن تجلى عمايتي *** وأقصر عن ليلى بلى قد أنى ليا
فجمع بين اللغتين. وقرأ الحسن {ألما يأن} واصلها {ألم} زيدت {ما} فهي نفي لقول القائل: قد كان كذا، و{لم} نفي لقوله: كان كذا.
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} إلا أربع سنين. قال الخليل: العتاب مخاطبة الا دلال ومذاكرة الموجدة، تقول عاتبته معاتبة {أَنْ تَخْشَعَ} أي تذل وتلين {قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}
روي أن المزاح والضحك كثر في أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ترفهوا بالمدينة، فنزلت الآية، ولما نزلت هذه الآية قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله يستبطئكم بالخشوع» فقالوا عند ذلك: خشعنا.
وقال ابن عباس: إن الله استبطأ قلوب المؤمنين، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن.
وقيل: نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة. وذلك أنهم سألوا سلمان أن يحدثهم بعجائب التوراة فنزلت: {الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ} إلى قوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} الآية، فأخبرهم أن هذا القصص أحسن من غيره وأنفع لهم، فكفوا عن سلمان، ثم سألوه مثل الأول فنزلت: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} فعلى هذا التأويل يكون الذين آمنوا في العلانية باللسان. قال السدي وغيره: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} بالظاهر وأسروا الكفر {أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}.
وقيل: نزلت في المؤمنين. قال سعد: قيل يا رسول الله لو قصصت علينا فنزل: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} فقالوا بعد زمان: لو حدثتنا فنزل: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} فقالوا بعد مدة: لو ذكرتنا فأنزل الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} ونحوه عن ابن مسعود قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين، فجعل ينظر بعضنا إلى بعض ويقول: ما أحدثنا؟ قال الحسن: استبطأهم وهم أحب خلقه إليه.
وقيل: هذا الخطاب لمن آمن بموسى وعيسى دون محمد عليهم السلام لأنه قال عقيب هذا: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} أي ألم يأن للذين آمنوا بالتوراة والإنجيل أن تلين قلوبهم للقرآن، وألا يكونوا كمتقدمي قوم موسى وعيسى، إذ طال عليهم الأمد بينهم وبين نبيهم فقست قلوبهم. قوله تعالى: {وَلا يَكُونُوا} أي وألا يكونوا فهو منصوب عطفا على {أَنْ تَخْشَعَ}.
وقيل: مجزوم على النهي، مجازه ولا يكونن، ودليل هذا التأويل رواية رويس عن يعقوب {لا تكونوا} بالتاء، وهي قراءة عيسى وابن اسحق. يقول: لا تسلكوا سبيل اليهود والنصارى، أعطوا التوراة والإنجيل فطالت الأزمان بهم. قال ابن مسعود: إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد قست قلوبهم، فاخترعوا كتابا من عند أنفسهم استحلته أنفسهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم، حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، ثم قالوا: اعرضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل، فإن تابعوكم فاتركوهم وإلا فاقتلوهم. ثم اصطلحوا على أن يرسلوه إلى عالم من علمائهم، وقالوا: إن هو تابعنا لم يخالفنا أحد، وإن أبى قتلناه فلا يختلف علينا بعده أحد، فأرسلوا إليه، فكتب كتاب الله في ورقة وجعلها في قرن وعلقه في عنقه ثم لبس عليه ثيابه، فأتاهم فعرضوا عليه كتابهم، وقالوا: أتؤمن بهذا؟ فضرب بيده على صدره، وقال: آمنت بهذا يعني المعلق على صدره. فافترقت بنو إسرائيل على بضع وسبعين ملة، وخير مللهم أصحاب ذي القرن. قال عبد الله: ومن يعش منكم فسيرى منكرا، وبحسب أحدكم إذا رأى المنكر لا يستطيع أن يغيره أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره.
وقال مقاتل بن حيان: يعني مؤمني أهل الكتاب طال عليهم الأمد واستبطئوا بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ} يعني الذين ابتدعوا الرهبانية أصحاب الصوامع.
وقيل: من لا يعلم ما يتدين به من الفقه ويخالف من يعلم.
وقيل: هم من لا يؤمن في علم الله تعالى. ثبتت طائفة منهم على دين عيسى حتى بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فآمنوا به، وطائفة منهم رجعوا عن دين عيسى وهم الذين فسقهم الله.
وقال محمد بن كعب: كانت الصحابة بمكة مجدبين، فلما هاجروا أصابوا الريف والنعمة، ففتروا عما كانوا فيه، فقست قلوبهم، فوعظهم الله فأفاقوا.
وذكر ابن المبارك: أخبرنا مالك بن أنس، قال: بلغني أن عيسى عليه السلام قال لقومه: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى فتقسو قلوبكم، فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون. ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب وانظروا فيها- أو قال في ذنوبكم- كأنكم عبيد، فإنما الناس رجلان معافى ومبتلى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية. وهذه الآية {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} كانت سبب توبة الفضيل بن عياض وابن المبارك رحمهما الله تعالى. ذكر أبو المطرف عبد الرحمن بن مروان القلانسي قال: حدثنا أبو محمد الحسن ابن رشيق، قال حدثنا علي بن يعقوب الزيات، قال حدثنا إبراهيم بن هشام، قال حدثنا زكريا ابن أبي أبان، قال حدثنا الليث بن الحرث قال حدثنا الحسن بن داهر، قال سئل عبد الله بن المبارك عن بدء زهده قال: كنت يوما مع إخواني في بستان لنا، وذلك حين حملت الثمار من ألوان الفواكه، فأكلنا وشربنا حتى الليل فنمنا، وكنت مولعا بضرب العود والطنبور، فقمت في بعض الليل فضربت بصوت يقال له راشين السحر، وأراد سنان يغني، وطائر يصيح فوق رأسي على شجرة، والعود بيدي لا يجيبني إلى ما أريد، وإذا به ينطق كما ينطق الإنسان- يعني العود الذي بيده- ويقول: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} قلت: بلى والله! وكسرت العود، وصرفت من كان عندي، فكان هذا أول زهدي وتشميري. وبلغنا عن الشعر الذي أراد ابن المبارك أن يضرب به العود:
ألم يأن لي منك أن ترحما *** وتعص العواذل واللوما
وترثي لصب بكم مغرم *** أقام على هجركم مأتما
يبيت إذا جنه ليله *** يراعي الكواكب والانجما
وماذا على الظبي لو أنه *** أحل من الوصل ما حرما
وأما الفضيل بن عياض فكان سبب توبته أنه عشق جارية فواعدته ليلا، فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع قارئا يقرأ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} فرجع القهقرى وهو يقول: بلى والله قد آن فآواه الليل إلى خربة وفيها جماعه من السابلة، وبعضهم يقول لبعض: إن فضيلا يقطع الطريق. فقال الفضيل: أواه! أراني بالليل أسعى في معاصي الله، قوم من المسلمين يخافونني! اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي إليك جوار بيتك الحرام.
قوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها} أي {يُحْيِ الْأَرْضَ} الجدبة {بَعْدَ مَوْتِها} بالمطر.
وقال صالح المري: المعنى يلين القلوب بعد قساوتها.
وقال جعفر ابن محمد: يحييها بالعدل بعد الجور.
وقيل: المعنى فكذلك يحيي الكافر بالهدى إلى الايمان بعد موته بالكفر والضلالة.
وقيل: كذلك يحيي الله الموتى من الأمم، ويميز بين الخاشع قلبه وبين القاسي قلبه. {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي إحياء الله الأرض بعد موتها دليل على قدرة الله، وأنه لمحيي الموتى.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال