سورة الطلاق / الآية رقم 3 / تفسير في ظلال القرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ْيَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا العِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاًّ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً

الطلاقالطلاقالطلاقالطلاقالطلاقالطلاقالطلاقالطلاقالطلاقالطلاقالطلاقالطلاقالطلاقالطلاقالطلاق




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


هذه سورة الطلاق، يبين الله فيها أحكامه، ويفصل فيها الحالات التي لم تفصل في السورة الأخرى (سورة البقرة) التي تضمنت بعض أحكام الطلاق؛ ويقرر فيها أحكام الحالات المتخلفة عن الطلاق من شؤون الأسرة. وقد تضمنت هذه السورة بيان الوقت الذي يمكن أن يقع فيه الطلاق الذي يقبله الله ويجري وفق سنته: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن}.
وحق المطلقة وواجبها في البقاء في بيتها وهو بيت مطلقها فترة العدة لا تخرج ولا تخرج إلا أن تأتي بفاحشة مبينة: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}..
وحقها بعد انقضاء العدة في الخروج لتفعل بنفسها ما تشاء، ما لم يكن الزوج قد راجعها وأمسكها في فترة العدة، لا ليضارها ويؤذيها بهذا الإمساك ويعطلها عن الزواج، ولكن لتعود الحياة الزوجية بينهما بالمعروف: {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف}.. وهذا مع الإشهاد على الإمساك أو الفراق: {وأشهدوا ذوي عدل منكم}..
وفي سورة البقرة بين مدة العدة للمطلقة ذات الحيض وهي ثلاثة قروء بمعنى ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار من الحيضات على خلاف فقهي وهنا بين هذه المدة بالنسبة للآيسة التي انقطع حيضها وللصغيرة التي لم تحض: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن}..
وبين عدة الحامل: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}..
ثم فصل حكم المسكن الذي تعتد فيه المعتدة ونفقة الحمل حتى تضع: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم، ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن، وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن}..
ثم حكم الرضاعة لولد المطلقة حين تضعه، وأجر الأم على الرضاعة في حالة الاتفاق بينها وبين أبيه على مصلحة الطفل بينهما، وفي حالة إرضاعه من أخرى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف. وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى}..
ثم زاد حكم النفقة والأجر في جميع الحالات تفصيلاً، فجعله تابعاً لحالة الزوج وقدرته: {لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممآ آتاه الله. لا يكلف الله نفساً إلا مآ آتاها}..
وهكذا تتبعت النصوص سائر الحالات، وما يتخلف عنها، بأحكام مفصلة دقيقة، ولم تدع شيئاً من أنقاض الأسرة المفككة بالطلاق إلا أراحته في مكانه، وبينت حكمه، في رفق وفي دقة وفي وضوح..
ويقف الإنسان مدهوشاً أمام هذه السورة وهي تتناول أحكام هذه الحالة ومتخلفاتها. وهي تحشد للأمر هذا الحشد العجيب من الترغيب والترهيب، والتعقيب على كل حكم، ووصل هذا الأمر بقدر الله في السماوات والأرضين، وسنن الله في هلاك العاتين عن أمره، وفي الفرج والسعة لمن يتقونه.
وتكرار الأمر بالمعروف والسماحة والتراضي، وإيثار الجميل. والإطماع في الخير. والتذكير بقدر الله في الخلق وفي الرزق، وفي اليسر والعسر..
يقف الإنسان مدهوشاً أمام هذا الحشد من الحقائق الكونية الكبرى في معرض الحديث عن الطلاق أمام هذا الاحتفال والاهتمام حتى ليوجه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشخصه، وهو أمر عام للمؤمنين وحكم عام للمسلمين، زيادة في الاهتمام وإشعاراً بخطورة الأمر المتحدث فيه. وأمام هذا التفصيل الدقيق للأحكام حالة حالة، والأمر المشدد في كل حكم بالدقة في مراعاته، وتقوى الله في تنفيذه، ومراقبة الله في تناوله. والإطالة في التعقيب بالترغيب والترهيب، إطالة تشعر القلب كأن هذا الأمر هو الإسلام كله! وهو الدين كله! وهو القضية التي تفصل فيها السماء، وتقف لتراقب تنفيذ الأحكام! وتعد المتقين فيها بأكبر وأسمى ما يتطلع إليه المؤمن؛ وتوعد الملتوين والمتلكئين والمضارّين بأعنف وأشد ما يلقاه عاصٍ؛ وتلوح للناس بالرجاء الندي والخير المخبوء وراء أخذ الأمر بالمعروف والسماحة والتجمل والتيسير.
ويقرأ القارئ في هذه السورة.. {واتقوا الله ربكم}.. {وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه}.. {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً}.. {وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله}.. {ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر}.. {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب.. ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره. قد جعل الله لكل شيء قدراً}.. {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً}. {ذلك أمر الله أنزله إليكم} {ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً}.. {سيجعل الله بعد عسر يسراً}..
كما يقرأ ذلك التهديد العنيف الطويل المفصل: {وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حساباً شديداً، وعذبناها عذاباً نكراً. فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسراً. أعد الله لهم عذاباً شديداً}..
يعقبه التحذير من مثل هذا المصير، والتذكير بنعمة الله بالرسول وما معه من النور، والتلويح بالأجر الكبير: {فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا، قد أنزل الله إليكم ذكراً: رسولاً يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور. ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيهآ أبداً قد أحسن الله له رزقاً}..
ثم يقرأ هذا الإيقاع الهائل الضخم في المجال الكوني الكبير: {الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن، يتنزل الأمر بينهن، لتعلموا أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً}..
يقرأ هذا كله تعقيباً على أحكام الطلاق.
ويجد سورة كاملة في القرآن، من هذا الطراز، كلها موقوفة على تنظيم هذه الحالة ومتخلفاتها كذلك! وربطها هكذا بأضخم حقائق الإيمان في المجال الكوني والنفسي. وهي حالة تهدم لا حالة بناء، وحالة انتهاء لا حالة إنشاء.. لأسرة.. لا لدولة.. وهي توقع في الحس أنها أضخم من إنشاء دولة!
علام يدل هذا؟
إن له عدة دلالات تجتمع كلها عند سمو هذا الدين وجديته وانبثاقه من نبع غير بشري على وجه التأكيد. حتى لو لم تكن هناك دلالة أخرى سوى دلالة هذه السورة!
إنه يدل ابتداء على خطورة شأن الأسرة في النظام الإسلامي:
فالإسلام نظام أسرة. البيت في اعتباره مثابة وسكن، في ظله تلتقي النفوس على المودة والرحمة والتعاطف والستر والتجمل والحصانة والطهر؛ وفي كنفه تنبت الطفولة، وتدرج الحداثة؛ ومنه تمتد وشائج الرحمة وأواصر التكافل.
ومن ثم يصور العلاقة البيتية تصويراً رفافاً شفيفاً، يشع منه التعاطف، وترف فيه الظلال، ويشيع فيه الندى، ويفوح منه العبير: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} فهي صلة النفس بالنفس، وهي صلة السكن والقرار، وهي صلة المودة والرحمة، وهي صلة الستر والتجمل. وإن الإنسان ليحس في الألفاظ ذاتها حنواً ورفقاً، ويستروح من خلالها نداوة وظلاً. وإنها لتعبير كامل عن حقيقة الصلة التي يفترضها الإسلام لذلك الرباط الإنساني الرفيق الوثيق. ذلك في الوقت الذي يلحظ فيه أغراض ذلك الرباط كلها، بما فيها امتداد الحياة بالنسل، فيمنح هذه الأغراض كلها طابع النظافة والبراءة، ويعترف بطهارتها وجديتها، وينسق بين اتجاهاتها ومقتضياتها. ذلك حين يقول: {نساؤكم حرث لكم} فيلحظ كذلك معنى الإخصاب والإكثار.
ويحيط الإسلام هذه الخلية، أو هذا المحضن، أو هذه المثابة بكل رعايته وبكل ضماناته. وحسب طبيعة الإسلام الكلية، فإنه لا يكتفي بالإشعاعات الروحية، بل يتبعها التنظيمات القانونية والضمانات التشريعية.
والذي ينظر في تشريعات الأسرة في القرآن والسنة في كل موضع من أوضاعها ولكل حالة من حالاتها، وينظر في التوجيهات المصاحبة لهذه التشريعات، وفي الاحتشاد الظاهر حولها بالمؤثرات والمعقبات؛ وفي ربط هذا الشأن بالله مباشرة في كل موضع، كما هو الحال في هذه السورة وفي غيرها.. يدرك إدراكاً كاملاً ضخامة شأن الأسرة في النظام الإسلامي، وقيمة هذا الأمر عند الله، وهو يجمع بين تقواه سبحانه وتقوى الرحم في أول سورة النساء حيث يقول: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونسآء واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} كما يجمع بين عبادة الله والإحسان للوالدين في سورة الإسراء وفي غيرها: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً}
وبين الشكر لله والشكر للوالدين في سورة لقمان: {أن اشكر لي ولوالديك} وإن هذه العناية القصوى بأمر الأسرة لتتناسق مع مجرى القدر الإلهي بإقامة الحياة البشرية ابتداء على أساس الأسرة، حين جرى قدر الله أن تكون أول خلية في الوجود البشري هي أسرة آدم وزوجه، وأن يتكاثر الناس بعد ذلك من هذه الخلية الأولى. وكان الله سبحانه قادراً على أن يخلق الملايين من الأفراد الإنسانيين دفعة واحدة. ولكن قدره جرى بهذا لحكمة كامنة في وظيفة الأسرة الضخمة في حياة هذا المخلوق، حيث تلبي حياة الأسرة فطرته واستعداداته، وحيث تنمي شخصيته وفضائله، وحيث يتلقى فيها أعمق المؤثرات في حياته. ثم جرت هذه العناية في النظام الإسلامي منهج الله الأخير في الأرض مع القدر الإلهي في خلقه الإنسان ابتداء. كما هو الشأن في تناسق كل ما يصدر عن الله بلا تفاوت ولا اختلاف.
والدلالة الثانية لسياق السورة، وللاحتفال بشأن العلاقات الزوجية والعائلية هذا الاحتفال في القرآن كله، هي اتجاه النظام الإسلامي لرفع هذه العلاقات الإنسانية إلى مستوى القداسة المتصلة بالله؛ واتخاذها وسيلة للتطهر الروحي والنظافة الشعورية لا كما كان ينظر إليها في العقائد الوثنية، وعند أتباع الديانات المحرفة، البعيدة بهذا التحريف عن فطرة الله التي فطر الناس عليها.
إن الإسلام لا يحارب دوافع الفطرة ولا يستقذرها، إنما ينظمها ويطهرها، ويرفعها عن المستوى الحيواني، ويرقيها حتى تصبح هي المحور الذي يدور عليه الكثير من الآداب النفسية والاجتماعية. ويقيم العلاقات الجنسية على أساس من المشاعر الإنسانية الراقية، التي تجعل من التقاء جسدين، التقاء نفسين وقلبين وروحين. وبتعبير شامل التقاء إنسانين، تربط بينهما حياة مشتركة، وآمال مشتركة، وآلام مشتركة، ومستقبل مشترك، يلتقي في الذرية المرتقبة، ويتقابل في الجيل الجديد، الذي ينشأ في العش المشترك، الذي يقوم عليه الوالدان حارسين لا يفترقان.
ويعد الإسلام الزواج وسيلة للتطهير والارتفاع فيدعو الأمة المسلمة لتزويج رجالها ونسائها إذا قام المال عقبة دون تحقيق هذه الوسيلة الضرورية لتطهير الحياة ورفعها: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم، إن يكونوا فقرآء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم. وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله} ويسمي الزواج إحصاناً أي وقاية وصيانة. ويستقر في أخلاد المؤمنين أن البقاء بدون إحصان ولو فترة قصيرة لا ينال رضى الله. فيقول الإمام علي كرم الله وجهه وقد سارع بالزواج عقب وفاة زوجه فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم: «لقد خشيت أن ألقى الله وأنا عزب».. فيدخل الزواج في عرف المؤمن في الطاعات التي يتقرب بها إلى ربه. وترتفع هذه الصلة إلى مكان القداسة في ضميره بما أنها إحدى الطاعات لربه.
والدلالة الثالثة لسياق سورة الطلاق ونظائرها هي واقعية هذا النظام الإسلامي ومعاملته للحياة وللنفس البشرية كما هي في فطرتها، مع محاولة رفعها إلى ذلك المستوى الكريم، عن طريق استعداداتها وملابسات حياتها. ومن ثم لا يكتفي بالتشريع الدقيق في هذا الأمر الموكول إلى الضمير. ولا يكتفي بالتوجيه. ويستخدم هذا وذاك في مواجهة واقع النفس وواقع الحياة.
إن الأصل في الرابطة الزوجية هو الاستقرار والاستمرار. والإسلام يحيط هذه الرابطة بكل الضمانات التي تكفل استقرارها واستمرارها. وفي سبيل هذه الغاية يرفعها إلى مرتبة الطاعات، ويعين على قيامها بمال الدولة للفقراء والفقيرات، ويفرض الآداب التي تمنع التبرج والفتنة كي تستقر العواطف ولا تتلفت القلوب على هتاف الفتنة المتبرجة في الأسواق! ويفرض حد الزنا وحد القذف؛ ويجعل للبيوت حرمتها بالاستئذان عليها والاستئذان بين أهلها في داخلها.
وينظم الارتباطات الزوجية بشريعة محددة، ويقيم نظام البيت على أساس قوامة أحد الشريكين وهو الأقدر على القوامة، منعاً للفوضى والاضطراب والنزاع.. إلى آخر الضمانات والتنظيمات الواقعية من كل اهتزاز. فوق التوجيهات العاطفية. وفوق ربط هذه العلاقة كلها بتقوى الله ورقابته.
ولكن الحياة الواقعية للبشر تثبت أن هناك حالات تتهدم وتتحطم على الرغم من جميع الضمانات والتوجيهات. وهي حالات لا بد أن تواجه مواجهة عملية، اعترافاً بمنطق الواقع الذي لا يجدي إنكاره حين تتعذر الحياة الزوجية، ويصبح الإمساك بالزوجية عبثاً لا يقوم على أساس!
والإسلام لا يسرع إلى رباط الزوجية المقدسة فيفصمه لأول وهلة، ولأول بادرة من خلاف. إنه يشد على هذا الرباط بقوة، فلا يدعه يفلت إلا بعد المحاولة واليأس.
إنه يهتف بالرجال: {وعاشروهن بالمعروف، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً} فيميل بهم إلى التريث والمصابرة حتى في حالة الكراهية، ويفتح لهم تلك النافذة المجهولة: {فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً} فما يدريهم أن في هؤلاء النسوة المكروهات خيراً، وأن الله يدخر لهم هذا الخير. فلا يجوز أن يفلتوه. إن لم يكن ينبغي لهم أن يستمسكوا به ويعزوه! وليس أبلغ من هذا في استحياء الانعطاف الوجداني واستثارته، وترويض الكره وإطفاء شرته.
فإذا تجاوز الأمر مسألة الحب والكره إلى النشوز والنفور، فليس الطلاق أول خاطر يهدي إلى الإسلام. بل لا بد من محاولة يقوم بها الآخرون، وتوفيق يحاوله الخيرون: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله، وحكماً من أهلهآ إن يريدآ إصلاحاً يوفق الله بينهمآ. إن الله كان عليماً خبيراً} {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهمآ أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير} فإذا لم تجد هذه الوساطة، فالأمر إذن جد، وهناك ما لا تستقيم معه هذه الحياة، ولا يستقر لها قرار.
وإمساك الزوجية على هذا الوضع إنما هو محاولة فاشلة، يزيدها الضغط فشلاً، ومن الحكمة التسليم بالواقع، وإنهاء هذه الحياة على كره من الإسلام، فإن أبغض الحلال إلى الله الطلاق.
فإذا أراد أن يطلق فليس في كل لحظة يجوز الطلاق. إنما السنة أن يكون في طهر لم يقع فيه وطء.. وفي هذا ما يؤجل فصم العقدة فترة بعد موقف الغضب والانفعال. وفي خلال هذه الفترة قد تتغير النفوس، وتقر القلوب، ويصلح الله بين المتخاصمين فلا يقع الطلاق!
ثم بعد ذلك فترة العدة. ثلاثة قروء للتي تحيض وتلد. وثلاثة أشهر للآيسة والصغيرة. وفترة الحمل للحوامل. وفي خلالها مجال للمعاودة إن نبضت في القلوب نابضة من مودة، ومن رغبة في استئناف ما انقطع من حبل الزوجية.
ولكن هذه المحاولات كلها لا تنفي أن هناك انفصالاً يقع، وحالات لا بد أن تواجهها الشريعة مواجهة عملية واقعية، فتشرع لها، وتنظم أوضاعها، وتعالج آثارها. وفي هذا كانت تلك الأحكام الدقيقة المفصلة، التي تدل على واقعية هذا الدين في علاجه للحياة، مع دفعها دائماً إلى الأمام. ورفعها دائماً إلى السماء.
والدلالة الرابعة للسورة وما فيها من الترغيب والترهيب والتعقيب والتفصيل الشديد والتوكيد، هو أنها كانت تواجه حالات واقعة في الجماعة المسلمة متخلفة من رواسب الجاهلية، وما كانت تلاقيه المرأة من العنت والخسف، مما اقتضى هذا التشديد، وهذا الحشد من المؤثرات النفسية، ومن التفصيلات الدقيقة، التي لا تدع مجالاً للتلاعب والالتواء مع ما كان مستقراً في النفوس من تصورات متخلفة عن علاقات الجنسين، ومن تفكك وفوضى في الحياة العائلية.
ولم يكن الحال هكذا في شبه الجزيرة وحدها، إنما كان شائعاً في العالم كله يومذاك. فكان وضع المرأة هو وضع الرقيق أو ما هو أسوأ من الرقيق في جنبات الأرض جميعاً. فوق ما كان ينظر إلى العلاقات الجنسية نظرة استقذار، وإلى المرأة كأنها شيطان يغري بهذه القذارة.
ومن هذه الوهدة العالمية ارتفع الإسلام بالمرأة وبالعلاقات الزوجية إلى ذلك المستوى الرفيع الطاهر الكريم الذي سبقت الإشارة إليه. وأنشأ للمرأة ما أنشأ من القيمة والاعتبار والحقوق والضمانات... وليدة لا توأد ولا تهان. ومخطوبة لا تنكح إلا بإذنها ثيباً أو بكراً. وزوجة لها حقوق الرعاية فوق ضمانات الشريعة. ومطلقة لها هذه الحقوق المفصلة في هذه السورة وفي سورة البقرة وغيرها..
شرع الإسلام هذا كله. لا لأن النساء في شبه الجزيرة أو في أي مكان في العالم حينذاك شعرن بأن مكانهن غير مرض! ولا لأن شعور الرجال كذلك قد تأذى بوضع النساء. ولا لأنه كان هناك اتحاد نسائي عربي أو عالمي! ولا لأن المرأة دخلت دار الندوة أو مجلس الشورى! ولا لأن هاتفاً واحداً في الأرض هتف بتغيير الأحوال.
إنما كانت هي شريعة السماء للأرض. وعدالة السماء للأرض. وإرادة السماء بالأرض.. أن ترتفع الحياة البشرية من تلك الوهدة، وأن تتطهر العلاقات الزوجية من تلك الوصمة، وان يكون للزوجين من نفس واحدة حقوق الإنسان وكرامة الإنسان.
.. هذا دين رفيع.. لا يعرض عنه إلا مطموس. ولا يعيبه إلا منكوس، ولا يحاربه إلا موكوس. فإنه لا يدع شريعة الله إلى شريعة الناس إلا من أخلد إلى الأرض واتبع هواه.
والآن نستعرض الأحكام في سياق السورة بعد هذا الاستطراد الذي لا يبعد كثيراً عن جو هذا الجزء وما فيه من تنظيم وبناء للجماعة المسلمة والأحكام في سياق السورة شيء آخر غير ذلك التلخيص. شيء حي. فيه روح. وفيه حركة. وفيه حياة. وفيه إيحاء.. وله إيقاع. وهذا هو الفارق الأصيل بين مدارسة الأحكام في القرآن ومدارستها في كتب الفقه والأصول.
{يا أيها النبي إذا طلقتم النسآء فطلقوهن لعدتهن، وأحصوا العدة، واتقوا الله ربكم، لا تخرجوهن من بيوتهن، ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة. وتلك حدود الله، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه. لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً}..
هذه هي أول مرحلة وهذا هو أول حكم يوجه الخطاب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم {يا أيها النبي}.. ثم يظهر أن الحكم خاص بالمسلمين لا بشخصه صلى الله عليه وسلم: {إذا طلقتم النساء.. الخ} فيوحي هذا النسق من التعبير بما وراءه، وهو إثارة الاهتمام، وتصوير الجدية. فهو أمر ذو بال، ينادي الله نبيه بشخصه ليلقي إليه فيه بأمره، كما يبلغه لمن وراءه. وهي إيحاءات نفسية واضحة الدلالة على ما يراد بها من احتفال واحتشاد.
{إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن}..
وقد ورد في تحديد معنى هذا النص حديث صحيح رواه البخاري ولفظه: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، حدثني عقيل، عن ابن شهاب، أخبرني سالم، أن عبد الله بن عمر أخبره أنه طلق امرأة له وهي حائض، فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهراً قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر بها الله عز وجل».
ورواه مسلم ولفظه: «فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء».
ومن ثم يتعين أن هناك وقتاً معيناً لإيقاع الطلاق؛ وأنه ليس للزوج أن يطلق حينما شاء إلا أن تكون امرأته في حالة طهر من حيض، ولم يقع بينهما في هذا الطهر وطء.
وتفيد آثار أخرى أن هناك حالة ثانية يجوز فيها الطلاق، وهو أن تكون الزوجة حاملاً بينة الحمل. والحكمة في ذلك التوقيت هي أولاً إرجاء إيقاع الطلاق فترة بعد اللحظة التي تتجه فيها النفس للطلاق؛ وقد تسكن الفورة إن كانت طارئة وتعود النفوس إلى الوئام. كما أن فيه تأكداً من الحمل أو عدمه قبل الطلاق. فقد يمسك عن الطلاق لو علم أن زوجه حامل. فإذا مضى فيه وقد تبين حملها دل على أنه مريد له ولو كانت حاملاً. فاشتراط الطهر بلا وطء هو للتحقيق من عدم الحمل، واشتراط تبين الحمل هو ليكون على بصيرة من الأمر.
وهذه أول محاولة لرأب الصدع في بناء الأسرة، ومحاولة دفع المعول عن ذلك البناء.
وليس معنى هذا أن الطلاق لا يقع إلا في هذه الفترة. فهو يقع حيثما طلق. ولكنه يكون مكروهاً من الله، مغضوباً عليه من رسول الله. وهذا الحكم يكفي في ضمير المؤمن ليمسك به حتى يأتي الأجل. فيقضي الله ما يريد في هذه المسألة.
{وأحصوا العدة}..
كي لا يكون في عدم إحصائها إطالة للأمد على المطلقة، ومضارة لها بمنعها من الزواج بعد العدة. أو نقص في مدتها لا يتحقق به الغرض الأول، وهو التأكد من براءة رحم المطلقة من الحمل المستكن حفظاً للأنساب. ثم هو الضبط الدقيق الذي يوحي بأهمية الأمر، ومراقبة السماء له، ومطالبة أصحابه بالدقة فيه!
{واتقوا الله ربكم. لا تخرجوهن من بيوتهن، ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}.
وهذا أول تنبيه بعد وهلة النداء الأول وأول تحذير من الله وتقديم تقواه. قبل الأمر بعدم إخراجهن من بيوتهن وهي بيوت أزواجهن ولكنه يسميها بيوتهن لتوكيد حقهن في الإقامة بها فترة العدة لا يُخرَجن منها ولا يَخرجن، إلا في حالة وقوع فاحشة ظاهرة منهن. وقد ورد أن هذه الفاحشة قد تكون الزنا فتخرج للحد: وقد تكون إيذاء أهل الزوج. وقد تكون هي النشوز على الزوج ولو أنه مطلق وعمل ما يؤذيه. ذلك أن الحكمة من إبقاء المطلقة في بيت الزوج هي إتاحة الفرصة للرجعة، واستثارة عواطف المودة، وذكريات الحياة المشتركة. حيث تكون الزوجة بعيدة بحكم الطلاق قريبة من العين؛ فيفعل هذا في المشاعر فعله بين الاثنين! فأما حين ترتكس في حمأة الزنا وهي في بيته! أو تؤذي أهله، أو تنشز عليه، فلا محل لاستحياء المشاعر الطيبة، واستجاشة المودة الدفينة. ولا حاجة إلى استبقائها في فترة العدة. فإن قربها منه حينذاك يقطع الوشائج ولا يستحييها!
{وتلك حدود الله. ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه}.
وهذا هو التحذير الثاني. فالحارس لهذا الحكم هو الله. فأي مؤمن إذن يتعرض لحد يحرسه الله؟! إنه الهلاك والبوار.. {ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه}.. ظلم نفسه لتعريضها هكذا لبأس الله القائم على حدوده يحرسها ويرعاها. وظلم نفسه بظلم زوجه. وهي وهو من نفس واحدة، فما يظلمها يظلمه كذلك بهذا الاعتبار.. ثم..
{لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً}..
وهي لمسة موحية مؤثرة. فمن ذا الذي يعلم غيب الله وقدره المخبوء وراء أمره بالعدة، وأمره ببقاء المطلقات في بيوتهن.. إنه يلوح هناك أمل، ويوصوص هناك رجاء. وقد يكون الخير كله. وقد تتغير الأحوال وتتبدل إلى هناءة ورضى. فقدر الله دائم الحركة، دائم التغيير، ودائم الأحداث. والتسليم لأمر الله أولى، والرعاية له أوفق، وتقواه ومراقبته فيها الخير يلوح هناك!
والنفس البشرية قد تستغرقها اللحظة الحاضرة، وما فيها من أوضاع وملابسات، وقد تغلق عليها منافذ المستقبل، فتعيش في سجن اللحظة الحاضرة، وتشعر أنها سرمد، وأنها باقية، وأن ما فيها من أوضاع وأحوال سيرافقها ويطاردها.. وهذا سجن نفسي مغلق مفسد للأعصاب في كثير من الأحيان.
وليست هذه هي الحقيقة. فقدر الله دائماً يعمل، ودائماً يغير، ودائماً يبدل، ودائماً ينشئ ما لا يجول في حسبان البشر من الأحوال والأوضاع. فرج بعد ضيق. وعسر بعد يسر. وبسط بعد قبض. والله كل يوم هو في شأن، يبديه للخلق بعد أن كان عنهم في حجاب.
ويريد الله أن تستقر هذه الحقيقة في نفوس البشر، ليظل تطلعهم إلى ما يحدثه الله من الأمر متجدداً ودائماً. ولتظل أبواب الأمل في تغيير الأوضاع مفتوحة دائمة. ولتظل نفوسهم متحركة بالأمل، ندية بالرجاء، لا تغلق المنافذ ولا تعيش في سجن الحاضر. واللحظة التالية قد تحمل ما ليس في الحسبان.. {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً}..
{فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف، وأشهدوا ذوي عدل منكم، وأقيموا الشهادة لله. ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب. ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره. قد جعل الله لكل شيء قدراً}..
وهذه هي المرحلة الثانية وهذا هو حكمها، وبلوغ الأجل آخر فترة العدة. وللزوج ما دامت المطلقة لم تخرج من العدة على آجالها المختلفة التي سبق بيانها أن يراجعها فتعود إلى عصمته بمجرد مراجعتها وهذا هو إمساكها أو أن يدع العدة تمضي فتبين منه ولا تحل إلا بعقد جديد كالزوجة الجديدة. وسواء راجع أم فارق فهو مأمور بالمعروف فيهما، منهي عن المضارة بالرجعة، كأن يراجعها قبيل انتهاء العدة ثم يعود فيطلقها الثانية ثم الثالثة ليطيل مدة بقائها بلا زواج! أو أن يراجعها ليبقيها كالمعلقة، ويكايدها لتفتدي منه نفسها وكان كلاهما يقع عند نزول هذه السورة، وهو ما يزال يقع كلما انحرفت النفوس عن تقوى الله.
وهي الضمان الأول لأحكامه في المعاشرة والفراق. كذلك هو منهي عن المضارة في الفراق بالسب والشتم والغلظة في القول والغضب، فهذه الصلة تقوم بالمعروف وتنتهي بالمعروف استبقاء لمودات القلوب؛ فقد تعود إلى العشرة، فلا تنطوي على ذكرى رديئة، لكلمة نابية، أو غمزة شائكة، أو شائبة تعكر صفاءها عندما تعود. ثم هو الأدب الإسلامي المحض الذي يأخذ الإسلام به الألسنة والقلوب.
وفي حالتي الفراق أو الرجعة تطلب الشهادة على هذه وذاك. شهادة اثنين من العدول. قطعاً للريبة. فقد يعلم الناس بالطلاق ولا يعلمون بالرجعة، فتثور شكوك وتقال أقاويل. والإسلام يريد النصاعة والطهارة في هذه العلاقات وفي ضمائر الناس وألسنتهم على السواء. والرجعة تتم وكذلك الفرقة بدون الشهادة عند بعض الفقهاء ولا تتم عند بعضهم إلا بها. ولكن الإجماع أن لا بد من الشهادة بعد أو مع الفرقة أو الرجعة على القولين.
وعقب بيان الحكم تجيء اللمسات والتوجيهات تترى:
{واقيموا الشهادة لله}..
فالقضية قضية الله، والشهادة فيها لله، هو يأمر بها، وهو يراقب استقامتها، وهو يجزي عليها. والتعامل فيها معه لا مع الزوج ولا الزوجة ولا الناس!
{ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر}.
والمخاطبون بهذه الأحكام هم المؤمنون المعتقدون باليوم الآخر. فهو يقول لهم: إنه يعظهم بما هو من شأنهم. فإذا صدقوا الإيمان به وباليوم الآخر فهم إذن سيتعظون ويعتبرون. وهذا هو محك إيمانهم، وهذا هو مقياس دعواهم في الإيمان!
{ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب}..
مخرجاً من الضيق في الدنيا والآخرة، ورزقاً من حيث لا يقدر ولا ينتظر. وهو تقرير عام، وحقيقة دائمة. ولكن إلصاقها هنا بأحكام الطلاق يوحي بدقة انطباقها وتحققها عندما يتقي المتقون الله في هذا الشأن بصفة خاصة. وهو الشأن الذي لا ضابط فيه أحس ولا أدق من ضابط الشعور والضمير، فالتلاعب فيه مجاله واسع، لا يقف دونه إلا تقوى الله وحساسية الضمير.
{ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره}..
فمجال الكيد في هذه العلاقة واسع، ومسالكه كثيرة، وقد تؤدي محاولة اتقاء الكيد إلى الكيد! فهنا إيحاء بترك هذه المحاولة، والتوكل على الله، وهو كافٍ لمن يتوكل عليه. فالله بالغ أمره. فما قدر وقع، وما شاء كان؛ فالتوكل عليه توكل على قدرة القادر، وقوة القاهر. الفعال لما يريد. البالغ ما يشاء.
والنص عام. والمقصود به هو إنشاء التصور الإيماني الصحيح في القلب، بالنسبة لإرادة الله وقدره.
ولكن وروده هنا بمناسبة أحكام الطلاق له إيحاؤه في هذا المجال وأثره.
{قد جعل الله لكل شيء قدراً}..
فكل شيء مقدر بمقداره، وبزمانه، وبمكانه، وبملابساته، وبنتائجه وأسبابه. وليس شيء مصادفة، وليس شيء جزافاً. في هذا الكون كله، وفي نفس الإنسان وحياته.. وهي حقيقة ضخمة يقوم عليها جانب كبير من التصور الإيماني. (وقد فصلنا الحديث عنها عند استعراض قوله تعالى: {وخلق كل شيء فقدره تقديراً} في سورة الفرقان. وعند قوله تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} في سورة القمر). ولكن ذكر هذه الحقيقة الكلية هنا يربط بها ما قدره الله عن الطلاق وفترته، والعدة ووقتها، والشهادة وإقامتها. ويطبع هذه الأحكام بطابع السنة الإلهية النافذة، والناموس الكلي العام. ويوقع في الحس أن الأمر جد من جد النظام الكوني المقدر في كل خلق الله.
{واللائي يئسن من المحيض من نسآئكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن. وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن. ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً. ذلك أمر الله أنزله إليكم، ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً}..
وهذا تحديد لمدة العدة لغير ذوات الحيض والحمل. يشمل اللواتي انقطع حيضهن، واللاتي لم يحضن بعد لصغر أو لعلة. ذلك أن المدة التي بينت من قبل في سورة البقرة كانت تنطبق على ذوات الحيض وهي ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار من الحيضات. حسب الخلاف الفقهي في المسألة فأما التي انقطع حيضها والتي لم تحض أصلاً فكان حكمها موضع لبس: كيف تحسب عدتها؟ فجاءت هذه الآية تبين وتنفي اللبس والشك، وتحدد ثلاثة أشهر لهؤلاء وهؤلاء، لاشتراكهن في عدم الحيض الذي تحسب به عدة أولئك. أما الحوامل فجعل عدتهن هي الوضع. طال الزمن بعد الطلاق أم قصر. ولو كان أربعين ليلة فترة الطهر من النفاس. لأن براءة الرحم بعد الوضع مؤكدة، فلا حاجة إلى الانتظار. والمطلقة تبين من مطلقها بمجرد الوضع، فلا حكمة في انتظارها بعد ذلك، وهي غير قابلة للرجعة إليه إلا بعقد جديد على كل حال. وقد جعل الله لكل شيء قدراً. فليس هناك حكم إلا ووراءه حكمة.
هذا هو الحكم ثم تجيء اللمسات والتعقيبات:
{ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً}..
واليسر في الأمر غاية ما يرجوه إنسان. وإنها لنعمة كبرى أن يجعل الله الأمور ميسرة لعبد من عباده. فلا عنت ولا مشقة ولا عسر ولا ضيقة. يأخذ الأمور بيسر في شعوره وتقديره. وينالها بيسر في حركته وعمله. ويرضاها بيسر في حصيلتها ونتيجتها. ويعيش من هذا في يسر رخي ندي، حتى يلقى الله.. ألا إنه لإغراء باليسر في قضية الطلاق مقابل اليسر في سائر الحياة!
{ذلك أمر الله أنزله إليكم}.
وهذه لمسة أخرى في جانب آخر. لمسة الجد والانتباه إلى مصدر الأمر.. فقد أنزله الله. أنزله للمؤمنين به، فطاعته تحقيق لمعنى الإيمان، ولحقيقة الصلة بينهم وبين الله.
ثم عودة إلى التقوى التي يدق عليها دقاً متواصلاً في هذا المجال:
{ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً}..
فالأولى تيسير للأمور. والثانية تكفير للسيئات وإعظام للأجر بعد التكفير.. فهو الفيض المغري والعرض المثير. وهو حكم عام ووعد شامل. ولكنه يخلع على موضوع الطلاق ظلاله، ويغمر القلب بالشعور بالله وفضله العميم. فما له إذن يعسر ويعقد والله يغمره بالتيسير والمغفرة والأجر الكبير؟
{أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم، ولا تضآروهن لتضيقوا عليهن. وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن. فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن، وأتمروا بينكم بمعروف، وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى. لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممآ آتاه الله، لا يكلف الله نفساً إلا مآ آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً}..
وهذا هو البيان الأخير لتفصيل مسألة الإقامة في البيوت، والإنفاق في فترة العدة على اختلاف مدتها. فالمأمور به هو أن يسكنوهن مما يجدون هم من سكنى. لا أقل مما هم عليه في سكناهم، وما يستطيعونه حسب مقدرتهم وغناهم. غير عامدين إلى مضارتهم سواء بالتضييق عليهن في فسحة المسكن أو مستواه أو في المعاملة فيه. وخص ذوات الأحمال بذكر النفقة مع وجوب النفقة لكل معتدة لتوهم أن طول الحمل يحدد زمن الإنفاق ببعضه دون بقيته، أو بزيادة عنه إذا قصرت مدته. فأوجب النفقة حتى الوضع، وهو موعد انتهاء العدة لزيادة الإيضاح التشريعي.
ثم فصل مسألة الرضاعة فلم يجعلها واجباً على الأم بلا مقابل. فما دامت ترضع الطفل المشترك بينهما، فمن حقها أن تنال أجراً على رضاعته تستعين به على حياتها وعلى إدرار اللبن للصغير، وهذا منتهى المراعاة للأم في هذه الشريعة. وفي الوقت ذاته أمر الأب والأم أن يأتمرا بينهما بالمعروف في شأن هذا الوليد، ويتشاورا في أمره ورائدهما مصلحته، وهو أمانة بينهما، فلا يكون فشلهما هما في حياتهما نكبة على الصغير البريء فيهما!
وهذه هي المياسرة التي يدعوهما الله إليها. فأما إذا تعاسرا ولم يتفقا بشأن الرضاعة وأجرها، فالطفل مكفول الحقوق: {فسترضع له أخرى}.. دون اعتراض من الأم ودون تعطيل لحق الطفل في الرضاعة، بسبب تعاسرهما بعد فشلهما!
ثم يفصل الأمر في قدر النفقة. فهو اليسر والتعاون والعدل. لا يجور هو، ولا تتعنت هي. فمن وسع الله عليه رزقه فلينفق عن سعة. سواء في السكن أو في نفقة المعيشة أو في أجر الرضاعة.
ومن ضيق عليه في الرزق، فليس عليه من حرج، فالله لا يطالب أحداً أن ينفق إلا في حدود ما آتاه. فهو المعطي، ولا يملك أحد أن يحصل على غير ما أعطاه الله. فليس هناك مصدر آخر للعطاء غير هذا المصدر، وليست هناك خزانة غير هذه الخزانة: {لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها}..
ثم لمسة الإرضاء، وإفساح الرجاء، للاثنين على السواء:
{سيجعل الله بعد عسر يسراً}..
فالأمر منوط بالله في الفرج بعد الضيق، واليسر بعد العسر. فأولى لهما إذن أن يعقدا به الأمر كله، وأن يتجها إليه بالأمر كله، وأن يراقباه ويتقياه والأمر كله إليه. وهو المانح المانع. القابض الباسط. وبيده الضيق والفرج، والعسر واليسر، والشدة والرخاء.
وإلى هنا يكون قد تناول سائر أحكام الطلاق ومتخلفاته، وتتبع كل أثر من آثاره حتى انتهى إلى حل واضح؛ ولم يدع من البيت المتهدم أنقاضاً ولا غباراً يملأ النفوس ويغشى القلوب، ولم يترك بعده عقابيل غير مستريحة بعلاج، ولا قلاقل تثير الاضطراب.
وكذلك يكون قد عالج جميع الوساوس والهواجس التي تثور في القلوب، فتمنعها من السماحة والتيسير والتجمل للأمر. فأبعد أشباح الفقر والضيق وضياع الأموال من نفس الزوج إذا هو أسكن وأنفق ووسع على مطلقته أو مرضعة ولده. ومن نفس الزوجة التي تضيق بنفقة الإعسار، أو تطمع في زيادة ما تصيب من مال زوجها السابق. فأكد اليسر بعد العسر لمن اتقى، والضيق بعد الفرج، والرزق من حيث لا يحتسب، وفوق رزق الدنيا رزق الآخرة والأجر الكبير هناك بعد التكفير.
كما عالج ما تخلفه حالة الخلاف والشقاق التي أدت إلى الطلاق. من غيظ وحنق ومشادة وغبار في الشعور والضمير.. فمسح على هذا كله بيد الرفق والتجمل، ونرسم عليه من رحمة الله والرجاء فيه؛ ومن ينابيع المودة والمعروف التي فجرها في القلوب بلمسات التقوى والأمل في الله وانتظار رضاه.
وهذا العلاج الشامل الكامل، وهذه اللمسات المؤثرة العميقة، وهذا التوكيد الوثيق المتكرر.. هذه كلها هي الضمانات الوحيدة في هذه المسألة لتنفيذ الشريعة المقررة. فليس هناك ضابط إلا حساسية الضمائر وتقوى القلوب.. وإن كلا الزوجين ليملك مكايدة صاحبه حتى تنفقئ مرارته إذا كانت الحواجز هي فقط حواجز القانون!! وبعض الأوامر من المرونة بحيث تسع كل هذا. فالأمر بعدم المضارة: {ولا تضاروهن} يشمل النهي عن ألوان من العنت لا يحصرها نص قانوني مهما اتسع. والأمر فيه موكول إلى هذه المؤثرات الوجدانية، وإلى استجاشة حاسة التقوى وخوف الله المطلع على السرائر، المحيط بكل شيء علماً. وإلى التعويض الذي يعده الله للمتقين في الدنيا والآخرة. وبخاصة في مسألة الرزق التي تكرر ذكرها في صور شتى، لأنها عامل مهم في تيسير الموقف، وتندية الجفاف الذي تنشئه حالة الطلاق.
وإن الزوجين ليفارقان في ظل الأحكام والتوجيهات وفي قلوبهما بذور للود لم تمت، ونداوة قد تحيي هذه البذور فتنبت.. ذلك إلى الأدب الجميل الرفيع الذي يريد الإسلام أن يصبغ به حياة الجماعة المسلمة، ويشيع فيها أرجه وشذاه.
فإذا انتهى السياق من هذا كله ساق العبرة الأخيرة في مصير الذين عتوا عن أمر ربهم ورسله، فلم يسمعوا ولم يستجيبوا. وعلق هذه العبرة على الرؤوس، تذكرهم بالمصير البائس الذي ينتظر من لا يتقي ولا يطيع. كما تذكرهم بنعمة الله على المؤمنين المخاطبين بالسورة والتشريع:
{وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله، فحاسبناها حساباً شديداً وعذبناها عذاباً نكراً. فذاقت وبال أمرها، وكان عاقبة أمرها خسراً. أعد الله لهم عذاباً شديداً. فاتقوا الله يأولي الألباب الذين آمنوا، قد أنزل الله إليكم ذكراً: رسولاً يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور. ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيهآ أبداً. قد أحسن الله له رزقاً}..
وهو إنذار طويل وتحذير مفصل المشاهد. كما أنه تذكير عميق بنعمة الله بالإيمان والنور، ووعده بالأجر في الآخرة وهو أحسن الرزق وأكرمه.
فأخذ الله لمن يعتو عن أمره ولا يسلم لرسله هو سنة متكررة: {وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حساباً شديداً وعذبناها عذاباً نكراً}. وتفصيل أخذها وذكر الحساب العسير والعذاب النكير، ثم تصوير العاقبة وسوء المصير: {فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسراً}.. ثم تأخير صورة هذه العاقبة الخاسرة في الآية التالية: {أعد الله لهم عذاباً شديداً}.. كل هذا لإطالة المشهد وتفصيل خطواته ومراحله. وهي طريقة من طرق الأسلوب القرآني في تعميق الأثر في الحس وإطالة مكثه في الأعصاب.
ونقف لحظة أمام هذا التحذير فنرى أن الله أخذ القرى واحدة بعد واحدة كلما عتت عن أمر ربها ورسله.. ونجد أن هذا التحذير يساق هنا بمناسبة الطلاق وأحكامه، فيرتبط الطلاق وحكمه بهذه السنة الكلية. ويوحي هذا الارتباط أن أمر الطلاق ليس أمر أسر أو أزواج. إنما هو أمر الأمة المسلمة كلها. فهي المسؤولة عن هذا الأمر. وهي المسؤولة فيه عن شريعة الله. ومخالفتها عن أمر الله فيه أو مخالفتها عن أمر الله في غيره من أحكام هذا النظام، أو هذا المنهج الإلهي المتكامل للحياة هي عتو عن أمر الله، لا يؤاخذ به الأفراد الذين يرتكبونه، إنما تؤاخذ به القرية أو الأمة التي تقع فيها المخالفة، والتي تنحرف في تنظيم حياتها عن نهج الله وأمره. فقد جاء هذا الدين ليطاع، ولينفذ كله، وليهيمن على الحياة كلها. فمن عتا عن أمر الله فيه ولو كان هذا في أحوال الأفراد الشخصية فقد تعرض لما تعرضت له القرى من سنة الله التي لا تتخلف أبداً.
وتلك القرى ذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسراً.. ذاقته في هذه الأرض قبل يوم الحساب الأخير. ولقد ذاقت هذا الوبال قرى وأمم وشعوب عتت عن منهج الله في الأرض. ونحن نشهد وأسلافنا شهدوا هذا الوبال. ذاقته فساداً وانحلالاً، وفقراً وقحطاً، وظلماً وجوراً، وحياة مفزعة لا أمن فيها ولا سلام، ولا طمأنينة فيها ولا استقرار. وفي كل يوم نرى مصداق هذا النذير!
وذلك فوق العذاب الشديد الذي ينتظر العتاة عن أمر الله ونهجه في الحياة حيث يقول الله: {أعد الله لهم عذاباً شديداً}.. والله أصدق القائلين.
إن هذا الدين منهج نظام جماعي كما أسلفنا الحديث في سورة الصف جاء لينشئ جماعة مسلمة ذات نظام خاص. وجاء ليصرف حياة هذه الجماعة كلها. ومن ثم فالجماعة كلها مسؤولة عنه، مسؤولة عن أحكامه. ولن تخالف عن هذه الأحكام حتى يحق عليها هذا النذير الذي حق على القرى التي عتت عن أمر ربها ورسله.
وفي مواجهة هذا الإنذار ومشاهده الطويلة يهتف بأولي الألباب الذين آمنوا. الذين هدتهم ألبابهم إلى الإيمان. يهتف بهم ليتقوا الله الذي أنزل لهم الذكر: {قد أنزل الله إليكم ذكراً}.. ويجسم هذا الذكر ويمزجه بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم فيجعل شخصه الكريم هو الذكر، أو بدلاً منه في العبارة: {رسولاً يتلو عليكم آيات الله مبينات}..
وهنا لفتة مبدعة عميقة صادقة ذات دلائل منوعة..
إن هذا الذكر الذي جاء من عند الله مر إليهم من خلال شخصية الرسول الصادق حتى لكأن الذكر نفذ إليهم مباشرة بذاته، لم تحجب شخصية الرسول شيئاً من حقيقته.
والوجه الثاني لإيحاء النص هو أن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم قد استحالت ذكراً، فهي صورة مجسمة لهذا الذكر صنعت به فصارت هو. وهو ترجمة حية لحقيقة القرآن. وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا وصفته عائشة رضي الله عنها وهي تقول: «كان خلقه القرآن».. وهكذا كان القرآن في خاطره في مواجهة الحياة. وكان هو القرآن يواجه الحياة!
وفوق نعمة الذكر والنور والهداية والصلاح، وعد بنعيم الجنات خالدين فيها أبداً. وتذكير بأن هذا الرزق هو أحسن الرزق، فلا يقاس إليه رزق الأرض: {قد أحسن الله له رزقاً}.. وهو الرازق في الدنيا والآخرة، ولكن رزقاً خير من رزق، واختياره للأحسن هو الاختيار الحق الكريم.
وهكذا يلمس نقطة الرزق مرة أخرى، ويهون بهذه الإشارة من رزق الأرض، إلى جانب رزق الجنة.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال