سورة المنافقون / الآية رقم 2 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهُواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ

الجمعةالجمعةالجمعةالجمعةالجمعةالجمعةالمنافقونالمنافقونالمنافقونالمنافقونالمنافقونالمنافقونالمنافقونالمنافقونالمنافقون




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (6)}.
التفسير:
قوله تعالى: {إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ}.
أي أن المنافقين، إذا جاءوا إلى النبي، وحضروا مجلسه، نطقت ألسنتهم بغير ما في قلوبهم، وقالوا للنبى من غير أن يطلب منهم قول، وشهدوا من غير أن يستدعوا للشهادة {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} مؤكدين هذا القول بأكثر من مؤكّد.. وفى هذا كله ما ينطق عن أنهم كاذبون منافقون.. فالمؤمن إيمانا حقّا، لا يجد في نفسه ما يحمله على أن يعلن في كل وقت، عن إيمانه.. فهو منذ آمن عرف في الناس بأنه من المؤمنين، فلا يحتاج بعد هذا إلى أن يردّد على الأسماع، مبادئا كلّ من يلقاه، بأنه مؤمن.. ثم إن الصادق في قوله لا يحتاج إلى أن يبرر صدقه بالحلف، أو توكيد ما يخبر به، وإنما يفعل ذلك من هو متهم- فيما يخبر به- عند نفسه، متّهم عند الناس، وأنهم يرون منه حقيقة ما يراه في نفسه.
والمنافقون، لا يؤمنون بأن الرسول هو رسول اللّه، ولو كانوا على الإيمان بأنه رسول اللّه لما وقع النفاق في قلوبهم.. ولهذا- فهم لكى يبرئوا أنفسهم من تهمة النفاق- التي يتهمون بها أنفسهم قبل أن يتهمهم أحد- يبادرون إلى لقاء النبي، مؤكدين له بأنهم يشهدون أنه رسول اللّه: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}!! وقد ردّ اللّه سبحانه عليهم شهادتهم تلك- وإن كانت تقول الصدق- لأنها خرجت من أفواه لا تقول إلا الزور من القول، وأن كلّ قول تقوله، إذا كشف عن حقيقته، وأزيل عنه هذا الطلاء الزائف- كان سرابا خادعا.
ولهذا جاء قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} ليقيم مكان قولهم الزائف قولة الحق، من الحق سبحانه وتعالى في رسوله.. ولهذا أيضا وقع التطابق اللفظي بين قولهم: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} وقوله تعالى: {إِنَّكَ لَرَسُولُهُ}.
{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ}.
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ} هو في مقابل قولهم: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}.
فقد شهد اللّه عليهم بأنهم كاذبون في حقيقة ما يقولون، إذ كان ما يقولونه على خلاف ما يعتقدون، وكان ما يجرى على ألسنتهم مكذّبا لما في قلوبهم.
قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ}.
الجنة: السّنر الذي يجنّ، أي يستر من يستجنّ به.. وبه سمى الدرع مجنّا، لأنه يحمى لابسه من أن تناله الطعنات في الحرب.
ومنه الجنون، لأنه يستر عقل صاحبه من أن يرى حقائق الأمور.
أي أن المنافقين- لما يشعرون به من أنهم كاذبون فيما يقولون- يحاولون دائما أن يبرروا أقوالهم ويزكوها بالحلف، كى تقع من النفوس موقعا، ولو أنهم كانوا صادقين فيما يقولون، لما لزمهم أن يحلفوا، لأن الصدق مستغن بذاته عن أي مبرر يبرره، وينزله منزلته من العقول والقلوب.
وقوله تعالى: {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} هو تعقيب على قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً} والفاء للسببية، أي أنهم بسبب ما نسجوا للكذب من أيمان فاجرة، بدا لهم أن هذا النسيج يستر نفاقهم، ولهذا صدّوا عن سبيل اللّه، واتخذوا سبيلا غير سبيل المؤمنين، وهم على ظنّ بأن أحدا لن يراهم، على غير طريق الإيمان، وهم مستجنّون بهذه الأيمان التي بذلوا لها بسخاء، في معرض الإخبار عن أنهم مؤمنون باللّه ورسوله.
وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} هو حكم من اللّه سبحانه وتعالى على أعمالهم، بأنها أعمال سيئة، لا تعقب إلا سوءا، ولا تجرّ على أصحابها إلا الحسرة والندامة.
وقد وقع الوصف بالسوء على الأعمال، لأن الأعمال هى التي تظهر على محكّها الأقوال.. أما الأقوال، فما أكثر ما تخالفها الأعمال.. فقد يكون القول في ظاهره حسنا جميلا، على حين يكون العمل من ورائه سيئا خبيثا.. وإنه لن يكون عمل طيب، إلا وكان معه القول الطيب! لأن القول أخفّ مئونة من العمل، ولهذا كانت الأعمال، هى مناط الحساب والجزاء.
قوله تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ}.
أي ذلك النفاق الذي فيه هؤلاء المنافقون، هو بسبب أنهم آمنوا، ودخلوا في تجربة مع الإيمان، فلم يجد له مكانا في قلوبهم، فلفظوه كما تلفظ المعدة المريضة الطعام الطيب، وبهذا رجعوا إلى الكفر الذي لم تبعد الشّقة بينهم وبينه.
وقوله تعالى: {فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ} أي ختم على قلوبهم بأنها لا تقبل الإيمان، ولا تستجيب له، فقد امتحنت من قبل بالإيمان امتحانا كشف عن معدنها، وأنها لا تلتقى بالإيمان، ولا تسكن إليه.
إن من يلتقى بالإيمان يوما، ويعيش معه زمنا، ثم يفارقه- لن يكون بينه وبين الإيمان لقاء على مودة أبدا.. ذلك أن القلب الذي يدخله الإيمان، ثم يخرج منه- لن يعود إليه بحال، إنه فراق إلى غير لقاء.. وهذا يعنى أن الإيمان سهل المورد لمن هو من أهله، أما من لم يكن من أهل الإيمان فلن يقبله، وإن قبله فإنه سرعان ما يرفضه، لأنهما على طبيعتين مختلفتين. وهيهات أن يقع ائتلاف بين ما اختلف من الطبائع أصلا.
وأما ما جاء في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} [137: النساء]- فإنه يشير إلى هذا التردّد بين الإيمان والكفر من بعض النفوس، التي تكون على طبيعة ليست على الإيمان، ولا على الكفر، وإنما هى خليط منهما، يتنازعها الإيمان مرة، والكفر مرة، حتى تستقر على أىّ منهما.. وهؤلاء الذي آمنوا، ثم كفروا، ثم آمنوا، ثم كفروا، ثم ازدادوا كفرا- إنما هم الذين غلب جانب الكفر فيهم جانب الإيمان، ورجحت فيهم كفته، فانتهى أمرهم إلى كفر غليظ، بعد هذه المعاناة، وتلك التجربة المتعددة.. وأما من ينتهى بهم هذا التردد إلى الإيمان، فإنهم ينتهون إلى إيمان ثابت راسخ، كما انتهى المترددون قبلهم إلى كفر غليظ.
وقوله تعالى: {فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} أي أنهم بسبب هذا الطبع الذي طبع به على قلوبهم بعد خروج الإيمان منها بعد أن دخلها- إنهم بسبب هذا الطبع، لا يفقهون حقيقة الإيمان بعد هذا، ولا تنفتح له مغالق قلوبهم.
قوله تعالى: {وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ.. هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ.. قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}.
هذه صورة للمنافق تمثل ظاهره، وباطنه جميعا.
فالمنافق متجمل في ظاهره، مجتهد في تزويق هذا الظاهر، وفى طلائه بالألوان الزاهية، حتى يخدع الناس عن باطنه الذي يعلم هو فساده أكثر مما يعلم الناس منه.. ولهذا فهو يبالغ في تسوية مظهره، وفى تجميله حتى يستر بهذا الزيف ما يخفى باطنه، وحتى يغطّى بهذا البخور الذي يطلقه على هذا العفن الذي يفوح منه.
فقوله تعالى: {وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ}.
بيان لما تقع عليه العين من ظاهر المنافقين، فيما يبدو من تسوية هندامهم، وحسن زيّهم.
وقوله تعالى: {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} بيان لما يتجمّل به حديثهم، من طلاوة الأسلوب، وتأنق العبارة، ورقة اللفظ.. وهذا ضرب من الخداع والتزييف، حيث يدسّ السمّ في العسل، وحيث تروج العملة الزائفة بلمعانها وبريقها.
وقوله تعالى: {كأنهم خشب مسندة} إشارة إلى أن هذا الذي يبدو من المنافقين من حسن المظهر، ورقة الكلام، ونعومة اللفظ- لا يعدو هذا الظاهر من القوم.. إنهم أشبه بالخشب المسندة، لا حياة فيها، ولا وزن لها، وإن زينت بالحلى، وكسيت بالحرير.. ثم إن المنافقين، وإن بدوا في ظاهرهم على صورة واحدة، فإنهم في حقيقتهم، أشتات متفرقون، لا تجمعهم مشاعر الودّ، ولا تؤلف بينهم صلات هذا المعتقد الفاسد الذي يدينون به.. تماما كالخشب المسندة، كل كتلة منها قائمة إلى جوار غيرها، لا تشعر بها، ولا تحس بوجودها.
وقوله تعالى: {يحسبون كل صيحة عليهم} هو وصف كاشف لما يموج به باطن المنافقين من وساوس، وتصورات، لا تقيمهم أبدا إلا على فزع، وتخوف، لأنهم دائما متلبسون بجرائم من الكذب والبهتان، فهم لهذا مطاردون من أنفسهم، يريدون الإفلات من قبضة هذه المشاعر المستولية عليهم، ولهذا أيضا تراهم على حذر، وتوقّع لتلك الأيدى الكثيرة الممتدة إليهم، تحاول أن تدهمهم في أية لحظة.. {يحسبون كل صيحة عليهم}.
سواء اتجهت إليهم أو لم تتجه، وسواء أكانوا هم المقصودين بها أم غيرهم.. وهكذا المجرم، لا يفارقه أبدا وجه جريمته، في يقظة أو منام.
كأن فجاج الأرض وهى عريضة *** على الخائف المكروب كفّة حابل
وقوله تعالى: {هُمُ الْعَدُوُّ} خبر كاشف عن حقيقة هؤلاء المنافقين، وأنهم على ما يبدو منهم، من ظاهر مغلّف بالتلطف والتودّد- هم العدوّ، الذي تتجسم فيه العداوة كلها، حتى لكأنهم العدوّ وحدهم للنبىّ، دون الناس جميعا.
وقوله تعالى: {فَاحْذَرْهُمْ} هو تعقيب على هذا الخبر عن المنافقين، وأنه إذ علم أنهم هم العدوّ الذي يخفى وراء ظاهره، كيدا، ويضمر في باطنه سوءا- فيجب الحذر منهم، والحيطة من الأمان لهم، والاتهام لكل قول يقولونه، أو ودّ يظهرونه.
وقوله تعالى: {قاتَلَهُمُ اللَّهُ}.
هو دعاء عليهم، يحمل التهديد لهم من اللّه سبحانه وتعالى، بأنهم في معرض النقمة من اللّه، وأن حربا من اللّه أعلنت عليهم، وأنه ليس وراء حرب اللّه لهم إلّا الهلاك المبير، والخسران المبين.
وقوله تعالى: {أَنَّى يُؤْفَكُونَ} استفهام يراد به الإنكار عليهم لهذا الطريق الذي أخذوه إلى مواقع الضلال.. أي كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل، وعن الهدى إلى الضلال.
قوله تعالى: {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ}.
أي أن من أمارات هؤلاء المنافقين، أنهم إذا دعوا إلى طريق الحقّ نفروا، وإذا نصح لهم ناصح بأن- يعرضوا أنفسهم على رسول اللّه ليستغفر لهم- {لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ}.
أي أداروا رءوسهم، يمينا وشمالا، في حركة مجنونة، حتى لكأنهم إنما يتعاطون شرابا مرّا لا يجدون له مساغا.. ثم إنهم لا يقفون عند هذا الذي كان من لىّ رءوسهم عند سماعهم لدعوة من يدعوهم إلى رسول اللّه ليستغفر لهم.. بل إنهم بعد أن تذهب عنهم آثار هذه الصدمة، يأخذون طريقا غير الطريق المتجه إلى الرسول، ويمعنون في الصدود والخلاف، عنادا واستكبارا.
وقد يبدو من العجب أن يجتمع الكبر، والجبن، في كيان المنافقين.
ولكن مع قليل من النظر، يتضح أن هذا هو التركيب الطبيعي للمنافق، الذي لا يكون محققا لصفة النفاق حتى يجمع بين المتضادات.. الإيمان، والكفر.
الصدق باللسان، والكذب بالقلب.. الظاهر الحسن، والباطن الخبيث.
وهكذا.. فالمنافق شخصان، بعيش أحدهما مع الناس، ويعيش الآخر في كيان صاحبه.. أو هو شخصية مزدوجة، يكاد ينفصل ظاهرها عن باطنها.
قوله تعالى: {سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ.. إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ}.
هو تيئيس للمنافقين من أن ينالوا مغفرة اللّه، سواء أجاءوا إلى النبىّ يطلبون أن يستغفر لهم، فاستغفر لهم، أو لم يستغفر لهم.. فإن اللّه سبحانه لا يغفر لهم، لأنهم لم يجيئوا إلى النبىّ إلا على طريق من نفاق، ولم يتحدثوا إليه إلا بألسنة منافقة، ومن هنا لم يقبل استغفار رسول اللّه لهم، كما لم تقبل توبتهم.
إنهم تابوا إلى اللّه بألسنتهم دون قلوبهم.. إنهم فاسقون، قد خرجوا من الإيمان بعد أن دخلوا فيه.. {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ}.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال