سورة الحشر / الآية رقم 5 / تفسير تفسير البقاعي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الفَاسِقِينَ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ لِلْفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ

الحشرالحشرالحشرالحشرالحشرالحشرالحشرالحشرالحشرالحشرالحشرالحشرالحشرالحشرالحشر




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


ولما دل هذا على غاية الوهن منهم فكان موضع التعجب من الكف عن قتلهم، بين أن السبب في ذلك أمره الباهر وعزه القاهر حثاً على ما ختم به الآية السابقة من الاعتبار والتدبر والاستبصار فقال: {ولولا أن كتب الله} أي فرض فرضاً حتماً الملك الذي له الأمر كله، ودل على أنه كتب إذلالاً وإخزاء بقوله: {عليهم} أي بخصوصهم فيما كتب على بني إسرائيل في الأزل كما كتب على بني قينقاع {الجلاء} أي الخروج من ديارهم والجولان في الأرض، فأما معظمهم فأجلاهم بخت نصر من بلاد الشام إلى العراق، وأما هؤلاء فحماهم الله بمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك الجلاء وجعله على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلاهم فذهب بعضهم إلى خيبر وبعضهم إلى الشام مرة بعد مرة {لعذبهم في الدنيا} أي بالسيف كما سيفعل بأحوالهم من بني قريظة الذين كتب عليهم العذاب دون الجلاء من قتل المقاتلة وسبي الذرية، فإنه تعالى قد قضى قضاء حتماً أنه يطهر المدينة بلد الوحي منهم.
ولما كان التقدير: ولكنه كتب عليهم ذلك فهو عذابهم الآن في الدنيا لا محالة وإن اجتمع أهل الأرض على نصرهم، عطف عليه قوله على طريق التهكم بالتعبير بأداة النفع: {ولهم} أي على كل حال أجلوا أو تركوا {في الآخرة} التي هي دار البقاء {عذاب النار} وهو العذاب الأكبر.
ولما أخبر بما نالهم في الدنيا وينالهم في الآخرة، علله بقوله: {ذلك} أي الأمر العظيم الذي فعله بهم من الجلاء ومقدماته في الدنيا ويفعله بهم في الآخرة {بأنهم} ولما كانوا قد ضموا فى هذه القضية إلى ما كانوا عليه من الكفر الظاهر كفراً باطناً بما أرادوا من إلقاء الرحى وغيره من الأذى مكراً منهم، أدغم في قوله: {شاقوا الله} أي الملك الأعلى الذي له الإحاطة التامة، فكانوا في شق غير شقه بأن صاروا في شق الأعداء المحاربين بعد ما كانوا في شق الموادعين.
ولما جارى رسول الله صلى الله عليه وسلم إخفاءهم لما أرادوا أن يفعلوا به بالإخفاء لخلاصه منهم بأن رجع إلى المدينة الشريفة وترك أصحابه رضي الله عنهم عندهم قال: {ورسوله} الذي إجلاله من إجلاله. ولما أخبر بفعله وبسببه، عطف عليه تأكيداً لمضمونه وإفاده لأنه يفعل في غيرهم ممن كان على أمرهم أعظم من فعلهم فقال: {ومن يشاق الله} أي يوقع في الباطن مشاققة الملك الأعلى الذي لا كفوء له في الحال أو الماضي أو الاستقبال سواء أبطن معها مشاققة أخرى أو لا، وترك الإدغام على حاله لأنهم ما أظهروا معاداة وإنما كان ما فعلوا مكراً ومساترة، وذلك أخف من المجاهرة، وأظهر في الأنفال لقوة أمر المجاهرين كما مضى، ولم يعد ذكر الرسول تفخيماً له بإفهام أن مشاققته مشاققة لله من غير مثنوية أصلاً، وإشارة إلى أنهم بالغوا في إخفاء مشاققتهم، فلم يظهر عليها غير الله، فلم يحصل منهم في ذلك مفاعلة بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لم يمكر بهم، وإنما جاهرهم حين أعلمه الله بمكرهم بخلاف ما تقدم في الأنفال، فإن المقام اقتضى هناك الذكر لأنهم مكروا به كما قال تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا} [الأنفال: 30] الآية وهو صلى الله عليه وسلم أخفى أمر هجرته وأعمل الحيلة في الخلاص من مكرهم على حسب ما أمره الله به فحصلت المفاعلة في تحيز كل من الفريقين إلى شق غير شق الآخرة خفية {فإن الله} أي المحيط بجميع العظمة يشدد عقابه له لأنه {شديد العقاب} وذلك كما فعل ببني قريظة بعد هذا حيث نقضوا عهدهم وأظهروا المشاققة في غزوة الأحزاب وكما فعل أهل خيبر، وكانوا يماكرون ويساترون في الأولى عند فتحها وفي الثانية عند إجلائهم منها، فقد سوى بين المساترين والمجاهرين في العذاب وهو للمجاهرين أشد عذاباً كما هو واضح.
ولما دل سبحانه على عزته وحكمته بما فعل ببني النضير الذين يقولون إنهم أشجع الناس وأشدهم شكيمة بما لهم من الأصالة والاصطفاء على العالمين، مع التأييد بالكتاب والحكمة، وختم بأن من شاق رسوله فقد شاقه، ومن شاقه فقد شدد عقابه، أتبعه بيان ما عاقبهم به من قطع الصحابة رضي الله عنهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لنخلهم الذي هو أعز عليهم من أبكارهم وهم ينظرون إليه لا يغنون شيئاً ولا منعة لديهم فقال: {ما} وهي شرطية وأتبعها بشرطها الناصب لها فقال: {قطعتم} أي كل ما قطعتموه، وبين ما في {ما} من الإبهام بقوله معبراً عن النخل، بما يفيد نوعه وأنه هان عليهم القطع ولان: {من لينة} وهي ضرب من النخل، قال ابن إسحاق: هو ما خالف العجوة من النخل، وقال ابن هشام: اللينة من الألوان، وهي ما لم يكن برنية ولا عجوة من النخل فيما حدثني أبو عبيدة- انتهى. وقال صاحب القاموس اللون: الدقل من النخل، وهي جماعة واحدتها لونه ولينة، قال المهدوي: وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً أنها لون من النخل، وقال البغوي: ورواية زاذان عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقطع نخلهم إلا العجوة. وأهل المدينة يسمون ما خلا العجوة من التمر الألوان واحدها لون ولينة، وقال عطية والحسن ومجاهد وابن زيد وعمرو بن ميمون: اللينة: النخلة، اسمان بمعنى واحد، وجمعها لين وليان، وقال سفيان الثوري: اللينة ما تمرها لون وهو نوع من التمر شديد الصفرة يشف عن نواة فيرى من خارج، قال البغوي: يغيب فيها الضرس، وكان من أجود تمرهم وأعجبها إليهم، وكانت النخلة الواحدة ثمنها ثمن وصيف أحب إليهم من وصيف، فلما رأوهم يقطعونها شق عليهم وقالوا للمؤمنين: إنكم تكرهون الفساد وأنتم تفسدون، دعوا هذه النخلة، فإنما هي لمن غلب عليها، وقال الرازي في اللوامع واختلاف الألوان فيها ظاهر لأنها أول حالها بيضاء كصدف مليء درّاً منضداً، ثم غبراء ثم خضراء كأنها قطع زبرجد خلق فيها الماء ثم حمراء كأنها ياقوت رص بعضه ببعض ثم صفراء كأنها شذو عقيان، ولذلك إذا بلغ الإرطاب نصفها سميت مجزعة لاختلاف ألوانها الجزع الظفاري.
ولما كان ما فسر بمؤنث هو اللينة، أعاد الضمير مؤنثاً فقال: {أو تركتموها} ولما كان الترك يصدق ببقائها مغروسة أو مقطوعة قال: {قائمة} ولما كان المراد نخيلاً كثيرة لإرادة الجنس قال: {على أصولها} بجمع الكثرة {فبإذن الله} أي فقطعها بتمكين الملك الأعظم ورضاه، قال القشيري: وفي هذا دليل على أن الشريعة غير معللة وإذا جاء الأمر الشرعي بطل طلب التعليل وسكتت الألسنة عن التقاضي ب (لِمَ) وحضور الاعتراض والاستقباح بالبال خروج عن حد العرفان.
ولما فطم عن طلب العلل خطاباً للكمل، طيب قلوب من دونهم بعلة معطوفة على ما تقديره: فليس ذلك بفساد ولكنه صلاح أذن لكم فيه ليشفي به صدور المؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم، فقال واضعاً موضع ضميرهم ظاهراً يدل على ما أوجب خزيهم: {وليخزي الفاسقين} الذين هم أصلاء في المروق من دائرة الحق بأن يذلهم ويفضحهم ببيان كذبهم في دعواهم العز والشجاعة والتأييد من الله لأنهم على الدين الحق وأنه لا يتطرق إليه نسخ، وروى أبو يعلى عن جابر رضي الله عنه أنه قال: رخص لهم في قطع النخل ثم شدد عليهم فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! علينا إثم فيما قطعنا أو علينا فيما تركنا، فأنزل الله الآية- انتهى وكان ناس من المؤمنين مالوا إلى الكف عن القطع لما سموه اليهود فساداً وطائفة أشاروا بالاستمرار على القطع لأنه يغيظهم، فصوب سبحانه في الآية من أمر بالكف وحلل من أشاروا بالاستمرار بالقطع من الإثم، فدلت الآية على جواز إفساد أموال أهل الحرب على أي حال كان مثمراً كان أو لا بالتحريق والتغريق والهدم وغيره لإخزائهم بذلك.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال