سورة الممتحنة / الآية رقم 4 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلادُكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ

الممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)}.
التفسير:
قوله تعالى: {قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}.
الأسوة: القدوة، وهى من التأسىّ بمن هو في مقام الفضل والإحسان، في الأمر الذي يتأسى به فيه.. وقد غلب على الأسوة أن تكون في الأمور الحسنة، وفى وصفها بالحسنة هنا، تأكيد لتلك الصفة الغالبة عليها، فقد يتأسّى المرء بما هو غير حسن، وهو في ظنه أنه حسن.
وفى تأسّى المؤمنين بإبراهيم عليه السلام، وبالمؤمنين معه وهم الأنبياء وأتباعهم من المؤمنين، الذين جاءوا بعد إبراهيم- وسمّوا هؤلاء مع إبراهيم، لأنهم كانوا جميعا على دين اللّه الذي آمن به، كما كان معظم الأنبياء من ذريته- وفى أخذهم الموقف الذي وقفه إبراهيم ومن معه من الأنبياء والمؤمنين- من قومهم، إذ تبرءوا من أقوامهم، ومما يعبدون من دون اللّه، وكفروا بهم وبمعبوداتهم وأظهروا لهم العداوة، وجاهروهم بها، وأنها عداوة دائمة حتى يؤمن هؤلاء الكافرون باللّه وحده لا شريك له، فإن آمنوا انقطعت هذه العداوة، وقام مقامها الحب الذي بين المؤمنين والمؤمنين- في هذا التأسّى توجيه للمؤمنين إلى ما ينبغى أن يكون عليه إيمانهم.
فهذا هو الإيمان، الذي يخلى قلب المؤمن من كل مشاعر الودّ والمحبة لمن حادّ اللّه وكفر به.. {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [22: المجادلة].
وقوله تعالى: {إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} هو استثناء من التأسّى بإبراهيم عليه السلام، في هذا الموقف الذي وقفه من أبيه، والذي كان موضع عتاب من اللّه سبحانه وتعالى لخليله إبراهيم عليه السلام.. ومع هذا، فقد كان استغفار إبراهيم لأبيه عن موعدة وعدها إياه، إذ قال لأبيه: {سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا} [47: مريم].. وقد كان إبراهيم بهذا الاستغفار يطمع في أن يهدى اللّه أباه إلى الإيمان، ولكن أباه كان عند اللّه من الكافرين.
فلما تبين لإبراهيم هذا من أبيه، تبرأ منه كما تبرأ من قومه الكافرين، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [114: التوبة].
وقوله تعالى: {وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} هو حال من فاعل مقول القول: {لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ}.
أي والحال أنى لا أملك لك من اللّه من شىء.
وقوله تعالى: {رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}.
هو من قول إبراهيم والذين معه، في مواجهة أقوامهم، إذ قالوا لهم:
{إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} ويكون قوله تعالى:
{إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ} كلام معترض، خاص بمقولة إبراهيم لأبيه، والتي لم يشاركه فيها الذين آمنوا معه.
قوله تعالى: {رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
هو من مقول قول إبراهيم والذين معه.. وهو دعاء يتجهون به إلى اللّه سبحانه وتعالى ألا يجعلهم فتنة للذين كفروا بمعنى ألا يغرى بهم الذين كفروا، فتشتد عداوتهم للّه، وتغلظ فتنتهم، وضلالهم، بسبب العناد الذي يحملهم على ألا ينظروا إلى ما في أيدى المؤمنين من هدى وإيمان.
وبهذا يشتد غضب اللّه عليهم، وتنزل نقمته بهم، وكأنّ المؤمنين بهذا هم الذين ساقوهم إلى هذا الكفر الغليظ، وهذا من شأنه أن يدخل في شعور المؤمنين بأنهم بإيمانهم قد حملوا الكافرين على أخذ طريق غير طريق المؤمنين.. وفى هذا يقول اللّه تعالى على لسان قوم نوح: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [111: الشعراء] ويقول سبحانه على لسانهم أيضا: {فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ} [27: هود].. ويقول سبحانه على لسان المشركين الذين كذبوا رسول اللّه: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ} [11: الأحقاف].
واليهود، كانوا قبل مبعث النبي- صلوات اللّه وسلامه عليه- ينتظرون بعثته، فلما سبقهم الأنصار إلى الإيمان به، حملهم الحسد على أن يكذّبوا برسول اللّه، بل ويكيدوا له، ويؤلبوا المشركين على حربه.
وفى هذا يقول اللّه تعالى فيهم: {وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ} [89: البقرة] ويجوز أن يكون المعنى على طلب المؤمنين الحماية من اللّه سبحانه وتعالى لهم، من أن يفتنوا في دينهم، بما يرميهم به الذين كفروا من مكاره، وما يسوقون إليهم من أذّى.
ويجوز كذلك أن يكون المعنى متضمنا الوجهين معا، وهو ألا يكون المؤمنون فتنة للكافرين، وألا يكون الكافرون فتنة للمؤمنين.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} [20: الفرقان] وفى قوله تعالى: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} إشارة إلى قدرة اللّه وعزّته التي يعزّ بها المؤمنين، ويحميهم من أذى الكافرين، حتى لا يفتنوا في دينهم.. وعزّة اللّه عزّة قائمة على الحكمة، فكل ما يصدر عن قوة اللّه، وعزته، هو عن حكمة محكمة، لا عن هوّى، وتسلط، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.
قوله تعالى: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} هو توكيد للدعوة التي دعى إليها المؤمنون ليتأسّوا بإبراهيم والذين معه، بعد أن تبين لهم موقف إبراهيم، ومن معه، من أقوامهم.. فقد دعى المؤمنون أولا إلى التأسى بإبراهيم ومن معه قبل أن يعرفوا الوجه الذي يتأسّون به منهم، فلما تبيّن لهم هذا الوجه، وهو موقفهم المجانب لقومهم، المتبرئ منهم ومن كفرهم- حسن أن يدعى المؤمنون بعد هذا دعوة مجدّدة إلى ما دعوا إليه أولا، حيث عرفوا موضع الأسوة في إبراهيم ومن معه.. ولهذا جاءت الدعوة الثانية مؤكّدة بمؤكدين.. اللام، وقد.. {لَقَدْ}: على حين جاءت الدعوة لأولى مؤكدة بمؤكد واحد: {قد}.
والجملة الخبرية هنا، وهناك، مراد بها الطلب، أي الأمر بالتأسى، لا مجرد الخبر.. أي تأسّوا أيها المؤمنون بإبراهيم والذين معه، وقفوا من قومكم موقفهم من أقوامهم.. فذلك التأسى هو شأن من كان يرجو اللّه واليوم الآخر، حيث يكون ولاؤه للّه وللمؤمنين، ذلك الولاء الذي يقضى بأن يقطع كلّ ولاء مع المشركين والكافرين، ولو كانوا آباء، أو أبناء.
قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} أي ومن يعرض عن موالاة اللّه والمؤمنين، ويؤثر موالاة أهله، وعشيرته من المشركين- {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ} الذي لا ينفعه ولاء من والاه، ولا يضره عداوة من عاداه.
إنه سبحانه هو الغنى غنى مطلقا عن كل ما في هذا الوجود، لأنه موجود بكمالاته كلها قبل أن يوجد هذا الوجود.. وهو سبحانه {الحميد} الذي يحمد لعباده المؤمنين إقبالهم عليه، وموالاتهم له، وإن كان في غنى عن هذا الإيمان، وهذا الولاء.. فذلك الحمد، هو فضل، وإحسان منه، إلى عباده المؤمنين المحسنين.
قوله تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} في الآية الكريمة عزاء للمؤمنين عن هذه القطيعة التي تقع بينهم وبين ذوى قراباتهم وأصدقائهم من المشركين، وإنه لكيلا تبلغ هذه القطيعة مداها، وتأخذ مكانا متمكنا في النفوس، وتنبت في صحرائها أشواك الضغينة والحقد التي لا يمكن اقتلاعها.. جاءت الآية الكريمة، لتقيم المسلمين على قطيعة موقوتة مع أهليهم، وعلى جفاء يرتقب له اليوم الذي ينتهى فيه، وذلك أن كثيرا من هؤلاء المشركين لم يقع اليأس بعد من دخولهم في الإسلام، وأن كثيرا منهم سيدخل في دين اللّه، ويجاهد مع المجاهدين في سبيل اللّه.. ويومئذ يلتقى الأهل جميعا على الأخوة في اللّه، كما التقوا من قبل على الأخوة في القرابة والنسب.
وقوله تعالى: {عسى} الذي يدل على الرجاء، هو منظور فيه إلى المؤمنين، وما ينبغى أن يساق إلى قلوبهم من مشاعر الرجاء والأمل، حيث يقيمهم هذا الشعور من أهلهم المشركين، في مقام بين اليأس والرجاء، في أن تجمعهم يوما جامعة تؤلف بينهم.. وبهذا الشعور يقتصد المبالغون في العداوة لأهليهم، كما يقتصد المتراخون في قطع حبال الود معهم.
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ قَدِيرٌ} إشارة إلى ما للّه سبحانه وتعالى من قدرة على أن يفتح قلوب هؤلاء المشركين للإيمان، وأنه سبحانه قادر على أن يجعل من العداوة القائمة بين المؤمنين وهؤلاء المشركين، رحمة ومودة.
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} إشارة إلى ما عند اللّه سبحانه من مغفرة ورحمة لمن جاوز الحدّ في العداوة، أو غلبته حال من الولاء لأهله، فإن أبواب المغفرة والرحمة مفتحة لكل من يتجه إلى اللّه طالبا مغفرته ورحمته.
كما أن مغفرة اللّه ورحمته تنال هؤلاء المشركين، إذا هم دخلوا في دين اللّه، وعندئذ يغفر لهم ما كان منهم من أذى وضرّ للنبى والمؤمنين، ويلحقهم بركب المؤمنين الذين سبقوهم إلى الإيمان.
قوله تعالى: {لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} القسط: العدل، والقسطاس: الميزان الذي يوزن به.
والمقسط: العادل، الذي يقيم ميزان العدل.. والقاسط: الظالم، الجائر.. يقال:
أقسط، أي عدل، وقسط: أي جار وظلم.
والآية الكريمة تدعو إلى هذا المبدأ العام الذي قامت عليه الشريعة السمحاء، من الإخاء الإنسانى، القائم على العدل والإحسان.. وأن هذه القطيعة التي فرضها الإسلام على المسلمين فيما بينهم وبين أهلهم من المشركين- إنما هى قطيعة لقوم قطعوا أرحام قومهم، وقاتلوهم، وأخرجوهم من ديارهم.. إنهم في حال حرب، معهم لم تنته بعد، وأن المشركين ما زالوا ينتظرون الفرصة التي تمكنهم من المؤمنين.. وفى موالاة المؤمنين لهم توهين للمؤمنين، وتمكين للمشركين من مقاتلهم.
فإذا لم يكن من قوم عداوة بادية للمؤمنين، أو قتال لهم، أو مساندة لمن قاتلهم- فإن موقف المؤمنين من هؤلاء القوم، ينبغى أن يقوم على السماحة، وعلى العدل والإحسان.. {لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
وفى قوله تعالى: {وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} تضمين للفعل معنى الإحسان، بمعنى وتحسنوا إليهم، بالعدل الذي تقيمون ميزانه بينكم وبينهم.. هذا، ويرى كثير من المفسرين أن هذه الآية منسوخة بآية السيف.. وإنه لا معتبر لهذا الرأى الذي يعمّى ويشوش على سماحة هذه الشريعة، وإنسانيتها.. وممّن سفّه هذا الرأى الإمام الطبري في تفسيره، فرضى اللّه عنه.
قوله تعالى: {إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
أما هؤلاء الذين قاتلوا المؤمنين في الدين، أي من أجل الدين، وأخرجوهم من ديارهم، وظاهروا، أي أعانوا على إخراجهم- أما هؤلاء، فهم الذين ينهى اللّه المؤمنين عن تولّيهم لهم، أي موالاتهم وبرّهم، والإحسان إليهم، ووصل حبال المودة بهم.
{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ} أي يقيم ولاء معهم، ويبقى على صلة بهم {فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} أي الذين اعتدوا على حق اللّه، وظلموا أنفسهم بما حملوها من أوزار.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال