سورة الممتحنة / الآية رقم 10 / تفسير تفسير القرطبي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ

الممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنةالممتحنة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)}
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} فيه ست عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ} لما أمر المسلمين بترك مولاة المشركين اقتضى ذلك مهاجرة المسلمين عن بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، وكان التناكح من أوكد أسباب الموالاة، فبين أحكام مهاجرة النساء. قال ابن عباس: جرى الصلح مع مشركي قريش عام الحديبية، على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم، فجاءت سعيدة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحديبية بعد، فأقبل زوجها وكان كافرا- وهو صيفي بن الراهب.
وقيل: مسافر المخزومي- فقال: يا محمد، اردد علي امرأتي فإنك شرطت ذلك! وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقيل: جاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، فجاء أهلها يسألون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يردها.
وقيل: هربت من زوجها عمرو بن العاص ومعها أخواها عمارة والوليد، فرد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخويها وحبسها، فقالوا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ردها علينا للشرط، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كان الشرط في الرجال لا في النساء» فأنزل الله تعالى هذه الآية. وعن عروة قال: كان مما اشترط سهيل بن عمرو على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الحديبية: ألا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، حتى أنزل الله تعالى في المؤمنات ما أنزل، يومئ إلى أن الشرط في رد النساء نسخ بذلك. وقيل إن التي جاءت أميمة بنت بشر، كانت عند ثابت بن الشمراخ ففرت منه وهو يومئذ كافر، فتزوجها سهل بن حنيف فولدت له عبد الله، قاله زيد بن حبيب. كذا قال الماوردي: أميمة بنت بشر كانت عند ثابت بن الشمراخ.
وقال المهدوي: وروى ابن وهب عن خالد أن هذه الآية نزلت في أميمة بنت بشر من بني عمرو بن عوف. وهي امرأة حسان بن الدحداح، وتزوجها بعد هجرتها سهل بن حنيف.
وقال مقاتل: إنها سعيدة زوجة صيفي بن الراهب مشرك من أهل مكة. والأكثر من أهل العلم أنها أم كلثوم بنت عقبة.
الثانية: واختلف أهل العلم هل دخل النساء في عقد المهادنة لفظا أو عموما، فقالت طائفة منهم: قد كان شرط ردهن في عقد المهادنة لفظا صريحا فنسخ الله ردهن من العقد ومنع منه، وبقاه في الرجال على ما كان. وهذا يدل على أن للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجتهد رأيه في الأحكام، ولكن لا يقره الله على خطأ. وقالت طائفة من أهل العلم: لم يشترط ردهن في العقد لفظا، وإنما أطلق العقد في رد من أسلم، فكان ظاهر العموم اشتماله عليهن مع الرجال. فبين الله تعالى خروجهن عن عمومه. وفرق بينهن وبين الرجال لأمرين: أحدهما: أنهن ذوات فروج يحرمن عليهم.
الثاني- أنهن أرق قلوبا وأسرع تقلبا منهم. فأما المقيمة منهن على شركها فمردودة عليهم.
الثالثة: قوله تعالى: {فَامْتَحِنُوهُنَّ} قيل: إنه كان من أرادت منهن إضرار زوجها فقالت: سأهاجر إلى محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلذلك أمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بامتحانهن. واختلف فيما كان يمتحنهن به على ثلاثة أقوال: الأول: قال ابن عباس: كانت المحنة أن تستحلف بالله أنها ما خرجت من بغض زوجها، ولا رغبة من أرض إلى أرض، ولا التماس دنيا، ولا عشقا لرجل منا، بل حبا لله ولرسوله. فإذا حلفت بالله الذي لا إله إلا هو على ذلك، أعطى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يردها، فذلك قوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}.
الثاني- أن المحنة كانت أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، قاله ابن عباس ايضا.
الثالث- بما بينه في السورة بعد من قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ} [الممتحنة: 12] قالت عائشة رضي الله عنها: ما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمتحن إلا بالآية التي قال الله: {إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ} [الممتحنة: 12] رواه معمر عن الزهري عن عائشة. خرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
الرابعة: أكثر العلماء على أن هذا ناسخ لما كان عليه الصلاة والسلام عاهد عليه قريشا، من أنه يرد إليهم من جاءه منهم مسلما، فنسخ من ذلك النساء. وهذا مذهب من يرى نسخ السنة بالقرآن.
وقال بعض العلماء: كله منسوخ في الرجال والنساء، ولا يجوز أن يهادن الامام العدو على أن يرد إليهم من جاءه مسلما، لان إقامة المسلم بأرض الشرك لا تجوز. وهذا مذهب الكوفيين. وعقد الصلح على ذلك جائز عند مالك. وقد احتج الكوفيون لما ذهبوا إليه من ذلك بحديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن خالد بن الوليد، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه إلى قوم من خثعم فاعتصموا بالسجود فقتلهم، فوداهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنصف الدية، وقال: «أنا برئ من كل مسلم أقام مع مشرك في دار الحرب لا تراءى نارهما»
قالوا: فهذا ناسخ لرد المسلمين إلى المشركين، إذ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد برئ ممن أقام معهم في دار الحرب. ومذهب مالك والشافعي أن هذا الحكم غير منسوخ. قال الشافعي: وليس لاحد هذا العقد إلا الخليفة أو رجل يأمره، لأنه يلي الأموال كلها. فمن عقد غير الخليفة هذا العقد فهو مردود.
الخامسة: قوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ} أي هذا الامتحان لكم، والله اعلم بإيمانهن، لأنه متولي السرائر. {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ} أي بما يظهر من الايمان.
وقيل: إن علمتموهن مؤمنات قبل الامتحان {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} أي لم يحل الله مؤمنة لكافر، ولا نكاح مؤمن لمشركة. وهذا أدل دليل على أن الذي أوجب فرقة المسلمة من زوجها إسلامها لا هجرتها.
وقال أبو حنيفة: الذي فرق بينهما هو اختلاف الدارين. وإليه إشارة في مذهب مالك بل عبارة. والصحيح الأول، لان الله تعالى قال: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ فبين أن العلة عدم الحل بالإسلام وليس باختلاف الدار. والله اعلم.
وقال أبو عمر: لا فرق بين الدارين لا في الكتاب ولا في السنة ولا في القياس، وإنما المراعاة في ذلك الدينان، فباختلافهما يقع الحكم وباجتماعهما، لا بالدار. والله المستعان.
السادسة: قوله تعالى: {وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا} أمر الله تعالى إذا أمسكت المرأة المسلمة أن يرد على زوجها ما أنفق وذلك من الوفاء بالعهد، لأنه لما منع من أهله بحرمة الإسلام، أمر برد المال إليه حتى لا يقع عليهم خسران من الوجهين: الزوجة والمال.
السابعة: ولا غرم إلا إذا طالب الزوج الكافر، فإذا حضر وطالب منعناها وغرمنا. فإن كانت ماتت قبل حضور الزوج لم نغرم المهر إذ لم يتحقق المنع. وإن كان المسمى خمرا أو خنزيرا لم نغرم شيئا، لأنه لا قيمة له. وللشافعي في هذه الآية قولان: أحدهما: أن هذا منسوخ. قال الشافعي: وإذا جاءتنا المرأة الحرة من أهل الهدنة مسلمة مهاجرة من دار الحرب إلى الامام في دار السلام أو في دار الحرب، فمن طلبها من ولي سوى زوجها منع منها بلا عوض. وإذا طلبها زوجها لنفسه أو غيره بوكالته ففيه قولان: أحدهما- يعطي العوض، والقول ما قال الله عز وجل،. وفية قول آخر: أنه لا يعطى الزوج المشرك الذي جاءت زوجته مسلمة العوض. فإن شرط الامام رد النساء كان الشرط ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا يرد النساء كان شرط من شرط رد النساء منسوخا وليس عليه عوض، لان الشرط المنسوخ باطل ولا عوض الباطل.
الثامنة: أمر الله تعالى برد مثل ما أنفقوا إلى الأزواج، وأن المخاطب بهذا الامام ينفذ مما بين يديه من بيت المال الذي لا يتعين له مصرف.
وقال مقاتل: يرد المهر الذي يتزوجها من المسلمين، فإن لم يتزوجها من المسلمين أحد فليس لزوجها الكافر شي.
وقال قتادة: الحكم في رد الصداق إنما هو في نساء أهل العهد، فأما من لا عهد بينه وبين المسلمين فلا يرد إليهم الصداق. والامر كما قاله.
التاسعة: قوله تعالى: {وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} يعني إذا أسلمن وانقضت عدتهن لما ثبت من تحريم نكاح المشركة والمعتدة. فإن أسلمت قبل الدخول ثبت النكاح في الحال ولها التزوج.
العاشرة: قوله تعالى: {إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أباح نكاحها بشرط المهر، لان الإسلام فرق بينها وبين زوجها الكافر.
الحادية عشرة: قوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ} قراءة العامة بالتخفيف من الإمساك. وهو اختيار أبي عبيد لقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231]. وقرأ الحسن وأبو العالية وأبو عمرو {ولا تمسكوا} مشددة من التمسك. يقال: مسك يمسك تمسكا، بمعنى أمسك يمسك. وقرئ: {ولا تمسكوا} بنصب التاء، أي لا تتمسكوا والعصم جمع العصمة، وهو ما اعتصم به. والمراد بالعصمة هنا النكاح. يقول: من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتد بها، فليست له امرأة، فقد انقطعت عصمتها لاختلاف الدارين. وعن النخعي: هي المسلمة تلحق بدار الحرب فتكفر، وكان الكفار يتزوجون المسلمات والمسلمون يتزوجون المشركات، ثم نسخ ذلك في هذه الآية. فطلق عمر بن الخطاب حينئذ امرأتين له بمكة مشركتين: قريبة بنت أبي أمية فتزوجها معاوية بن أبي سفيان وهما على شركهما بمكة. وام كلثوم بنت عمرو الخزاعية أم عبد الله بن المغيرة، فتزوجها أبو جهم بن حذافة وهما على شركهما. فلما ولي عمر قال أبو سفيان لمعاوية: طلق قريبة لئلا يرى عمر سلبه في بيتك، فأبي معاوية من ذلك. وكانت عند طلحة بن عبيد الله أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ففرق الإسلام بينهما، ثم تزوجها في الإسلام خالد بن سعيد بن العاص، وكانت ممن فر إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نساء الكفار، فحبسها وزوجها خالدا. وزوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب ابنته- وكانت كافرة- من أبي العاص بن الربيع، ثم أسلمت وأسلم زوجها بعدها. ذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن رجل عن ابن شهاب قال: أسلمت زينب بنت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهاجرت بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الهجرة الأولى، وزوجها أبو العاص بن الربيع عبد العزى مشرك بمكة. الحديث. وفيه: أنه أسلم بعدها. وكذلك قال الشعبي. قال الشعبي: وكانت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأة أبي العاص بن الربيع، فأسلمت ثم لحقت بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أتى زوجها المدينة فأمنته فأسلم فردها عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال أبو داود عن عكرمة عن ابن عباس: بالنكاح الأول، ولم يحدث شيئا. قال محمد بن عمر في حديثه: بعد ست سنين.
وقال الحسن بن علي: بعد سنتين. قال أبو عمر: فإن صح هذا فلا يخلو من وجهين: إما أنها لم تحض حتى أسلم زوجها، وإما أن الامر فيها منسوخ بقول الله عز وجل: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ} [البقرة: 228] يعني في عدتهن. وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء أنه عني به العدة.
وقال ابن شهاب الزهري رحمه الله في قصة زينب هذه: كان قبل أن تنزل الفرائض.
وقال قتادة: كان هذا قبل أن تنزل سورة براءة بقطع العهود بينهم وبين المشركين. والله اعلم.
الثانية عشرة: قوله تعالى: {بِعِصَمِ الْكَوافِرِ} المراد بالكوافر هنا عبدة الأوثان من لا يجوز ابتداء نكاحها، فهي خاصة بالكوافر من غير أهل الكتاب.
وقيل: هي عامة، نسخ منها نساء أهل الكتاب. ولو كان إلى ظاهر الآية لم تحل كافرة بوجه. وعلى القول الأول إذا أسلم وثني أو مجوسي ولم تسلم امرأته فرق بينهما. وهذا قول بعض أهل العلم. ومنهم من قال: ينتظر بها تمام العدة. فمن قال يفرق بينهما في الوقت ولا ينتظر تمام العدة إذا عرض عليها الإسلام ولم تسلم- مالك بن أنس. وهو قول الحسن وطاوس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة والحكم، واحتجوا بقوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ}.
وقال الزهري: ينتظر بها العدة. وهو قول الشافعي وأحمد. واحتجوا بأن أبا سفيان بن حرب أسلم قبل هند بنت عتبة امرأته، وكان إسلامه بمر الظهران ثم رجع إلى مكة وهند بها كافرة مقيمة على كفرها، فأخذت بلحيته وقالت: اقتلوا الشيخ الضال. ثم أسلمت بعده بأيام، فاستقرا على نكاحهما لان عدتها لم تكن انقضت. قالوا: ومثله حكيم بن حزام أسلم قبل امرأته، ثم أسلمت بعده فكانا على نكاحهما. قال الشافعي: ولا حجة لمن احتج بقوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ} لأن نساء المسلمين محرمات على الكفار، كما أن المسلمين لا تحل لهم الكوافر والوثنيات ولا المجوسيات بقول الله عز وجل: و{لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} ثم بينت السنة أن مراد الله من قوله هذا أنه لا يحل بعضهم لبعض إلا أن يسلم الباقي منهما في العدة. وأما الكوفيون وهم سفيان وأبو حنيفة وأصحابه فإنهم قالوا في الكافرين الذميين: إذا أسلمت المرأة عرض على الزوج الإسلام، فإن أسلم وإلا فرق بينهما. قالوا: ولو كانا حربيين فهي امرأته حتى تحيض ثلاث حيض إذا كانا جميعا في دار الحرب أو في دار الإسلام. وإن كان أحدهما في دار الإسلام والآخر في دار الحرب انقطعت العصمة بينهما فراعوا الدار، وليس بشيء. وقد تقدم.
الثالثة عشرة: هذا الاختلاف إنما هو في المدخول بها، فإن كانت غير مدخول بها فلا نعلم اختلافا في انقطاع العصمة بينهما، إذ لا عدة عليها. كذا يقول مالك في المرأة ترتد زوجها مسلم: انقطعت العصمة بينهما. وحجته وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وهو قول الحسن البصري والحسن بن صالح بن حي. ومذهب الشافعي وأحمد أنه ينتظر بها تمام العدة.
الرابعة عشرة: فإن كان الزوجان نصرانيين فأسلمت الزوجة ففيها أيضا اختلاف. ومذهب مالك وأحمد والشافعي الوقوف إلى تمام العدة. وهو قول مجاهد. وكذا الوثني تسلم زوجته، إنه إن أسلم في عدتها فهو أحق بها، كما كان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل أحق بزوجتيهما لما أسلما في عدتيهما، على حديث ابن شهاب. ذكره مالك في الموطأ. قال ابن شهاب: كان بين إسلام صفوان وبين إسلام زوجته نحو من شهر. قال ابن شهاب: ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وزوجها كافر مقيم بدار الحرب إلا فرقت هجرتها بينه وبينها، إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها. ومن العلماء من قال: ينفسخ النكاح بينهما. قال يزيد بن علقمة: أسلم جدي ولم تسلم جدتي ففرق عمر بينهما رضي الله عنه، وهو قول طاوس. وجماعة غيره منهم عطاء والحسن وعكرمة قالوا: لا سبيل عليها إلا بخطبة.
الخامسة عشرة: قوله تعالى: {وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا} قال المفسرون: كان من ذهب من المسلمات مرتدات إلى الكفار من أهل العهد يقال للكفار: هاتوا مهرها. ويقال للمسلمين إذا جاء أحد من الكافرات مسلمة مهاجرة: ردوا إلى الكفار مهرها. وكان ذلك نصفا وعدلا بين الحالتين. وكان هذا حكم الله مخصوصا بذلك الزمان في تلك النازلة خاصة بإجماع الامة، قال ابن العربي.
السادسة عشرة: قوله تعالى: {ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ} أي ما ذكر في هذه الآية، {يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} تقدم في غير موضع.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال